موسوعة الاذان المجلد 1

اشارة

سرشناسه : شهرستانی، سیدعلی، 1337-

Shahrastani, Ali

عنوان و نام پدیدآور : موسوعة الاذان :اشهد ان علیا ولی الله فی الاذان بین الشرعیه والابتداع/ تالیف علی الشهرستانی.

مشخصات نشر : قم: الاجتهاد، 1430ق.= 2009م.= 1388.

مشخصات ظاهری : 592 ص.

شابک : 978-600-5331-19-6

وضعیت فهرست نویسی : برون سپاری.

یادداشت : عربی.

یادداشت : بالای عنوان: التشریع و ملابسات الاحکام عندالمسلمین موسوعه الاذان.

یادداشت : کتابنامه: ص. [525] - 588؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع : اذان و اقامه

موضوع : اذان و اقامه -- شهادت ثالثه

رده بندی کنگره : BP186/3/ش87الف5 1388

رده بندی دیویی : 297/353

شماره کتابشناسی ملی : 1634852

وضعیت رکورد : رکورد کامل

ص:1

اشارة

المجموعة الکاملة لمؤلّفات السیّد علیّ الشهرستانیّ «12»

حَیَّ عَلَی خَیْرِ العَمَلِ

الشَّرعیّة والشّعاریّة

السیّد علی الشهرستانیّ

ص:2

ص:3

بسم الله الرحمن الرحیم

ص:4

ص:5

الإهداء

إلی من آمن بالله والناس مشرکون .

إلی من تحمّل کلّ شیء من أجل الرسول والرسالة .

إلی من صبر علی أذی قریش وهو یقول : أحد ، أحد .

إلی من رفع نداء التوحید وحطّم بتکبیره شوکة قریش .

إلی من لم یؤذّن لأحد بعد رسول الله إلّا للزهراء والحسنین .

إلی من أُبعد أو ابتعد عن مجریات الأحداث بعد رسول الله صلی الله علیه و آله .

إلی من وقف أمام التحریف داعیاً إلی الأصالة .

إلی مؤذّن رسول الله ومحبّ عترته وآل بیته .

إلی الصحابیّ الجلیل بلال الحبشیّ رضوان الله تعالی علیه .

أهدی دراستی هذه .

المؤلف

ص:6

ص:7

مقدّمة المؤلف

مرّ الفقه الإسلامی بمراحل وأدوار متعددة ، وکُتب بأسالیب ورؤی مختلفة ، وطبق مناهج خاصة لفقهاء الإسلام ، فالبعض أجمل فیه ، والآخر فصّل ، وثالث عُنی بذکر الأدلّة ، ورابع بتکثیر الفروع ، وخامس بمسائل الخلاف، وسادس بفقه الوفاق ، واهتمّ غیرهم بجوانب أُخری منه .

وقد دُوّنت تلک المصنّفات تارة أصلاً ومتناً ، واُخری تعلیقاً وشرحاً ، وثالثة نظماً وشعراً ، وغیر ذلک .

وقد اختططتُ منهجاً بین تلک المناهج، مسلِّطاً الضوء علی العلل والأسباب التی أدّت إلی اختلاف المسلمین فی الأحکام الشرعیّة ، موضّحاً فیه ملابسات التشریع ، غیر مُتناس لمنهج الأقدمین فی دراسة الفروع ، آخذاً بنظر الاعتبار ما یلائم عقلیّة المسلم المعاصر من التعرّف علی جذور الخلاف وأسبابه .

فالفقیه لو جمع إلی أدلّته القرآنیّة والحدیثیّة شیئاً من تاریخ التشریع وملابسات الأحکام الشرعیة لا تّضح للسامع والقارئ حقائق کثیرة فی هذا السیاق . وکذا المؤرّخ علیه أن یدرس الأحداث دراسة تحلیلیة استنباطیة کما یفعل الفقیه بالأحادیث ، وأن لا یکتفی بنقل البلاذری والطبری والواقدی وابن سعد وغیرهم من أعلام المؤرِّخین .

ص:8

وقد أوضحنا بعض معالم منهجنا فی مقدمة کتابنا ( وضوء النبیّ ) وأکّدنا علی ضرورة دراسة المتن والسند معاً ، مع بیان الجذور السیاسیة والاجتماعیة والتاریخیة والجغرافیة للأحداث ، وأن لا یکتفی المؤرّخ أو الفقیه بواحد منها دون الآخر ؛ لأن اتّخاذ أحد الأسلوبین ( القدیم أو الجدید ) ربما لا یقنع المطالع وخصوصاً فی القضایا الخلافیة، فالبحوث الإسنادیة مثلاً هی بحوث تخصّصیة بحتة لا یستسیغها الأکادیمی ( الجامعی ) ، وقد تثقل علی مسامع غیر المتخصّصین . وکذلک الحال بالنسبة إلی البحوث التاریخیة التشریعیة ، فرّبما لا یری الطالب الحوزوی والأزهری کثیر فائدة فی طرحها ، ومن هنا سَعَینا أن نجمع - فی دراساتنا - بین الأسلوبین ، کی نخاطب أکبر عدد ممکن من القراء الأعزاء ، مبسطین العبارة والفکرة بقدر المستطاع . وأشرنا إلی بعض أهدافنا صراحةً بالقول :

لقد انتهجنا هذا الأسلوب فی دراستنا واتّبعناه لا لشیء إلّا لتطویر وإشاعة مثل هذه الدراسات فی معاهدنا العلمیة وجامعاتنا الإسلامیة ، علی أمل تعاون المعنیّین معنا فی ترسیخ هذه الفکرة وتطویرها ، وأن لا یدرسوا الفقه دراسة إسنادیة متنیة فقط دون معرفة ملابسات الحکم التاریخیة والسیاسیة ، ونری فی طرح مثل هذه الدراسات رُقیّاً للمستوی الفقهی والأُصولی لدی المذاهب الإسلامیة ، وتقریباً لوجهات النظر بین المسلمین ، وترسیخاً لروح الانفتاح فیهم ، ومحاولة للقضاء علی مختلف النزعات العاطفیة وإبعادها عن مجالات البحث العلمی ، وعدم السماح لتحکّم الخلفیات الطائفیة ، والرواسب الذهنیة فی هذه البحوث العلمیة النظریة .

ص:9

ولو اتّبعنا مثل هذا الأُسلوب فی جمیع أبواب الفقه لوصلنا إلی حقیقة الفقه الإسلامی من أیسر طرقه وأسلمها ، ولوقفنا علی تاریخ التشریع وملابساته ، ولا تّضحت لنا خلفیات صدور بعض الأحکام ، وعرفنا حکم الله الواحد الذی ینشده الجمیع .

وممّا یجب التأکید علیه أنّ مشروعنا سیطبّق - إن شاء الله تعالی - فی إطارین :

1 - الإطار التأسیسی .

2 - الإطار التطبیقی .

ولنا دراسات عن السنّة النبویة ، والقراءات القرآنیة ، والنسخ وأساسیّات نقاط الافتراق بین المذاهب الإسلامیة کالعصمة ، والقیاس ، والاستحسان وسواها .

وقد قدّمنا سابقاً بعض النماذج التطبیقیة للفکرة ، فکان ( وضوء النبیّ ) هو الأوّل ، ثمّ أردفناه بالأذان ، آملین أن نُلحق به الصلاة والحجّ والزکاة وغیرها بإذن الله تعالی .

ولا نقصد من عملنا هذا إعطاء وجهة نظر فقهیه خاصّة بنا ، بل کانت تلک الدراسات بیاناً لکلیّات عقائدیة تاریخیة فقهیة ینبغی أن یعرفها ویتعرّف علیها کلّ مسلم غیر جامد علی منهج خاصّ ونسق معروف عند طبقة خاصّة من الفقهاء والمؤرّخین والکتّاب .

وقد عنیتُ فی عملی هذا برفع الغامض وحلّ المبهم من المسائل ، وأردت أن أنتقل بالقارئ الکریم إلی واحات العلم ، ومیادین المعرفة ، من غصن إلی غصن ، ومن فنن إلی فنن علی شجرة المعرفة لنقنطف من الثمار أحلاها ... من الفقه ، إلی التفسیر ، إلی التاریخ ، إلی الرجال ، إلی الحدیث ، إلی اللغة ، وإلی کلّ شیء یمتّ للبحث بصلة .

ص:10

فالغایة من دراساتنا اذاً هی بیان کلیّات وأمّهات المسائل لا جزئیّاتها وسننها ومستحباتها ، فلا تعنی بحوثنا بمثل فضل الأذان والمؤذّن ، أو جواز أذان المراة والصبیّ وعدمهما ، أو جواز إعطاء الأجرة علی الأذان أم لا ، وغیرها من عشرات المسائل المطروحة .

وکذلک ما یتّصل بالوضوء ، فلم تکن الدراسة متجهة إلی البحث عن الأسباب والموجبات والنواقض والمستحبات ، بل متجهة إلی بیان حدود الأعضاء المغسولة والممسوحة ، وکیفیّة وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله .

وهکذا الحال بالنسبة إلی دراساتنا اللاحقة - إن وفّق الله لإتمامها - فهی بحوث عن الکلیّات والأمّهات لا عن التشعبّات والتفریعات وما یتعلّق بالآداب والسنن .

هذا ، وقد جعلت دراستی عن الأذان عما هو الأصیل منه والمحرَّف ، فجاءت فی ثلاثة أبواب .

الباب الأول : « حیّ علی خیر العمل » الشرعیة والشعاریة .

الباب الثانی : « الصلاة خیر من النوم » شِرعة أم بِدعة ؟ .

الباب الثالث : « أشهد أن علیّاً ولیّ الله » بین الشرعیة والابتداع .

وقدمت لهذه الأبواب ببعض البحوث التمهیدیة ، کالأذان لغة واصطلاحاً ، وکَبیان ما قاله أهل السنّة والجماعة بمذاهبهم الأربعة ، والشیعة - بفرقها الثلاث - فی بدء الأذان ، ثمّ کانت لنا وقفه مع أحادیث الرؤیا ، ثمّ تحقیق فی ما وراء نظریة الرؤیا .

منبهاً القارئ الکریم علی أن هذه الدراسة هی مواضیع مترابط بعضها ببعض ترابطاً وثیقاً ، فلا یمکن فهم مکانة الشهادة الثالثة فی الأذان إلّا بعد قراءة « حیّ علی خیر العمل » .

ص:11

ونظیر هذا ما یتعلق بالحَیعَلة الثالثة « حیّ علی خیر العمل » ، فإن معناها لا یتّضح کاملاً إلّا بعد قراءة الشهادة الثالثة « أشهد أن علیّاً ولیّ الله » .

أمّا « الصلاة خیر من النوم » فهی الجدار الحائل بین البابَین ، والموضح لأسرار محاربة شرعیة وشعاریة الشهادة والحیعلة الثالثتین .

وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمین

Email: info@shahrestani.org

http://www.shahrestani.org

ص:12

ص:13

بحوث تمهیدیة

اشارة

l الأذان لغة واصطلاحاً

l تاریخ الأذان

l بدء الأذان عند أهل السنّة والجماعة

l أهل البیت وبدء الأذان

l وقفة مع أحادیث الرؤیا

l تحقیق فیما وراء نظریة الرؤیا

l الأذان إعلام للصلاة أم بیان لأصول العقیدة ؟

l الأذان وآثاره فی الحیاة الاجتماعیة

ص:14

ص:15

الأذان نغمة الوحی فی سماء الدنیا ، یُرتّلها المؤذِّن آناء اللیل وأطراف النهار ، داعیاً عباد الله إلی عبادته جلّ شأنه ، ناطقاً بالحقیقة الخالدة ، معلناً حقائق الدین الحنیف بکلّ صراحة ووضوح ، مُذَکِّراً بحلول وقت مناجاة الربّ الکریم ، والدخول فی حضرة الجلیل .

کلمات تهزّ المشاعر والعواطف وتشدّ الأرواح إلی مالکها الذی الیه الرُّجعی وإلیه المصیر .

أسماء مبارکة تردّدها شفاه المؤمنین ، فتزید المؤمن إیماناً ، والکافر عناداً وخسراناً .

إنّه دعوة الرحمن أولیاءه إلی الطاعة والرحمة والمغفرة ، وهو نداء ملائکة السماء ، وأُنشودة المؤمنین إلی قیام یوم الدین .

وما أن یتمّ المؤذن نداءه للظهر والعصر ، حتّی یحلّ الغروب وظلام اللیل ، وإذا بتراتیل الإسلام :

ص:16

أشهدُ أن لا إله إلّا الله ، أشهدُ أن لا إله إلّا الله .

أشهدُ أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهدُ أن محمّداً رسول الله تعلو من المآذن .

فالأذان حینذاک إعلام لإقامة الصلاة فی غسق اللیل ، وما أن یتمّ المؤمن صلاته ومناجاته مع ربّه حتّی ینصرف إلی الرقاد ، وإذا بالصبح یطلع علیه بفجره الصادق هاتفاً المؤذن فیه باسم الربّ الجلیل وباسم الرسول الأمین تارة أُخری :

أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله .

أشهد أنّ محمداً رسول الله ، أشهد أنّ محمداً رسول الله .

لیقیم ما أمر به الله فی کتابه {أقِمِ الصلاةَ لِدُلُوکِ

الشَّمسِ إلی غَسَقِ اللیلِ وقرآن الفجرِ إن قرآنَ الفجرِ کانَ مَشهوداً} ((1)) .

* *

*

والأذان من السنن المؤکّدة التی حثّ علیها الشارع المقدّس ، وهی دعوة الخالق لعباده إلی الدخول فی أجواء رحابه المبارکة اللامتناهیة فُرادی أو مجتمعین ، متراصّین متحابّین ، مؤمنین ، فی زمان معیّن ومکان واحد ، وباتّجاه محور وقبلة واحدة ، یرهبون باجتماعهم أعداء الله وجند إبلیس .

إنّه إذاً من أعظم الشعائر الإسلامیّة ؛ لکونه دعوة الحیّ القیّوم لتنبیه الغافلین وإیقاظ النائمین وتذکیر الناسین ، بل هو من مصادیق قوله جلّ شأنه : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَی اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِی مِنَ الْمُسْلِمِینَ }((2)) .

ولعلّ من الغرابة بمکان أن نری وقوع الاختلاف فی أمر بدیهیّ وإعلامیّ کالأذان الذی ینادی به مؤذّنو المسلمین فی کلّ یوم ولیلة عدّة مرات - علی اختلاف ألسنة الناس - بلسان عربی مبین ، ومن علی المآذن وبصوت عال یسمعه الجمیع .


1- الإسراء : 78 .
2- فصّلت : 23 . وانظر فی ذلک الحاوی الکبیر للماوردی 2 : 40 .

ص:17

فنتساءل عن سبب الاختلاف والتنازع فی فصول هذه الشَّعیرة الإسلامیّة ؟ ولماذا یکون اختلاف فی مثل هذه المسألة بین المذاهب الإسلامیّة ؟

بل لماذا تذهب الشافعیّة إلی تربیع التکبیر بخلاف المالکیّة القائلة بتثنیته ؟

وهل هناک أُمور خفیّة وراء اختلافهم فی إفراد أو تثنیة الإقامة ؟!

وهل حقاً أنّ هناک تثو یباً ((1)) أوَّلا وتثو یباً ثانیاً ؟

وهل یجب أن یؤتی بالتثو یب فی أثناء فصول الأذان ، أم بعدها قبل الإقامة ؟ بل ما هو المعنی بالتثو یب ؟ هل هو : « الصلاة خیر من النوم » أو « قد قامت الصلاة » أو : « حیّ علی خیر العمل » أو هو شیء آخر ؟

ثُمَّ لماذا اختلفت روایة عبدالله بن زید بن عبد ربّه بن ثعلبة الأنصاری فی الأذان((2)) عن روایة أبی محذورة القرشی ؟

ولماذا تجیز المذاهب الأربعة الأذان قبل الوقت لصلاة الفجر خاصّة ، مع تأکیدهم المبرم علی عدم جواز ذلک فی سائر الأوقات المعیّنة ؟

وکیف یمکن تصحیح خبر تأذین ابن أُمّ مکتوم الأعمی للفجر ، وتضعیفهم لروایات صحیحة أخری تطابق العقل والشرع فی أنّه کان یؤذّن باللیل وفی شهر رمضان خاصة ؟

بل کیف یقولون بتأذین ابن أُم مکتوم مع قولهم بکراهة تأذین الأعمی ؟


1- التثویب من ثاب یثوب ، ومعناه : العَود إلی الإعلام بعد الإعلام ، کقول المؤذّن ( حیّ علی الصلاة ) ، فإنّه یعود ویرجع إلی دعوته تارة أخری فیقول ( قد قامت الصلاة ) أو ( الصلاة خیر من النوم ) أو ( الصلاة الصلاة یرحمک الله ) أو أیّ شیء آخر . وقالوا عن ( الصلاة خیر من النوم ) إنّه التثویب الأوّل ، وما یقوله المؤذّن بعد الأذان مثل ( السّلام علیک أیّها الأمیر ، حیّ علی الصلاة ) وأمثاله إنّه التثویب الثانی .
2- انظر صفحة 29 - 34 .

ص:18

أضف إلی ذلک کله أنّه ما الداعی إلی اختلاف أذان أهل مکّة عن أذان أهل المدینة ، واختلاف الأذانین عن أذانی أهل الکوفة وأهل البصرة ؟

ولماذا یختلفون فیما هو - واللفظ لابن حزم - « منقول نقل الکافّة بمکّة وبالمدینة وبالکوفة ، لأنّه لم یمرّ بأهل الإسلام یوم إلّا وهم یؤذّنون فیه فی کلّ مسجد من مساجدهم خمس مرّات فأکثر ، فمثل هذا لا یجوز أن یُنسی ولا أن یُحرّف »((1)) .

فلماذا نُسی أو حُرّف هذا الأذان واختُلف فیه بین مصر وآخر ؟

ولو صحّ ما قاله ابن حزم - من صحّة جمیع منقولات الأذان علی اختلافها - عند جمعه بین الوجوه فی الأذان ؛ فکیف یمکننا أن نوفّق بین وحدة الشر یعة وبین تعدّدیة الأذان ؟ فهل کان رسول الله قد صحّح الجمیع ؟ أم وقع فی الأذان تغییر یشهد به إحداث عثمان بن عفان للأذان الثالث یوم الجمعة((2)) ؟ .

قال ابن حزم جامعاً بین کلّ تلک الوجوه :

« ... کلّ هذه الوجوه قد کان یُؤذّن بها علی عهد رسول الله بلا شکّ ، وکان الأذان بمکّة علی عهد رسول الله یسمعه علیه السلام إذا حجّ ، ثمّ یسمعه أبو بکر وعمر ، ثم عثمان بعده علیه السلام ... فمن الباطل الممتنع المحال الذی لا یحلّ أن یظنّ بهم أنّ أهل مکّة بدّلوا الأذان وسمعه أحد هؤلاء الخلفاء رضی الله عنهم ، أو بلغه والخلافة بیده فلم یغیّر ...

وکذلک فُتحت الکوفة ونزل بها طوائف من الصحابة رضی الله عنهم ، وتداولها عمّال عمر بن الخطاب ، وعمّال عثمان رضی الله عنهما ، کأبی موسی الأشعری ، وابن مسعود ، وعمّار ، والمغیرة ،


1- المحلَّی لابن حزم 3 : 153 .
2- انظر : تحفة الأحوذی 3 : 41 / أبواب الجمعة - باب ما جاء فی أذان الجمعة ؛ عون المعبود 3 : 302 .

ص:19

وسعد بن أبی وقّاص . ولم یَزَل الصحابة الخارجون عن الکوفة یؤذّنون فی کلّ یوم سفرهم خمس مرات ، إلی أن بَنَوها وسکنوها ، فمن الباطل المحال أن یُحال الأذان بحضرة من ذکرنا ویخفی ذلک علی عمر وعثمان أو یعلمه أحدهما فیقرّه ولا ینکره .

ثم سکن الکوفة علیّ بن أبی طالب إلی أن مات ، وأنفذ العمّال من قِبله إلی مکّة والمدینة ، ثمّ الحسن ابنهُ رضی الله عنه إلی أن سلّم الأمر لمعاویة ، فمن المحال أن یُغیَّر الأذان ولا ینکر تغییره علیّ ولا الحسن ، ولو جاز ذلک علی علیّ لجاز مثله علی أبی بکر وعمر وعثمان ، وحاشا لهم من هذا فما یَظنُّ هذا بهم ولا بأحد منهم مسلمٌ أصلاً .

فإن قالوا : لیس أذان مکّة ولا أذان الکوفة نقل کافّة .

قیل لهم : فإن قالوا لکم : بل أذان أهل المدینة لیس هو نقل کافة ، فما الفرق ؟

فإنِ ادّعوا فی هذا محالاً ادُّعی علیهم مثله .

فإن قالوا : إن أذان أهل مکّة وأهل الکوفة یرجع إلی قوم محصور عددهم .

قیل لهم : وأذان أهل المدینة یرجع إلی ثلاثة رجال لا أکثر ، مالک وابن الماجشون وابن أبی ذئب فقط ، وإنّما أخذه أصحاب هؤلاء عن هؤلاء فقط .

فإن قالوا : لم یختلف فی.. »((1)) .

إلی غیرها من عشرات الأسئلة التی طرحها ابن حزم وسعی لرفعها ، لکن المشکلة بقیت کما هی ، فما الذی تکتنفه هذه المسألة من الملابسات إذاً ؟


1- المحلّی لابن حزم 3 : 154 - 155 .

ص:20

وهل یُعدّ هذا الاختلاف حقاً من الاختلاف المسموح به فی الشر یعة ، أم أنّه شیء آخر ؟ .

بل لِم اشتدّ أُوار النزاع بین المسلمین فی أمور بدیهیة ، کالوضوء والأذان - مثلاً - وهما من الأمور العبادیة التی یؤدّیها کلّ مسلم عدّة مرّات فی الیوم واللیلة ؟

قال ابن حزم : « أربعة أشیاء تَنازَع الناسُ فیها : الوضوء ، والأذان ، والإقامة ، والطواف بالبیت »((1)) .

وهل یمکن جعل معیار الاختلاف فی الأذان بمثابة الاختلاف فی تعیین المُدِّ والصاع والوسق الذی یُختلف فیه بین منطقة وأُخری ، أو یُغیَّر - أی یُحدَثُ فیه - من قبل الأمیر والخلیفة لحاجة له فیه ؟

کلا « لیس هذا من المدّ والصاع والوسق فی شیء ، لأنّ کل مدّ أو قفیز أُحدث بالمدینة وبالکوفة قد عُرف ، کما عُرف بالمدینة مُدّ هشام الذی أُحدِث ، والمدّ الذی ذکره مالک فی مُوطّئه : أن الصاع هو مدّ وثلث بالمدّ الآخر ، وکمُدّ أهل الکوفة الحجّاجی ، وکصاع عمر بن الخطّاب . ولا حرج فی إحداث الأمیر أو غیره مدّاً أو صاعاً لبعض حاجته ، وبقی مُدُّ النبیّ وصاعه ووسقه منقولاً إلیه نقل الکافّة إلیه »((2)) !

فکیف یختلفون فی الأذان إذاً ، فیذهب بعضهم إلی أنّه شُرّع فی السماء ، ویقول الآخر إنّه شُرّع بعد رؤیا رآها صحابیٌّ أو عدد من الصحابة ؟

وهل یصحّ تشریع العبادة بمنام یراه أحد الناس ، أم أنّ تشریعها یجب أن یکون بوحی من الله ؟


1- المحلّی لابن حزم 3 : 161 ضمن بحثه عن جواز التقدیم والتأخیر فی الأذان والإقامة وعدمه .
2- المحلّی لابن حزم 3 : 156 - 157 .

ص:21

وکیف یسوغ تشریع الأذان أستناداً إلی رؤیا رآها عبدالله بن زید بن عبد ربه فی منامه ، أو رکوناً إلی اقتراح الصحابة((1)) ، ویرجح هذا الفهم وهذه الرؤیة علی أن یکون تشریع الأذان من الحکیم العلیم ؟

ألا تحمل هذه الرؤیة نَیْلاً من قدسیة الأمور العبادیة الإلهیّة ، وتقلل من منزلتها المعنویّة ؟!

ثمّ مَن هو الذی رأی فی المنام ، هل هو : عبدالله بن زید((2)) ؟ أو : عمر ابن الخطّاب((3)) ؟ أو : أبو بکر((4)) ؟ أو : أُبَی بن کعب((5)) ؟ أو : سبعة من الصحابة((6)) أو : أربعة عشر منهم((7)) ؟ أو أکثر من هذا العدد أو أقلّ ؟

وکیف یراه هؤلاء ولا یراه النبیّ المرسل الصادق الرؤیا بلا شکّ وریب ؟

وماذا نقول عن : « الصلاة خیر من النوم » و: « حیّ علی خیر العمل » ؟ وهل ثمّةَ ترابط بین رفع « حیّ علی خیر العمل » ووضع « الصلاة خیر من النوم » ؟ أم أنّ الأمر جاء بشکل عفوی دون تدبیر ؟!


1- سنن أبی داود 1 : 134 کتاب الصلاة باب بدء الأذان ح 498 ، مصنف عبدالرزاق 1 : 456/1775 کتاب الصلاة باب بدء الأذان .
2- هو المشهور عند أهل السنّة والجماعة ، وفیه روایات کثیرة .
3- سنن أبی داود 1 : 134 کتاب الصلاة باب بدء الأذان ح 498 . السنن الکبری للبیهقی 1 : 390 .
4- مجمع الزوائد 1 : 329 کتاب الصلاة باب بدء الأذان ، جامع المسانید 1 : 299 ، تفسیر القرطبی 6 : 225 المائدة الآیة 58 . شرح الزرقانی علی الموطا 1 : 136 عن الاوسط للطبرانی .
5- علل الشرائع : 312 ح 1 وعنه فی بحار الأنوار 81 : 354 .
6- المبسوط للسرخسی 1 : 128 کتاب الصلاة باب بدء الأذان .
7- السیرة الحلبیة 2 : 300 باب بدء الأذان ومشروعیّتة . وفتح المعین لشرح قرة العین بمهمات الدین للملیباری المطبوع فی هامش حاشیة اغاثة الطالبین 1 : 330 ، وشرح الزرقانی علی موطا مالک 1 : 136 .

ص:22

وإذا کان الأمر عفو یّاً ، فلماذا نری أنّ من یقول بشرعیّة « حیّ علی خیر العمل » لا یقول بشرعیّة « الصلاة خیر من النوم » ، ومن یقول بشرعیّة « الصلاة خیر من النوم » یرفع « حیّ علی خیر العمل » من الأذان ؟

وهل أنّهما شرعیان ؟ أم أنّ أحدهما شرعیّ والاخر بِدْعیّ ؟ فأیّهما الشرعی وأیّهما البدعی إذاً ؟

وما هو حکم الشهادة الثالثة التی تقول بها الشیعة الإمامیة « أشهدُ أنّ علیّاً ولیُّ الله » ، فهل هی من الشرع أم أنّها بدعة ؟

وما هو عدد التکبیرات فی أوّل الأذان ، أهی أربع تکبیرات أو تکبیرتان ؟

ثمّ ما هی خاتمة الأذان ، هل هی « الله أکبر » أو « لا إله إلّاَ الله » ؟

وهل أن الأذان بیان لأصول العقیدة وکلّیّات الإسلام من : التوحید ، والنبوة و... ، أم أنّه مجرّد إعلام لوقت الصلاة خاصّة ؟

ولماذا الاختلاف فی أمر بدیهیّ وإعلامیّ کهذا ؟

تُری ، هل نشأ هذا الخلاف فی عصر الصحابة الذین یقال عن قرنهم إنّه خیر القرون ، أو حدث فی عهد التابعین وتابعی التابعین ومَن تَلاهُم ؟ وهل ثمة ملابسات لهذه الأمور فی الصدر الأوّل ؟ أم أنّها جاءت فی العصور اللاحقة ؟!

لقد نقل الصنعانی کلام بعض المتآخرین - وهو یسعی لرفع الخلاف فی أَلفاظ الأذان - بقوله :

« هذه المسألة من غرائب الواقعات یقلّ نظیرها فی الشریعة ، بل وفی العبادات ؛ وذلک أنّ هذه الألفاظ فی الأذان والإقامة قلیلة محصورة معیّنة یُصاح بها فی کلّ یوم ولیلة خمس مرّات فی أعلی مکان ، وقد أُمر کلّ سامع أن یقول کما یقول المؤذّن ، وهم خیر القرون ، فی غرّة الإسلام ، شدیدو المحافظة علی الفضائل ، ومع هذا کلّه لم یذکر

ص:23

خوض الصحابة ولا التابعین واختلافهم فیها ، ثمّ جاء الخلاف الشدید من المتآخرین ، ثمّ کلّ من المتفرّقین أدلی بشیء صالح فی الجملة وإن تَفاوَت »((1)) .

تری ما مدی مصداقیة هذا الکلام وقربه من الواقع ؟ وهل من الصحیح أنّ الصحابة لم یختلفوا فی الأذان کما ادّعی هذا القائل من المتأخرین ؟! بل هل یصحّ ما قاله ابن حزم عن الصحابة ، کما مرّ بنا قبل قلیل((2)) ؟ .

للإجابة عن أهمّ الملابسات والتساؤلات ، لابُدّ من البحث وتنقیح المطالب ووضع النقاط علی الحروف ، فنقول مستعینین بالله سبحانه وتعالی :

الأذان لغة واصطلاحاً

من المفید قبل البدء فی تفاصیل هذه الدراسة أن نتعرّف علی المعنی اللغویّ والمفهوم الاصطلاحی للأذان ، وبیان تاریخ تشریعه وما قیل فی الملابسات الدائرة حوله .

الأذان فی اللغة ، هو : مطلق الإعلام ومنه اذننی فلان : أی أعلمنی ، قال المقداد السیوری: وهو لغة إمّا من الإذن بمعنیٰ العلم أو الإذن بمعنی الإجارة، وعلی کلا التقدیرین أصله الإیذان کالأمان بمعنی الإیمان والعطاء بمعنی الاعطاء . وقیل إنّه فعال بمعنی التفعیل کالسلام بمعنی التسلیم، والکلام بمعنی التکلیم ، فأذّن المؤذّن حینئذٍ بمعنی التأذین وهو أقرب، ومنه قوله تعالی : {آذَنْتُکُمْ عَلَی سَوَاءٍ} أی أعلمتکم علی سواء((3)) .


1- سبل السلام 1 : 122 .
2- مرّ فی صفحة 18 - 20 .
3- کنز العمال 1 : 112، وانظر فقه القرآن للراوندی 1 : 99.

ص:24

وفی الشرع : الإعلام والنداء للفر یضة الواجبة - الصلاة - بفصول معهودة فی أوقات مخصوصة ، قال تعالی : {وَإِذَا نَادَیْتُمْ إِلَی الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِکَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ یَعْقِلُونَ}((1)) .

وقال جلّ جلاله : {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذَا نُودِیَ لِلصَّلاَةِ مِنْ یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَی ذِکْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَیْعَ ذٰلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ((2)) .

وقال عزَّ مِن قائل: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِیاً یُنَادِی لِلْإِیمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّکُمْ فَآمَنَّا}((3)).

وقد وردت لفظة الأذان بمعناها اللغوی فی الذکر الحکیم ، کما فی قوله تعالی : {وَأَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ یَأْتُوکَ رِجَالاً ...} ((4)) ، وقوله : {وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَی النَّاسِ یَوْمَ الْحَجِّ الْأَکْبَرِ ....} ((5)) وغیرها من الاستعمالات الکثیرة الدالَّة علی معنی الإعلام والنداء .

منبهین القارئ الکر یم علی أن الأذان وإن کان إعلاماً للفر یضة الواجبة ، إلّا أنّه یحمل فی طیّاته جوانب أُخری وفوائد کثیرة للمرء المسلم ، سنذکر بعضاً منها ، ممّا یؤکد لنا أنَّ الأذان لیس إعلاماً محضاً للصلاة ، بل هو فصول لها أکثر من واقع فی الحیاة الإسلامیّة ، تَجمَع تحت ألفاظها معانیَ الإسلام وأصولَه وعقیدته .


1- المائدة : 58 .
2- الجمعة : 9 .
3- آل عمران : 193 .
4- الحجّ : 27 .
5- التوبة : 3 ولنا تحقیق فی هذه الآیة سنذکره فی الباب الثانی « الصلاة خیر من النوم » إن شاء الله.

ص:25

تاریخ الأذان

هناک أقوال متعدِّدة ومتفاوتة فی تاریخ تشریع الأذان من حیث الزمان والمکان :

أحدها : تشریعه فی الإسراء والمعراج ، حیث أذَّن جبرئیل وأقام ، ثمّ صلَّی رسول الله صلی الله علیه و آله بالأنبیاء((1)) .

ثانیها : تشریعه بمکّة قبل الهجرة((2)) .

ثالثها : تشریعه فی المدینة المنورة فی السنة الأُولی للهجرة((3)) ، وذلک بعد بناء النبیّ صلی الله علیه و آله مسجده المبارک ، وهذا القول هو المشهور عند أهل السنة والجماعة .

رابعها : تشریعه فی السنة الثانیة للهجرة((4)) .

خامسها : أن جبرئیل أوَّل مَن أذَّن به فی السماء((5)) ، لکنَّ تشریعه فی الأرض جاء بعد دخول رسول الله صلی الله علیه و آله المدینة .


1- مجمع الزوائد 1 : 328 ، الأوسط للطبرانی 10 : 114 ح 9243 ، نصب الرایة 1 : 260 ، السیرة الحلبیة 2 : 93 .
2- قال ابن عابدین فی حاشیة ردّ المحتار 1 : 413 : فی حاشیة الشبراملسی علی شرح المنهاج للرملی عن شرح البخاری لابن حجر إنّه وردت أحادیث تدلّ علی أنّ الأذان شرّع بمکة قبل الهجرة : منها للطبرانی أنّه لما أُسری بالنبیّ صلی الله علیه و آله اُوحی إلیه الأذان فنزل به فعلّمه بلالاً ، وللدارقطنی فی الإفراد من حدیث أنس أنّ جبرئیل أمر النبیّ صلی الله علیه و آله بالأذان حین فُرضت الصلاة ... الخ . وانظر فتح الباری 2 : 94 کذلک وشرح الزرقانی 1 : 136 .
3- صحیح ابن خزیمة 1 : 190 ، السیرة الحلبیة 2 : 93 . حواشی الشروانی وابن قاسم العبادی علی تحفة المحتاج بشرح المنهاج لابن حجر الهثیمی 1 : 459 . وشرح الزرقانی علی موطا مالک 1 : 135 .
4- انظر : فتح الباری 2 : 62 للعسقلانی وفی فتح الباری لابن رجب 3 : 407 وبعد ان اتی بروایة معمر عن الزهری عن ابن المسیب قال : ففی هذه الروایة ان الأذان کان بعد صرف القبلة إلی الکعبة وکان صرف القبلة إلی الکعبة فی السنة الثانیة . وقد روی فاستبدل به علی ان الأذان انما شرع بعد غزوة بدر بعد صرف القبلة یسیر .
5- وسائل الشیعة 5 : 439 ح 7028 عن عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 238 .

ص:26

ص:27

بدء الأذان عند أهل السنّة والجماعة

هناک نقولات وأقوال مختلفة فی بدء الأذان وکیفیّته ، مذکورة فی الصحاح والسنن ، المشهور منها - الذی قد استقرّ علیه رأیهم - أنَّه قد شُرِّع فی المدینة المنوّرة فی السنة الأُولی من الهجرة المبارکة ، علی أثر منام رآه بعض الصحابة ، وإلیک أهمّ تلک الأقوال :

l الأوّل :

تشریعه باقتراح من الصحابة ، وخصوصاً عمر بن الخطّاب :

* أخرج البخاریّ ومسلم ، والترمذی ، والنسائی ، وغیرهم - والنصّ للأوّل - عن عبدالله بن عمر ، أنّه قال : کان المسلمون حین قَدِموا المدینة یجتمعون ، فیتحیّنون الصلاة ، لیس یُنادی لها ، فتکلّموا یوماً فی ذلک ، فقال بعضهم : اتَّخِذوا ناقوساً مثل ناقوس النصاری ، وقال بعضهم : بل بُوقاً مثل قرن الیهود ، فقال عمر : أوَلا تبعثون رجلاً ینادی بالصلاة ؟ فقال رسول الله : یا بلال ! قم فنادِ بالصلاة((1)) .

* قال ابن خزیمة فی صحیحه فی باب « ذکر الدلیل علی أنّ بدء الأذان إنّما کان


1- صحیح البخاری 1 : 306 کتاب الأذان باب بدء الأذان ح 570 ، صحیح مسلم 1 : 285/1 ، سنن الترمذی 1 : 362 - 363 أبواب الصلاة باب ما جاء فی بدء الأذان ح 190 ، سنن النسائی 2 : 2 - 3 کتاب الأذان باب بدء الأذان ، مسند أحمد 2 : 148 ، مسند عبدالله بن عمر بن الخطّاب .

ص:28

بعد هجرة النبیّ إلی المدینة ، وأنّ صلاته بمکّة إنّما کانت من غیر نداء لها ولا إقامة » : « قال أبو بکر ، فی خبر عبدالله بن زید : کان رسول الله حین قَدِمَ المدینة إنّما یجتمع الناس إلیه للصلاة بحین مواقیتها بغیر دعوة »((1)).

وهذا الرأی یشیر إلی أن الأذان شُرّع بالمدینة وإن کانت الصلاة قد شُرّعت بمکّة :

قال ابن المنذر : هو [ صلی الله علیه و آله ] کان یصلّی بغیر أذان منذ فُرضت الصلاة بمکّة إلی أن هاجر إلی المدینة وإلی أن وقع التشاور((2)) .

لکن السیوطی فی الدرّ المنثور - ضمن تفسیر قوله تعالی : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَی اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً} - روی عن عائشة أنّها قالت : ما أری هذه الآیة نزلت إلّا فی المؤذّنین((3)). وهذه الآیة مکّیّة((4)).

ثمّ علّق الحلبی فی سیرته علی هذا بقوله : والأذان إنّما شُرّع فی المدینة فهی ممّا تأخّر حکمه عن نزوله((5)).

وقد سئل الحافظ السیوطی : هل ورد أن بلالاً أو غیره أذّن بمکّة قبل الهجرة ؟ فأجاب بقوله : ورد ذلک بأسانید ضعیفة لا یُعتمد علیها ، والمشهور الذی صحّحه أکثر العلماء ودلّت علیه الأحادیث الصحیحة أن الأذان شُرّع بعد الهجرة وأنّه لم یؤذِّن قبلها لا بلال ولا غیرُه((6)).

هذا ، وإن النووی بعد أن أتی بخبر ابن عمر الدالّ علی مشاورة الرسول


1- صحیح ابن خزیمة 1 : 190 کتاب الصلاة باب الأذان والإقامة ح 365 .
2- السیرة الحلبیة 2 : 296 .
3- الدرّ المنثور 5 : 364 ، المصنّف لابن أبی شیبة 1 : 204 ، باب فی فضل الأذان وثوابه ح 2347 .
4- انظر : تفسیر القرطبی 15 : 360 ، وتفسیر الثعالبی 5 : 139 .
5- السیرة الحلبیة 2 : 297 .
6- السیرة الحلبیة 2 : 296 .

ص:29

للصحابة ، تساءل عن هذه المشاورة هل هی واجبة علی رسول الله أم لا ؟! فقال : « ... واختلف أصحابنا ، هل کانت المشاورة واجبة علی رسول الله أم کانت سُنّة من حقّه کما فی حقّنا ؟ والصحیح عندهم وجوبها ، وهو المختار .

قال الله تعالی : {وَشَاوِرْهُمْ فِی الْأَمْرِ} ((1)) ، والمختار الذی علیه جمهور الفقهاء ومحقّقو أهل الأُصول أنَّ الأمر للوجوب ، وفیه أنّه ینبغی للمتشاورین أن یقول کلٌّ منهم ما عنده ، ثمّ صاحبُ الأمر یفعل ما ظهرت له مصلحة ، والله أعلم((2)) .

l الثانی :

جاء تشریع الأذان بعد منامات رآها بعض الصحابة :

* أخرج أبو داود بإسناده عن أبی عمیر بن أنس ، عن عُمومة له مِن الأنصار ، قال : « اهتمّ النبیّ للصلاة کیف یجمع الناس لها ؛ فقیل : انصِبْ رایةً عند حضور الصلاة ، فإذا رأوها آذَنَ بعضُهم بعضاً ، فلم یعجبه ذلک ، فذُکِر له القَنْع - یعنی الشبّور ، وقال ز یاد : شبّور الیهود - فلم یعجبه ذلک ، وقال : هو مِن أمرِ الیهود .

قال : فذُکِر له الناقوس ، فقال : هو مِن أمرِ النصاری .

فانصرف عبدالله بن زید وهو مهتمٌّ لهمِّ رسول الله ، فأُرِیَ الأذانَ فی منامه ، فغدا علی رسول الله فأخبره ، فقال : یا رسول الله ! إنّی لَبینَ نائم ویقظان إذ أتانی آت فأرانی الأذان .

قال : وکان عمر بن الخطّاب قد رآه قبل ذلک فکتمه عشرین یوماً . قال : ثمّ أخبر


1- آل عمران : 159 .
2- شرح النوویّ علی مسلم 3 - 4 : 318 کتاب الصلاة باب بدء الأذان .

ص:30

النبیّ ، فقال له : ما منعک أن تخبرنی ؟ فقال : سبقنی عبدالله بن زید فاستحییت .

فقال رسول الله : یا بلال ! قم فانظر ما یأمرک به عبدالله بن زید فافعله ، قال : فأذَّنَ بلال .

قال أبو بشر ] وهو من رواة الخبر [ : فأخبرنی أبو عمیر أنّ الأنصار تزعم أنَّ عبدالله بن زید لولا أنّه کان یومئذ مر یضاً لجعله رسول الله مؤذِّناً ((1)) .

* وأخرج الترمذیّ ، وأبو داود ، عن عبدالله بن زید أنّه قال - والنصّ للثانی - : لمَّا أمر رسول الله بالناقوس یُعمَل لیضرب به للناس لجمع الصلاة ،

طاف بی - وأنا نائم - رجل یحمل ناقوساً فی یده ، فقلت : یا عبدالله ! أتبیع الناقوس ؟

قال : وما تصنع به ؟

قلتُ : ندعو به إلی الصلاة .

قال : أفلا أدلّک علی ما هو خیر من ذلک ؟

فقلتُ : بلی .

فقال : تقول : الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر

أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله .

أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله .

حیّ علی الصلاة ، حی علی الصلاة .

حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح .

الله أکبر ، الله أکبر .

لا إله إلّاَ الله .


1- سنن أبی داود 1 : 134 کتاب الصلاة باب بدء الأذان .

ص:31

قال : ثمّ استأخر عنّی غیر بَعید ، ثمّ قال : وتقول إذا أقمت الصلاة :

الله أکبر ، الله أکبر .

أشهد أن لا إله إلّاَ الله .

أشهد أنّ محمّداً رسول الله .

حیّ علی الصلاة .

حیّ علی الفلاح .

قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة .

الله أکبر ، الله أکبر .

لا إله إلّاَ الله .

فلمّا أصبحتُ أتیت رسول الله فأخبرته بما رأیت ، فقال : إنَّها لَرؤیا حقّ إن شاء الله تعالی ، فقُم مع بلال فألقِ علیه ما رأیت فَلْیُؤذِّن به ، فإنّه أندی صوتاً منک ، فقمتُ مع بلال فجعلتُ أُلقیه علیه ویُؤذِّن به .

قال : فسمع ذلک عمر بن الخطّاب وهو فی بیته ، فخرج یجرُّ رداءه ، ویقول : والذی بعثک بالحقِّ یا رسول الله ! لقد رأیتُ مثل ما رأی ، فقال رسول الله : فلله الحمد((1)).

* وأخرج أبو داود عن ابن أبی لیلی ، قال: أُحیلت الصلاة ثلاثة أحوال ، قال : وحدّثنا أصحابنا أنّ رسول الله قال: لقد أعجبنی أن تکون صلاة المسلمین - أو


1- الجامع الصحیح للترمذی 1 : 358 أبواب الصلاة ، باب : « ما جاء فی بدء الأذان » ، سنن أبی داود 1 : 135 کتاب الصلاة ، باب « کیف الأذان » وفیه قال أبو داود : هکذا روایة الزهری عن سعید بن المسیب عن عبدالله بن زید ، وقال فیه ابن إسحاق عن الزهری : الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، وقال معمر ویونس عن الزهری فیه : الله أکبر ، الله أکبر لم یثنیّا ، وانظر : صحیح ابن خزیمة 1 : 193 .

ص:32

قال : المؤمنین - واحدة حتّی لقد هَمَمتُ أن أبثّ رجالاً فی الدُّور ینادون الناس بحین الصلاة ، وحتّی هَمَمت أن آمر رجالاً یقومون علی الآطام ینادون المسلمین بحین الصلاة حتّی نَقَسُوا أو کادوا ] أن [ ینقسوا .

قال : فجاء رجل من الأنصار فقال : یا رسول الله! إنّی لمّا رجعتُ - لِما رأیتُ من اهتمامک - رأیتُ رجلاً کأنَّ علیه ثوبَین أخضرَین، فقام علی المسجد فأذَّن ثمّ قعد قعدة ، ثمّ قام فقال مثلها إلّاَ أنّه یقول : قد قامت الصلاة ، ولولا أن یقول الناس - قال ابن المثنّی : أن تقولوا - لقلتُ إنّی کنتُ یقظاناً غیر نائم .

فقال رسول الله : لقد أراک الله عزّوجلّ خیراً - کما فی روایة ابن المثنّی ، ولم تأتِ هذه العبارة فی روایة عمرو - فَمُرْ بلالاً فلیؤذِّن .

قال : فقال عمر: أما إنّی فقد رأیتُ مثل الذی رأی ، ولکنّی لمّا سُبِقتُ استَحیَیت((1)).

* وأخرج مالک فی الموطّأ: حدّثنی یحیی ، عن مالک ، عن یحیی بن سعید أنّه قال : کان رسول الله صلی الله علیه و آله قد أراد أن یتّخذ خشبتَین یضرب بهما لیجتمع الناس للصلاة ، فأُرِیَ عبدالله بن زید الأنصاریّ ثمّ من بنی الحارث بن الخزرج خشبتَینِ فی النوم ، فقال : إنَّ هاتین لَنحو ما یر ید رسول الله ، فقیل : أفلا تُؤَذِّنون للصلاة ؟ فأتی رسول الله ، حین استیقظ ، فذکر له ذلک ، فأمر رسولُ الله بالأذان((2)).

* وفی مصنّف عبدالرزّاق بإسناده عن إبراهیم بن محمّد ، عن أبی جابر البیاضیّ ، عن سعید ، عن عبدالله بن زید - أخی بنی الحارث بن الخزرج - أنّه : بینما هو نائم إذ رأی رجلاً معه خشبتان ، قال : فقلتُ له فی المنام : إنَّ النبیَّ صلی الله علیه و آله یر ید


1- سنن أبی داود 1 : 139 کتاب الصلاة باب بدء الأذان ح 506 .
2- الموطّأ 1 : 67 کتاب الصلاة ، باب « ما جاء فی النداء للصلاة » .

ص:33

أن یشتری هذین العُودَینِ یجعلهما ناقوساً یضرب به للصلاة .

قال : فالتفتَ إلَیَّ صاحبُ العودینِ برأسه فقال : أنا أدلّکم علی ما هو خیر من هذا ( فبلَّغه رسول الله صلَّی الله علیه ] وآله [ وسلَّم ، فأمره بالتأذین )((1)).

فاستیقظ عبدالله بن زید ؛ قال : ورأی عمر مثل رؤیا عبدالله بن زید ، فسبقه عبدالله بن زید إلی النبیّ ، فأخبره بذلک ، فقال له النبیّ : قم فأذِّن ، فقال : یا رسول الله ! إنّی فضیع الصوت ، فقال له : فعلِّمْ بلالاً ما رأیتَ ، فعلَّمه فکان بلال یُؤَذِّن((2)).

* وأخرج عبدالرزّاق أیضاً فی مصنّفه عن ابن جریج : « قال عطاء : سمعتُ عبید بن عمیر یقول : ائتمر النبیّ وأصحابه کیف یجعلون شیئاً إذا أرادوا جمع الصلاة اجتمعوا لها ، فائتمروا بالناقوس ، قال : فبینا عمر بن الخطّاب یر ید أن یشتری خشبتینِ للناقوس إذ رأی فی المنام : أن لا تجعلوا الناقوس بل أذِّنوا بالصلاة ، قال : فذهب عمر إلی النبیّ لیخبره بالذی رأی ، وقد جاء النبیّ الوحی بذلک ، فما راع عمر إلّا بلال یؤذِّن ، فقال النبیّ : قد سبقک بذلک الوحی ، حین أخبره بذلک عمر »((3)).

* وفی جامع المسانید لأبی حنیفة ومجمع الزوائد - والنصّ للأوّل - : « عن علقمة بن مرثد ، عن ابن بریدة ، عن أبیه ، أنَّ رجلاً من الأنصار مرَّ برسول الله فرآه حزیناً ، وکان الرجل ذا طعام یُجتمَع إلیه ، فانطلق حزیناً لِما رأی من حزن رسول الله ، وترک طعامه وما کان یجتمع إلیه ، ودخل مسجده یصلِّی ، فبینما هو


1- ما بین القوسین ساقط من کنز العمّال .
2- مصنّف عبدالززّاق 1 : 460/1787 کتاب الصلاة باب بدء الأذان کذلک کنز العمال 8 : 329 کتاب الصلاة الباب الخامس ح 23140 .
3- مصنّف عبدالرزّاق 1 : 456/1775 کتاب الصلاة باب بدء الأذان . هذه الروایة وان کانت ترتبط بالأذان عن طریق الوحی لکنا أتینا بها هنا لارتباطها بروایات المنامات .

ص:34

کذلک إذ نعس فأتاه آت فی النوم ، فقال : هل علمت ما حَزَّن رسولَ الله ؟

فقال : لا .

قال : فهو لهذا الناقوس ، فائْتِهِ فمُرْه أن یأمر بلالاً أن یؤذِّن ، فعلَّمه الأذان : اللهُ أکبر اللهُ أکبر مرّتین ، أشهد أن لا إله إلّا الله مرّتین ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله مرّتین ، حیّ علی الصلاة مرّتین ، حیّ علی الفلاح مرّتین ، اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ، لا إله إلّا الله ..

ثمّ عَلّمه الإقامة مثل ذلک ، وقال فی آخره : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ، لا إله إلّا اللهُ ، کأذان الناس وإقامتهم .

فأقبل الأنصاریّ فقعد علی باب رسول الله ، فمرّ أبو بکر فقال : استأذن لی ، فدخل أبو بکر وقد رأی مثل ذلک ، فأخبر به النبیَّ ، ثمَّ استأذن للأنصاریّ فدخل وأخبر بالذی رأی ، فقال النبیُّ : قد أخبرنا أبو بکر بمثل ذلک ، فأمر بلالاً یؤذِّن بذلک((1)).

فهذه النصوص وإن کانت مختلفة العبارات لکنّها تشیر إلی رؤیة متقاربة ؛ فالنصّ الأوّل یشیر إلی أن تشریع الأذان جاء علی أثر رؤیا رآها عبدالله بن زید حینما رأی رسول الله مهموماً مغموماً . ویظهر أنّ رؤیاه کانت لیلاً لقوله : « ... فأُرِیَ الأذان فی منامه ، فغدا علی رسول الله فأخبره » وکذا النصّ الثانی ، ففیه « فلمّا أصبحتُ أتیت رسول الله فأخبرته بما رأیت » .

لکن النصّ الذی رواه أبو حنیفة فی جامع المسانید فیه : أنّ الرجل لمّا رأی حزن رسول الله دخل المسجد یصلّی « فبینما هو کذلک إذ نعس فأتاه آت فی النوم .... فأقبل الأنصاری فقعد علی باب رسول الله فمرّ أبو بکر فقال : استأذن لی .... » وهو یختلف عن الأوّل .


1- جامع المسانید 1 : 299 ، مجمع الزوائد 1 : 329 کتاب الصلاة باب کیف الأذان .

ص:35

و یضاف إلیه أن الرجل الأنصاری فی نصّ جامع المسانید کان « ذا طعام یُجتَمع إلیه ، فانطلق حزیناً لِما رأی من حزن رسول الله ، وترک طعامه وما کان یجتمع إلیه » وهذا لم یشتهر عن عبد الله بن زید بن عبد ربّه بن ثعلبة الذی أُری النداء . مع أن نص جامع المسانید یدّعی أنّ أبا بکر سبق الانصاری بالرؤیا واخباره النبی صلی الله علیه و آله بذلک ، وهو یخالف باقی النصوص التی تسجّل قدمَ السبق للانصاری .

نعم ، اشتهر عن سعد بن عبادة وغیره من الأنصار الذین استضافوا رسول الله عند دخوله صلی الله علیه و آله المدینة ، وکانوا من الأغنیاء المعروفین بالجود والکرم مع أنّ نص جامع المسانید یّدعی أنّ أبا بکر سبق الأنصاری بالرؤیا وإخباره النبیّ صلی الله علیه و آله بذلک ، وهو یخالف باقی النصوص التی تسجّل قدمَ السبق للأنصاری .

أما النصّ الثانی - أی ما أخرجه الترمذی وأبو داود - فیشیر إلی أن رسول الله أمر بالناقوس یُعمل لیضرب للناس ، فرأی عبدالله فی المنام الأذان ، فأمر صلی الله علیه و آله بلالاً أن یأخذ بما قاله عبد الله ؛ وهذا لا یتّفق مع عدم ارتضائه

صلی الله علیه و آله للناقوس !!

وفی النصّ الثالث نراه صلی الله علیه و آله یقول : « لقد هَمَمتُ أن أبثّ رجالاً فی الدُّور ینادون الناس بحین الصلاة حتّی هَمَمت أن آمر رجالاً یقومون علی الآطام ینادون بحین الصلاة ، حتّی نقسوا أو کادوا ] أن [ ینقسوا ، فجاء رجل من الأنصار ... » ، وهذا لا یتّفق مع ما قیل عن الرجل الأنصاری فی کتب الحدیث .

وفی موطّأ مالک : « کان رسول الله قد أراد ان یتّخذ خشبتین یضرب بهما لیجتمع الناس للصلاة ، فأُری عبد الله خشبتین فی المنام... » .

وهذا أیضاً لا یتّفق مع ما رواه عبدالرزّاق عن ابن جریج ، إذ فیه : أنّ عمر أراد « أن یشتری خشبتین للناقوس إذ رأی فی المنام : أن لا تجعلوا الناقوس بل أذّنوا للصلاة » .

هذه بعض النصوص الدالّة علی القول الثانی ، وقد حاولنا أن نوحدها - رغم اختلافاتها - بقدر المستطاع تحت عنوان واحد .

ص:36

l الثالث :

نزول الأذان تدریجیاً ، وإضافة عمر الشهادة بالنبوّة إلیه :

جاء فی صحیح ابن خزیمة : حدّثنا بُندار ، حدّثنا أبو بکر - یعنی الحنفیّ - حدّثنا عبدالله بن نافع ، عن أبیه ، عن ابن عمر : أنَّ بلالاً کان یقول أوَّل ما أذَّن : أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، حیّ علی الصلاة ؛ فقال له عمر : قل فی إثرها : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ؛ فقال رسول الله : قل کما أمرک عمر((1)) .

l الرابع :

الأذان وحیٌ من الله تلقّاه الرسول من جبرئیل :

جاء فی نصب الرایة للزیلعی تحت باب « أحادیث فی أنَّ الأذان کان وحیاً لا مناماً » : روی البزّار فی مسنده : حدّثنا محمّد بن عثمان بن مخلّد الواسطیّ ، حدّثنا أبی ، حدّثنا زیاد بن المنذر ، عن محمّد بن علیّ بن الحسین ، عن أبیه ، عن جدّه ، عن علیّ بن أبی طالب ، قال :

« لمّا أراد الله أن یُعَلِّم رسوله الأذانَ أتاه جبرئیل بدابّة یقال لها البُراق ، فذهب یرکبها فاستصعبت ، فقال لها ] جبرئیل [ : اسکُنی ، فوالله ما رَکِبَک عبدٌ أکرم علی الله من محمّد .


1- صحیح ابن خزیمة 1 : 189 ، کتاب الصلاة باب فی بدء الأذان والإقامة ح 362 . وانظر : السیرة الحلبیة 2 : 303 ، کنز العمّال 8 : 334 کتاب الصلاة الباب الخامس ح 23150 .

ص:37

قال : فرکبها حتّی انتهی إلی الحجاب الذی یلی الرحمن تبارک وتعالی ، فبینما هو کذلک إذ خرج مَلَکٌ مِن الحجاب ، فقال رسول الله : یا جبرئیل ! مَن هذا ؟

قال : والذی بعثک بالحقِّ ، إنّی لاَقرب الخَلْق مکاناً ، وإنَّ هذا المَلَک ما رأیته منذ خُلِقتُ قبل ساعتی هذه .

فقال المَلَک : الله أکبر ، الله أکبر .

قال : فقیل له مِن وراء الحجاب : صَدَقَ عبدی ، أنا أکبر ، أنا أکبر .

ثمّ قال المَلَک : أشهد أن لا إله إلّاَ الله .

قال : فقیل له مِن وراء الحجاب : صدق عبدی ، أنا لا إله إلّاَ أنا .

ثمّ قال المَلَک : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله .

فقیل له مِن وراء الحجاب : صدق عبدی ، أنا أرسلتُ محمّداً .

ثمّ قال المَلَک : حیَّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ] وفی مجمع الزوائد زیادة : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة [ . ثمَّ قال الملک : الله أکبر ، الله أکبر .

فقیل له مِن وراء الحجاب : صَدَق عبدی ، أنا أکبر ، أنا أکبر .

ثمّ قال : لا إله إلّاَ الله .

قال : فقیل مِن وراء الحجاب : صدق عبدی ، أنا لا إله إلّاَ أنا .

قال : ثمّ أخذ المَلَک بید محمّد فقدَّمه فأمَّ أهل السماء ، فیهم آدم ونوح .. انتهی .

] وفی مجمع الزوائد زیادة : قال أبو جعفر محمّد بن علیّ : فیومئذ أکمل الله لمحمّد الشرف علی أهل السماوات والأرض [((1)).

وروی الطبرانیّ فی الأوسط عن ابن عمر : « أنَّ النبیّ لمّا أُسرِیَ به إلی السماء


1- نصب الرایة 1 : 260 ، مجمع الزوائد 1 : 328 کتاب الصلاة باب بدء الأذان . وانظر فتح الباری فی شرح صحیح البخاری لابن رجب الحنبلی 3 : 396 وقال السهنلی : واخلق لما یعضده ویشاکله من حدیث الاسراء انظر البدایة والنهایة 3 : 285 .

ص:38

أُوحی إلیه بالأذان ، فنزل به فعلَّمه جبرئیلَ »((1)) .

وروی ابن مردو یه عن عائشة مرفوعاً : لمّا أسری بی أذّن جبرئیل فظنّت الملائکة أنّه ] أی جبرئیل [ یصلّی بهم ، فقدّمنی فصلّیت((2)) .

l الخامس :

إنّ عمر أوّل من سمع أذان جبرئیل ثمّ بلال :

جاء فی مختصر إتحاف السادة المهرة بزوائد العشرة للبوصیری : عن کثیر ابن مرة الحضرمیّ ، أنَّ رسول الله قال : أوّل مَن أذَّن فی السماء جبرئیل

علیه السلام ، قال : فسمعه عمر وبلال ، فأقبل عمر فأخبر النبیَّ بما سمع ، ثمّ أقبل بلال فأخبر النبیَّ بما سمع ، فقال له رسول الله : سبقک عمر یا بلال ، أذِّن کما سمعت ، قال : ثمَّ أمره رسول الله أن یضع إصبعَیه فی أُذنَیه استعانةً بهما علی الصوت . رواه الحارث بن أُسامة مرسلاً بسند ضعیف لضعف سعید ابن سنان((3)) .

l السادس :

إنّ الأذان نزل به جبرئیل علی آدم لمّا استوحش :


1- الأوسط للطبرانیّ10 : 114 ح 9243 ، 9247 مجمع الزوائد 1 : 329 کتاب الصلاة باب بدء الأذان وفیه : « رواه الطبرانی فی الأوسط ، وفیه طلحة بن زید ونسب إلی الوضع » .
2- السیرة الحلبیة 2 : 296 وفیه : قال الذهبی : حدیث منکر بل موضوع .
3- إتحاف السادة المهرة 1 - 2 : 317 کتاب الأذان باب بدء الأذان وصفته ح 983 ، السیرة الحلبیة 2 : 302 وفیه : « وروی بسند واه أن أوّل من أذن بالصلاة جبرئیل فی سماء الدنیا ، فسمعه عمر وبلال رضی الله عنهما فسبق عمر بلالاً فاخبر النبی ثمّ ... » .

ص:39

جاء فی کشف الغُمَّة للشعرانی :... وکان کعب الأحبار یقول : قال رسول الله : لمَّا نزل آدم بأرض الهند استوحش فنزل جبرئیل فنادی بالأذان ، فزالت عنه الوحشة .

فقال جبرئیل : الله أکبر اللهُ أکبر ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله - مرّتین ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله - مرّتین .

قال آدم : مَن محمّد ؟

قال : آخِر ولدک مِن الأنبیاء((1)) .

قال علیّ بن برهان الدین الحلبی فی سیرته : أقول : ومن أغرب ما وقع فی بدء الأذان ما رواه أبو نعیم فی الحلیة بسند فیه مجاهیل أنّ جبرئیل نادی بالأذان لآدم حین أُهبط من الجنَّة((2)) .

ثمّ قال الحلبی :

وبهذا یعلم ما فی الخصائص الصغری « خُصّ صلی الله علیه و آله بذکر اسمه فی الأذان فی عهد آدم وفی الملکوت الأعلی » والله أعلم ((3)) .

هذا ما قاله أهل السنّة والجماعة فی بَدء الأذان ، ولکنْ .. ما هی رؤیة أهل البیت: فی قضیّة بدء تشریع الأذان ؟ هذا ما سنتعرّف علیه فی الصفحات التالیة .


1- کشف الغمّة 1 : 96 کتاب الصلاة باب الأذان وفضله . وانظر : قریباً منه فی حلیة الأولیاء 5 : 107 ترجمة عمرو بن قیس الملائی عن أبی هریرة .
2- السیرة الحلبیة 2 : 297 .
3- السیرة الحلبیة 2 : 302 .

ص:40

ص:41

أهل البیت وبدء الأذان

اشارة

اتّفقت نصوص أهل بیت النبوّة - المرویّ منها عن طریق الإمامیّة الاثنی عشر یّة أو الإسماعیلیّة أو الزیدیّة - علی أنّ بدء الأذان قد کان فی الإسراء ، وإلیک بعض نصوصهم فی هذا السیاق .

الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام ( ت 40 ه ) :

جاء فی صحیفة الرضا علیه السلام ، عن آبائه ، قال : « قال علیّ بن أبی طالب : لمّا بُدِی رسول الله بتعلیم الأذان ، أتی جبرئیل بالبُراق فاستعصت علیه ، فقال لها جبرئیل : اسکُنی برقة ! فما رکبک أحد أکرم علی الله منه ، فسکنت . قال رسول الله : فرکبتها حتّی انتهیت إلی الحجاب الذی یلی الرحمن عَزَّ ] ربُّنا [ وجَلَّ ، فخرج مَلَکٌ مِن وراء الحجاب ، فقال : اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ؛ فقال صلی الله علیه و آله : قلت : یا جبرئیل ! مَن هذا المَلَک ؟

قال ] جبرئیل [ : والذی أکرمک بالنبوّة ما رأیتُ هذا الملَک قبل ساعتی هذه .

فقال المَلَک : اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ؛ فنودی مِن وراء الحجاب : صَدَق عبدی ، أنا أکبر ، أنا أکبر .

ص:42

قال صلی الله علیه و آله : فقال المَلَک : أشهد أن لا إله إلّاَ اللهَ ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله ؛ فنُودِی مِن وراء الحجاب : صدق عبدی ، ] أنا الله [ ، لا إله إلّاَ أنا .

فقال صلی الله علیه و آله : فقال المَلَک : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ؛ فنودی من وراء الحجاب : صدق عبدی ، أنا أرسلتُ محمّداً رسولاً .

قال صلی الله علیه و آله : فقال المَلَک : حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة ؛ فنودی من وراء الحجاب : صدق عبدی ، ودعا إلی عبادتی .

قال صلی الله علیه و آله : فقال المَلَک : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح ، فنودی من وراء الحجاب : صدق عبدی ، ودعا إلی عبادتی ، فقال الملک : قد أفلحَ مَن واظب علیها .

قال صلی الله علیه و آله : فیومئذ أکمل الله عزَّ وجلَّ لی الشرف علی الأوّلین والآخرین »((1)) .

الإمام الحسن بن علیّ علیه السلام ( ت 50 ه ) :

عن سفیان بن اللیل ، قال : لمّا کان من أمر الحسن بن علیّ ومعاویة ما کان قَدِمتُ علیه المدینةَ وهو جالس فی أصحابه ، فذکر الحدیث بطوله ، فقال : فتذاکرنا عنده الأذان ، فقال بعضنا : إنّما کان بدء الأذان برؤیا عبد الله بن زید .

فقال له الحسن بن علیّ : « إنّ شأن الأذان أعظم من ذلک ، أذّنَ جبرئیل فی السماء مَثْنی مَثْنی وعلَّمه رسولَ الله ، وأقام مرّة مرّة فعلَّمه رسولَ الله » ، فأذَّن به الحسن حتّی ولّی((2)) .


1- صحیفة الرضا علیه السلام 65 - 66 ح 115 ، وعنه فی بحار الأنوار 81 : 151 . وانظر الایضاح للقاضی نعمان ص 106 المطبوع فی (میراث حدیث شیعه) دفتر دهم وکذا راب الصدع 1 : 196 . وقد مرّ علیک قبل قلیل فی صفحة 36 ما أخرجه البزّار ( انظر : نصب الرایة 1 : 260 ) .
2- نصب الرایة 1 : 261 ، عن المستدرک للحاکم 3 : 171 کتاب معرفة الصحابة ، باختلاف یسیر .

ص:43

الإمام الحسین بن علیّ علیه السلام ( ت 61 ه ) :

جاء فی الجعفر یّات : أخبرنا محمّد ، حدّثنی موسی ، قال : حدّثنا أبی ، عن أبیه ، عن جدّه جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن جدّه علیّ بن الحسین ، عن الحسین بن علیّ : أنَّه سئل عن الأذان وما یقول الناس ] فیه [ ، قال : « الوحیُ ینزل علی نبیّکم ، وتزعمون أنَّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زید ؟ بل سمعتُ أبی علیّ ابن أبی طالب علیه السلام یقول : أَهبَطَ اللهُ عزَّ وجلَّ مَلَکاً حین عُرِج برسول الله فأذَّن مَثْنی مَثْنی ، وأقام مَثْنی مَثْنی ، ثمّ قال له جبرئیل : یا محمَّد ! هکذا أذان الصلاة »((1)) .

وفی دعائم الإسلام - وهو من کتب الإسماعیلیّة - : روینا عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن جدّه ، عن الحسین بن علیّ : أنّه سئل عن قول الناس فی الأذان ، إنَّ السبب کان فیه رؤیا رآها عبد الله بن زید فأخبر بها النبیَّ صلی الله علیه و آله ، فأمر بالأذان !

فقال الحسین علیه السلام : « الوحیُ یتنزَّل علی نبیّکم ، وتزعمون أنَّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زید ؟ والأذان وجه دینکم ! » ، وغضب علیه السلام ثمّ قال : « بل سمعتُ أبی علیّ بن أبی طالب یقول : أهبَطَ اللهُ عزّوجلّ مَلَکاً حین عرج برسول الله صلی الله علیه و آله » - وذکر حدیث الإسراء بطوله ، اختصرناه نحن ها هنا - قال فیه : « وبعث ملکاً لم یُرَ فی السماء قبل ذلک الوقت ولا بعده ، فأذَّن مَثْنی وأقام مَثْنی » ، وذکر کیفیّة الأذان « وقال جبرئیل للنبیّ صلی الله علیه و آله : یا محمّد ! هکذا أذِّن للصلاة »((2)) .


1- الجعفریّات : 42 ، مستدرک الوسائل 4 : 17 . وفی الایضاح للقاضی نعمان المطبوع فی (میراث دین شیعه) دفتر دهم ص 105 : فی الکتب الجعفریة من روایة أبی علی محمد بن الاشعث الکوفی عن ابن الحسن موسی بن إسماعیل بن موسی بن جعفر عن أبیه عن جده أبی عبدالله جعفر بن محمد عن جذده علی بن الحسین ...
2- دعائم الإسلام 1 : 142 للقاضی نعمان ذکر الأذان والإقامة .

ص:44

محمّد بن علی بن أبی طالب ( ابن الحنفیّة ت 73 - 93 ه ) :

عن أبی العلاء ، قال : قلت لمحمّد بن الحنفیّة : إنّا لَنتحدّث : أنّ بدء هذا الأذان کان من رؤیا رآها رجل من الأنصار فی منامه .

قال : ففزع لذلک محمّد بن الحنفیّة فزعاً شدیداً ، وقال : عَمَدتُم إلی ما هو الأصل فی شرائع الإسلام ومعالم دینکم فزعمتم أنّه إنّما کان رؤیا رآها رجل من الأنصار فی منامه تحتمل الصدق والکذب وقد تکون أضغاث أحلام !

قال : فقلتُ ( له ) : هذا الحدیث قد استفاض فی الناس !

قال : « هذا والله هو الباطل » . ثمّ قال : « وإنّما أخبرنی أبی : أنَّ جبرئیل علیه السلام أذَّن فی بیت المقدس لیلة الإسراء وأقام، ثمّ أعاد جبرئیل الأذان لمّا عرج بالنبیّ إلی السماء ... »((1)) .

وفی معانی الأخبار : عن علیّ بن عبدالله الورّاق ، وعلیّ بن محمّد بن الحسن القزوینی، قالا : حدّثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدّثنا العبّاس بن سعید الأزرق ، قال: حدّثنا أبو نصر ، عن عیسی بن مهران ، عن یحیی بن الحسن بن الفرات ، عن حمّاد بن یعلی ، عن علیّ بن الحزور ، عن الأصبغ بن نُباتة ، عن محمّد بن الحنفیّة أنَّه ذُکِرَ عنده الأذان فقال :

« لمّا أُسری بالنبیِّ إلی السماء ، وتناهز إلی السماء السادسة ، نزل مَلَکٌ من السماء السابعة لم ینزل قبل ذلک الیوم قطّ ، فقال: اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ؛ فقال الله جَلَّ جلاله : أنا کذلک .


1- السیرة الحلبیّة 2 : 300 - 301 ، أمالی أحمد بن عیسی بن زید 1 : 90 ، وعنه فی الاعتصام بحبل الله 1 : 277 . والایضاح للقاضی نعمان بن محمت بن حیون المتوفی 363 ص 106 والمطبوع فی ( میراث حدیث شیعه ) دفتر دهم .

ص:45

فقال : أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، فقال الله عزّ وجلّ: أنا کذلک ، لا إله إلّاَ أنا .

فقال : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، فقال الله جلَّ جلاله : عبدی وأمینی علی خلقی ، اصطفیته علی عبادی برسالاتی .

ثمّ قال : حیّ علی الصلاة ، فقال الله جلَّ جلاله : فرضتها علی عبادی وجعلتها لی دِیناً .

ثمّ قال : حیّ علی الفلاح ، فقال الله جلَّ جلاله : أفلح مَن مشی إلیها وواظب علیها ابتغاء وجهی .

ثمّ قال : حیّ علی خیر العمل ، فقال اللهُ جلَّ جلاله : هی أفضل الأعمال وأزکاها عندی .

ثمّ قال : قد قامت الصلاة ، فتقدَّم النبیُّ صلی الله علیه و آله فأمَّ أهلَ السماء ، فَمِن یومئذ تمَّ شرف النبیّ صلی الله علیه و آله »((1)) .

وقد جاء ما یماثل هذا فی طرق الزیدیة ، وأخرجه الحافظ العلوی فی ( الأذان بحیّ علی خیر العمل ) ، فقال :

حدّثنا أبو القاسم الحفص بن محمّد بن أبی عابد قراءةً ، حدّثنا زید بن محمّد بن جعفر العامری ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن مروان ، حدّثنا أبی ، حدّثنا نصر بن مزاحم المنقری ، حدّثنا أیّوب بن سلیمان الفزاری ، عن علیّ بن جردل ، عن محمّد بن بشر ، قال : جاء رجل إلی محمّد بن الحنفیة فقال له : بلغنا أن الأذان إنّما هو رؤیا رآها رجل من الأنصار فقصّها علی رسول الله صلی الله علیه و آله ، فأمر بلالاً فأذّن تلک الرؤیا !

فقال له محمّد بن الحنفیة : إنّما یقول بهذا الجاهلُ من الناس ، إن أمر الأذان أعظم من ذلک .. إنّه لمّا أسری برسول الله صلی الله علیه و آله فانتُهی به إلی السماء السادسة جمع


1- معانی الأخبار ، للصدوق : 42 ح 4 ، وعنه فی بحار الأنوار 81 : 141 .

ص:46

اللهُ له ما شاء من الرسل والملائکة ، فنزل مَلَک لم ینزل قبل ذلک الیوم ، عرفت الملائکة أنّه لم ینزل إلّا لأمر عظیم ، فکان أوّل ما تکلّم به حین نزل ، قال : الله أکبر ، الله أکبر ، فقال الله عزّ وجلّ : أنا کذلک ، أنا الأکبر لا شیء أکبر مّنی . ثمّ قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، فقال الله : أنا کذلک لا إله إِلاّ أنا . ثمّ قال : أشهد أن محمّداً رسول الله ، فقال الله : نعم ، هو رسولی بعثته برسالتی وأئتمنته علی وحیی . ثمّ قال : حیّ علی الصلاة ، فقال الله : أنا افترضتها علی عبادی وجعلتها لی رضا . ثمّ قال : حیّ علی الفلاح ، فقال الله : قد أفلح من مشی إلیها وواظب علیها ابتغاء وجهی . ثمّ قال : حیّ علی خیر العمل ، فقال الله : هی أزکی الأعمال عندی وأحبها إلیَّ . ثمّ قال : قد قامت الصلاة ، فقام رسول الله صلی الله علیه و آله ومن کان عنده من الرسل والملائکة . وکان المَلَک یؤذّن مَثْنی مَثْنی ، وآخِر أذانه وإقامته : لا إله إلّا الله . وهو الذی ذکر الله فی کتابه :{وَرَفَعْنا لَکَ ذِکْرَکَ} . قال محمّد بن الحنفیة : فتَمّ له یومئذ شرفُه علی الخلق . ثمّ نزل فأمر أن یؤذَّن بذلک الأذان((1)) .

الإمام علیّ بن الحسین زین العابدین علیه السلام ( ت 94 ه ) وابنه زید :

عن زید بن علیّ ، عن آبائه ، عن علیّ : « أنَّ رسول الله عُلِّمَ الأذان لیلة المسری ، وبه فُرِضَت علیه »((2)) .

وقال الإمام الهادی بالله - من أئمّة الزیدیّة - فی کتابه الأحکام : « قال یحیی ابن الحسین رضی الله عنه : والأذان فأصلُه أنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله عُلِّمَه لیلةَ المسری ،


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی 18 - 19 . وبتحقیق عزّان 58 . الایضاح للقاضی نعمان : 107 .
2- کنز العمّال 12 : 350/35354 ، عن « ابن مردویه » .

ص:47

أرسل اللهُ إلیه مَلَکاً فعلَّمه إیّاه .

فأمّا ما یقول به الجهّال مِن أنّه رؤیا رآها بعض الأنصار فأخبر بها النبیَّ صلی الله علیه و آله فأمَرَه أن یُعَلِّمه بلالاً ، فهذا من القول محالٌ لا تقبله العقول ؛ لأنَّ الأذان من أُصولِ الدین ، وأُصولُ الدین لا یعلمها رسول الله علی لسان بشر من العالمین »((1)) .

الإمام محمّد بن علیّ الباقر علیه السلام ( ت 114 ه ) :

جاء فی الکافی والتهذیب والاستبصار - والنصّ للأخیرینِ - بإسناد الشیخ الطوسی عن محمّد بن علیّ بن محبوب ، عن علیّ بن السندیّ ، عن ابن أبی عُمیر ، عن ابن أُذینة ، عن زُرارة والفُضیل بن یسار ، عن أبی جعفر [ الباقر علیه السلام ] ، قال :

« لمّا أُسری برسول الله صلی الله علیه و آله فبلغ البیت المعمور حضرت الصلاة ، فأذَّن جبرئیل وأقام ، فتقدَّم رسول الله ، وصفَّ الملائکة والنبیّون خلف رسول الله صلی الله علیه و آله » .

قال : فقلنا له : کیف أذّن ؟

فقال : « اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ، اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ، لا إله إلّاَ الله ، لا إله إلّاَ الله ؛ والإقامة مثلها إلّاَ أنَّ فیها : « قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة » بین : « حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل » ، وبین : « اللهُ أکبر اللهُ أکبر » ، فأمر بها رسولُ الله بلالاً ، فلم یَزَل یؤذِّن بها حتّی قَبض اللهُ رسولَه صلی الله علیه و آله »((2)) .


1- الأحکام ، للإمام الهادی بالله الزیدیّ 1 : 84 .
2- الکافی 3 : 302/1 وفیه صدر الحدیث ، التهذیب 2 : 60/210 ، الاستبصار 1 : 305 / باب عدد فصول الأذان ح 3 .

ص:48

وفی الکافی : بإسناده عن أبی حمزة الثمالیّ وأبی منصور ، عن أبی الربیع ، قال : « حَجَجنا مع أبی جعفر[ الباقر علیه السلام ] فی السنة التی کان حجّ فیها هشام بن عبدالملک ، وکان معه نافع مولی عبد الله بن عمر بن الخطّاب ، فنظر نافع إلی أبی جعفر علیه السلام فی رکن البیت وقد اجتمع علیه الناس فقال : یا أمیر المؤمنین ، مَن هذا الذی قد تَداکَّ علیه الناس ؟!

فقال : هذا نبیُّ أهل الکوفة ، هذا محمّد بن علیّ !

قال : أشهد لاَتینّه ولأسألنّه عن مسائل لا یجیبنی فیها إلّا نبیّ أو ابن نبیّ أو وصیّ نبیّ .

قال : فاذهب إلیه وسَله لعلکّ تُخجِلُه !

فجاء نافع حتّی اتّکأ علی الناس ثمّ أشرف علی أبی جعفر ، فقال : یا محمّد ابن علیّ ! إنی قرأت التوراة ، والإنجیل ، والزّبور ، والفرقان وقد عرفتُ حلالها وحرامها وقد جئت أسألُک عن مسائل ...

] ومنها [ : من الذی سأل محمّدٌ((1)) وکان بینه وبین عیسی خمسمائة سنة ؟

قال : فتلا أبو جعفر علیه السلام هذه الآیة : {سُبْحَانَ الَّذِی أَسْرَی بِعَبْدِهِ لَیْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَی الْمَسْجِدِ الْأَقْصَی الَّذِی بَارَکْنَا حَوْلَهُ لِنُرِیَهُ مِنْ آیَاتِنَا} ((2)) ، فکان من الآیات التی أراها الله تبارک وتعالی محمّداً حیث أسری به إلی بیت المقدس أن حشر الله الأوّلین والآخرین من النبیّین والمرسلین ، ثمّ أمر جبرئیل فأذَّن شفعاً ، وأقام شفعاً ، وقال فی أذانه : حیّ علی خیر العمل ، ثمّ تقدّم محمّدٌ وصلَّی بالقوم »((3)) .


1- فی قوله تعالی: (وَسَئَل مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبِلْکَ مِن رُسُلِنَاَ( الزخرف : 45 .
2- الإسراء : 1 .
3- الکافی 8 : 120 / 93 وعنه فی بحار الأنوار 81 : 136 ، وسائل الشیعة 5 : 414 ، الاحتجاج 2 : 60 .

ص:49

وجاء فی کتاب ( الأذان بحیّ علی خیر العمل ) للحافظ العلوی : أخبرنا عبدالله بن مخالد((1)) ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعید ، حدّثنا محمّد بن عمرو ابن عثمان ، حدّثنا محمّد بن سنان ، حدّثنا عمّار بن مروان ، عن المنتخل((2))، عن جابر قال : سألت أبا جعفر عن الأذان : کیف کان بدؤه ؟ قال : إن رسول الله صلی الله علیه و آله لما أُسری به إلی السماء ، نزل إلیه جبریل ، ومعه محملة من محامل الربّ عزّ وجلّ ، فحمل علیها رسولَ الله صلی الله علیه و آله إلی السماء ، فأذّن جبر یل ، فقال : الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، ] أشهد أن محمّداً رسول الله [ ، حیّ علی الصلاة ، ] حیّ علی الصلاة [ ، حیّ علی الفلاح ، ] حیّ علی الفلاح [ ، حیّ علی خیر العمل ، ] حیّ علی خیر العمل [ ، وذکر الحدیث((3)).

وفی کتاب الاعتصام بحبل الله : .. وروی محمّد بإسناده عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال : من جهالة هذه الأمّة أن یزعموا أن رسول الله صلی الله علیه و آله إنّما علم الأذان من رؤیا رآها رجل ، وکذبوا والله . لما أراد الله أن یعلّم نبیّه الأذان جآءه جبریل علیه السلام بالبُراق ، وذکر الحدیث بطوله((4)).

ثمّ قال بعد ذلک : ... وفی الشفا للأمیر الحسن ، روی الباقر محمّد بن علیّ السجّاد بن الحسین السبط الشهید بن علیّ الوصیّ ، والقاسم بن إبراهیم والهادی إلی


1- فی تحقیق عزّان : مجالد البجلی ، وکذا فی الاعتصام 1 : 306 .
2- فی تحقیق عزّان : المنخل . وفی الاعتصام 1 : 306 « المنتحل » .
3- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 82 ، بتحقیق الفضیل ، وانظر : ص 21 و28 من الکتاب نفسه وبتحقیق عزّان 60 . والاعتصام بحبل الله 1 : 286 . والزیادات من الاعتصام 1 : 306 .
4- الاعتصام بحبل الله 1 : 277 .

ص:50

الحقّ یحیی بن الحسین الحافظ ، والناصر للحقّ الحسن بن علیّ: أن الله عَلَّمه رسول الله صلی الله علیه و آله لیلة أُسرِیَ به لیلاً من المسجد الحرام إلی المسجد الأقصی ؛ أمر الله مَلَکاً من ملائکته فعلّمه الأذان((1)) .

الإمام جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام ( ت 148 ه ) :

روی الکلینیّ بسنده عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عُمیر ، عن حمّاد ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبدالله ] الصادق [ علیه السلام ، قال : « لمّا هبط جبرئیل بالأذان علی رسول الله صلی الله علیه و آله کان رأسه فی حِجر علیّ علیه السلام ، فأذَّن جبرئیل وأقام ، فلمّا انتبه رسول الله ، قال : یا علیّ ! سمعت ؟

قال : نعم .

قال : حفظت ؟

قال : نعم .

قال : ادعُ بلالاً فعلِّمْه . فدعا علیّ بلالاً فعلَّمَه »((2)) .

وفی تفسیر العیّاشیّ عن عبدالصمد بن بشیر ، قال : ذُکِر عند أبی عبدالله بدء الأذان ، فقال : إنَّ رجلاً مِن الأنصار رأی فی منامه الأذان ، فقصَّه علی رسول الله


1- الاعتصام بحبل الله 1 : 278 .
2- الکافی 3 : 302/2 ، التهذیب 2 : 277/1099 مثله ، ورواه الصدوق فی من لا یحضره الفقیه 1 : 183/865 بإسناده عن منصور بن حازم ، ولا یخفی علیک بأن هذا النص لا یخالف ما ثبت عند أهل البیت وبعض أهل السنة والجماعة من کون تشریع الأذان کان فی الاسراء والمعراج ، لأن التأذین فی المعراج هو فی مرحلة الثبوت ، أما التأذین فی الأرض فهو فی مرحلة الاثبات ، وسیتضح معنی کلامنا هذا اکثر فی الباب الثالث من هذه الدراسة « اشهد ان علیّاً ولی الله ، بین الشرعیة والابتداع » فانتظر .

ص:51

فأمره الرسول أن یعلّمه بلالاً .

فقال أبو عبدالله : کذبوا ؛ إنَّ رسول الله کان نائماً فی ظِلّ الکعبة ، فأتاه جبرئیل ومعه طاس فیه ماء مِن الجنّة فأیقظه ، وأمره أن یغتسل به ، ثمّ وضع فی محمل له ألف ألف لون مِن نور ، ثمّ صعد به حتّی انتهی إلی أبواب السماء ، فلمّا رأته الملائکة نَفَرت عن أبواب السماء ، وقالت : إلهانِ ! إلهٌ فی الأرض ، وإله فی السماء ؟!

فأمر اللهُ جبرئیلَ ، فقال : اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ، فتراجعت الملائکة عن أبواب السماء ، فقالت : إلهانِ ! إله فی الأرض وإله فی السماء ؟!

فقال جبرئیل : أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، ، فتراجعت الملائکة وعَلِمتْ أنّه مخلوق .

ثمّ فتح الباب فدخل ومَرَّ حتّی انتهی إلی السماء الثالثة ، فنَفَرت الملائکة عن أبواب السماء ، فقال جبرئیل : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، فتراجعت الملائکة ، وفتح الباب ومَرَّ النبیُّ حتّی انتهی إلی السماء الرابعة ...

- إلی أن قال - :... فلمّا فرغ من مناجاة ربّه رُدّ إلی البیت المعمور وهو فی السماء السابعة بحذاء الکعبة ، قال : فجمع له النبیّین والمرسلین والملائکة ، ثمّ أمر جبرئیل فأتمَّ الأذان وأقام الصلاة ، وتقدّم رسول الله فصلّی بهم ، فلمّا فرغ التفت إلیهم فقال الله له : {فَسْئَلِ الَّذیِنَ یَقْرَءُونَ الکِتَابَ مِن قَبْلِکَ لَقَدْ جَآءَکَ الْحَقُّ مِن رَّبِّکَ فَلاَ تَکُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِینَ}((1))، فسألهم یومئذ النبیّ صلی الله علیه و آله ، ثمّ نزل ومعه صحیفتان فدفعهما إلی أمیر المؤمنین علیه السلام ، فقال أبو عبدالله علیه السلام : فهذا کان بدء الأذان »((2)) .

وروی الصدوق باسناده عن الصباح المزنیّ وسدیر الصیرفی ومحمّد بن النعمان الأحول وعمر بن أُذینة أنّهم حضروا عند أبی عبدالله

علیه السلام ، فقال : « یا عمر بن


1- یونس : 94 .
2- تفسیر العیّاشیّ 1 : 157/530 ، المستدرک 4 : 42 - 43 وانظر : بیان المجلسیّ فی بحار الأنوار 81: 121 .

ص:52

أُذینة ! ما تری هذه الناصبة فی أذانهم وصلاتهم ؟ .

قال : جُعِلتُ فداک ؛ إنّهم یقولون : إنَّ أُبیّ بن کعب الأنصاریّ رآه فی النوم .

فقال علیه السلام : کذبوا والله ، إنَّ دین الله تعالی أعَزُّ من أن یُری فی النوم . وقال أبو عبدالله : العزیز الجبّار عَرَج بنبیّه إلی سمائه - فذکر قصّة الإسراء بطولها - »((1)) .

وفی نصّ آخر ، قال علیه السلام : « ینزل الوحیُ علی نبیِّکم فتزعمون أنَّه أخذ عن عبدالله بن زید ؟! »((2)) .

وعن علیّ بن إبراهیم عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أُذینة ، عن أبی عبدالله علیه السلام ، قال : « ما تروی هذه الناصبة ؟ » .

فقلت : جُعِلت فداک ؛ فی ماذا ؟

فقال : « فی أذانهم ورکوعهم وسجودهم » .

فقلت : إنّهم یقولون : إنَّ أُبیَّ بن کعب رآه فی النوم .

فقال : « کذبوا ، فإنَّ دین الله عزَّوجلّ أعَزُّ مِن أن یُری فی النوم » .

قال : فقال له سدیر الصیرفیّ : جُعلت فداک ؛ فأحدِثْ لنا مِن ذلک ذِکراً .

فقال أبو عبد الله علیه السلام : « إنَّ الله عزّوجلّ لمّا عَرَج بنبیّه صلی الله علیه و آله إلی سماواته السبع ، أمّا أُولاهُنَّ فبارَک علیه ، والثانیة علّمه فرضه فأنزل الله محملاً من نور فیه أربعون نوعاً من أنواع النور کانت مُحدِقة بعرش الله تغشی أبصار الناظرین ...((3))

قال : ثمّ زادنی ربّی أربعین نوعاً من أنواع النور لا تشبه الأنوار الأُولی ثمّ عرج بی إلی السماء الثالثة ، فنَفَرت الملائکة وخَرَّتْ سُجَّداً ، وقالت : سبُّوح قدُّوس ربُّ الملائکة والرُّوح ، ما هذا النور الذی یشبه نور ربّنا ؟!


1- انظر : علل الشرائع 312/1 ، وعنه فی بحار الأنوار 8 : 354 .
2- وسائل الشیعة 5 : 370/6816 .
3- الحدیث طویل أخذنا مقاطع منه .

ص:53

فقال جبرائیل علیه السلام : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله .

فاجتمعت الملائکة وقالت : مرحباً بالأوّل ، ومرحباً بالآخِر ، ومرحباً بالحاشر ، ومرحباً بالناشر ، محمّد خیر النبیّین وعلیّ خیر الوصیّین .

قال النبیُّ صلی الله علیه و آله : ثمّ سَلَّموا علَیَّ وسألونی عن أخی ، قلتُ : هو فی الأرض ، أفتعرفونه ؟

قالوا : وکیف لا نعرفه وقد نَحجّ البیت المعمور کلَّ سنة وعلیه رَقّ أبیض فیه اسم محمّد واسم علیّ والحسن والحسین ] والأئمة [ : وشیعتهم إلی یوم القیامة ، وإنّا لَنُبارِک علیهم کلّ یوم ولیلة خمساً - یعنون فی وقت کلّ صلاة - ...

قال : ثمّ زادنی ربّی أربعین نوعاً من أنواع النور لا تشبه تلک الأنوار الأُولی ، ثمّ عرج بی حتّی انتهیت إلی السماء الرابعة ، فلم تَقُل الملائکة شیئاً ، وسمعت دَو یّاً کأنّه فی الصدور ، فاجتمعت الملائکة ففتحت أبواب السماء وخرجت إلیَّ شبه المعانیق ، فقال جبرئیل علیه السلام : حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة ؛ حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح .

فقالت الملائکة : صوتان مقرونان معروفان .

فقال جبرئیل علیه السلام : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ...

ثمّ أوحی الله إلیَّ : یا محمّد ! ادنُ من صاد فاغسل مساجدک وطهّرها وصلِّ لربِّک .

فدنا رسول الله صلی الله علیه و آله من صاد((1)) ، وهو ماءٌ یسیل من ساق العرش الأیمن ، فتلقّی رسول الله صلی الله علیه و آله الماء بیده الیمنی ، فمن أجل ذلک صار الوضوء بالیمین .

ثمّ أوحی الله عزّ وجل إلیه أن : اغسل وجهک((2)) ...


1- وللشیخ الجوادی الآملی فی کتابه « أسرار الصلاة » : 86 ، 22 بیان فی ذلک فراجع .
2- الکافی کتاب الصلاة باب النوادر 3 : 482 - 486/1 ، وللمزید یمکن مراجعة خبر الإسراء فی تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّی 2 : 11 .

ص:54

وفی تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ « سورة بنی اسرائیل » عن أبیه ، عن محمّد ابن أبی عمیر ، عن هشام بن سالم ، عن الصادق علیه السلام - فی خبر طویل جدّاً - قال فیه : « فإذا مَلَکٌ یُؤَذِّن لم یُرَ فی السماء قبل تلک اللیلة ، فقال : الله أکبر ، الله أکبر ؛ فقال الله : صدق عبدی أنا أکبر .

فقال : أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله ؛ فقال الله تعالی : صدق عبدی ، أنا الله لا إله غیری .

فقال : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ؛ فقال الله : صدق عبدی ، إنَّ محمّداً عبدی ورسولی أنا بعثته وانتجبته .

فقال : حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة ؛ فقال : صدق عبدی ، دعا إلی فر یضتی ، فَمَن مشی إلیها راغباً فیها محتسباً کانت کفّارة لِما مضی من ذنوبه .

فقال : حیّ علی الفلاح ] حیّ علی الفلاح [ ؛ فقال الله : هی الصلاح والنجاح والفلاح .

ثمّ أمَمتُ الملائکة فی السماء کما أمَمتُ الأنبیاء فی بیت المقدس ... »((1)) .

وقد أخرج الحافظ العلوی فی کتابه ( الأذان بحیّ علی خیر العمل ) بقوله : حدّثنا الحسین بن محمّد بن الحسن ، حدّثنا علیّ بن الحسین بن یعقوب ، أخبرنا أحمد بن عیسی العجلی ، حدّثنا جعفر بن عنبسة الیشکری ، حدّثنا أحمد بن عمر البجلی ، حدّثنا سلام بن عبدالله الهاشمی ، عن سفیان بن السمط ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن جدّه قال : أوّل مَن أذّن فی السماء جبریل

علیه السلام حین أُسری بالنبی

صلی الله علیه و آله ، فقال : الله أکبر ، الله أکبر ؛ فقالت الملائکة : الله أکبر من خلقه .


1- تفسیر القمّیّ 2 : 3 - 12 کما فی مستدرک وسائل الشیعة 4 : 40 ، وفی تفسیر العیّاشی 1 : 157 ح 530 عن عبدالصمد بن بشیر عن الصادق فی حدیث المعراج ، إلی أن قال : ثمّ أمر جبرئیل فأتمّ الأذان واقم الصلاة .

ص:55

فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، فقالت الملائکة : ونحن نشهد أن لا إله إلّا الله .

فقال ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، فقالت الملائکة : عبد بُعِث .

فقال جبریل : حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة ؛ فقالت الملائکة : أُمِر القوم بالصلاة ، فقال : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح ؛ فقالت الملائکة : أفلح القوم .

فقال : حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ؛ فقالت الملائکة : أُمِر القوم بخیر العمل . وأقام الصلاة ، فقال النبیّ : یا جبریل ، تَقدّمْ صلِّ بنا ، فقال جبریل : یا محمّد ، إنّ الله عزّوجلّ أمرنا أن نسجد لأبیک آدم ، فلسنا نتقدّم ولدَه ، فتقدّم رسول الله صلی الله علیه و آله فصلّی بالملائکة((1)) .

وقد نقل محمّد بن مکّیّ - الشهید الأوّل - فی ( ذکری الشیعة ) قول ابن أبی عقیل ، قال : أجمعت الشیعة عن الصادق علیه السلام أنَّه لَعَن قوماً زعموا أنَّ النبیَّ أخذ الأذان من عبدالله بن زید ، فقال : « ینزل الوحی علی نبیِّکم فتزعمون أنَّه أخذ الأذان من عبدالله بن زید ؟! »((2)) .

الإمام علیّ بن موسی الرضا علیه السلام ( ت 204 ه ) :

أخرج الصدوق فی ( عیون أخبار الرضا ) و( علل الشرائع ) بسنده إلی الرضا علیه السلام عن آبائه: ، قال : « قال رسول الله : لمّا عُرِج بی إلی السماء أذَّن جبرئیل مَثْنی مَثْنی وأقام مَثْنی مَثْنی »((3)) .


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 20 ، بتحقیق الفضیل ، وبتحقیق عزّان 59 .
2- ذکری الشیعة 3 :195 ، وعنه فی وسائل الشیعة 5 : 370 .
3- عیون أخبار الرضا علیه السلام 1 : 204 باب ما جاء عن الرضا فی زید بن علیّ ح 22 ، علل الشرائع 1 : 6 وعنه فی بحار الأنوار 81 : 108 .

ص:56

وجاء فی الاعتصام بحبل الله عن صحیفة علیّ بن موسی الرضا : ... حدّثنی أبی موسی بن جعفر ، قال : حدّثنی أبی جعفر بن محمّد ، قال : حدّثنی أبی محمّد ابن علیّ ، قال : حدّثنی أبی علیّ بن الحسین بن علیّ ، قال : حدّثنی أبی الحسین ابن علیّ ، قال : حدّثنی أبی علیّ بن أبی طالب: ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لمّا بُدئ رسول الله صلی الله علیه و آله بتعلیم الأَذان ، أتی جبریل علیه السلام بالبُراق فاستصعب علیه ، فأتانی بدابّة یقال لها برقة - من حدیث طویل - فقال لها جبریل : اسکُنی برقة - من حدیث طویل فیه - : فخرج مَلَک من وراء الحجاب فقال : الله أکبر الله أکبر . قال : فقلت : یا جبریل ، من هذا المَلَک ؟ قال : والذی أکرمک بالنبوّة ، ما رأیت هذا المَلَک قبل ساعتی هذه ، فقال المَلَک : الله أکبر ألله أکبر .. فنُودِی من وراء الحجاب : صدق عبدی ، أنا أکبر أنا أکبر . فقال الملک : أشهد أن لا إله إلّا الله ... الخبر((1)) .

قال الشیخ الطوسیّ : « الأذان مأخوذٌ من الوحی النازل علی النبیِّ دون الرؤیا والمنام »((2)) .

وقال السیّد محمّد العاملیّ صاحب ( المدارک ) : « قد أجمع الأصحاب علی أنَّ الأذان والإقامة وحیٌ من الله تعالی علی لسان جبرئیل علیه السلام کسائر العبادات ، وأخبارُهم به ناطقة »((3)) .

وقال الشهید فی الذکری : « وهما وحیٌ من الله تعالی عندنا کسائر العبادات علی لسان جبرئیل علیه السلام »((4)) .

وهذه الرؤیة النابعة من النصوص الدالّة علی قداسة الأذان وأنّه بوحی من


1- الاعتصام بحبل الله 1 : 278 .
2- المبسوط 1 : 95 .
3- مدارک الأحکام 3 : 255 المقدّمة السابعة من الأذان .
4- ذکری الشیعة 3 : 195 .

ص:57

السماء لم تختصّ بمدرسة أهل البیت ، فقد حکی الداودیّ عن ابن إسحاق أنَّ جبرئیل أتی النبیَّ بالأذان قبل أن یراه عبدالله بن زید وعمر بثمانیة أیّام((1)) ، ویؤیّده ما جاء عن عمر من أنّه ذهب لیشتری ناقوساً فأُخبِر أنَّ ابن زید قد أُرِی الأذان فی المنام ، فرجع لیخبر رسول الله ، فقال له : « سبقک بذلک الوحی »((2)) .

وقد روی عبدالرزّاق عن ابن جریج عن عطاء أنّه سمع عبید بن عمیر یقول : إنّ الأذان کان بوحی من الله((3)) .

وروی السیّد ابن طاووس - مِن علماء الشیعة الإمامیّة - بإسناده إلی عبدالرزّاق عن معمر ، عن ابن حمّاد ، عن أبیه ، عن جدّه ، عن النبیِّ فی حدیث المعراج ، قال : « ثمّ قام جبرئیل فوضع سبّابته الیمنی فی أذنه فأذّن مَثْنی مَثْنی » .. یقول فی آخرها : « حیّ علی خیر العمل ، حتیّ إذا قضی أذانه أقام للصلاة مثنی مثنی »((4)) .

وفی کنز العمّال « مسند رافع بن خدیج » : لمّا أُسرِی برسول الله إلی السماء أوحی إلیه بالأذان ، فنزل به فعلّمه جبرئیل ( الطبرانی فی الاوسط عن ابن عمر )((5)) .

ولذلک حاول القسطلانیّ الشافعی فی ( إرشاد الساری ) التخلّص من إشکال التشریع بالرؤیا ، فأدّعی أنّ المشرِّع للأذان هو النصّ الذی أَقَرَّ المنامَ لا نفس المنام ، فقال : قوله تبارک وتعالی : {وإذا نادَیتُم إلَی الصلاةِ اتّخَذُوها هُزُواً ولَعِباً ذلکَ بأ نَّهم قَومٌ لا یَعلَمون} معانیَ عبادة الله وشرائعه ، واستدلّ علی مشروعیّة الأذان بالنصّ لا بالمنام


1- سبل الهدی والرشاد 3 : 361 ، وانظر : تنو یر الحوالک : 86 ، وفتح الباری2 : 65 .
2- تار یخ الخمیس 1 : 360 ، وانظر : السیرة الحلبیّة 2 : 301 - 302 .
3- المصنَّف ، لعبد الرزّاق 1 : 456/1775 کتاب الصلاة بدء الأذان .
4- سعد السعود 100 ، وفی متن بحار الأنوار 81 : 107 : فوضع سبّابته الیمنی فی أذنه الیمنی .. حیّ علی خیر العمل مَثْنی مَثْنی ... الخ .
5- کنز العمّال 8 : 329 کتاب الصلاة فصل من الأذان ح 23138 . وانظر مجمع الزوائد 1 : 329 .

ص:58

وحده((1)) لکنک تعلم أنّ الإشکال باق بحاله ، إذ لا معنی للمنام فی هذه الحالة .

وقال السرخسیّ - مِن أعلام الحنفیّة - فی ( المبسوط ) :... وروی أنَّ سبعة من الصحابة رضی الله عنهم أجمعین رأوا تلک الرؤیا فی لیلة واحدة ، وکان أبو حفص محمّد بن علیّ ینکر هذا ویقول : تعمدون إلی ما هو من معالم الدین فتقولون : ثَبَت بالرؤیا ! کلاَّ ولکنّ النبیَّ صلی الله علیه و آله حین أُسری به إلی المسجد الأقصی وجُمِع له النبیّون ، أذَّنَ مَلَکٌ وأقام ، فصلَّی بهم رسول الله . وقیل : نزل به جبرئیل علیه الصلاة والسلام ، حتَّی قال کثیر بن مرة : أذَّن جبرئیل فی السماء فسمعه عمر((2)) .


1- إرشاد الساری 2 : 2 کتاب الأذان . عمدة القارئ 5 : 7 و102 .
2- المبسوط للسرخسیّ 1 : 128 کتاب الصلاة باب الأذان .

ص:59

وقفة مع أحادیث الرؤیا

اتّضح بجلاء - من خلال ما مرّ بنا من أحادیث وأقوال وغیرها - أنّ القول بتشریع الأذان فی الإسراء والمعراج ، ممّا لم ینفرد به الإمامیّة الاثنا عشریّة ، وإنّما قالت به الشیعة الزیدیة والإسماعیلیة أیضاً ، إضافةً إلی أعلام من أهل السنّة ، وهذا یعنی أنّ تشریع الأذان - بوصفه فعلاً تعبّدیاً - کان سماویاً وعُلْویاً ولیس مناماً وأرضیاً ، وهذا القول ینسجم تماماً مع التشریعات السماویة الإلهیة ، ومع الاعتقاد بالنبوّة والوحی ، التی هی واسطة فی التشریع بین الله تعالی وبین خلقه .

أمّا القول بأنّه کان عبر منام رآه رجل وأخبر به النبیَّ صلی الله علیه و آله فإنّه من منفردات بعض أهل السنّة ، والذی أمسی قولاً مشهوراً لدیهم فیما بعد .

و إزاء اشتهار هذا القول عندهم ، تبرز طائفة من التساؤلات الملَحّة التی تصدر من الرؤیة الإسلامیّة لحقائق الاشیاء وعمق التشریع الإلهی .

ومن هذه التساؤلات : هل یسوغ لهذا القول - الذی یُسنِد تشریع الأذان إلی رؤیا أحد الناس - أن یتلاءم وأصول الشریعة القائمة علی تلقّی النبیّ صلی الله علیه و آله من الله سبحانه ؟

وهل یسوغ - فی منطق الإسلام والوحی - أن تؤخذ الشریعة من الأحلام والمنامات والأقاصیص ، أو حتّی من المشاورة کما جاء فی بعض أحادیث الأذان ؟

ص:60

أوّلاً : إنّ المنام لا یصحّ أن یُستنَد إلیه فی القضایا الشرعیّة ، ولا یمکن أن یُعتمَد علیه فی تشریع الأحکام .. اللهمّ إلّا أن یکون رؤیا رآها رسول الله نفسه ؛ لأنّها جزء من الوحی .

إنّ التلّقی عن الله وحصر الأخذ عنه جلّ وعلا تنفی کلّ ما عدا الوحی الإلهی فی التشریع ، وتؤکّد أنّ هذا الوحی هو وحده المنبع الذی لیس للنبیّ أن یبدّله أو یغیّر فیه من تلقاء نفسه ، کما عرّفنا الله سبحانه ذلک بقوله : {قُل ما یکونُ لی أن أُبدِّلَهُ مِن تِلقاءِ نفسی إن أتَّبعُ إلّاَ ما یُوحی إلیّ إنّی أخافُ إن عَصَیتُ ربّی عذابَ یوم عظیم}((1)) .

وقال : {قُلْ مَا کُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِی مَا یُفْعَلُ بِی وَلاَ بِکُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا یُوحَی إِلَیَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِیرٌ مُبِینٌ }((2)) .

وقال أیضاً : {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا یُوحَی إِلَیَّ مِنْ رَبِّی هٰذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّکُمْ وَهُدًی وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ} ((3)) .

وقال : {وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْیٌ یُوحَی * عَلَّمَهُ شَدِیدُ الْقُوَی} ((4)) .

وقال فی ملائکته : {بَلْ عِبَادٌ مُکْرَمُونَ * لاَ یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ} ((5)) .

إنّ هذه الآیات الشریفة صریحة فی أنّه لیس لرسول الله ولا لملائکته أن یسبقوه


1- یونس : 15 .
2- الأحقاف : 9 .
3- الأعراف : 203 .
4- النجم : 3 - 5 .
5- الأنبیاء : 26 - 27 .

ص:61

بالقول أو أن یُشرِّعوا من قِبَل أنفسهم ، إذ لیس لهم إلّا الاستماع إلی الوحی وانتظاره ، وقد انتظر الرسولُ صلی الله علیه و آله الوحیَ فی تغییر القبلة مدّة ستّة شهر أو سبعة حتّی نزل قوله تعالی : {قَدْ نَرَی تَقَلُّبَ وَجْهِکَ فِی السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّیَنَّکَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَکَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَیْثُ مَا کُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ} ((1)) .

أمّا التشاور فهو أبعدُ ما یکون عن أن یتولّد منه حکم شرعیّ ، ذلک أنّ لله الدین الخالص ولیس لغیره فیه من شیّ ، کما قال جلّ جلاله : {یَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَیْ ءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ کُلَّهُ للهِ }((2)) . من هنا یکون قول الحقّ تعالی : { وَشَاوِرْهُمْ فِی الْأَمْرِ} دالاًّ علی المشاورة فی الموضوعات الخارجیة وشئون الحیاة الیومیة ، والمواقف العملیة من بعض الحوادث ، کالموقف فی الحرب ومواجهة مکائد الأعداء وإمکانیّات سبل السلام ، وما إلیها .

وهذه المشاورة ذات ثمرات صالحة ، منها : أنّها تُشعِر المشاوَرین بالمشارکة فی صنع الموقف المسؤول ، ومنها أنّها تَهَبُهم طاقة للاندفاع فی سبیل تنفیذ مقرّرات هذه المشاورة وتحمّل نتائجها . ومع ذلک کلّه تظلّ لرسول الله صلی الله علیه و آله الکلمة الأخیرة فی مقرّرات المشاورة ، فهو الذی یحدّد ما ینبغی وما لا ینبغی ، ویکون عزمه فی المسألة هو الساری الجاری {فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَکَّلْ عَلَی الله} .

إنّ الشوری لیس لها دخل فی الأحکام ، ومتی تدخّلت فی الحکم فإنّها تکون قد شارکت الوحیَ فی التشریع ، وهَوَّنت من شأن النبوّة والنبیّ ، وفتحت باباً للتقوّل علی الله .. ذلک التقوّل الذی هدّد اللهُ تعالی باجتراح ولو بعض منه .

ولقد حذّر اللهُ رسولَه - وهو أحبّ خلقه إلیه - أیما تحذیر ، وهدّده أیّما تهدید..


1- البقرة : 144 .
2- آل عمران : 154 .

ص:62

إذا ما غیّر حرفاً واحداً ، وذلک لمّا جاءه أهل قریة الناصرة بأحمال الذهب والفضّة والحریر وأرادوا إِعطاءها رشوةً للنبیّ صلی الله علیه و آله فی مقابل أن یُبدّل حرف الباء تاءً فی لفظة « أبَوا » بعد نزول قوله تعالی : {حَتَّی إِذَا أَتَیَا أَهْلَ قَرْیَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ یُضَیِّفُوهُمَا} ((1)) . وعندئذ نزل التهدید الإلهیّ لیعلم الناس أنّ دین الله خالص نقیّ لا یجوز بحال أن یشوبه شیء من رأی البشر ولو قَلّ وضَئُل إلی مستوی حرف استمع إلی تعابیر المواجهة والإنذار : {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِیلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْیَمِینِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِینَ * فَمَا مِنْکُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِینَ} ((2)) ، وهو الذی {وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْیٌ یُوحَی }((3)).

ثانیاً : إنّ الأذان یرتبط ارتباطاً وثیقاً بفریضة الصلاة التی هی « خیرُ موضوع » ، کما یقول رسول الله صلی الله علیه و آله ، وهی عمود الدین وأساسه الجوهری .. إلی حدّ أن جعل الإمام الهادی الزیدی الأذان من أصول الدین ! کما مرّ بنا سابقاً .

والأذان مقدّمة للصلاة ، وکلاهما عبادة خالصة لله عزّوجلّ صادرة عن حقیقة وجودیة توحیدیة عمیقة . من هنا یکون من الغفلة الاعتقاد بأنّ الله عزّوجلّ قد أمر خاتم أنبیائه الکرام بإقامة الصلاة علی وجهها الذی شرّعه الله تعالی ، ثمّ ترک شأن تعلیم أذان الصلاة وإقامتها لأُناس عادیّین یقولون إنّهم رأوها فی المنام ! أو إنّهم قد أضافوا إلیها من عندهم ما یکملها ، دون أن یُعلّمها رسولَه الذی هو مبلّغ الوحی وحامل رایة الهدی لأجیال البشریة کافّة .

ثالثاً : تشیر بعض النصوص السنیّة التی أوردتها کتب الصحاح والسنن فی


1- الکهف : 77 .
2- الحاقّة : 44 - 47 .
3- النجم : 3 .

ص:63

موضوع الأذان إلی أنّ رسول الله کان فی حیرة من أمر الأذان ، ولم یکن یعلم الحکم الإلهیّ فیه أیّاماً ، حتّی شاور الصحابةَ فی ذلک ، وأمر بناقوس النصاری لیکون إعلاماً لوقت الصلاة حتّی « کاد ینقس » !

وفی هذا الرأی من التوهین والتقلیل من شأن رسول الله صلی الله علیه و آله ما لا خفاء فیه ، وهو ممّا یرفضه منطق القرآن الکریم ، ویرفضه المنطق الإیمانی علی وجه العموم ، ذلک أنّ هذا التوهین یعارض دعوةَ القرآن المسلمین إلی توقیر رسول الله وتعظیمه ، ویضادّ نهی الذین آمنوا أن یرفعوا أصواتهم فوق صوت النبیّ صلی الله علیه و آله ، تعریفاً بتمیّزه وعلوّ مقامه : {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ * یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ کَجَهْرِ بَعْضِکُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُکُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} ((1)) اهتماماً بمکانته صلی الله علیه و آله وشأنه .

وتجدر الإشارة إلی أنّ هذه الآیة نزلت لمّا تنازع أبو بکر وعمر فی تعیین مَن یکون موفد الرسول المصطفی إلی بنی تمیم .

فقال أبو بکر : القعقاع بن معبد ، وقال عمر : الأقرع بن حابس ، فقال أبو بکر لعمر : ما أردتَ إلّاَ خلافی ، فقال عمر : ما أردت خلافک ، فتمارَ یا حتّی ارتفعت أصواتهما ، فنزلت فی ذلک هذه الآیات الحکیمة((2)) .

فإذا کان الله سبحانه لا یرتضی التنازع ورفع الصوت بمحضر النبیِّ فی أیّة قضیّة من القضایا احتراماً له وتوقیراً لمقامه ، فکیف یصحّ أن یُنسَب إلیه التحیّر فی شأن أمر تعبّدی کالأذان حتّی اختار - أو کاد أن یختار - ناقوس النصاری یُنقس به


1- الحجرات : 1 - 2 .
2- انظر : صحیح البخاریّ 6 : 290 کتاب المغازی ، باب وفد بنی تمیم ج 812 ، باب وفد بنی تمیم .

ص:64

إعلاماً للصلاة ؟!

رابعاً : أهمل الشیخان البخاریّ ومسلم وکذا الحاکم النیسابوریّ فی مستدرکه ذِکْر أحادیث رؤیا عبدالله بن زید ، بل فی المستدرک عن ( سفیان بن اللیل عن الإمام الحسن السبط ) ما یُسَخِّف تشریع الأذان بالمنام .

وقد أجاب الحاکم معلّلاً ترکَ الشیخین أحادیث عبدالله بن زید التی قصّها علی رسول الله بقوله : ( ... وإنّما ترک الشیخان حدیث عبدالله بن زید فی الأذان والرؤیا التی قصّها علی رسول الله بهذا الإسناد((1)) ، لتقدّم موت عبدالله بن زید ، فقد قیل : إنَّه استُشهد بأُحد ، وقیل : بعد ذلک بیسیر ، والله أعلم )((2)) .


1- لیس فیما روی عن عبدالله بن زید فی الأذان ما رجاله علی شرط الشیخین إلّا ما رواه بشیر بن محمد بن عبدالله بن زید عن جدّه عبدالله بن زید ، ولکن لم یخرجه الشیخان فی صحیحیهما لأنّه منقطع ؛ فالحفید بشیر لم یدرک جدّه عبدالله بن زید .
2- المستدرک للحاکم 4 : 348 کتاب الفرائض ، باب ردّ الصدقة میراثاً . قال ابن حجر فی تلخیص الحبیر 3 : 162 . ( وقال الحاکم والبیهقی : الروایات عن عبدالله بن زید فی هذا الباب کلّها منقطعة ؛ لأنّ عبدالله بن زید استشهد یوم أحد . ثمّ أسند عن الدراوردی عن عبیدالله بن عمر قال : دخلت ابنة عبدالله بن زید علی عمر بن عبدالعزیز فقالت : یا أمیر المؤمنین ، أنا ابنة عبدالله بن زید ، شهد أبی بدراً وقتل یوم أحد ، وفی صحّة هذا نظر ؛ فإن عبیدالله بن عمر لم یدرک هذه القصّة ... وروی الواقدی عن محمد بن عبدالله بن زید قال : تُوفّی أبی بالمدینة سنة اثنین وثلاثین ، وقال ابن سعد : شهد أحداً والخندق والمشاهد کلها ، ولو صحّ ما تقدم للزم أن تکون بنت عبدالله بن زید صحابیة ) . عن تلخیص الحبیر 3 : 162 - 163 . أقول : الظاهر أنّ کلام الحاکم هو الصحیح ، فإنّ الراوی هو عبیدالله بن عمر العمری کما فی الإصابة 2 : 312 ترجمة عبدالله بن زید بن ثعلبة ، وهو عبیدالله بن عمر بن حفص ابن عاصم بن عمر بن الخطّاب ، المتوفّی سنة 144 أو 145 أو 147 ه- ، والمسند إلیه صحیح بلحاظ الراوی والمروی عنه . انظر : تهذیب الکمال 19 : 124 - 130 .

ص:65

ویشیر إهمال الشیخین لهذا الحدیث إلی أنّه لا أصل لحدیث عبدالله بن زید عن رسول الله ، ویؤیّد ذلک ما أخرجه أبو نعیم فی حلیة الأولیاء فی ترجمة عمر بن عبدالعز یز عن عبیدالله بن عمر ، قال : ( دَخَلتْ ابنة عبدالله بن زید علی عمر بن عبدالعز یز ، فقالت : یا أمیر المؤمنین ، أنا بنت عبدالله بن زید ، أبی شهد بدراً وقُتِل یوم أحد ، فقال عمر :

تلک المکارِمُ لا قعبان من لَبن شِیبا بماء فعادا بَعدُ أبوالا

سَلینی ما شئتِ ، فسألت فأعطاها ما سألت((1)) .

ولو ثبت بشکل قطعی أنَّ عبدالله رأی الأذان لَذَکرتْ ابنته هذه المکرمة له وعدّتها ضمن منقبتیه الأُولیین : حضوره بدراً وقتله بأُحد ، بل أن فضیلة رؤیا الأذان لو کانت واقعةً فعلاً لَما ضاهاها شیء ؛ إذ إنّ الوحی قد وافقه فی هذه المسألة دون عموم بنی البشر ، وهی أهمّ من حضوره بدراً وقتله بأُحد ، وذلک لمشارکة آخَرین له فی هاتین الفضیلتین .

إنَّ عدم ذکر ابنة عبدالله بن زید لهذه المنقبة - وهی فی معرض استعطاف عمر بن عبدالعزیز - لیشیر إلی عدم ثبوت هذه المکرمة له فی العهد الأوّل .

خامساً : من الثابت عند أهل العلم أنّ رؤیا الأنبیاء وحدهم حجّة ، لا رؤیا غیرهم . نعم ، إنّهم صحّحوا هذه الرؤیا والمنامات الأخری بتطابق الوحی معها .

قال العسقلانیّ : ( وقد استشکل إثبات حکم الأذان برؤیا عبدالله بن زید ، لأنَّ رؤیا غیر الأنبیاء لا یُبنی علیها حکم شرعیّ ، وأُجیب باحتمال مقارنة الوحی لذلک ... )((2)) .


1- حلیة الأولیاء 5 : 322 ترجمة عمر بن عبدالعزیز ، وعنه فی الإصابة 2 : 312 ترجمة عبدالله بن زید بن عبد ربّه بن ثعلبة .
2- فتح الباری 2 : 65 باب الأذان مثنی .

ص:66

لکنّ هذا الجواب غیر علمیّ ولا دقیق ؛ لأنَّ مجرّد احتمال مقارنة الوحی لا یفید ، إذ لو کان ذلک صحیحاً لذکرته الروایات المعتمدة فی الباب ولم تنحصر باجتهادات أمثال ابن حجر .

ثمّ لماذا لم ینزل الوحی علی رسول الله حینما کان متحیّراً فی أوّل أمره ( أی حینما قَدِم المدینة ) حتّی أخبره عبدالله بن زید بمنامه ، ثمّ تطابق الوحی مع الرؤیا بعد ذلک ؟!

إنَّ تعارض النصوص وتخالفها مع الثوابت الأُخری تُخطِّئ هذه الرؤیة ؛ لأنَّ القول بتشریع الأذان فی المَسری لا یتطابق مع حیرة النبیّ وسعیه لمشاورة الصحابة فی المدینة ، وخصوصاً حینما نشم رائحة الغلوّ من بعض النصوص وادِّعاء نزول ما یشابه الوحی علی عبدالله بن زید ، أو علی عمر ، أو بلال ، لقول عبدالله فی بعض النصوص : « کأنّی وأنا بین نائم ویقظان » ، وفی آخر : « لولا أن یقول الناس لقلتُ بأنّی کنتُ یقظان غیر نائم » !!

أو ما جاء فی نصوص أُخری : « إنَّ جبرئیل أذَّن فی سماء الدنیا ، فسمعه عمر وبلال ، فسبق عمر بلالاً فأخبر النبیّ ثمّ جاء ... » ، أفَلا تری أنّ هذه النصوص ترفع من شأن عبدالله بن زید ومن شأن عمرَ إلی مرتبة النبوّة ، وتغلو فیهما ؟!

بل العجب العجاب أن نری إلقاء العبء الأکبر فی الأذان علی عبد الله بن زید بن عبد ربّه الخزرجی الأنصاری ، هذا الصحابی غیر الواضح المعالم فی التاریخ والفقه ، والذی لم یُعرَف ولم یشتهر إلّا عبر هذه المفردة ، إذ عرف ب- « الذی أُرِیَ الأذان » . ومثل ذلک ما قیل فی سَمِیّه عبدالله بن زید بن عاصم المازنی الأنصاری « صاحب حدیث الوضوء » الذی ألقوا علی عهدته قسماً من الوضوء الثلاثی الغَسلی وادّعوا أن الأخبار الصحیحة جاءت عنه وهو منها بریء !

فلماذا هذان الصحابیان الأنصاریان الغامضا المعالم ؟! اللذان لا یعرفان إلّا فی

ص:67

حدیثَی الأذان والوضوء ؟!

وبعد هذا ، لابدّ من الإشارة إلی إشکال آخر أثاره السُّهیلیّ((1)) والعسقلانیّ وغیرهما حاولوا الاجابة عنه .

قال ابن حجر فی إرشاد الساری : ( فإن قلتَ : ما الحکمة فی تخصیص الأذان برؤیا رجل ولم یکن بوحی ؟

أُجیب : لما فیه من التنو یه بالنبیّ والرفع لذِکره ؛ لأ نَّه إذا کان علی لسان غیره کان أرفَعَ لذکره وأفخَرَ لشأنه ، علی أنَّه روی أبو داود فی المَراسیل أنَّ عمر لمّا رأی الأذان جاء لیخبر النبیّ فوجد الوحی قد ورد بذلک ، فما راعه إلّا أذان بلال ، فقال له علیه السلام : سبقک بها الوحی . ورواة هذا الحدیث خمسة ، وفیه التحدیث والإخبار )((2)).

وهذا التعلیل علیل ، لأ نَّه لو صحّ للزم لحاظ هذا الوجه فی کلّ شیء ورد فیه ذِکر الشهادتین ، لأنَّ نقل ذلک علی لسان غیره أرفع لذکره وأفخر لشأنه وأدفع لتهم أعدائه ، فی حین نعلم بأنَّ الباری جَلَّ شأنه هو الذی رفع ذِکره بقوله : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} ((3)) ، وبعد هذا فلا یحتاج إلی أن یرفع ذکره بعد الباری جلّ شأنه أحدٌ .

هذه أهمّ الأقوال التی قیلت فی تشریع الأذان عند مدرسة أهل السنّة والجماعة ، وقد یمکن إرجاع بعضها إلی بعض ، وتقلیص حجم اختلافاتها ، غیر أنّ إعادة جمیع النصوص إلی قول واحد محالٌ من القول ، لأنّ القول بتشریعها والتأذین بها فی الإسراء والمعراج لا یتّفق مع هَمِّ وغمّ رسول الله فی المدینة وجلوسه


1- فی الروض الانف 2 : 356 .
2- إرشاد الساری 2 : 4 .
3- الشرح : 4 .

ص:68

مع أصحابه یستشیرهم فی کیفیّة التأذین وطریقة جمع المسلمین علی شیءٍ واحد .

وهکذا الحال بالنسبة إلی ما جاء عن عمر وأنّه کان أوّل من سمع أذان جبرئیل فی السماء ثمّ بلال ، أو ما حکی عنه من أنّه

أضاف الشهادة بالنبوة فی الأذان بعد أن کانت فیه الشهادة بالتوحید فقط ، فإنّه لا یتّفق مع تشریع الأذان فی المسری .

وکذا القول بأنّ أبا بکر کان أوّل مَن أخبر رسولَ الله بالأذان - کما فی خبر جامع المسانید - فهو یخالف المشهور بین المحدّثین من أنّ عبدالله بن زید الأنصاریّ کان أوّل مَن أخبر رسول الله بمنامه .

وکذا الحال بالنسبة إلی ما اشتهر عن عبدالله بن زید وأنّه أخبر رسول الله فی الصّباح - بعد أن نام باللیل - لقوله : ( فلمّا أصبحتُ أتیت رسول الله ) أو : ( فلما غدا ... ) وهو یخالف ما قاله الحافظ الدمیاطی فی سیرته من أنّ عبدالله بن زید أتی رسول الله لیلاً وأخبره((1)) .

وقد حاول الحلبیّ الجمع بین القولین ذاهباً إلی عدم المنافاة بینهما ؛ لأنّ جملة : ( فلمّا أصبحتُ ) أو : ( فلمّا غدا ) إشارة إلی مقاربة الوقت للصباح .

وهذا تأو یل بعید یخالف الظاهر ، لأن المتبادر من کلمة ( فلما اصبحت ) أو ( غدوت ) صریح فی الصبح ، فکان علی الحلبی أن یخطّئ نقل الحافظ الدمیاطی وهو خیر له من أن یقول بهذا القول .

وکذا الحال بالنسبة إلی عمر بن الخطّاب ، ففی بعض النصوص نراه یخرج حینما سمع الأذان ( وهو فی بیته یجرّ رداءه ) ، وفی بعض آخر نراه یقترح علی رسول الله بقوله : ( أوَ لا تبعثون رجلاً ینادی بالصلاة ؟ ) ، ف- ( فخرج یجر رداءه ) یختلف مع ( أو لا تبعثون ) لکون الثانی یشیر إلی أنَّ الأذان شُرِّعَ باقتراح عمر ابن الخطّاب وأ نَّه کان


1- انظر : السیرة الحلبیة 2 : 299 .

ص:69

بمحضر الرسول ، أمّا جملة ( فخرج یجر رداءه ) فتشیر إلی أنَّه سمع الأذان وهو فی بیته .

قال القسطلانی فی إرشاد الساری - بعد أن أتی بخبر ابن عمر السابق الذکر - : ( کان المسلمون حین قدموا المدینة ) ؛ قال الحافظ ابن حجر بأنَّ سیاق حدیث عبدالله بن زید یخالف ذلک ، فإنَّ فیه أنَّه لمّا قصَّ رؤیاه علی النبیِّ ، قال : فسمع عمر الصوت فخرج فأتی النبیَّ فقال : رأیتُ مِثل الذی رأی . فدلَّ علی أنَّ عمر لم یکن حاضراً لمّا قصَّ عبدالله .

قال : والظاهر أنّ إشارة عمر بإرسال رجل ینادی بالصلاة کانت عقب المشاورة فیما یفعلونه ، وأنَّ رؤیا عبدالله کانت بعد ذلک ؛ وتعقّبه العینیّ بما رواه أبو داود عن أبی بشر ، عن أبی عمیر ، عن أنس ، عن عمومة له من الأنصار ، أنّ عبدالله بن زید : قال ( إذ أتانی آت فأرانی الأذان ، وکان عمر قد رآه قبل ذلک فکتمه ، فقال له النبیُّ : ما منعک أن تخبرنا ... ) إلی آخره ، لیس فیه أنَّ عمر سمع الصوت فخرج ؛ فقال : فهو یُقَوی کلام القرطبیّ ویردّ کلام بعضهم - أی ابن حجر - انتهی .

وأجاب ابن حجر فی انتقاض الاعتراض بأ نَّه إذا سکت فی روایة أبی عمیر عن قوله : فسمع عمر الصوت فخرج ، وأثبتها ابن عمر ، إنّما یکون إثبات ذلک دالاً علی أنَّه لم یکن حاضراً ، فکیف یعترض بمثل هذا ؟!((1)) .

ومجمل الکلام أنّهم بهذه الوجوه سعوا للجمع بین بعض النصوص ، ولکن أنَّی لهم الجمع فی مواردها الأخری ؟ فانهم کلّما رقعوا منها جانباً انخرق منها جانب آخر ، ونحن ترکنا مناقشة تلک الروایات سنداً خوفاً من الاطالة ، مکتفین بالتعلیق علی دلالة بعضها .


1- إرشاد الساری 2 : 3 .

ص:70

وخلاصة القول : أنَّ الأذان کغیره من الشرائع قد جری فیه اتِّجاهان :

أحدهما : یقول بتشریعه فی الإسراء والمعراج وأ نَّه من الوحی الذی لا یجوز فیه الزیادة والنقصان .

وثانیهما : یعتقد بأنَّ تشریعه جاء علی أثر منام رآه عبدالله بن زید بن عبد ربّه ، أو أنّه شُرِّع بمشورة من الصحابة .

وقد اختلف الاتّجاهان فی المفاهیم والأُصول ؛ لأنَّ القائل بتشریعه فی الإسراء والمعراج یربطه بقضایا إلهیّة قدسیّة ، حیث إنَّ حقیقة الإسراء هی حقیقة عالیة ترتبط بالغیب ، وإنَّ أهل بیت الرسالة وبعض الصحابة المتعبّدین کانوا هم المطّلعین بما دار فی الإسراء والمعراج ، بعکس بعض قریش التی کانت تنکر حقیقة المسری وتسخّف مغزاه ، فلم تکن تقبل بأن الرسول الأعظم تجاوز الحجب حتّی وصل إلی دار العظمة ، حاملاً معه مفاهیم ربانیة وأفکاراً عالیة لا یمکن الوصول إلیها إلّاَ بالاستعانة بالقدرة الإلهیّة، ولا یمکن معرفة دقائقها إلّا عن أهل بیت الرسالة والوحی ، الذین وضحوا لنا المبهم من هذه الأمور .

أمّا القائل بتشریعه عن طریق رؤیا رآها عبدُالله بن زید ، أو سبعةٌ آخرون من الصحابة ، فیعطی لفکرته مسحة عدم التوقیف ، لیکون له مساغ فی أن یزید فی هذه الشعیرة المقدسة ، أو ینقص منها .

قال السرخسی فی المبسوط : « ... بدلیل ما روی عن إبراهیم أنَّ : أوّل مَن أفرد الإقامة معاویة . وقال مجاهد : کانت الإقامة مثنی کالأذان حتّی استخفّه بعض أمراء الجور فأفرده لحاجة لهم »((1)) .


1- المبسوط 1 : 129 کتاب الصلاة باب بدء الأذان ، وانظر : المصنف لعبد الرزّاق 1 : 463/ 1793 .

ص:71

وقال ابن عبدالبرّ - فی فتح المالک بتبو یب التمهید علی موطّأ مالک - وهو یرید أن یصحّح اختلاف أحادیث الأذان بقوله : ( روی عن النبیّ فی قصَّة عبدالله بن زید هذه فی بدء الأذان جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة ، وکلّها تتّفق علی أنَّ عبدالله بن زید أُری النداء فی النوم ، وأنَّ رسول الله أمر به عند ذلک ، وکان ذلک أوّل أمر الأذان ... )((1)) .

فهذا النصّ وما سبقه یتضح منهما أن غالب أهل السنّة والجماعة یقولون بعدم توقیفیّة الأذان بالنحو الذی تقوله الشیعة ، إذ العامة یستدلون علی شرعیّة الأذان بمنام عبد الله بن زید حتّی أنّ بعض أمراء الجور أفرد الإقامة لحاجة له .

والعجب فی هذا الباب ما قاله ابن عبد البرّ فی موضع آخر من الکتاب المذکور : « فی حدیث هذا الباب لمالک وغیره من سائر ما أوردنا فیه من الآثار أوضح الدلائل علی فضل الرؤیا وأنّها من الوحی والنبوّة ، وحسبک بذلک فضلاً لها وشرفاً ، ولو لم تکن وحیاً من الله ما جعلها شر یعة ومنهاجاً لدینه »((2)) .

قال أبو عمر((3)) : « اختلفت الآثار فی صفة الأذان وإن کانت متّفقة فی أصل أمره ، کان من رؤیا عبدالله بن زید ، وقد رآه عمر بن الخطّاب أیضاً((4)) !!! »

أفلا یدل قوله هذا علی أنّ لعبدالله بن زید وعمر بعض النبوّة ؟!!

کانت هذه صورة مصغّرة عن اختلاف الآراء فی مدرسة الخلفاء حول بدء تشریع الأذان ، وکیف اتفقت مدرسة أهل البیت ومعها الصحابة المتعبدون علی أنّه کان فی الإسراء بتعلیم من الله العلیّ العظیم .


1- فتح المالک 2 : 3 .
2- فتح المالک 2 : 7 .
3- هو ابن عبد البرّ .
4- التمهید لابن عبدالبر 24 : 27 .

ص:72

ص:73

تحقیق فی ما وراء نظریّة الرؤیا

اشارة

بعد أن توصلنا إلی وجود اختلاف بین المسلمین فی کیفیّة تشریع هذه الشعیرة الإسلامیة ، وعلمنا أنّ أهل بیت النبوّة لا یقبلون فکرة الرؤیا ، حاولنا تحدید زمن النزاع بین المسلمین ، والدوافع الکامنة وراء طرح مثل هذه الآراء فی الشریعة .

ممّا لا شک فیه أنّ قدرات المسلمین وأفهامهم وإدراکاتهم لحقیقة الإیمان والإسلام لم تکن بمرتبة واحدة.

فالبعضُ منهم کان یفهم مغزی الرسالة ومکانة الرسول وما یر یده الله من أوامره ونواهیه بدّقة عالیة فکان یتعبد بما قاله رسول الله ولا یری لنفسه الخیرة من أمره .

والبعض الآخر کان یری لنفسه حقّ التشریع وإبداء الرأی مسمّیاً فعله بالاجتهاد .

وهناک اتّجاه ثالث أغرق فی النزع ، فراح یتعامل مع الرسول کأنّه رجل حارب فانتصر !

ورابع وخامس و...

وقد وضحنا فی دراستنا لأسباب « منع تدوین الحدیث » ونتائجه هذه الاتجاهات وقلنا أنّها جمیعاً تنخرط وتنتظم فی نهجین هما :

1 - المتعبدون = التعبد المحض .

2 - المجتهدون = الاجتهاد بالرأی .

ص:74

ونحن لا نرید أن نعود إلی ما کتبناه سابقاً ، بل نرید الإشارة إلی بعض الشیء عن هذین النهجین ، مؤکدین الکلیة التی رسمناها فی دراسة ملابسات التشریع ، مبینین کیفیة تطبیقها فی مفردة الأذان، وکیف ارتبطت قضیة الأذان بالمنام بعد ثبوتها فی الاسراء والمعراج ، وما هو ارتباطها بالرؤیا التی أقلقت النبیّ صلی الله علیه و آله ؛ تلک الرؤیا التی رأی صلی الله علیه و آله فیها بنی أمیّة یَنْزُون علی منبره الشریف نَزْوَ القردة ؟

وقد رأینا تقدیم شیء من خبر الإسراء والتحریفات الواقعة فیه ؛ لارتباطه ببیان رؤ یتنا بصدد الرؤیا فی الأذان ، وهو بیان لدواعی اختلاف المسلمین فی بدء الأذان ، فنقول :

إنّ خبر الإسراء والمعراج ثابت لا کلام فیه ، وقد وردت سورة باسم الإسراء فی الذکر الحکیم .

وقد اختلف المسلمون فی یوم الإسراء ومکانه وکیفیّة عروجه صلی الله علیه و آله إلی السماء ، وما جری فی الإسراء والمعراج ، وهل أُسری به مرّة أو مرّتین((1)) أو أکثر من ذلک((2)) ، وهل کان عروجه بروحه وجسده أم بروحه فقط ؟ علی أنّ هناک من فَصَّل بین إسرائه ومعراجه ، فقال بأن إسراءَهُ من المسجد الحرام إلی المسجد الأقصی کان بروحه وجسمه ، وأنّ عروجه إلی السماء کان بروحه فقط ؟

فالذین لا یدرکون عمق الرسالة ومکانة الرسول شکّکوا فی حقیقة الإسراء والمعراج وقالوا بأشیاء لا تتفق مع رسالة الغیب والوحی ، وقد ارتدّ بعض من أَسلَمَ حینما سمع بخبر الإسراء ، وهناک من ثبت علی الدین وصَدَّق بما قال الرسول وبما


1- انظر : علی سبیل المثال تفسیر ابن کثیر 3 : 22 حیث قال : وقد صرّح بعض من المتأخّرین بأنّه علیه السلام أُسری به مرّة من مکّة إلی بیت المقدس فقط ، ومرّة من مکّة إلی السماء فقط ، ومرّة إلی بیت المقدس ومنه إلی السماء .
2- الخصال : 600 . وانظر : علل الشرائع : 149 .

ص:75

حکاه من مشاهدات ومغیّبات ، کبعض الصحابة المتعبدین المخلصین الذین شهد لهم التاریخ بصدقهم ووفائهم وبقائهم علی العهد الذی فارقوا رسول الله صلی الله علیه و آله علیه .

نعم ، قد اختلفت النصوص فی مکان الإسراء ، فالبعض منها صرحت بأنّه صلی الله علیه و آله أسری به من شعب أبی طالب((1)) ، والأُخری من بیت خدیجة((2)) ، وثالثة من بیت فاختة « أمّ هانی » بنت أبی طالب((3)) أخت الإمام علیّ ، ورابعة من بیت عائشة((4)) .

ففی تفسیر الطبری بإسناده عن أبی صالح بن یاذم ، عن أُمّ هانی بنت أبی طالب فی مسری النبیّ ، أنّها کانت تقول : ما أُسری برسول الله إلّا وهو فی بیتی نائم عندی تلک اللیلة ، فصلّی العشاء الآخرة ثمّ نام ونمنا ، فلما کان قُبیل الفجر أهبَّنا رسول الله ، فلمّا صلّی الصبح وصلّینا معه قال : یا أُمّ هانی ، لقد صلّیتُ معکم العشاء الآخرة کما رأیتِ بهذا الوادی ، ثمّ جئتُ بیت المقدس فصلّیت فیه ، ثمّ صلّیت صلاة الغداة معکم الآن کما تَرَین((5)) .

وفی بعض الآثار أنّ أمّ هانی قالت : فقدتُه صلی الله علیه و آله - وکان نائماً عندی - فامتنع منّی النوم مخافةَ أن یکون عرض له بعض قریش . ویقال : أنّه تفرّقت بنو عبد المطلّب یلتمسونه ، ووصل العبّاس إلی ذی طُوی وهو ینادی : یا محمّد ، یا محمّد ، فأجابه صلی الله علیه و آله .


1- فتح الباری 7 : 160 کتاب أحادیث الأنبیاء ، باب المعراج ، الدرّ المنثور 4 : 149 سورة الإسراء عن ابن أبی حاتم عن قتادة .
2- المجموع النووی 9 : 248 باب ما یجوز بیعه وما لا یجوز ، فرع فی مذاهب العلماء فی بیع دور مکّة ، شرح الأزهار 1 : 199 .
3- المغنی 10 : 616 کتاب الجزیة ، الشرح الکبیر 10 : 621 کتاب الجزیة ، فتح الباری 7 : 160 ، تحفة الأحوذی 9 : 193 .
4- الدرّ المنثور 4 : 157 ، 154 سورة الإسراء الآیة 1 ، الشفا بتعریف حقوق المصطفی 1 : 194 .
5- تفسیر الطبری 15 : 3 سورة بنی إسرائیل الآیة 1 .

ص:76

فقال : یا ابن أخی ، أعیَیْتَ قومک ! أین کنت ؟

قال : ذهبتُ إلی بیت المقدس .

قال : مِن لیلتک ؟!

قال : نعم .

قال : هل أصابک إلّا خیر ؟

قال : ما أصابنی إلّا خیر ، وقیل غیر ذلک((1)) .

وفی روضة الکافی عن الصادق علیه السلام قال : لمّا أسری برسول الله صلی الله علیه و آله أصبح فقعد فحدَّثهم بذلک ؛ فقالوا له : صِفْ لنا بیت المقدس . قال : فوصف لهم ، وإنّما دخله لیلاً فاشتبه علیه النعت ، فأتاه جبرئیل فقال : انظر هاهنا ، فنظر إلی البیت فوصفه وهو ینظر إلیه ، ثمّ نعت لهم ما کان من عِیر لهم فیما بینهم وبین الشام ، ثمّ قال : هذه عیر بنی فلان تَقدِم مع طلوع الشمس یتقدّمها جملٌ أورَق أو أحمر . قال : وبعثت قریش رجلاً علی فرس لیردّها ، قال : وبلغ مع طلوع الشمس ، قال قرطة بن عبد عمرو : یا لَهفا !! ألاّ أکون لک جذعاً حین تزعم أنّک أتیت بیت المقدس ورجعت من لیلتک !((2))

وفی أمالی الصدوق بإسناده عن الإمام الصادق علیه السلام قال : لمّا أسری برسول الله إلی بیت المقدس حمله جبرئیل علی البُراق ، فأتَیا بیت المقدس وعرض علیه محاریب الأنبیاء وصلّی بها وردّه ، فمرّ رسول الله فی رجوعه بعِیر لقریش ، وإذا لهم ماء فی آنیة وقد أضلّوا بعیراً لهم وکانوا یطلبونه ، فشرب رسول الله من ذلک الماء وأهرق باقیه .


1- تفسیر روح المعانی 15 : 6 سورة بنی إسرائیل الآیة 1 ، الدر المنثور 4 : 149 سورة الإسراء الآیة 1.
2- روضة الکافی 8 : 262 / الحدیث 376 . وانظر : الدرّ المنثور 4 : 148 - 149 .

ص:77

فلما أصبح رسول الله قال لقریش : إنّ الله جلّ جلاله قد أسری بی إلی بیت المقدس وأرانی آثار الأنبیاء ومنازلهم ، وإنّی مررت بعِیر لقریش فی موضع کذا وکذا وقد أضلوا بعیراً لهم فشربتُ من مائهم وأهرقتُ باقی ذلک ، فقال أبو جهل : قد أمکنتکم الفرصة منه ، فاسألوه : کم الأساطینُ فیها والقنادیل ؟

فقالوا : یا محمّد ، إنّ ها هنا من قد دخل بیت المقدس ، فصِفْ لنا کم أساطینُه وقنادیله ومحاریبه ؟

فجاء جبرئیل فعلّق صورة بیت المقدس تجاه وجهه ، فجعل یخبرهم بما یسألونه عنه ، فلمّا أخبرهم ، قالوا : حتّی تجیء العیر ونسألهم عمّا قلت ، فقال لهم رسول الله : تصدیقُ ذلک أن العِیر تطلع علیکم مع طلوع الشمس یقدمها جملٌ أورَق .

فلما کان من الغد أقبلوا ینظرون إلی العَقَبة ویقولون : هذه الشمس تطلع ]علینا[ الساعة ، فبینما هم کذلک إذ طلعت علیهم العِیر - حتّی طلع القرص - یقدمها جمل أورَق ، فسألوهم عمّا قال رسول الله فقالوا : لقد کان هذا ؛ ضلّ جمل لنا فی موضع کذا وکذا ، ووضعنا ماءً فأصبحنا وقد أهر یق الماء فلم یَزِدْهم ذلک إلّا عُتوّاً((1)) .

وروی البغوی فی تفسیره عن ابن عبّاس وعائشة عن رسول الله

صلی الله علیه و آله : لمّا کانت لیلة أُسری بی أصبحت بمکّة فضِقتُ بأمری وعرفتُ أنّ الناس یکذّبونی ، فروی أنّه علیه الصلاة والسلام قعد معتزلاً حزیناً ، فمرّ به أبو جهل فجلس إلیه ، فقال له کالمستهزئ : هل استفدتَ من شیء ؟

قال : نعم ، إنِّی أُسری بی اللیلة .

قال : إلی أین ؟

قال : إلی بیت المقدس .


1- أمالی الصدوق : 363 ، المجلس 69 - الحدیث 1 . وانظر : الدرّ المنثور 4 : 148 .

ص:78

قال : ثمّ أصبحتَ بین ظَهرانینا ؟!

قال : نعم .

فلم یُرِهِ أبو جهل أنّه ینکر ذلک مخافة أن یجحده الحدیث ، قال : أتُحدِّثُ قومک بما حدثتنی به ؟

قال : نعم .

قال أبو جهل : یا معشر بنی کعب بن لؤیّ ، هلمّوا . قال : فانقضّت إلیه المجالس فجاؤُوا حتّی جلسوا إلیهما ، قال : فحدِّثْ قومک بما حدّثتنی ؟

قال : نعم ، أنّه أُسری بی اللیلة .

قالوا : إلی أین ؟

قال : إلی بیت المقدس .

قالوا : ثمّ أصحبت بین ظهرانینا ؟

قال : نعم .

قال : فمِن بین مصفّق ، ومن بین واضع یدَه علی رأسه متعجّباً للکذب ، وارتدّ ناسٌ ممن کان آمن به وصدّقه ...((1))

قال ابن إسحاق : وحدِّثتُ عن الحسن :.... فلمّا أصبح صلی الله علیه و آله غدا علی قریش فأخبرهم الخبر ، فقال أکثر الناس : هذا والله الأمر البیِّن ! والله إنّ العِیر لتطرد شهراً من مکّة إلی الشام ؛ مُدبرةً شهراً ومُقبلةً شهراً ، فیذهب ذلک محمّد فی لیلة واحدة ویرجع إلی مکّة !

قال : فارتدّ کثیر ممن کان أسلم((2)) ...

* * *


1- تفسیر البغوی 3 : 79 . وانظر : مختصر تاریخ دمشق 17 : 189 ترجمة علیّ بن أحمد ابن المبارک .
2- أحکام القرآن للقرطبی 10 : 285 سورة بنی إسرائیل الآیة 60 .

ص:79

کان هذا بعض الشیء عن الإسراء والمعراج وتکذیب قریش بهما ، وارتداد بعض المسلمین ، وقد سعت قریش وعن طریق حکّام بنی أمیّة وبعض علماء البلاط فی العصور المتأخّرة إلی التشکیک فی الإسراء والمعراج والتقلیل من عظمة هذا الأمر الإلهیّ ومکانة الرسول بطرح تشکیکات ذات طابع جدلی ، کالقول باستحالة صعود الأجسام إلی العالم العلوی بهذه السرعة الخارقة للعادة بحیث یذهب فی آخر اللیل ویرجع إلی مکّة عند الفجر ، وعدم تطابق ما قیل فی مقدمات هذا السفر الإلهی من شقّ الصدر وغسله بماء زمزم ورکوبه صلی الله علیه و آله البراق و... مع العقل .

کلّ تلک التساؤلات بل قل التشکیکات جاءت مساوقة للتشکیک فی مدلول قوله تعالی فی الآیة 60 من سورة الإسراء ؛ إذ قال سبحانه : {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنَاکَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ} حیث قالوا بأنّ الإسراء والمعراج کان بروحه صلی الله علیه و آله - لا بجسمه وروحه - کی یقللوا من واقع الإسراء ویعضّدوا القول بأنّه کان فی المنام لا فی الیقظة و...

فقد أخرج ابن إسحاق وابن جریر عن عائشة رضی الله تعالی عنها ، قالت : ما فقدتُ جسدَ رسولِ الله ، ولکنّ الله أسری بروحه((1)) .

وأخرج ابن إسحاق وابن جریر عن معاویة بن أبی سفیان أنّه کان إذا سئل عن مسری رسول الله قال : کانت رؤیا صادقة((2)) .


1- الدرّ المنثور 4 : 157 . وفی تفسیر الطبری 15 : 13 حدّثنا ابن حمید قال : حدّثنا سلمة عن محمد بن إسحاق ، قال : حدّثنی بعض آل أبی بکر أنّ عائشة کانت تقول : ما فُقد جسدُ رسول الله ولکنّ الله أسری بروحه .
2- الدرّ المنثور 4 : 157 . وفی تفسیر الطبری 15 : 13 حدّثنا ابن حمید ، قال : حدّثنا سلمة عن محمد بن إسحاق ، قال : حدّثنی یعقوب بن عتبة بن المغیرة بن الأخنس أنّ معاویة بن أبی سفیان کان إذا سئل عن مسری رسول الله صلی الله علیه و آله قال : کانت رؤ یا من الله صادقة !

ص:80

قال القرطبی فی تفسیره : وقد احتُجَّ لعائشة بقوله تعالی : {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنَاکَ إِلّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} فسمّاها رؤیا .

وهذا یردّه قوله تعالی : {سُبْحَانَ الَّذِی أَسْرَی بِعَبْدِهِ لَیْلاً} ، ولا یقال فی النوم : « أسری » ، وأیضاً فقد یقال لرؤیة العین « رؤیا »... وفی نصوص الأخبار الثابتة دلالة واضحة علی أنّ الإسراء کان بالبدن ...((1))

وقال ابن عطیّة الأندلسی :... والصحیح ما ذهب إلیه الجمهور ، ولو کانت منامة ما أمکن قریشاً التشنیع ، ولا فضّل أبو بکر بالتصدیق ، ولا قالت له أمّ هانی : لا تُحدِّث الناس بهذا فیکذبوک ، إلی غیر هذا من الدلائل .

واحتجّ لقول عائشة بقوله تعالی : {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنَاکَ إِلّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} ویحتمل القول الآخر ؛ لأنّه یقال لرؤیة العین « رؤیا » . واحتجّ أیضاً بأنّ فی بعض الأحادیث « فاستیقظت وأنا فی المسجد الحرام » ، وهذا محتمل أن یر ید من الإسراء النوم .

واعترض قول عائشة بأنّها کانت صغیرة لم تشاهد ولا حدّثت عن النبی علیه السلام ، وأمّا معاویة فکان کافراً فی ذلک الوقت غیر مشاهد للحال ، صغیراً ، ولم یحدّث عن النبیّ ...((2))

وقال ابن کثیر :... فلو کان مناماً لم یکن فیه کبیر شیء ، ولم یکن مستعظماً ، ولما بادرت قریش إلی تکذیبه ، ولما ارتدّت جماعة ممّن کان قد أسلم ، وأیضاً فإن « العبد » عبارة عن مجموع الروح والجسد وقد


1- تفسیر القرطبی 10 : 209 سورة الاسراء الآیة 1 .
2- المحرر الوجیز 3 : 435 ، وانظر : تفسیر الثعالبی 2 : 248 .

ص:81

قال : {أَسْرَی بِعَبْدِهِ لَیْلاً}...((1))

و یجری مجری قوله تعالی : {سُبْحَانَ الَّذِی أَسْرَی بِعَبْدِهِ لَیْلاً} ما فی سورة النجم ، فقوله تعالی : {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَی * لَقَدْ رَأَی مِنْ آیَاتِ رَبِّهِ الْکُبْرَی}((2)) لا یتّفق مع الرؤیا ، بل الآیة فی سیاق الامتنان وبیان آیات ربّه الکبری ، أمّا الرؤیا فهی نحو من التخیّل یتفق للصالح والطالح ولا منزلة للرسول فی القول بهذا .

هذا ویمکن إجابة کلّ التساؤلات والتشکیکات بأنّ الأمر کان معجزةً ، والمعجزةُ لا تدرکها العقول البسیطة، فهی من قبیل إحیاء الأموات ، وتبدیل العصی ثعباناً ، وکولادة عیسی من غیر أَب ، وخروج ناقة صالح من الجبل الاصم ، وقوله تعالی : {فَخُذ أربعةً مِن الطَّیرِ فصُرْهُنَّ إلیکَ ثمّ اجعَلْ علی کُلِّ جَبَل مِنهُنَّ جُزءاً ثمّ ادعُهُنَّ یأتِینَکَ سَعْیاً واعلَمْ أنّ اللهَ عَزیزٌ حَکیم}((3)) ، وقوله تعالی : {قَالَ الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتَابِ أَنَا آتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَنْ یَرْتَدَّ إِلَیْکَ طَرْفُکَ} ((4)) صریحٌ بإحضار ( من عنده علم من الکتاب ) لعرش بلقیس من اقصی الیمن إلی اقصی الشام فی مقدار لمح البصر ، وهو یشبه ما قاله سبحانه عن الر یاح وأنّها کانت تسیر بسلیمان {غُدُوُّها شُهرٌ ورَواحُها شَهر}((5)) فی لحظة واحدة ، إلی غیرها من عشرات بل مئات الموارد .

إذاً رسالة الإسلام هی رسالة الغیب والإیمان بما خلق الله من الجنِ والملک


1- تفسیر ابن کثیر 3 : 23 سورة الإسراء آیة 1 .
2- النجم : 17 - 18 .
3- البقرة : 260 .
4- النمل : 40 .
5- سبأ : 12 .

ص:82

والروح و... والمسلم هو الذی یسلم بالغیب ویؤمن به لقوله تعالی: {الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ} ((1)) .

فلو کان معراج النبیّ محمّد فی لیلة واحدة ممتنعاً لکان القول بنزول آدم من الجنّة وإصعاد عیسی إلی السماء ممتنعاً، بل لسری الشک فی المعجزات لأنّها فی أصلها خرقٌ للقوانین المادیة .

وعلیه فهذه الرؤیة طرحت لبذر الشکّ فی قلوب المؤمنین من قبل {الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} ((2)) أو {الَّذِینَ لاَ یُؤْمِنُونَ} ((3)) فی حین أنّ رسالة السماء معناها الغیب والماورائیات وهی تتفق مع الإسراء وما جاء فیه ، وهذا ما لا تدرکه عقول هؤلاء من الامتحان الإلهیّ الذی سُنّ لیمحّص الله به المؤمنین ویمیزهم عن الکافر ین والمنافقین .

هذا وقد أجاب العلاّمة الطباطبائی فی ( المیزان ) عمّا قاله بعض المفسّرین من أنّ الشجرة الملعونة فی القرآن تعنی شجرة الزقّوم التی قال عنها الباری جلّ شأنه : {أَذٰلِکَ خَیْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِینَ }((4)) ، بأنّ هذا الاحتمال بعید جدّاً لأنّه جلّ شأنه لم یلعنها فی موضع من القرآن الکر یم ، ولو کان مجردّ کونها شجرةً تخرج من أصل الجحیم سبباً موجباً للعنها فی القرآن الکر یم لکانت النار وما أعدّ الله فیها من العذاب ملعونة وهذا ما لم یَقُله أحد ، ولکان ملائکةُ العذاب - الذین قال عنهم جل شأنه : {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلّا مَلاَئِکَةً


1- البقرة : 3 .
2- المائدة : 52 ، التوبة : 125 ، الأنفال : 49 .
3- النحل : 22 .
4- الصافّات : 62 - 63 .

ص:83

وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِینَ کَفَرُوا} ((1)) - ملعونین ، فی حین نراه سبحانه قد أثنی علیهم بقوله : {عَلَیْهَا مَلاَئِکَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ یَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ} ((2)) .

ولو صحّ هذا الاحتمال لکانت أیدی المؤمنین ملعونة کذلک ؛ لقوله : {قاتِلوهُم یُعَذّبْهُمُ اللهُ بأیدِیکُم}((3)) .

ومثله حال بقیة المعاذیر التی ذکرها مفسروا أهل السنة والجماعة للتخلّص من کیفیة صحّة لعن الشجرة ، ومحاولتهم صرف الآیة الکریمة عن لعن شجرة بنی أمیّة((4)) .

وإنکّ لو تدبّرتَ فی تفسیر قوله تعالی : {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنَاکَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی الْقُرْآنِ} لعرفت أنّ المقصود منها بنو أمیّةِ ؛ لما فعلوه من قبیح الأعمال ، ولا یصحّ ما قالوه بأنّ المعنیّ من الرؤیا هی الإسراء وغیرها من الأفکار الفاسدة .

وبهذا فقد عرفت أَنَّ جهلهم بالاُمور الغیبیة ومکانة الرسول لم یکن عن قصور أو تقصیر بَدْویَّینِ ، بل إنَّ جذوره ترجع إلی خلفیات هی أعمق ممّا قالوه بکثیر .

مع الرسول ورؤیاه

قال الآلوسی فی تفسیر آیة الرؤیا : ... وأخرج ابن جریر ، عن سهل بن سعد ، قال: « رأی رسول الله صلی الله علیه و آله بنی أمیّة یَنْزون علی منبره نزو القردة فساءه ذلک ، فما


1- المدّثر : 31 .
2- التحریم : 6 .
3- التوبة : 14 .
4- انظر : علی سبیل المثال تفسیر المیزان 13 : 141 - 143 ففیه جواب تلک المعاذیر المطروحة .

ص:84

استجمع ضاحکاً حتّی مات علیه الصلاة والسلام، وأنزل الله تعالی هذه الآیة : {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا}. وأخرج ابن أبی حاتم ، وابن مردویه ، والبیهقی فی الدلائل ، وابن عساکر عن سعید بن المسیب ، قال : رأی رسول الله صلی الله علیه و آله بنی أمیّة علی المنابر فساءه ذلک ، فأوحی الله إلیه : إنّما هی دنیا أُعطُوها ، فقرّت عینه ، وذلک قوله تعالی : {وَمَا جَعَلْنَا} ... الخ .

وأخرج ابن أبی حاتم ، عن یعلی بن مرّة ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : رأیت بنی أمیّة علی منابر الأرض وسیملکونکم فتجدونهم أرباب سوء ، واهتمّ علیه الصلاة والسلام لذلک ، فأنزل الله سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا}... الآیة ».

وأخرج عن ابن عمر: أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله قال: « رأیتُ ولد الحَکَم بن أبی العاص علی المنابر کأنّهم القردة، وأنزل الله تعالی فی ذلک {وَمَا جَعَلْنَا}... الخ ، والشجرة الملعونة الحکم وولده » وفی عبارة بعض المفسر ین : هی بنو أمیّة .

وأخرج ابن مردو یه ، عن عائشة رضی الله تعالی عنها : أنّها قالت لمروان بن الحکم : « سمعتُ رسول الله صلی الله علیه و آله یقول لأبیک وجدّک : إنّکم الشجرة الملعونة فی القرآن » .

فعلی هذا معنی إحاطته تعالی بالناس إحاطة أقداره بهم ، والکلام علی ما قیل علی حذف مضاف، أی « وما جعلنا تعبیر الرؤیا » أو الرؤیا فیه مجاز عن تعبیرها ، ومعنی جعل ذلک فتنة للناس جعله بلاء لهم ومختبراً ، وبذلک فسره ابن المسیب .

وکان هذا بالنسبة إلی خلفائهم الذین فعلوا ما فعلوا ، وعدلوا عن سنن الحقّ وما عدلوا ، وما بعده بالنسبة إلی ما عدا خلفاءهم منهم ، ممن کان عندهم عاملاً وللخبائث عاملاً ، أو ممن کان من أعوانهم کیفما کان .

ویحتمل أن یکون المراد « ما جعلنا خلافتهم وما جعلناهم أنفسهم إلّا فتنة » ، وفیه من المبالغة فی ذمهم ما فیه . وجعل ضمیر {نُخَوِّفُهُمْ} علی هذا لما کان له

ص:85

أوّلاً ، أو للشجرة باعتبار أن المراد بها بنو أمیّة ولعنهم لما صدر منهم من استباحة الدماء المعصومة ، والفروج المحصنة ، وأخذ الأموال من غیر حلها ومنع الحقوق عن أهلها ، وتبدیل الأحکام ، والحکم بغیر ما أنزل الله تعالی علی نبیه علیه الصلاة والسلام ، إلی غیر ذلک من القبائح العظام والمخازی الجسام التی لا تکاد تُنسی ما دامت اللیالی والأیام .

وجاء لعنهم فی القرآن، إما علی الخصوص کما زعمته الشیعة ، أو علی العموم کما نقول ، فقد قال سبحانه وتعالی: {إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنْیَا وَالْآخِرَةِ}، وقال عزّوجلّ: {فَهَلْ عَسَیْتُمْ إِنْ تَوَلَّیْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَکُمْ * أُولٰئِکَ الَّذِینَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَی أَبْصَارَهُمْ} إلی آیات أخر ، ودخولهم فی عموم ذلک یکاد یکون دخولا أوّلیّاً ((1)) ، انتهی موضع الحاجة من کلام الآلوسی .

وقال القرطبی فی تفسیره : « فنزلت الآیة مخبرة أنّ ذلک من تملّکهم وصعودهم ] أی نَزْوِهِم علی منبره نزو القردة [ یجعلها الله فتنة للناس وامتحاناً ، وقرأ الحسن بن علیّ فی خطبته فی شأن بیعته لمعاویة: {وَإِنْ أَدْرِی لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَکُمْ وَمَتَاعٌ إِلَی حِینٍ}. قال ابن عطیة : وفی هذا التأو یل نظر ، ولا یدخل فی هذه الرؤیا ، عثمان ، ولا عمر بن عبدالعزیز ، ولا معاویة »((2)) .

وعلیه فلا یصحّ ما قالوه من تکلّفات فی کلمة الرؤیا والشجرة الملعونة فی الآیة ، مع وضوح أنّ الملعونین فی القرآن هم جند إبلیس والیهود ، والمشرکون ، والمنافقون ، والذین ماتوا وهم کفار ، والذین یکتمون ما أنزل الله ، والذین یؤذون


1- تفسیر روح المعانی 15 : 107 - 108 ، هذا ومن المفید الرجوع إلی التفسیر الکبیر للرازی 20 : 236 - 237 لملاحظة سائر الأقوال فی الآیة المبارکة .
2- تفسیر القرطبی 10 : 283 سورة الاسراء .

ص:86

الله ورسوله وغیرها لا شجرة الزقوم ولا غیرها من التأو یلات التی صیغت بأخرة لإبعاد الآیة الکریمة عن معناها الحقیقی((1)) .

المجتهدون الأوائل ودورهم فی التشریع :

أبانت دراساتنا السابقة عن ( وضوء النبیّ ) و( منع تدو ین الحدیث ) و( تاریخ الحدیث النبوی الشریف )((2)) بروز نهجین بعد رسول الله صلی الله علیه و آله کان موجودین فی حیاته :


1- وللتاکید انظر : کتاب المأمون العبّاسی فی تاریخ الطبری 10 : 57 - 58 حتی تقف علی الفهم السائد فی القرون الأولی بالنسبة للشجرة الملعونة وأنّها تعنی بنی أمیّه وأن أهل البیت هم العترة - والکتاب طو یل نأخذ من قوله - : ... فجعلهم الله أهل بیت الرحمة وأهل بیت الدین ، أذهب الله عنهم الرجس وطهرّهم تطهیرا ، ومعدن الحکمة ، وورثة النبوة ، وموضع الخلافة ، وأوجب لهم الفضیلة ، وألزم العباد لهم الطاعة ، وکان ممن عانده ونابذه وکذّبه وحاربه من عشیرته العدد الأکثر ، والسواد الأعظم ، یتلقّونه بالتکذیب والتثریب ، ویقصدونه بالأذیّة والتخو یف ، ویبادونه بالعداوة ، وینصبون له المحاربة ، ویصدّون عنه من قصده ، وینالون بالتعذیب مَن اتّبعه ، وأشدّهم فی ذاک عداوة وأعظمهم له مخالفة ، وأوّلهم فی کلّ حرب ومناصبة ، لا یرفع علی الإسلام رایة إلّا کان صاحبها وقائدها ورئیسها فی کلّ مواطن الحرب من بدر ، وأحد ، والخندق ، والفتح : أبو سفیان بن حرب ، وأشیاعه من بنی أمیّة الملعونین فی کتاب الله ، ثمّ الملعونین علی لسان رسول الله فی عدة مواطن وعدّة مواضع ؛ لماضی علم الله فیهم وفی أمرهم ، ونفاقهم ، وکفر أحلامهم ، فحارب مجاهداً ، ودافع مکابداً ، وأقام منابذاً حتّی قهره السیف ، وعلا أمر الله وهم کارهون ، فتقوَّل بالإسلام غیر منطو علیه ، وأسرَّ الکفر غیر مقلع عنه ، فعرفه بذلک رسول الله والمسلمون ومیّز له المؤلفة قلوبهم فقبله ، وولده علی علم منه ، ممّا لعنهم الله به علی لسان نبیه وأنزل به کتاباً قوله : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا یَزِیدُهُمْ إلّا طُغْیَاناً کَبِیراً( ولا اختلاف بین أحد أنّه أراد بها بنی أمیّة ، ومنه قول الرسول علیه السلام وقد رآه مقبلاً علی حمار ، ومعاویة یقود به ، ویزید ابنه یسوق به : لعن الله القائد ، والراکب ، والسائق ...
2- طبع سابقا فی مجلة تراثنا ( الأعداد 53 - 60 ) تحت عنوان ( السنّة بعد الرسول ) .

ص:87

أحدهما : یتّخذ المواقف من خلال الأصول ، ویتّبع القرآن والسنّة ، ولا یرتضی الرأی والاجتهاد مع وجود النصّ .

والآخر : یتّخذ الأصول من خلال مواقف الصحابة وإن خالفت النصوص ، فهؤلاء یشرّعون الرأی ویأخذون به مقابل النص، ویتعاملون مع رسول الله کأنّه بشر غیر کامل یصیب ویخطئ ویسبّ ویلعن ثمّ یطلب المغفرة للملعونین((1)) ، أو أنّه صلی الله علیه و آله خفی علیه أمر الوحی حتّی أخبره ورقة بن نوفل بذلک ! وهذا یخالف ما ثبت من أنّ خاتم النبوة کان مکتوباً علی کتفه .

وبین هؤلاء من رفع صوته - فی ممارساته الیومیة - فوق صوت النبیّ ، واعترض علی رسول الله فی أعماله((2)) ، وتعرّف المصلحة وهو بحضرته صلی الله علیه و آله ، وتنزّه فی أمر رخّص فیه ، أو تزهّد فی أمر نهی عنه .

فجاء فی کتاب الآداب من صحیح البخاری أنّ النبیّ رخّص فی أمر فتنزّه عنه ناس، فبلغ النبیّ فغضب ثمّ قال : ما بال أقوام یتنزّهون عن الشیء أصنعه ، فوالله إنّی لأعلمُهم وأشدّهم خشیة((3)) .

وفی خبر آخر : أُخبر رسول الله أنّ عبدالله بن عمرو بن العاص یقول : والله لأصومنّ النهار ولأقومنّ اللیل ، فقال له رسول الله: أنت الذی تقول : « لأصومنّ النهار ولأقومنّ اللیل ما عشت » ؟!

قال : قد قلت ذلک یا رسول الله .


1- صحیح البخاری 8 : 435 / کتاب الدعوات ، باب 736 ، ح 1230 سورة الإسراء ، مسند أحمد 2 : 316 - 317 ، 419 ، وج 3 : 40 .
2- کاعتراض عمر بن الخطاب علی رسول الله لمّا أراد أن یصلّی علی المنافق ، وقوله له : أتصلّی علیه وهو منافق ؟! وإنکاره علی رسول الله فعله فی أخذ الفداء من أسری بدر وغیرها . انظر : صحیح مسلم ، کتاب الفضائل ، باب فضائل عمر .
3- انظر : صحیح البخاری 8 : 353 کتاب الدوب ، باب من لم یواجه الناس بالعتاب ، ح 979 .

ص:88

فقال رسول الله : إنّک لا تستطیع ذلک فصُمْ وأفطرِ ، ونَم وقُم ، وصُم من الشهر ثلاثة أیّام ، فإنّ الحسنة بعشر أمثالها ، وذلک مثل صیام الدهر .

قال ، قلت : إنّی أُطیق أفضلَ من ذلک .

فقال صلی الله علیه و آله : فصم یوماً وأفطِر یومین .

قال : قلت : إنّی أطیق أفضل من ذلک .

فقال : قال : فَصُم یوماً وأفطِر یوماً ، فذلک صیام داود علیه السلام وهو أفضل الصیام .

فقلت : أطیق أفضل من ذلک .

فقال النبیّ : لا أفضل من ذلک((1)) .

إن مثل هذا التحکیم للرأی الشخصی فی مقابل قول رسول الله صلی الله علیه و آله یحمل فی طیاته مخاطر عدیدة ، ویفتح مسارات للتحریف والتبدیل ، ومن شأنه أن یحول الدین الالهی إلی دین مشوب بآراء الناس ووجهات نظرهم الشخصیة ، وهو یجرّ من ثمّ إلی تجزئ الدین والی النزعة التلفیقیة فی الشریعة ، ومن هنا ظهرت فی الصدر الأوّل وما بعده الأحکام المبتدعة والأهواء المتّبعة التی لیست من دین الله فی شیء ، ولا تمت إلی الحیاة الإسلامیة النز یهة بصلة ، وهو الذی کان رسول الله یتخوف علی اُمته منه . وقد صرّح الإمام علیّ فی خطبة له بأنّه لو أتیحت له الفرصة لأرجع بعض الأُمور إلی أصلها ، فقال : ( ... وإنّما بدءُ وقوع الفتن أهواء تتّبع وأحکام تبتدع ، یخالف فیها کتاب الله ، یتولّی فیها رجالٌ رجالاً ... إلی أن یقول : .. أرأیتم لو أمرت بمقام إبراهیم فرددته إلی الموضع الذی وضعه فیه رسول الله ، ورددت فدک إلی ورثة فاطمة ، ورددت صاع رسول الله کما کان ، وأمضیت قطائع أقطعها رسول الله صلی الله علیه و آله لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ ، ورددت دار


1- انظر : صحیح البخاری 3 : 91 کتاب الصوم ، باب صوم الدهر ، ح 233 .

ص:89

جعفر إلی ورثته وهدمتها من المسجد((1)) ، ورددت قضایا من الجور قضی بها((2)) ، ونزعت نساء تحت رجال بغیر حقّ فرددتهن إلی أزواجهن((3)) واستقبلت بهنّ الحکم فی الفروج والأحکام ، وسبیت ذراری بنی تغلب((4)) ، ورددت ما قسّم من أرض خیبر ، ومحوت دواو ین العطایا((5)) ، وأعطیت کما کان رسول الله صلی الله علیه و آله یعطی بالسو یّة ، ولم أجعلها دولة بین الأغنیاء . وألقیت المساحة((6)) ، وسوّ یت بین المناکح((7)) ، وأنفذت خمس الرسول کما أنزل عزّوجلّ وفرضه((8)) ، ورددت مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله إلی ما کان علیه((9)) ، وسددت ما فُتح فیه من الأبواب((10)) ،


1- کأنّهم غصبوها وأدخلوها فی المسجد .
2- کقضاء عمر بالعول والتعصیب فی الإرث وسواهما .
3- کمن طلّق زوجته بغیر شهود وعلی غیر طهر ، وقد یکون فیه إشارة إلی قوله بعد بیعته : ألا إنّ کلّ قطیعة أقطعها عثمان وکلّ مال أعطاه من مال الله فهو مردود فی بیت المال ، فإنّ الحقّ القدیم لا یبطله شیء ، ولو وجدته قد تزوج به . إلخ ، وانظر : نهج البلاغة 1 : 42 خ 14 .
4- لأنّ عمر رفع الجزیة عنهم فهم لیسوا بأهل ذمّة ، فیحلّ سبی ذراریهم ، قال محیی السنّة البغویّ : روی أنّ عمر بن الخطّاب رام نصاری العرب علی الجزیة ، فقالوا : نحن عرب لا نؤدّی ما یؤدّی العجم ، ولکن خذ منّا کما یأخذ بعضکم من بعض ، بعنوان الصدقة . فقال عمر : هذا فرض الله علی المسلمین . قالوا : فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجز یة ، فراضاهم علی أن ضعّف علیهم الصدقة .
5- إشارة إلی ما ذهب إلیه عمر من وضعه الخراج علی أرباب الزراعة والصناعة والتجارة لأهل العلم والولاة والجند ، بمنزلة الزکاة المفروضة ، ودوّن دواو ین فیها أسماء هؤلاء وأسماء هؤلاء .
6- راجع تفصیل هذا الأمر فی کتاب الشافی للسیّد المرتضی .
7- ربّما کان إشارة إلی ما ذهب إلیه عمر من منع غیر القرشیّ الزواج من القرشیّة ، ومنعه العجم من التزوّج من العرب .
8- إشارة إلی منع عمر أهل البیت خُمسَهم .
9- یعنی أخرجت منه ما زاده علیه غصباً .
10- إشارة إلی ما نزل به جبرئیل من الله تعالی بسدّ الأبواب المفضیة إلی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله إلّا باب علیّ .

ص:90

وفتحت ما سُدّ منه ، وحرّمت المسح علی الخفین((1)) ، وحَدَدت علی النبیذ ، وأمرت بإحلال المُتعتین((2)) ، وأمرت بالتکبیر علی الجنائز خمس تکبیرات((3)) ، وألزمتُ الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحیم((4)) ، وأخرجت من أُدخل بعد رسول الله صلی الله علیه و آله فی مسجده ممّن کان رسول الله صلی الله علیه و آله أخرجه ، وأدخلت من أُخرج بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ممّن کان رسول الله صلی الله علیه و آله أدخله((5)) ، وحملت الناس علی حکم القرآن وعلی الطلاق علی السنّة((6)) ، وأخذت الصدقات علی أصنافها وحدودها((7)) ، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلی مواقیتها وشرائعها ومواضعها((8)) ، ورددت أهل نجران إلی مواضعهم((9)) ، ورددت سبایا فارس وسائر الأُمم إلی کتاب الله وسنّة نبیّه صلی الله علیه و آله .. إذن لتفرّقوا عنّی((10)) .


1- إشارة إلی ما أجازه عمر فی المسح علی الخفّین ، ومخالفة عائشة وابن عبّاس وعلیّ وغیرهم له فی هذا الصدد .
2- یعنی متعة النساء ومتعة الحجّ .
3- لِما کبّر النبیّ صلی الله علیه و آله خمساً فی روایة حذیفة وزید بن أرقم وغیرهما .
4- والجهر بالبسملة ممّا ثبت قطعاً عن النبیّ صلی الله علیه و آله فی صلاتهِ ، وروی الصحابة فی ذلک آثاراً صحیحة مستفیضة متظافرة .
5- یحتمل أن یکون المراد إشارة إلی الصحابة المخالفین الذین أُخرجوا بعد رسول الله من المسجد فی حین کانوا مقرّبین عند النبیّ صلی الله علیه و آله ، وکذا إنّه علیه السلام یخرج من أخرجه رسول الله صلی الله علیه و آله ، کالحکم بن العاص وغیره .
6- ینظر علیه السلام إلی الاجتهادات المخالفة للقرآن وما قالوه فی الطلاق ثلاثاً .
7- أی من أجناسها التسعة ، وهی : الدنانیر والدراهم والحنطة والشعیر والتمر والزبیب والإبل والغنم والبقر.
8- وذلک لمخالفتهم هذه الأحکام . وقد أوضّحنا حکم الوضوء منه فی کتابنا ( وضوء النبیّ ) فراجع ، نأمل أن نوفّق فی الکتابة عن الغسل والصلاة وغیرها من الأحکام الشرعیة التی أشار الإمام علی بن أبی طالب إلی التحریف والابتداع فیها إنّ شاء الله تعالی .
9- وهم الذین أجلاهم عمر عن مواطنهم .
10- الکافی 8 : 58 ، الروضة ح 21 .

ص:91

وقد أعلن الأئمّة من آل البیت أنهم کانوا یتبعون النصوص ولا یرتضون الرأی ..

فعن الإمام الباقر علیه السلام أنّه قال لجابر : والله یا جابر لو کنّا نُفتی الناس برأینا وهوانا لکنّا من الهالکین ، ولکنّا نُفتیهم بآثار من رسول الله

صلی الله علیه و آله وأُصول علم عندنا ، نتوارثها کابراً عن کابر ، نَکنِزُها کما یکنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم((1)) .

وسأل رجلُ الإمام الصادق علیه السلام عن مسألة فأجابه فیها ، فقال الرجل : أرأیتَ إن کان کذا وکذا ، ما یکون القول فیها ؟

فقال له : مَه ! ما أجبتک فیه شیء فهو عن رسول الله

صلی الله علیه و آله ، لسنا من « أرأیت » فی شیء((2)) .

وعن الإمام الباقر علیه السلام : ما أحدٌ أکذب علی الله وعلی رسوله ممّن کذّبنا أهلَ البیت أو کذب علینا ؛ لأنّا إنّما نحدِّث عن رسول الله صلی الله علیه و آله وعن الله . فإذا کُذّبنا فقد کُذّب الله ورسوله((3)) .

وقال : لو أنّا حدّثنا برأینا ضللنا کما ضلّ من کان قبلنا ، ولکنّا حدّثنا ببیّنة من ربّنا بیّنها لنبیّه فبیّنها لنا((4)) .

وعن أبی بصیر ، قال : قلت للصادق : تَرد علینا أشیاءُ لیس نعرفها فی کتاب الله ولا سنّة ، فننظر فیها ؟ قال : لا ، أما إنّک إن أصبتَ لم تُؤجَر ، وإن أخطأتَ کذبتَ علی الله عزّ وجلّ((5)) .


1- بصائر الدرجات : 300 ح 4 والنص عنه ، و299 ح 1 .
2- الکافی 1 : 58 . کتاب فضل العلم باب البدع والرأی والمقاییس ح 21 .
3- جامع أحادیث الشیعة 1 : 181 . باب حجیّة فتوی الأئمّة المعصومین ، ح 114 .
4- بصائر الدرجات : 299 ح 2 وانظر : 301 ح 1 .
5- الکافی 1 : 56 . کتاب فضل العلم باب البدع والرأی ح 11 .

ص:92

نعم ، إنّ نهج الاجتهاد کان له دعاة وأتباع استمدّوا جذورهم من مصدر غیر التعبد والتسلیم ، وهو أقرب إلی ما عرفوه فی الجاهلیة ممّا عرفوه فی الإسلام وکان لهؤلاء وجود ملحوظ أیضاً فی صدر الإسلام ، فقد اقترح بعض المشرکین علی رسول الله أن یبدل بعض الأحکام الشرعیة وهو صلی الله علیه و آله یقول : {مَا یَکُونُ لِی أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِی إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا یُوحَی إِلَیَّ} ((1)) .

وقد أثبتنا سابقاً أنّ عمر بن الخطّاب کان من المجتهدین الأوائل الذین تعرّفوا المصلحة وهم بحضرة الرسول المصطفی ، فأنکر علیه أخذَه الفداءَ من أساری بدر((2)) ، واعترض علیه صلی الله علیه و آله فی صلاته علی المنافق((3)) ، وواجه النبیَّ بلسان حادّ فی صلح الحدیبیة((4)) ، وطالب النبیَّ أن یزداد علماً إلی علمه وأن یستفید من مکتوبات الیهود فی الشر یعة((5)) وقال لرسول الله فی مرض موته : ( إنه لَیَهجُر ) أو غَلَبه الوجع((6)) !


1- یونس : 15 .
2- شرح نهج البلاغة لأبن أبی الحدید 11 - 12 : 12 / 82 ، باب نکت من کلام عمر وسیرته وأخلاقه .
3- صحیح مسلم 4 : 1865 کتاب فضائل الصحابة باب فضائل عمر ح 25 و1 : 2141 کتاب صفات المنافقین وأحکامهم ح 3 .
4- صحیح البخاری 4 / 381 کتاب الشروط ، باب الشروط فی الجهاد والمصالحة ، ح 932 .
5- المصنّف لعبد الرزاق 10 : 313 کتاب أهل الکتابین ، باب هل یسأل أهل الیهود بشیء / ح 19213 ، مجمع الزوائد 1 : 174 باب لیس لاحد قول مع رسول الله9 .
6- صحیح البخاری 1 : 39 کتاب العلم ، باب 82 ، ح 112 ، صحیح مسلم 3 : 1257 ، 1259 ، کتاب الوصیة باب ترک الوصیة ...

ص:93

المجتهدون الأوائل والأذان !

والآن لنری موقف عمر بن الخطاب وموقف غیره من المجتهدین فی الأذان ، وهل لهؤلاء دور فی هذا التغییر ، أم تقع تبعات التحریف علی اللاحقین من بنی أمیّة وبنی العبّاس ؟ وغیرهم من المتأخّرین حسب تعبیر الصنعانی((1)) .

إنّ النّصوص السابقة أوقفتنا علی وجود اتّجاه فی الصحابة وموقف من الأذان یقترح علی الرسول أن یتّخذ ناقوساً مثل ناقوس النصاری ، أو بُوقاً مثل بوق الیهود ، فیستاء رسول الله من هذا ویغتمّ لاقتراحات هذا الاتجّاه من الصحابة الذین وصل الأمر بهم إلی أن یقترحوا علی الرسول المصطفی إدخال بعض أحکام وأفکار شریعتی موسی أو عیسی المحرَّفتین فی منهج الإسلام ، وکأنّ أطروحة الإسلام غیر قادرة علی أن تفی بالأعباء ؛ فقد رووا عن عمر أنّه قال للنبی صلی الله علیه و آله « یا رسول الله إنّی مررتُ بأخ لی من یهود فکتب لی جوامع من التوراة ، أفلا أعرضها علیک ؟ فتغیّر وجه رسول الله .

فقال عمر : رضیت بالله ربّاً وبالإسلام دیناً وبمحمّد رسولاً ، فسُرّی عن النبیّ ، ثمّ قال صلی الله علیه و آله : والذی نفسی بیده ، لو أصبح فیکم موسی فاتّبعتموه وترکتمونی لضللتم ، إنّکم حظّی من الأمم وأنا حظّکم من النبیّین »((2)) .


1- انظر : کلامه المتقدم فی صفحه 23 من هذه الدراسة . قال النووی فی شرحه علی صحیح مسلم وبعد أن اتی بخبر عبدالله بن زید قال : ... فیکون الواقع الاعلام اولاً ثمّ رای عبدالله بن زید الأذان فشرعه النبیّ بعد ذلک اما بوحی واما باجتهاده صلی الله علیه و آله علی مذهب الجمهور فی جواز الاجتهاد الاجتهاد له صلی الله علیه و آله ولیس هو عملاً بمجرد اتمام هذا ما لا یشک فیه بلا خلاف والله اعلم .
2- المصنّف لعبدالرزّاق 10 : 313 رقم 19213 ، مجمع الزوائد 1 : 174 وفیه : یا رسول الله ، جوامع من التوراة أخذتها مع أخ لی من بنی زُرَ یق ، فتغیّر وجه رسول الله ...

ص:94

فهؤلاء المجتهدون فی الصدر الأوّل کانوا یتعاملون مع الأحکام وفق ما عرفوه من الشرائع السابقة ، وکانوا یتصورون بأنّ الأمر بیدهم یفعلون ما یشاؤون، فکانوا هم الذین اقترحوا علی رسول الله البوق ، الناقوس « فنقسوا أو کادوا أن ینقسوا » حتّی رأی عبدالله بن زید أو غیره فی المنام ....

إذاً فکرة کون تشریع الأذان کان ب- « رؤیا » جاءت من قبل الصحابة المجتهدین ، ثمّ تطوّرت حتّی وصل بها الأمر إلی ما وصل لاحقاً، وهذا ما یجب الوقوف علیه فی مطاوی بحوثنا ..

إذ جاء عن کثیر بن مرة الحضرمی أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال : أوّل من أذّن فی السماء جبرئیل

علیه السلام ، قال : فسمعه عمر وبلال ، فأقبل عمر فأخبر النبیّ بما سمع، ثمّ أقبل بلال فأخبر النبیّ بما سمع ، فقال له رسول الله : سبقک عمر یا بلال ....

أو قول ابن عمر : إنّ بلالاً کان یقول أوّل ما أذّن: « أشهد أن لا إله إلّا الله ، حیّ علی الصلاة » ، فقال له عمر : قل فی أثرها « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » ...

نعم إنّهم رفعوا بضبع الصحابة الحالمین الرائین للأذان إلی مرتبة النبوة والمعاینة الحقیقیّة حتّی قال عبدالله : « یا رسول الله ، إنّی لَبینَ یقظان ونائم » ، وفی آخر : « لقلت : إنی کنت یقظاناً غیر نائم » ، وبعکس ذلک نراهم یحطّون من منزلة النبیّ صلی الله علیه و آله عن المعاینة الحقیقیة فی المعراج - {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّی * فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَی}- إلی مرتبة التشکیک ، مستخدمین العبارة نفسها « بین النائم والیقظان » ، ورووا ذلک فی الصحیح !!

ففی صحیح مسلم بسنده عن قتادة ، عن أنس بن مالک - لعله قال: عن مالک بن صعصعة ( رجل من قومه ) ، قال - قال نبی الله صلی الله علیه و آله : بینا أنا عند البیت بین النائم والیقظان....

ص:95

ثمّ أتیت بدابة أبیض یقال له البُراق فوق الحمار ودون البغل یقع خطوه عند أقصی طرفه ، فحُمِلتُ علیه ، ثمّ انطلقنا حتّی أتَینا السماء الدنیا .... ثمّ سرد قصة المعراج((1)) .

بل فی روایة شریک فی حدیثه عن أنس التصریح بأنّه

صلی الله علیه و آله کان نائماً . قال : « وهو نائم بالمسجد الحرام » وذکر القصة الواردة لیلة الإسراء ، ثمّ قال فی آخرها : « استیقظت » - أی انتبهت - من منامی وأنا فی المسجد الحرام((2)) .

قال الصالحی الشامی : وهذا المذهب یعزی إلی معاویة بن أبی سفیان ... ویُعزی أیضاً إلی عائشة((3)) .

بل صرّح إمام الشافعیة القاضی أبو العبّاس بن سریج بوضع هذا الحدیث علی عائشة فقال : هذا حدیث لا یصحّ وإنّما وُضِعَ ردّاً للحدیث الصحیح((4)) .

تری من هو الواضع ؟

وما هو غرضه من التحریف فی مقابل ما هو أصیل ؟

ولماذا جَحْدُ منزلة النبیّ صلی الله علیه و آله ومحاولة جعل القضیة مناماً عادیّاً ؟

ولماذا یختص ذلک بمعاویة وعائشة ؟!

وهل یکمن فی ذلک إنکارٌ مُبَطَّن لرؤیا النبیّ بنی أمیّة - أو تیماً وعدیّاً - یردون


1- صحیح مسلم 1 : 150 ، باب الإسراء من کتاب الإیمان - ح 264 . وانظر : مثله فی صحیح البخاری 4 : 549 ، کتاب بدء الخلق ، باب ذکر الملائکة صلوات الله علیهم ، ح 1371 .
2- سبل الهدی والرشاد 3 : 69 والنص عنه . وانظر : روایة شریک فی صحیح البخاری 9 : 824 - 826 / کتاب التوحید / باب قوله: (وَکَلَّمَ اللهُ مُوسَی تَکْلِیماً( / ح 2316 ، وانظر : صحیح مسلم 1 : 148 ح 262 / کتاب الإیمان - باب الاسراء برسول الله .
3- سبل الهدی والرشاد 3 : 69 .
4- سبل الهدی والرشاد 3 : 70 ، نقلاً عن المعارج الصغیر لابن الخطاب بن دحیة .

ص:96

الناس عن الإسلام القهقری ؟!((1)) إذ لیس فی الرؤیا المنامیّة کبیر أمر ولا کثیر طائل ، وإذا کان المعراج رؤیا فلماذا لم یَرَها الآخرون کما رأی الأذان سبعة أو أربعة عشر أو عشرون شخصاً ؟! لکی لا یکذّب المشرکون النبیَّ صلی الله علیه و آله أو لکی لا یرتدّ من أسلم من المسلمین ؟ ألم یقولوا مثل هذا التعلیل فی سرّ رؤی الصحابة للأذان ؟!

فهذه النصوص ترفع هؤلاء إلی السماء وتجعلهم قرب الوحی ، وتحاول إنزال مقامات النبیّ صلی الله علیه و آله فی المعراج إلی حدّ الرؤیا العادیة ، فنحن لو لحظنا دور المجتهدین فی الشر یعة ووقفنا علی اجتهادات الصحابة واقتراحاتهم علی رسول الله فی الأذان وغیرها ، وعرفنا الدواعی التی دفعت بعمر بن الخطّاب أن یرفع ( حیّ علی خیر العمل ) أو یضع ( الصلاة خیر من النوم ) فی الأذان لآمَنَّا بأن الشرارة الأولی لهذا التحریف جاءت من قبل هذا القسم من الصحابة ، وأن فکرة کون الأذان رؤیا تتّفق مع فکر هذا الصنف لا المتعبّدین ، وذلک لاجتهادهم وعدم تعبّدهم بالنصوص . ونظرة هؤلاء تختلف عن نظرة أهل البیت إلی الشر یعة والإسراء والمعراج وغیرها .

الأمویّون والأذان

لقد تطوّرت فکرة الرؤیا وما جاء فی تشریع الأذان فی العهد الأموی وتأطّرت بإطارها الخاص ؛ إذ لو جمعنا القرائن والشواهد لعرفنا بأن معاویة ومن بعده هم الذین تبنوا هذه الفکرة وأنّهم کانوا قد سعوا لتثقیف الناس حسبما یر یدونه ، وهذا ما نلاحظه فی نصوص الأذان بعد الإمام علیّ ، إذ لم یشر علیّ علیه السلام إلی هذا التضاد فی الأذان فی ما رواه عن النبیّ ، بل لم یردنا خبرٌ صریحٌ فی تکذیب الروایات المدّعیة لثبوت تشریع الأذان بالرؤیا قبل الإمام الحسن بن علیّ علیه السلام .


1- الکافی 8 : 343 - 345 باب رؤیا النبیّ صلی الله علیه و آله .

ص:97

فأوّل ما تطالعنا النصوص بهذا الصدد هو کلام سفیان بن اللیل حینما قدم علی الإمام الحسن بعد الصلح ، قال: فتذاکرنا عنده الأذان فقال بعضنا : إنّما کان بدء الأذان برؤیا عبدالله بن زید .

فقال له الحسن بن علیّ : إنّ شأن الأذان أعظم من ذلک ، أذَّن جبرئیل ..

وهذا یرشدنا إلی تذاکر المسلمین فی أمر الأذان بعد الصلح لقوله ( لما کان من أمر الحسن بن علیّ ومعاویة ما کان قدمت المدینة وهو جالس فی أصحابه ) .

فبعضهم فی هذا الخبر یقول: ( إنّما کان بدء الأذان برؤیا عبدالله ) ، لکنّ الإمام الحسن صحّح رؤ یتهم الخاطئة قائلاً : إن شأن الأذان أعظم من ذلک .

ونحن لو واصلنا السیر التاریخی وانتقلنا من خبر الإمام الحسن إلی ما جاء عن الإمام الحسین وأنّه سئل عمّا یقول الناس ؟ فقال علیه السلام : « الوحی ینزل علی نبیکم ، وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زید » ؛ لعرفنا استمرار هذا النزاع بین الناس وأهل البیت فی کیفیة نشوء وبدء تشریع الأذان .

وقد مر علیک کلام أبی العلاء سابقاً حیث قال : قلت لمحمّد بن الحنفیة : إنا لنتحدث أنّ بدء الأذان کان من رؤیا رآها رجل من الانصار فی منامه .

قال : ففزع لذلک محمّد ابن الحنفیة فزعاً شدیداً وقال : عمدتم إلی ما هو الاصل فی شرائع الإسلام ومعالم دینکم فزعمتم أنّه إنّما کان رؤیا رآها رجل من الأنصار فی منامه یحتمل الصدق والکذب وقد تکون أضغاث أحلام .

قال : فقلت : هذا الحدیث قد استفاض فی الناس ؟

قال : هذا والله هو الباطل ...

فبدءُ النزاع العلنی وانتشاره کان فی زمن معاویة بعد صلح الإمام الحسن ، وفزعُ محمّد بن الحنفیة الفزع الشدید، وإخبارهم إیاه باستفاضة هذا الحدیث ، لیدلاّن علی أنّ وضع تلک الأحادیث الأذانیة أو بدء انتشارها کان فی زمان معاویة

ص:98

بن أبی سفیان ، الّذی کان حسّاساً إلی درجة کبیرة من ذکر النبیّ صلی الله علیه و آله ، إذ کیف یُقرنُ اسم بشر « محمد » باسم ربّ العالمین « الله » ؟!((1)) مع أنّ کلّ الأنبیاء الذین جاؤوا بشرائع سابقة لم یقرن اسم أحدهم باسم رب العزة فی إعلامهم للطقوس الدینیة، بل کان الناقوس والبوق والشبّور .

إذن لم یکن معنیً - بنظر معاویة - لمقارنة اسم النبیّ لاسم الربّ فی السماء وفی المعراج ، بل یکفی بذلک أن یکون مناماً، أو اقتراحاً من عمر ، أو ....

وعلی ذلک فلا ضیر إذن فی الزیادة أو الحذف فی الأذان، فلَکَ أن تحذف « حیّ علی خیر العمل » کما فعل عمر وتضع موضعها « الصلاة خیر من النوم » ، ولک أن تفرد الإقامة ولا تثنّیها « لحاجة لَهُمْ » ، ولک أن تزید النداء الثالث یوم الجمعة ، ووو ... إلی آخر هذه الاجتهادات ، إن کان لها آخِر .

ومن هذا الباب کان معاویة أوّل من أفشی مقولة التثویب الثانی ، وهی دعوة المؤذّنُ للخلیفة أو الأمیر - لکثرة مشاغله - إلی الصلاة بقوله « السلام علی أمیر المؤمنین ، الصلاة الصلاة رحمک الله » ، وسار المغیرة بن شعبة علی نهج معاویة فی هذا أیضاً ، بل قیل إنّه أوّل من فعل ذلک .

ولکن صرّح الأعلام بأنّ معاویة کان أوّل من أحدث هذا ، وتبعه المغیرة بن شعبة ومَن حذا حذوه((2)) .

فشاع الأمر واستفاض ، وصار کأنّه حقیقة لا مناص عن الإذعان لها - مع أنّ الحقیقة الإسلامیة هی شیء آخر - وراحت أصداء هذا الحدث الأذانی تمتد وتمتد إلی العصر العباسی ، ومنه وصلت إلی یومنا الحاضر .


1- سیأتی خبر معاویة لاحقاً فی صفحة 106 - 108 .
2- انظر : الوسائل إلی معرفة الأوائل ، للسیوطی : 26 .

ص:99

روی عبد الصمد بن بشیر ، قال : ذُکر عند أبی عبد الله ] الصادق [ بدء الأذان فقیل : إنّ رجلاً من الأنصار رأی فی منامه الأذان ، فقصه علی رسول الله فأمره رسول الله أن یعلّمه بلالاً ، فقال أبو عبدالله : کذبوا ، إنّ رسول الله کان نائماً فی ظلّ الکعبة فأتاه جبرئیل ومعه طاس فیه ماء من الجنَّة((1)) ....

ولو تدبرنا فی هذه النصوص وما جاء فی تاریخ بنی أمیّة لعرفنا إمکان تطابق هذه الرؤیة مع ما یحملون من أفکار أکثر من غیرهم ، خصوصاً بعد أن وقفنا علی تاریخ النزاع وأنّه بدأ فی عهدهم ، وإنّک لو تتّبعّت مجر یات الأحداث لعرفت تضاد بنی أمیّة مع رسالة الإسلام وعدم تطابق مفاهیمهم مع مفاهیم الوحی ورسول الله ، وأنّهم کانوا علی طرفی نقیض مع بنی هاشم فی الجاهلیة وفی الإسلام ، إذ التزم بنو أمیّة جانب المشرکین أمام بنی هاشم الذین لم یفارقوا الرسول فی جاهلیة ولا إسلام .

فقد قال رسول الله عن بنی هاشم : « أنا وبنو المطلب لا نفترق فی جاهلیة ولا إسلام ، وإنّما نحن وهم شیء واحد » وشبک بین أصابعه .((2))

نعم کان الأمر کذلک ، فرسول الله کان لا یرتضیهم، وهُم لم یدخلوا الإسلام إلّا مکرهین .


1- تفسیر العیّاشی 1 : 157 ، ح 530 .
2- سنن أبی داود 3 : 146 کتاب الخراج والامارة و.. ، باب فی بیان مواضع قسم الخمس .. ، ح 2980 ، وانظر : سنن النسائی 7 : 131 کتاب قسم الفیء .

ص:100

الأمویّون ورسول الله

لقد صحّ عن رسول الله أنّه لعن أبا سفیان والحارث بن هشام وسهیل بن عمرو وصفوان بن أمیّة فی قنوته((1)) وهم من أقطاب قریش ، وفیهم أبو سفیان رأس بنی أمیّة .

وصحّ عنه صلی الله علیه و آله قوله لمّا أقبل أبو سفیان ومعه معاویة : اللهمّ العن التابع والمتبوع((2)) .

وفی آخر : اللهمّ العن القائد والسائق والراکب((3)) ، وکان یزید بن أبی سفیان معهم . وقوله صلی الله علیه و آله فی مروان بن الحکم : اللهمّ العن الوَزغ بن الوزغ((4)) .

فبنو أمیّة بعد عجزهم عن ردّ صدور أحادیث اللعن رووا عن أبی هر یرة قوله صلی الله علیه و آله : اللّهم إنی أتّخذ عندک عهداً لن تُخلفنیه ، فإنمّا أنا بشر ، فأیّ المؤمنین آذیته ، أو شتمته ، أو لعنته أو جلدته .. فاجعلها له صلاة وزکاة وقربة تقرّبه بها یوم القیامة((5)) !

ومن المعلوم أنّ هذه الروایات لا تّتفق مع أصول الإسلام والسیر التاریخی


1- سنن الترمذی 5 / 227 کتاب تفسیر القران ، باب سورة آل عمران ، ح 3004 . الفردوس 1 : 503/ ح 2060 ، انظر : صحیح البخاری 5 : 201 کتاب المغازی ، باب 135 / ح 556 ، الإصابة 2 : 93 ترجمة سهیل بن عمرو بن عبد شمس .
2- وقعة صفین : 217 - 217 ، باب ما ورد من الاحادیث فی شأن معاویة ، وانظر : المحصول للرازی 2 : 165 - 166 .
3- وقعة صفّین : 220 .
4- انظر : تلخیص المستدرک للذهبی 4 : 479 .
5- صحیح مسلم 4 : 2007 - 2008 ، کتاب البرّ والصلة ، باب من لعنه النبیّ صلی الله علیه و آله ح 2601 ، مسند أحمد 2 : 317 .

ص:101

والفکری لرسول الله ، وما جاء به من مفاهیم ، لأنّه قال : إنی لم أُبعث لعّاناً وإنّما بعثت رحمة((1)) .

فهو صلی الله علیه و آله لم یکن لعّاناً فی سجیّته ، ولم یلعن من لم یکن مستحقّاً للّعنة، بل لعنَ جماعات وأفراداً مخصوصین یستحقّون اللعنة من الله ورسوله فی ضمن ملاکات الأحکام الشرعیة والموازین الإلهیة ، ومثل هذا اللعن والسبّ والجلد لا معنی لاَِنْ یکون رحمة لصاحبه .

وهؤلاء القوم لم یسلموا إلّا لیحقنوا دماءهم، بعدما عجزوا عن الوقوف أمام الدعوة وطمس الإسلام فدخلوا الإسلام لتحریف بعض المفاهیم وإبدال مفاهیم أخری مکانها ، وکان ضمن مخططهم التقلیل من مکانة الرسول والتعامل معه کإنسان عادیّ یصیب ویخطئ ویسبّ ویلعن ، کما کان فی مخطّطهم الاستنقاص من الإمام علیّ ، لأنّه کان قد وتر شوکة قریش وسعی لتحطیم سلطانهم .

فقد جاء فی کتاب معاویة إلی عماله : « أن انظروا مَن قِبَلکم من شیعة عثمان ومحبّیه وأهل ولایته والذین یروون فضائله ومناقبه ، فَأَدنُوا مجالسهم وقَرِّبوهم وأَکرموهم ، واکتبوا إلیَّ بکلّ ما یروی کلّ رجل منهم واسمه واسم أبیه وعشیرته » .

« فإذا جاءکم کتابی هذا فادعوا الناس إلی الروایة فی فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلین ، ولا تترکوا خبراً یرویه أحد من المسلمین فی أبی تراب إلّا وتأتونی بمناقض له فی الصحابة ، فإنّ هذا أحبّ إلی وأقرّ لعینی ، وأدحض لحجة أبی تراب وشیعته ،


1- صحیح مسلم 4 : 2007 .

ص:102

وأشد علیهم من مناقب عثمان وفضله »((1)) .

نحن لو تأملنا تاریخ قریش وما فعلته مع رسول الله

صلی الله علیه و آله فی بدء الدعوة وقضایا فتح مکّة لوقفنا علی خبث الأمو یین واستغلالهم لرحمة رسول رب العالمین ، فقد اشتهر عن النبیّ صلی الله علیه و آله أنّه لما سمع قول القائل :

الیوم یوم الملحمة الیوم تُسبَی الحرمة

قال له صلی الله علیه و آله : لا تَقُلْ هذا بل قل :

الیوم یوم المرحمة الیوم تحفظ الحرمة((2))

وجاء عنه قوله یوم الفتح فی أعدی عدوه : « من دخل بیت أبی سفیان فهو آمن »((3)) ، وقوله : « اذهبوا أنتم الطلقاء »((4)) ، لکن قریشاً ومع کلّ هذه الرحمة کانوا یتعاملون مع الرسالة والرسول بشکل آخر .

قال الواقدی : ... وجاءت الظهر فأمر رسولُ الله صلی الله علیه و آله بلالاً أن یؤذّن فوق ظهر الکعبة وقریشٌ فی رؤوس الجبال ، ومنهم من قد تَغیّب وستر وجهه خوفاً من أن یُقتلوا ، ومنهم من یطلب الأمان ، ومنهم من قد أمن .

فلمّا أذّن بلال وبلغ إلی قوله « أشهد أن محمّداً رسول الله صلی الله علیه و آله » رفع صوته کأشدّ ما یکون .

فقالت جویر یة بنت أبی جهل : قد لعمری « رفع لک ذِکرک » فأمّا الصلاة فسنصلّی ، ولکن والله لا نحبّ مَن قتل الأحبة أبداً ، ولقد کان جاء أبی الذی جاء


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 11 : 44 - 45 باب ذکر ما مُنی به آل البیت من الأذی والاضطهاد .
2- انظر : المبسوط للسرخسی 10 : 39 .
3- سنن أبی داود 3 : 162 کتاب الخراج باب ما جاء فی خبر مکّة ، السنن الکبری للبیهقی 9 : 118 کتاب السیر ، باب فتح مکة .
4- المبسوط للسرخسی 10 : 40 .

ص:103

محمّداً من النبوة ، فردّها ، ولم یُرِدْ خلاف قومه .

وقال خالد بن سعید بن العاص : الحمد لله الذی أکرم أبی فلم یدرک هذا الیوم .

وقال الحارث بن هشام : واثکلاه ، لیتنی متّ قبل هذا الیوم ، قبل أن أسمع بلالاً ینهق فوق الکعبة !

وقال الحکم بن أبی العاص : هذا والله الحدث العظیم ، أن یصیح عبد بنی جُمحَ ، یصیح بما یصیح به علی بیت أبی طلحة .

وقال سهیل بن عمرو : إن کان هذا سخطاً من الله تعالی فسیغیره وإن کان لله رضا فسیقرّه .

وقال أبو سفیان : أمّا أنا فلا أقول شیئاً ، لو قلت شیئاً لأخبَرَتْه هذه الحصباء ، قال : فأتی جبرئیل علیه السلام فأخبره مقالة القوم((1)) .

ولو تأملت فی ما رواه لنا العبّاس فی کیفیة إسلام أبی سفیان لعرفت أنّه لم یسلم عن قناعة وإیمان ، إذ قال العباس: غدوت به علی رسول الله فلما رآه قال : ویحک یا أبا سفیان !! ألم یأن لک أن تعلم أن لا إله إلّا الله ؟

قال : بلی ، بأبی أنت وأمی ، لو کان مع الله غیره لقد أغنی عنیّ شیئاً .

فقال : ویحک ! ألم یأن لک أن تعلم أنی رسول الله ؟!

فقال : بأبی أنت وأمی ، أما هذه ففی النفس منها شیء .

قال العباس : فقلت له : ویحک ! تشهد شهادة الحق قبل أن تضرب عنقک .

قال : فتشهد((2)) .

فهنا یبدو واضحاً أن أبا سفیان کان أکثر بطئاً فی قبول الشهادة الثانیة من


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 17 : 283 عن الواقدی ، وانظر : سبل الهدی والرشاد 5/193 رواه عن البیهقی .
2- الکامل فی التاریخ 2 : 245 .

ص:104

الأولی ، لأنّه کان یتصوّر بأن فی الثانیة تحطیمَ غروره وجبروته وموقعه السیاسی والاجتماعی ، وذلک ما لا تعنیه کثیراً الشهادة الاولی بالنسبة له .

وقد ثبت عن أبی سفیان أنّه قال للعباس لما رأی نیران المسلمین وکثرة عددهم : لقد اصبح ملک ابن أخیک عظیماً . فقال له العباس : ویحک ! إنها النبوة . فقال : نعم إذن .

وظل منظّر الفکر القرشی علی هذه الوتیرة حتّی بعد وفاة النبی وخلافة الشیخین . فقد روی صاحب « قصص الانبیاء » باسناده إلی الصدوق عن بن عباس أنه قال : .. ولقد کنا فی محفل فیه أبو سفیان وقد کُف بصره وفینا علیّ صلوات الله علیه فأذن المؤذن فلما قال : اشهد أن محمداً رسول الله ، قال أبو سفیان : ها هنا من یحتشم ؟ قال واحد من القوم : لا . فقال : لله در أخی بنی هاشم ، انظروا این وضع اسمه ؟ فقال علیّ : اسخن الله عینک یا ابا سفیان ، الله فعل ذلک بقوله عز من قائل : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} فقال أبو سفیان : اسخن الله عین من قال لی لیس ها هنا من یحتشم((1)) .

بل إن أبا محذورة کان یستحیی من الإباحة باسم رسول الله صلی الله علیه و آله من أهل مکّة ، إذ جاء فی المبسوط للسرخسی - عند بیانه لسبب الترجیع فی الأذان - قوله : ... وقیل أن أبا محذورة کان مؤذّن مکّة ، فلما انتهی إلی ذکر رسول الله خفض صوته استحیاءً من أهل مکّة لأنّهم لم یعهدوا ذکر اسم رسول الله صلی الله علیه و آله بینهم جهراً ، ففرک رسول الله صلی الله علیه و آله أذنَهُ وأمره أن یعود فیرفع صوته لیکون تأدیباً له ..((2))

نعم ظلت نظرة قریش إلی النبیّ بعد البعثة مشوبة بهذا المنطق المزعوم مستغلین


1- بحار الأنوار 18 : 107 ، 31 : 523 عن قصص الأنبیاء .
2- المبسوط للسرخسی 1 : 128 .

ص:105

عطف النبیّ ورحمته صلی الله علیه و آله ، قال الواقدی : فکان سهیل بن عمرو یحدث فیقول : لما دخل محمّد صلی الله علیه و آله مکّة انقمعتُ فدخلتُ بیتی وأغلقته علیَّ ، وقلت لابنی عبدالله بن سهیل : اذهب فاطلب لی جواراً من محمّد، فإنّی لا آمن أن أقتل ، وجعلتُ أتذکّر أثری عنده وعند أصحابه فلا أری أسوأ أثراً منّی؛ فإنّی لقیته یوم الحدیبیة بما لم یلقه أحد به ، وکنت الذی کاتبه ، مع حضوری بدراً وأُحداً ، وکلّما تحرکّت قریش کنت فیها .

فذهب عبدالله بن سهیل إلی رسول الله ، فقال : یا رسول الله ، أبی تؤمّنه ؟

قال : نعم ، هو آمن بأمان الله ، فلیظهر ، ثمّ التفتَ إلی مَن حوله فقال : مَن لقی سهیل بن عمرو فلا یشدنّ النظر إلیه ، ثمّ قال : قل له : فلیخرج ، فلعمری إنّ سهیلاً له عقل وشرف ، وما مثل سهیل جهل الإسلام ، ولقد رأی ما کان یُوضَعُ فیه إن لم یکن له تتابع ، فخرج عبدالله إلی أبیه فأخبره بمقالة رسول الله صلی الله علیه و آله .

فقال سهیل : کان والله برّاً صغیراً وکبیراً .

وکان سهیل یقبل ویدبر غیر خائف ، وخرج إلی خیبر مع النبیّ وهو علی شرکه حتّی أسلم بالجعرانة((1)) ...

هکذا تعامل رسول الله مع المشرکین والطلقاء، لکنّهم أضمروا النفاق للرسول والرسالة فانضووا تحت لوائه کی یغدروا بالإسلام ، بل سعوا بکل قواهم لطمسه ودفنه .

فقد جاء عن المغیرة أنّه طلب من معاویة ترک إیذاء بنی هاشم - لمّا استقرّ له الأمر - لأنّه أبقی لذکره !! ... فقال معاویة للمغیرة : هیهات! هیهات ! أیّ ذکر أرجو بقاءه ؟! مَلَک أخو تیم فعدل ، وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلک حتّی هلک


1- شرح نهج البلاغة 17 : 284 .

ص:106

ذکره ، إلّا أن یقول قائل : أبو بکر . ثمَّ ملک أخو عدیّ ، فاجتهد وشمّر عشر سنین، فما عدا أن هلک حتّی هلک ذکره ، إلّا أن یقول قائل : عمر . وإنَّ ابن أبی کبشة لَیصاح به کلّ یوم خمس مرَّات: « أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله » ، فأیّ عمل یبقی ؟ وأیّ ذکر یدوم بعد هذا ! لا أباً لک ! لا والله إلّا دفناً دفناً ((1)) .

وعن علی علیه السلام أنّه قال حین سأله بعض أصحابه من بنی أسد : کیف دفعکم قومکم عن هذا المقام وأنتم أحق به ؟ فقال : یا أخا بنی أسد ؛ إنّک لقلق الوضین ترسل فی غیر سدد ! ولک بعد ذمامة الصهر وحق المسألة ، وقد استعلمت فأعلم : أمّا الاستبداد علینا بهذا المقام - ونحن الأعلون نسباً ، والأشدّون برسول الله صلی الله علیه و آله نوطاً - فإنّها کان أثَرِةٌ شحّت علیها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرین ، والحکم الله والمعود إلیه یوم القیامة .

ودع عنک نهباً صیح فی حجراته وهلم الخطب فی ابن أبی سفیان

فلقد أضحکنی الدهر بعد ابکائه ، ولا غرو والله فیاله خطباً یستفرغ العجب ویکثر الأود ، حاول القوم إطفاء نور الله من مصباحه ، وسدّ فواره من ینبوعه . وجدحوا بینی وبینهم شرباً وبیئاً . فإن ترتفع عنّا وعنهم محن البلوی أحملهم من الحقّ علی محضه وإن تکن الأُخری {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُکَ عَلَیْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِیمٌ بِمَا یَصْنَعُونَ} ((2)) ((3)) .

وجاء عن معاویة أنّه قال لما سمع المؤذّن یقول « أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله » : لله أبوک یا بن عبدالله ! لقد کنتَ عالی الهمَّة ، ما رضیتَ لنفسک إلّا أن یُقرَنَ اسمک


1- الأخبار الموفّقیّات للزبیر بن بکّار : 576 - 577 ؛ مروج الذهب 4 : 41 ؛ النصائح الکافیة : 123 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 5 : 130 .
2- فاطر : 8 .
3- نهج البلاغة 2 : 63 / الخطبة 162 .

ص:107

باسم ربِّ العالمین((1)) !

ولا یستبعد هذا من معاویة وهو ابن أبی سفیان القائل لله درّ أخی بنی هاشم . انظروا أین وضع اسمه ، والقائل : فوالذی یحلف به أبو سفیان .. لا جنَّة ولا نار((2)) ، وهو الذی مرّ بقبر حمزة وضربه برجله ؛ وقال : یا أبا عمارة ! إنَّ الأمر الذی اجتلدنا علیه بالسیف أمسی فی ید غلماننا الیوم یتلعّبون به((3)) !

وهو ابن هند آکلة کبد حمزة سیّد الشهداء((4)) ، وهو أبو یزید الذی هدم الکعبة((5)) ، وقتل الحسین بن علیّ((6)) ، وأباح المدینة لثلاثة أیّام((7)) ، والذی سمّی المدینة الطیّبة ب- « الخبیثة » إرغاماً لأنوف أهل بیت النبیّ((8)) !

فمعاویة ومن قبله أبوه صخر کانا یتصوّران بأنّ النبیّ هو الذی أدرج اسمه فی الأذان ، فقال أبو سفیان : لله در أخی بنی هاشم . انظروا این وضع اسمه ، وقال ابنه معاویة : لله أبوک یا ابن عبدالله ! لقد کنت عالی الهمَّة ، ما رضیت لنفسک إلّا


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 10 : 101 ، وفی المعمرین للسجستانی کما فی النصائح الکافیة : 126 سأل معاویة بن أبی سفیان یوماً امد بن لبد المعمر : فهل رأیت محمّداً . قال : من محمّد ؟ قال معاویة : رسول الله . قال امد : ویحک افلا فخمته کما فخمه الله فقلت رسول الله صلی الله علیه و آله وانظر کذلک کنز الفوائد : 261 وبحار الأنوار 33 : 276 .
2- الاستیعاب 4 : 1679 ؛ الأغانی 6 : 371 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 2 : 45 والنصّ عنه .
3- شرح نهج البلاغة ، لابن أبی الحدید 16 : 136 .
4- أُسد الغابة 2 : 47 ، الطبقات الکبری 3 : 12 .
5- سبل الهدی والرشاد 1 : 223 ، مختصر تاریخ دمشق 7 : 191 .
6- تاریخ الطبری 5 : 400 - 467 ، وغیره من کتب التاریخ .
7- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 3 : 259 .
8- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 9 : 238 .

ص:108

أن تقرن اسمک باسم ربِّ العالمین((1)) ، وهل هذان القولان إلّا وجهٌ آخر للروایة التی وُضِعت وادَّعت أنّ بلالاً کان یؤذن « أشهد ان لا إله إلّا الله ، حیّ علی الصلاة » فقال عمر : قل فی إثرها « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » ؟! وعنوا بذلک أنّ ذکر اسمه صلی الله علیه و آله فی الأذان لم یکن من الله ، بل کان باقتراح فقط !!

وبعد هذا فلا یمکن تبریر فعل معاویة والقول بأنّه تعرّف علی المصلحة أو اجتهد قبال النص ، بل الأمر تجاوز ذلک ، ودخل فی إطار تکذیب الرسالة ، وتهرئة أصل من أکبر أصول الشریعة ، وهو الاعتقاد بنبوة محمّد المصطفی .

ومما یحتمل فی الأمر هو أنّ هذه الرؤیة تجاه ذکر اسم النبی فی الأذان وأمثالها ، هی التی رسّخت فکرة کون الأذان مناماً ، وهی التی أقلقت الرسول المصطفی حتّی جعلته لا یُری ضاحکاً بعد رؤیاه التی رأی فیها الغاصبین ینزون علی منبره نزو القردة .

ولیس من الصدفة فی شیء الترابط الموجود بین أن یری رسول الله الشجرة الملعونة فی منامه وبین أن یُسفّه الأمویّون مسألة الرؤیا ، ویعزون الإسراء والمعراج إلی رؤیا لا تعدو کونها مناماً !


1- وقد استمرت هذه الرؤیة عند البعض بعد معاویة ، فروی المفضل بن عمر أنه سمع فی مسجد الرسول صاحب ابن أبی العوجاء یقول له : انّ محمّداً استجاب له العقلاء وقد قرن اسمه باسم ناموسه ]أی الله جل وعلا[ .. فقال ابن أبی العوجاء : دع ذکر محمد فقد تحیر فیه عقلی وحدّثنی عن الاصل الذی جاء به ... « بحار الأنوار 4 : 18 » . ومثل ذلک ما حکاه رشاد خلیفة عن جماعة ان تکرار الشهادة الثانیة « أشهد أن محمّداً رسول الله » بجنب الشهادة الاولی « أشهد ان لا إله إلّا الله » یعد شرکاً أکبر « انظر القرآن والحدیث والإسلام : 38 ، 41 ، 43 وکتابه الآخر قران أم حدیث : 20 ، 33 » .

ص:109

الله جلّ وعلا ورفعه لذکر الرسول صلی الله علیه و آله

هذا ، ونحن نعلم بأنّ الذی رفع ذکرَ الرسول هو الله فی محکم کتابه ، وإلیک أقوال بعض العلماء والمفّسر ین لتقف علی المقصود ، وأنّه أمر ربّانی ، ولیس کما تصوره أبو سفیان ومعاویة والأمویّون ومن لف لفهم :

قال الشافعی : أخبرنا ابن عیینة ، عن ابن نجیح ، عن مجاهد فی قوله : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} قال : لا أُذکَر إلّا ذُکِرتَ معی « أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ

ص:110

محمّداً رسول الله »((1)) . یعنی - والله أعلم - ذکره عند الإیمان والأذان ، ویحتمل ذکره عند تلاوة الکتاب وعند العمل بالطاعة والوقوف عن المعصیة .

وقال النووی فی شرحه علی مسلم - بعد ذکره المشهورَ عن الشافعی فی رسالته ومسنده فی تفسیر قوله تعالی : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} - : « وروینا هذا التفسیر مرفوعاً إلی رسول الله صلی الله علیه و آله عن جبرئیل عن ربّ العالمین ... »((2)) .

وفی مصنف ابن أبی شیبة الکوفی : حدّثنا ابن عیینة ، عن ابن نجیح ، عن مجاهد {وَإِنَّهُ لَذِکْرٌ لَکَ وَلِقَوْمِکَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} یقال : ممن هذا الرجل ؟

فیقول : من العرب .

فیقال : من أیّ العرب ؟

فیقول : من قریش .

{وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} لا أُذکرُ إلّا ذکرتَ « أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله »((3)) .

حدّثنا شریک بن عبدالله ، عن ابن شبرمة ، عن الحسن فی قوله : {أَلَمْ نَشْرَحْ لَکَ صَدْرَکَ} : أی مُلِئ حکماً وعلماً {وَوَضَعْنَا عَنْکَ وِزْرَکَ * الَّذِی أَنْقَضَ ظَهْرَکَ} قال : ما أثقل الحمل الظهر {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} بلی لا یذکر إلّا ذکرت معه ...((4)) .

وفی دفع الشبه عن الرسول للحصنی الدمشقی فی قوله تعالی : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} قال ابن عبّاس رضی الله عنهما : المراد الأذان والاقامة والتشهّد والخطبة علی المنابر ، فلو أنّ عبداً عَبَد الله وصدّقه فی کلّ شیء ولم یشهد أن محمّداً رسول الله لم یسمع منه ولم ینتفع بشیء وکان کافراً .

وفی حدیث أبی سعید الخدری رضی الله عنه : ثمّ إنّ النبیّ سأل جبرئیل علیه السلام عن هذه الآیة((5)) ، فقال : قال الله عزّ وجلّ : إذا ذکرتُ ذُکِرتَ معی .

وقال قتادة رضی الله عنه : رفع الله ذکره فی الدنیا والآخرة ، وقیل : رفع ذکره بأخذ المیثاق علی النبیین وألزمهم الإیمان به والإقرار به .

وقیل {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} لیعرف المذنبون قدر رتبتک لدیَّ لیتوسّلوا بک إلیَّ فلا أردّ أحداً عن مسألته ، فأعطیه أیاها إمّا عاجلاً وإمّا آجلاً ، ولا أخیّب من توسّل بک وإن کان کافراً((6)) .

وقال ابن کثیر فی البدایة والنهایة : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} ، فلیس خطیب ولا شفیع ولا صاحب صلاة إلّا ینادی بها : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً


1- الرسالة للإمام الشافعی : 16 ، المسند للإمام الشافعی : 233 ، المجموع 1 : 577 ، تلخیص وانظر : الحبیر 3 : 435 ، تفسیر القرآن لعبد الرزاق الصنعانی 3 : 437 ، وفی السنن الکبری 3 : 209 ( باب ما یستدل به علی وجوب ذکر النبیّ فی الخطبة ) وبعد ذکره لقول الشافعی قال : ویذکر عن محمد بن کعب القرظی مثل ذلک . وانظر : فیض القدیر شرح الجامع الصغیر 1 : 28 .
2- شرح النووی علی صحیح مسلم 1 : 160 باب مقدّمة الصحیح .
3- المصنّف لابن أبی شیبة الکوفی 6 : 315 ، کتاب الفضائل - الحدیث 31680 .
4- المصنّف لابن أبی شیبة الکوفی 6 : 315 ، کتاب الفضائل - الحدیث 31681 .
5- آیة (وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ(.
6- دفع الشبه عن الرسول للحصنی الدمشقی : 134 .

ص:111

رسول الله ، فقرن الله اسمه باسمه فی مشارق الأرض ومغاربها ، وذلک مفتاحاً للصلاة المفروضة ، ثمّ أورد حدیث ابن لهیعة ، عن درّاج ، عن أبی الهیثم ، عن أبی سعید ، عن رسول الله فی قوله {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} قال : قال جبرئیل : قال الله : إذا ذکرتُ ذکرتَ((1)) .

وفی جامع البیان للطبری : حدّثنا ابن عبدالأعلی ، قال : حدّثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فی قوله {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} قال النبیّ صلی الله علیه و آله : ابدؤوا بالعبودیّة وثنّوا بالرسالة ، فقلت لمعمر : قال « أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً عبده » فهو العبودیة ، « ورسوله » أن تقول : عبده ورسوله .

حدّثنا بشر ، قال : حدّثنا یزید ، قال : حدّثنا سعید ، عن قتادة {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} : رفع الله ذکره فی الدنیا والآخرة ، فلیس خطیب


1- البدایة والنهایة 6 : 288 باب القول فیما أُعطی إدریس علیه السلام .

ص:112

ولا متشهّد ولا صاحب صلاة إلّا ینادی بها : « أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول الله » .

حدّثنی یونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا عمرو بن الحرث ، عن درّاج ، عن أبی الهیثم ، عن أبی سعید الخدری ، عن رسول الله أنّه قال : أتانی جبرئیل فقال : إنّ ربّی وربّک یقول : کیف رفعت لک ذِکرک ؟ قال : الله أعلم .

قال : إذا ذُکِرتُ ذُکِرتَ معی((1)) .

وفی زاد المسیر لابن الجوزی : قوله عزّوجلّ {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} فیه خمسة أقوال :

أحدها : ما روی أبو سعید الخدری عن رسول الله أنّه سأل جبرئیل عن هذه الآیة فقال : قال الله عزّ وجلّ : إذا ذُکرتُ ذکرتَ معی ؛ قال قتادة : فلیس خطیب ولا متشهّد ولا صاحب صلاة إلّا یقول : « أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله » ، وهذا قول الجمهور .

والثانی : رفعنا لک ذکرک بالنبوّة ؛ قاله یحیی بن سلام .

والثالث : رفعنا لک ذکرک فی الآخرة کما رفعناه فی الدنیا ؛ حکاه الماوردی .

والرابع : رفعنا لک ذکرک عند الملائکة فی السماء .

والخامس : بأخذ المیثاق لک علی الأنبیاء وإلزامهم الإیمان بک والإقرار بفضلک ؛ حکاهما الثعلبی((2)) .

أهل البیت ورفع ذکر رسول الله

ومن هذا المنطلق کان أئمّة أهل البیت: یشیدون بهذه المفخرة ، ویجعلونها أکبر إرغام لأعداء النبیّ صلی الله علیه و آله وأعدائهم ، الذین أرادوا تحریف هذا الرفع للذکر وحطّه إلی مرتبة الأحلام والاقتراحات ، وأرادوا أن یطفئوا نور الله فأبی الله إلّا أنّ یتمّ نوره .

یُریدُ الجاحدونَ لِیطفؤوُه ویأبی الله إلّا أن یُتمَّهْ

ففی الندبة الرائعة - التی وجّهها إمام البلاغة علیّ بن أبی طالب بعد وفاة فاطمة الزهراء إلی ابن عمّه رسول الله صلی الله علیه و آله ، حیث أرسل دموعه علی خدّیه وحوّل وجهه إلی قبر رسول الله صلی الله علیه و آله - قال فیما قال :

سلامٌ علیک یا رسول الله سلام مودّع لا سَئم ولا قال ، فإنْ أنصرف فلا عن مَلالة ، وإن أقِم فلا عن سوء ظنٍّ بما وَعَد الله الصابر ین ، والصبرُ أیمنُ وأجمل ، ولولا غلبةُ المستولین علینا لَجعلتُ المقام عند قبرک لِزاماً ، واللَّبثَ عنده معکوفاً ، ولاَعولتُ إعوالَ الثکلی علی


1- تفسیر الطبری 30 : 151 .
2- زاد المسیر لابن الجوزی 8 : 272 .

ص:113

جلیل الرزیّة ، فبعینِ الله تُدفَنُ ابنتُک سرّاً ... ولم یَطُل العهد ، ولم یَخلُ منک الذّکر ، فإلی الله یا رسول الله المشتکی ، وفیک أجمل العزاء ، وصلوات الله علیک وعلیها ورحمة الله وبرکاته((1)) .

وفی هذه الندبة التصریح بأنّ المستولین قلّلوا أو حاولوا التقلیل من شأن الرسول صلی الله علیه و آله وأهل بیته ، وذلک بعد وفاته مباشرة ولمّا یخلق الذکر ، وأنّ أمیر المؤمنین علیاً لو استطاع لجعل مقام رسول الله فی محلّه الرفیع الذی وضعه الله فیه ، لکنّ الظروف القاسیة التی کانت محیطة به لم تتح له الفرصة ، فقلّ ذکر النبیّ عند مَن اشتغلوا بمشاغل الدنیا وترکوا النبیّ وذکره أو کادوا ، وهذا ممّا جعل الإمام یقول : لجعلتُ المقام عند قبرک لزاماً ، واللبث عنده معکوفاً .

وقد أشارت فاطمة الزهراء فی خطبتها التی خطبتها فی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله إلی هذه المسألة نفسها ، وأنّ هناک قوماً حاولوا إطفاء نور الله وخفض منزلة النبیّ صلی الله علیه و آله مع قرب العهد وحَداثة ارتحال النبیّ صلی الله علیه و آله ، فقالت :

فلمّا اختارَ اللهُ لنبیّه دار أنبیائه ومأوی أصفیائه ، ظهرت فیکم حسکة النفاق ، وسمل جلباب الدین ، ونطق کاظم الغاوین ... هذا والعهد قریب ، والکلم رحیب ، والجرح لمّا یندمل ، والرسول لمّا یُقبَر .... ثمّ أخذتم تورون وقدتَها ، وتهیجون جمرتَها ، وتستجیبون لهتاف الشیطان الغوی ، وإطفاء أنوار الدین الجَلیّ ، وإهمال سُنَن النبیّ الصفیّ((2)) ...

ولذلک کانت تبکی عند قبر رسول الله صلی الله علیه و آله ، وتقول : لقد أصبت بخیر الآباء


1- مصنّفات الشیخ المفید 13 : 281 - 282 المجلس 33 ، ح 7 ، أمالی الطوسی : 110 ، الکافی 1 : 459 ، دلائل الإمامة 138 .
2- الاحتجاج : 101 - 102 والنصّ عنه . وانظرها فی دلائل الإمامة : 114 - 118 ، وشرح نهج البلاغة 16 : 251 .

ص:114

رسول الله صلی الله علیه و آله ، واشوقاه إلی رسول الله ، ثمّ انشأت تقول :

إذا مات یوماً میّت قلّ ذکرُهُ وذکرُ أبی مذ مات والله أکثرُ((1))

وأشارت بذلک إلی أنّ الله سبحانه وتعالی رفع ذکر نبیّه فی حیاته ، وقدّر له أن یرفع بعد وفاته ، وإن ظنّ من ظَنَّ أنّه أبترُ إذا مات انقطع ذکره ، وارتدّ مَن ارتدّ لعروجه ومقارنة اسمه باسم ربّ العالمین ، وغضب من غضب وحاول عزو ذلک إلی أنّه من اقتراح عمر أو من النبیّ نفسه وأراد له السحق والدفن ، کلّ تلک المحاولات التحریفیة باءت بالفشل وخلد ذکر النبیّ فی الأذان والتشهد وفی کلّ موطن یذکر فیه اسم رب العالمین .

ولو قرأت مقولة الإمام الحسن لمعاویة لمّا استنقص علیّاً وحاول الحطّ من ذکره لرأیت الأمر کذلک ؛ إذ قال له :

أیّها الذاکر علیاً ، انا الحسن وأبی علیّ وأنت معاویة وأبوک صخر ، وأُمّی فاطمة وأُ مّک هند ، وجدّی رسول الله صلی الله علیه و آله وجدّک حرب ، وجدّتی خدیجة وجدّتک قتیلة ؛ فلعن الله أخمَلَنا ذِکراً ، وألأمنا حَسَباً ، وشَرّنا قدماً ، وأقدمنا کفراً ونفاقاً .

فقال طوائف من أهل المسجد : آمین .

قال فضل : فقال یحیی بن معین : ونحن نقول : آمین ، قال أبو عبید : ونحن أیضاً نقول : آمین ، قال أبو الفرج : وأنا أقول : آمین((2)) .

هذا وإن ماسأة کربلاء وقضیة الإمام الحسین تؤکّد ما قلناه وأن الإمام خرج للإصلاح فی أمة جدّه لمّا رأی التحریفات الواحدة تلو الآخری تلصق بالدین،


1- کفایة الأثر : 198 ( باب ما جاء عن فاطمة من النصوص ) .
2- مقاتل الطالبیین : 70 والنص عنه ، الارشاد للمفید 2 : 15 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 36 ، شرح نهج البلاغة 16 : 47 ، کشف الغمة 1 : 542 .

ص:115

وعرف بأنّهم یریدون لیطفئوا نور الله ورسوله .

والعقیلة زینب قد أشارت إلی هذه الحقیقة عندما خاطبت یزید بقولها :

« کد کیدک ، واسْعَ سعَیک ، واجهَد جهدک ، فوالله الذی شرّفنا بالوحی والکتاب والنبوّة والانتخاب لا تُدرِک أمدَنا ، ولا تَبلُغ غایتنا ، ولا تمحو ذِکرَنا ، ولا تُمیتَ وحینا ، ولا یرحض عنک عارها ، وهل رأیک إلّا فَنَد ، وأیامک إلّا عَدَد ، وجمعک إلّا بَدَد ، یوم ینادی المنادی : ألا لعنةُ الله علی الظالم العادی ... »((1))

وکأنّ الإمام السجّاد علیّ بن الحسین أراد الإلماح إلی قضیة الاختلافات الأذانیّة ، وعداء معاویة مع ذکر اسم النبیّ محمّد فی الأذان ، حین عرّض بیزید لمّا أمرَ المؤذن أن یؤذّن لیقطع خطبة الإمام علیّ بن الحسین فی مسجد دمشق ..

قالوا : قال الإمام علیّ بن الحسین : یا یزید ، ائذَن لی حتّی أصعد هذه الأعواد ... فأبی یزید ، فقال الناس : یا أمیر المؤمنین ، ائذن له لیصعد فلعلّنا نسمع منه شیئاً ، فقال لهم : إن صعد المنبر هذا لم ینزل إلّا بفضیحتی وفضیحة آل أبی سفیان ، فقالوا : وما قَدرُ ما یُحسِن هذا ؟! فلم یزالوا به فإذن له بالصعود ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنی علیه وقال :

أیّها الناس ، أُعطینا سِتّاً وفُضّلنا بسبع ، أُعطینا العلم والحلم ... وفُضّلنا بأنّ منّا النبیّ المختار محمّد ، ومنّا الصدّیق ، ومنّا الطیّار ، ومنا أسد الله وأسد الرسول ، ومنّا سیّدة نساء العالمین فاطمة البتول ، ومنّا سبطا هذه الأمّة وسیّدا شباب أهل الجنة ، فمَن عَرَفنی فقد عرفنی ، ومَن لم یعرفنی أنبأتُه بحسبی ونسبی : انا ابن مکّة ومنی ، أنا ابن زمزم


1- الاحتجاج 309 ، بحار الأنوار 45 : 135 ، اللهوف لابن طاووس ومثیر الأحزان وغیرها .

ص:116

والصفا ... أنا ابن من حُمِلَ علی البراق فی الهوا ، أنا ابن من أسری به من المسجد الحرام إلی المسجد الأقصی ، فسبحان من أسری ، أنا ابن من بَلَغ به جبرئیل إلی سِدرة المنتهی ، أنا ابن مَن دنا فتدلی فکان قاب قوسین أو أدنی ، أنا ابن من صلّی بملائکة السماء ، أنا ابن من أوحی إلیه الجلیل ما أوحی ، أنا ابن محمّد المصطفی ...((1))

قال : ولم یزل یقول : أنا أنا حتّی ضجّ الناس بالبکاء والنحیب ، وخشی یزید أن تکون فتنة ، فأمر المؤذن أن یؤذّن فقطع علیه الکلام وسکت .

فلمّا قال المؤذّن : « الله اکبر » قال علیّ بن الحسین : کبّرتَ کبیراً لا یقاس ، ولا یُدرَک بالحواس، ولا شیء أکبر من الله .

فلمّا قال: « أشهد أن لا إله إلّا الله » قال علیّ بن الحسین : شَهِد بها شَعری وبَشری ولحمی ودمی ومخّی وعظمی .

فلمّا قال: « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » التفت علیّ بن الحسین من أعلی المنبر إلی یزید وقال: یا یزید ! محمّدٌ هذا جدّی أم جدّک ؟ فإن زعمت أنّه جدّک فقد کذبت ، وإن قلت أنّه جدّی فلم قتلتَ عِترته((2)) ؟

وها هنا ثلاث رکائز مهمة فی هذه الخطبة :

أوّلها : إن یزید خاف أن یذکر الإمامُ السجّادُ فضائحَ یزید ومعاویة وآل أبی سفیان ، مع أنّ الإمام فی خطبته هذه لم یذکر صریحاً شرک أبی سفیان ولا معاویة ولا کونهما ملعونین ، کما لم یذکر هنداً وما کان منها فی الجاهلیة من سوء السیرة ، ولا ما کان من بقرها بطن حمزة ولا ولا ... فکانت الفضیحة لهم ببیان الحقائق


1- کفایة الأثر 198 .
2- مقتل الحسین للخوارزمی 69 - 71 ، والفتوح لابن أعثم 3 : 155 .

ص:117

النیّرة ، وما حرّفه المحرّفون ، وبیان مقامات النبیّ وعترته .

وثانیها : إنّ قسطاً مهمّاً من الخطبة انصبَّ علی حقیقة الإسراء والمعراج ؛ إذ فیها العنایة المتزایدة ببعض تفاصیلهما ، والتأکید علی أنّهما حقیقة عیانیّة بدنیّة کانت للنبیّ صلی الله علیه و آله ، لا أنّها رؤیا وحُلُم کما یدّعیه الأمویّون ، فکان الإسراء والمعراج فیهما رفع ذکر النبیّ وتشریع الأذان والصلاة ، وفیهما رفع ذکر آل النبیّ صلی الله علیه و آله تبعاً له .

کما أنّ فی الخطبة حقیقة أنّ علیّاً هو الصدّیق لا غیره ، وأنّ فاطمة سیّدة نساء العالمین ، لا کما حرّفوا من أنّ الصدّیق هو أبو بکر ، وأنّ اسمه علی قائمة العرش ، مع أنّ الحقیقة هی أنّ علیّاً هو الصدیق وأن اسمه مکتوب علی العرش - کما سیأتیک بیانه لاحقاً - وأن الصدّیقة فاطمة الزهراء قد کذَّبت أبا بکر الصدیق !!! وقالت له : لقد جئتَ شیئاً فَریّاً((1)) وکذا الإمام علیّ فإنّه کذب من ادعی الصدّیقیة فی أبی بکر بقوله: أنا عبدَالله وأخو رسوله ، وأنا الصدّیق الأکبر ، لا یقولها بعدی إلّا کذاب مفتری ، لقد صلیت قبل الناس بسبع سنین((2)) .

وقال فی آخر : أنا الصدّیق الأکبر ، والفاروق الأول ، أسلمت قبل إسلام أبی بکر ، وصلیت قبل صلاته((3)) .

وعن معاذة قالت : سمعت علیّاً وهو یخطب علی منبر البصرة یقول : أنا


1- تثبیت الإمامة 30 ، بلاغات النساء 14 ، شرح نهج البلاغة 16 : 212 ، 251 ، جواهر المطالب 1 : 161 .
2- مستدرک الحاکم 3 : 112 وقال : صحیح علی شرط الشیخین وتلخیصه للذهبی ، وشرح نهج البلاغة 13 : 228 ، 1 : 30 ، سنن ابن ماجه 1 : 44 ح 120 قال فی الزوائد : هذا اسناد صحیح ورجاله ثقات ، تاریخ الطبری 2 : 310 ، والآحاد والمثانی 1 : 148 وغیرها .
3- شرح نهج البلاغة 4 : 122 ، 13 : 200 ، والمعارف لابن قتیبة 97 . وفیه قال علیّ علیه السلام : أنا الصدّیق الأکبر آمنتُ قبل أن یؤمن أبو بکر وأسلمت قبل أن یسلم أبو بکر .

ص:118

الصدّیق الأکبر ، آمنت قبل أن یؤمن أبو بکر وأسلمت قبل أن یسلم ] أبو بکر [((1)) ، فلا یعرفُ بعد هذا من هو الصادق ومن هو الکاذب ومن هو الصدّیق ومن هی الصدّیقة فی قاموس القوم ؟ وقد مرّ علیک أنّ معاویة حرّف کلّ فضیلة لعلیّ وجعلها فی غیره .

وثالثها : أنّ یزید لمّا أمر المؤذّن بالأذان لیقطع کلام الإمام ، کان الإمام السجّاد یوضّح کلّ فقرة من فقرات الأذان ، مُعرِّضاً بمن یتلفّظون بألفاظه دون وعی لمفاهیمه ، وهو ما سنقوله لاحقاً من أنّه یحتوی علی مفاهیم الإسلام ، وأنّه وجه الدین ، وأنّه ثبت بالوحی ، لا کما أرادوا تصویره بأنّه مجرّد إعلام قابل للزیادة والنقصان ، وُضع بأحلام واقتراحات من الصحابة !!

وفی قول السجّاد علیه السلام « یا یزید! محمّد هذا جدّی أم جدّک » بیان لارتفاع ذکر النبیّ وآله ، وأنّ الأمویّین لم یفلحوا فی حذف اسمه من الأذان وإخماد ذکره ، ومحاولة إدراج اسم « أمیر المؤمنین »((2)) !!! معاویة فی آخر الأذان ، وإن نجحوا ظاهریّاً فی إخماد ثورة الحسین وقتله وقتل عترة النبیّ صلی الله علیه و آله .

فالأذان المشرع من الوحی کان مفخرة آل النبیّ ، وبیاناً لارتفاع ذکره وذکر آله ، لا کما قیل فیه من أنواع المختلقات .

و یؤکّد ذلک أنّه لمّا قدم علیّ بن الحسین بعد قتل أبیه الحسین علیه السلام إلی المدینة استقبله إبراهیم بن طلحة بن عبیدالله وقال :

یا علیّ بن الحسین ، مَن غَلَب ؟ وذلک علی سبیل الشماتة.


1- شرح نهج البلاغة 13 : 228 ، وأنساب الاشراف بتحقیق المحمودی 146 ، الآحاد والمثانی 1 : 151 ، والمعارف لابن قتیبة 99 .
2- مرَّ علیک قبل قلیل قول السیوطی فی کتاب الوسائل إلی معرفة الأوائل 26 : أن أوّل من أمر المؤذن أن یشعره وینادیه فیقول : السلام علی أمیر المؤمنین الصلاة یرحمک الله ، معاویة بن أبی سفیان .

ص:119

فقال له علیّ بن الحسین : إذا أردتَ أن تعلم من غَلَب ودخل وقت الصلاة فأذِّن ثمّ أقِم((1)) .

وذلک أنّ ذکر الرسول المصطفی خُلّد فی الأذان والإقامة رغم نصب الناصبین وعداء المعادین ، وبه خلود ذکر آل النبیّ صلی الله علیه و آله ، فیکونون هم الغالبین لا بنو أمیّة ولا من غصبوا الحقوق وحرَّفوا المعالم عن سُنَنها ومجار یها .

وقد کانت نعرة البغض لرهط النبی وآله مترسّخة متجذرة فی نفوس الأمویین إلی أبعد الحدود ، حتّی وصلت بهم درجة الإحساس بالتعالی والتیه والکبر إلی أن یحاسبوا حتّی من یمدحهم غایة المدح فیما إذا قدّم علیهم آل الرسول ، فقد افتخر ابن میادة الشاعر بقومه بعد رهط النبی وبعد بنی مروان ، فقال :

فَضَلْنا قریشاً غیرَ رهطِ محمَّدِ وغیرطَ بنی مروان أَهلِ الفضائلِ

فقال له الخلیفة الاموی الولید بن یزید : قدَّمْتَّ رهطَ محمّد قبلنا ؟! فقال ابن میادة : ما کنت أظنه یمکن إلّا ذاک((2)) .

فها هو الشاعر یصرّح - طبقاً لضرورات الدین - بأنه لا یمکن للمسلم إلّا أن یقدّم رهط النبی صلی الله علیه و آله علی قومه وعلی جمیع الاقوام ، لکن العقلیة الأمویة والمروانیة کانت تسعی فی طمس آثار آل الرسول بکل ثقلها وجهدها .

وفی العصر العباسی ، دخل الإمام علیّ الهادی علیه السلام یوماً علی المتوکّل فقال له المتوکل : یا أبا الحسن مَن أشعر الناس ؟ - وکان قد سأل قبله علیّ بن الجهم ، فذکر شعراء الجاهلیة وشعراء الإسلام - فلمّا سأل الإمامَ قال : علیّ الحمانی حیث یقول :

لقد فاخَرَتْنا من قریش عصابةٌ بمطّ خُدود وامتدادِ أصابعِ


1- أمالی الطوسی 687 - 688 ، مجلس یوم الجمعة السابع من شعبان 457 ه- .
2- انظر انساب الاشراف 13 : 128 . وفیه انّ إبراهیم بن هشام بن عبدالملک قال لابن میادة : یا ماصَّ بظر أمّه أنت فضلت قریشاً ، وجرّده فضربه مائة سوط أو أقل .

ص:120

فلمّا تَنازَعنا المقالَ قضی لنا علیهم بما نهوی نداءُ الصَّوامعِ

قال المتوکّل : وما نداء الصوامع یا أبا الحسن ؟ قال : « أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله » جدّی أم جدّک ؟ فضحک المتوکل ثمّ قال : هو جدّک لا ندفعک عنه((1)) .

تَرانا سُکوتاً والشهیدُ بفضلِنا

تَراهُ جَهیرَ الصوتِ فی کلِّ جامعِ

بأنّ رسولَ اللهِ أحمدَ جدُّنا

ونحن بَنوهُ کالنجومِ الطَّوالعِ((2))

فکان الأذان وفیه اسم محمّد ، المرفوع ذکره ، المستتبع لرفع ذکر الأئمّة من أولاده((3)) ، کان ذلک أکبر مفخرة للمسلم الحقیقی ، کما کان یؤذی أعداء الإسلام الذین ارتدوا بسبب المعراج ، ویؤذی من أرادوا جعل الأذان وفصوله أحلاماً واقتراحات ، ویؤذی معاویة الذی أرّقه ذکر اسم « محمّد » واقترانه باسم ربّ العالمین ، ویؤذی أولاد طلحة وقتلة الحسین علیه السلام ، کما کان یؤرق المتوکّل العباسی ، وکلّ رموز التحریف وأرباب الطموحات السلطو یین ، وکلّهم من السلک القرشی المعادی لله وللرسول ولعترة الرسول صلوات الله علیهم أجمعین .

القدرة الإلهیّة وفشل المخطّطات

إن قریشاً سعت للوقوف أمام الدعوة ودأبت علی طمس معالم الإسلام ، لکن الله أبی إلّا أن یتمّ نوره ولو کره الکافرون {یُرِیدُونَ أَنْ یُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ


1- أمالی الطوسی 293 .
2- انظر : دیوان علیّ الحمّانی 81 ، ومناقب ابن شهرآشوب 4 : 406 وفیه : « علیهم » بدل : « تراه » .
3- لأنّه صلی الله علیه و آله أمر أن لا یصلوا علیه الصلاة البتراء .

ص:121

وَیَأْبَی اللهُ إِلاَّ أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ کَرِهَ الْکَافِرُونَ} ((1)) .

وقد مرّ علیک قول معاویة بن أبی سفیان : ( إلّا دفناً دفناً ) فی حین أن الله سبحانه وتعالی یقول : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} .

وقال السدّی فی تفسیر قوله : {إِنَّ شَانِئَکَ هُوَ الْأَبْتَرُ} : کانت قریش یقولون لمن مات الذکور من أولاده : أبتر ، فلمّا مات ابنه صلی الله علیه و آله : القاسم ، وعبدالله بمکّة ، وإبراهیم بالمدینة ، قالوا : بُتِرَ ، فلیس له من یقوم مقامه .

ثمّ إنّه تعالی بیّن أنّ عدوّه هو الموصوف بهذه الصفة ، فإنّا نری أنّ نسل أولئک الکفرة قد انقطع ، ونسله علیه الصلاة والسلام یزداد کلّ یوم وینمو وهکذا إلی یوم القیامة((2)) .

فقد أشار الفخرالرازی فی تفسیر قوله تعالی : {إِنَّا أَعْطَیْنَاکَ الْکَوْثَرَ} إلی أن الکوثر : أولاده صلی الله علیه و آله ، قالوا : لأنّ هذه السورة إنّما نزلت ردّاً علی من عابه علیه السلام بعدم الأولاد ، فالمعنی أنّه یعطیه نسلاً یبقون علی مرّ الزمان .

فانظر کم قُتل من أهل البیت ، ثمّ العالَم ممتلئ منهم ، ولم یبقَ من بنی أمیّة فی الدنیا أحد یُعبأ به .

ثمّ انظر کم فیهم من الأکابر من العلماء کالباقر والصادق والکاظم والرضا علیهم السلام والنفس الزکیّة وأمثالهم((3)) .

وکان الأمویون یحسدون آل البیت علی ما آتاهم الله من فضله ، وقد جاء فی تفسیر قوله تعالی : {أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَی ...} أنّها نزلت فی علیّ

علیه السلام وما خُصَّ


1- التوبة : 32 .
2- التفسیر الکبیر 32 : 133 .
3- التفسیر الکبیر 32 : 124 .

ص:122

به من العلم((1)) .

وعن ابن عبّاس فی قوله : {أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ} قال : نحن الناس دون الناس((2)).

وعن محمّد بن جعفر فی قوله : {أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ} ، قال : نحن المحسودون ، وعن ابن عبّاس فی قوله {أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ} قال : نحن الناس المحسدون و« فضله » النبوة((3)) .

فسبحانه جل شأنه رفع ذکرَ محمّد وآل محمّد بآیات التطهیر والمودّة والمباهلة وسورة الدهر وبراءة وغیرها من السور والآیات الکثیرة، ولو تدبّر المطالع فی سورة الضحی لعرف نزولها فی مدح النبیّ محمّد وأنّه جلّ شأنه ذکره بثلاثة أشیاء تتعلق بنبوته ، منها : {وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی} وفی سورة ألم نشرح شرّفه بثلاثة أشیاء أوّلها : {أَلَمْ نَشْرَحْ لَکَ صَدْرَکَ} ، وثانیها : {وَوَضَعْنَا عَنْکَ وِزْرَکَ * الَّذِی أَنْقَضَ ظَهْرَکَ} ، وثالثها : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} ((4)) .

قال الإمام فخر الدین الرازی: جعل الله تعالی أهل بیت النبیّ صلی الله علیه و آله مساوین له فی خمسة أشیاء :

أحدها : المحبة ؛ قال الله تعالی : {فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللهُ} ، وقال لأهل بیته : {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} .

والثانیة : تحریم الصدقة ؛ قال صلی الله علیه و آله : لا تحل الصدقة لمحمّد ولا لآل محمّد ، إنّما هی أوساخ الناس .

والثالثة : الطهارة ؛ قال الله تعالی : {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 7 : 220 .
2- المعجم الکبیر 11 : 146 ، مجمع الزوائد 7 : 6 والنص له .
3- شواهد التنزیل 1 : 183 .
4- التفسیر الکبیر 32 : 118 .

ص:123

لِتَشْقَی} أی یا طاهر ، وقال لأهل بیته : {إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً} .

والرابعة : فی السلام ؛ قال : « السلام علیک أیّها النبیّ » ، وقال لأهل بیته ( سلام علی آل یس )((1)) .

والخامسة : فی الصلاة علی النبیّ صلی الله علیه و آله وعلی الآل فی التشهّد((2)) .

وبهذا فقد عرفنا - وعلی ضوء الصفحات السابقة - بأن المجتهدین کانوا وراء فکرة الرؤیا ، وأنّ رأسها الأمویون ، استغلوا ما طرح فی عهد الصحابة لما یریدون القول به لاحقاً .

فإنّ النصوص السابقة وضّحت لنا بأنّ الصحابة اقترحوا علی رسول الله بأن یتخذ ناقوساً مثل ناقوس النصاری أو بوقاً مثل قرن الیهود ورسول الله لم یرضَ بذلک حتّی أُری عبدالله بن زید أو غیره الأذان .

وجاء فی کتاب ( من لا یحضره الفقیه ) عن الإمام علیه السلام أنّه قال : کان اسم النبیّ صلی الله علیه و آله یکرّر فی الأذان ، فأوّل مَن حذفه ابن أروی((3)) . وهو عثمان بن عفّان .

وهذا یتّفق مع ما قاله محمّد بن علیّ بن إبراهیم بن هاشم فی کتاب العلل وهو یذکر علل فصول الأذان حتّی یقول : .... وقوله : ( حیّ علی خیر العمل ) أی


1- قرأ نافع وابن عامر ویعقوب هذه الآیة بفتح الهمزة ومدّها وقطع اللام من الیاء کما فی آل یعقوب ، « النشر فی القراءات العشر 2 : 360 وتحبیر التیسیر : 170 » وللتأکید أقر فی مصحف المدینة النبویة بروایة ورش عن نافع المدنی والمطبوع فی المملکة العربیة السعودیة صفحه 407 الآیة : 130 من سورة الصافّات .
2- انظر : نقل کلام الفخر الرازی فی : نظم درر السمطین 240 ، والصواعق المحرقة 233 - 234 ، وینابیع المودّة 1 : 130 - 131 ، وجواهر العقدین 2 : 166 .
3- من لا یحضره الفقیه 1 : 299 ، کتاب الصلاة باب الأذان والإقامة .

ص:124

حث علی الولایة ، وعلّة أنّها خیر العمل أن الأعمال کلّها بها تقبل .

الله أکبر ، الله أکبر ، لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، فألقی معاویةُ من آخر الأذان ( محمّد رسول الله ) فقال : أما یرضی محمّد أن یذکر فی أوّل الأذان حتّی یذکر فی آخره((1)) .

وقد مرَّ علیک ما رواه عبدالرزاق عن إبراهیم من أنّ أوّل من أفرد الإقامة معاویة ، وقال مجاهد : کانت الاقامة مثنی کالأذان حتّی استخفّه بعض أمراء الجور فأفرده لحاجة لهم((2)) .

وجاء فی مجمع الزوائد عن عبدالرحمن بن ابن لیلی قال : کان علی بن أبی طالب اذا سمع المؤذن یؤذن قال کما یقول فإذا قال : اشهد ان لا إله إلّا الله واشهد ان محمّداً رسول الله . قال علی : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله وأنّ الذین جحدوا محمّداً هم الکافرون((3)) .

بعد ذلک لا غرابة علیک فی تصریح الصادق علیه السلام بأنّ الحکومات والنواصب


1- بحار الأنوار 81 : 170 ، عن العلل لابن هاشم ، وقد علّق المجلسی علی کلامه بقوله :... وکون الشهادة بالرسالة فی آخر الأذان غریب ، ولم أره فی غیر هذا الکتاب . أقول : قد یکون المراد من الشهادة بالرسالة فی آخر الأذان هو ما جاء فی بعض الروایات من استحباب ذکر الرسول وجعله الوسیلة إلی الله فی آخر الأذان ، وکلما سمع المسلم الشهادة بالنبوة فی الأذان وغیره. وهذا ما حذفه معاویة ، قال الشروانی فی حواشیه 3 : 54 ( .. وصریح کلامهم أنّه لا یندب الصلاة علی النبیّ بعد التکبیر ، لکن العادة جاریة بین الناس بإتیانها بها بعد تمام التکبیر ، ولو قیل باستحبابها عملاً بظاهر (وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ( وعملاً بقولهم : إنّ معناه « لا أذکر إلّا وتذکر معی » لم یکن بعیداً ، فتأمل .
2- أبو الوفاء الأفغانی فی تعلیقته علی کتاب الآثار 1 : 107 ، وانظر : المصنّف لعبدالرزاق 1 : 463/1793 .
3- مجمع الزوائد 1 : 332 .

ص:125

منهم علی وجه التحدید حرّفوا أو حاولوا تحریف الحقائق ، فقد عرفنا سیاسة التحریف عند الأمویین ومسخهم للحقائق وأنّ عملهم هذا یصب فی المخطط الهادف إلی إبدال کلّ ما جاء من حقائق الإسلام وکلّ ما کان من فضائل الإمام علیّ وأصحاب نهج التعبد .

فقد روی القاسم بن معاویة خبراً قال فیه :

قلت لأبی عبد الله علیه السلام : هؤلاء یروون حدیثاً فی معراجهم أنّه لما أسری برسول الله رأی علی العرش مکتوباً « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أبو بکر الصدیق » .

فقال : سبحان الله ، غیروا کل شیء حتّی هذا ؟!!

قلت : نعم .

فقال الصادق علیه السلام ما ملخّصه : إنّ الله تعالی لمّا خلق العرش ، والماء ، والکرسی ، واللوح ، وإسرافیل ، وجبرائیل ، والسماوات والأرضین ، والجبال ، والشمس ، والقمر ، کان یکتب علی کلّ منها « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علیّ أمیر المؤمنین » . ثمّ قال علیه السلام : فإذا قال أحدکم « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله » فلیقل « علیّ أمیر المؤمنین »((1)) .

فالقارئ البصیر لو تدبّر فی النصوص الصادرة عن الأئمة لعرف أنّ رسالتهم هی تصحیح للأفکار الخاطئة المبثوثة فی الشر یعة والتاریخ ، ویتأکد لک مدعانا لو طبق علی ما نحن فیه ، من وجود تیار یحمی فکرة الرؤیا وهم النواصب وأعداء النبیّ والإمام علیّ بن أبی طالب ، وهؤلاء النواصب کانوا لا یستسیغون ذکر الرسول محمّد فی الأذان ، أو یتصورون أنّ الشهادة الثانیة من وضعه

صلی الله علیه و آله ، فکیف


1- انظر الاحتجاج: 158 .

ص:126

یقبل أمثال هؤلاء بشرعیة شیء فیه تنویه ورفعة لمنزلة آل الرسول صلی الله علیه و آله ، والنواصب هم الذین یحرفون الکلم عن مواضعه ویجعلون مکانها مفاهیم اُخری ، وقد أشرنا سابقاً إلی بعضها ، وإلیک نَصَّین آخرین فی هذا السیاق ، إذ جاء فی أصل زید النرسی ، عن الإمام الکاظم بأن الصلاة خیر من النوم من بدع بنی أمیّة((1)) ، وهی توکّد ما نرید الوصول إلیه من حقیقة الأذان وکیفیة وقوع التحریف فیه .

فقد روی الصدوق وعلیّ بن إبراهیم ، عن عمر بن أُذینة ، عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال : یا عمر بن أُذینه ، ما تری هذه الناصبة ؟

قال : قلتُ : فی ماذا ؟

فقال : فی أذانهم ورکوعهم وسجودهم .

قال : قلت : إنّهم یقولون : إنّ أبیّ بن کعب رآه فی النوم .

فقال : کذبوا ، فإنّ دین الله عزّ وجلّ أعزّ من أن یُری فی النوم .

فقال سدیر الصیرفی للإمام : جُعلت فداک ، فأَحِدث لنا من ذلک ذِکراً ((2))، فبدأ الإمام الصادق علیه السلام ببیان عروج الرسول إلی السماوات السبع وذکر لهم خبر الأذان والصلاة هناک .

ولو أحببت الوقوف علی ملابسات هذه الأمور أکثر فأکثر ، ومعرفة دور قریش وأتباعهم من النواصب فی تحریف النصوص وما یتعلق بالإمام علیّ علی وجه التحدید ، فتمعن فیما نقوله تحت العنوان الآتی :


1- أصل زید النرسی54 ، وعنه فی مستدرک الوسائل 4 : 44 ح 4140/2 .
2- الکافی کتاب الصلاة باب النوادر 3 : 482 - 486/1 . وللمزید من الاطّلاع یمکنک مراجعة خبر الإسراء فی تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّی 2 : 3 - 12 . وانظر : علل الشرایع 2 : 313 باب علل الوضوء والأذان والصلاة ، وعنه فی بحار الأنوار 18 : 354 .

ص:127

مَنْ هم الثلاثة أو الأربعة ؟

بعد أن وقفت علی بعض تحریفات بنی أمیّة نوقفک الآن مع عبارة مبهمة تذکرها کتب الصحاح والسنن فی خبر الإسراء ، مفادها أنّ جبریل لمّا نزل بأمر الإسراء رأی ثلاثة رجال نائمین ، فقال إسرافیل لجبرئیل : أیّهم هو ؟ فقال : أوسطهم .

وکان النائم فی الوسط هو النبیّ محمّد، فالآن نتساءل : من هما الاثنان الآخران یا تری ؟ ولماذا الإبهام فی اسمیهما ؟

أخرج مسلم فی صحیحه ، وأبو عوانة فی مسنده ، والترمذی فی سننه ، وابن خزیمة فی صحیحه ، والنصّ للأول بسنده عن قتادة ، عن أنس بن مالک ، لعلّه قال عن مالک بن صعصعة ( رجل من قومه ) ، قال : قال نبیّ الله : بینا أنا عند البیت بین النائم والیقظان إذ سمعت قائلاً یقول : أحد الثلاثة بین الرجلین ...((1))

وفی مسند أحمد ، والمجتبی للنسائی ، والسنن الکبری له أیضاً ، والنصّ للأوّل ... عن قتادة ، عن أنس بن مالک ، عن مالک بن صعصعة : أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله قال : بینا أنا عند الکعبة بین النائم والیقظان فسمعت قائلاً یقول : أحد الثلاثة ... فأُتِیتُ بطست من ذهب .... ثمّ أُتیتُ بدابّة دون البغل وفوق الحمار ، ثمّ انطلقت مع جبرئیل علیه السلام ... الحدیث((2)) .


1- صحیح مسلم 1 : 104 کتاب الإیمان 1 : 149 باب الإسراء برسول الله صلی الله علیه و آله إلی السماوات وفرض الصلوات ح 264 ، مسند أبی عوانة 1 : 107 ، وصحیح ابن خزیمة 1 : 153 ، کتاب الصلاة ، باب بدء فرض الصلوات الخمس ، تفسیر القرطبی 20 : 104 ، أسد الغابة 4 : 281 ، الدیباج للسیوطی 1 : 207 ، وانظر : جامع البیان 15 : 4 ، وسنن الترمذی 5 : 442 ح 3346 ، کتاب تفسیر القرآن باب « من سورة ألم نشرح » .
2- مسند أحمد 4 : 207 ، 210 ، سنن النسائی 1 : 217 ، السنن الکبری 1 : 138 .

ص:128

علی أنّ البخاری وغیره أرجعوا هذا الخبر إلی قبل أن یبعث الرسول صلی الله علیه و آله ، فجاء فی الصحیحین عن شریک بن عبدالله بن أبی نمر : سمعت أنس بن مالک یحدّثنا عن لیلة أُسری بالنبیّ صلی الله علیه و آله من المسجد الکعبة : جاء ثلاثة نفر قبل أن یوحی إلیه وهو نائم فی مسجد الحرام ، فقال أوّلهم : أیّهم هو ؟ فقال : أوسطهم هو خیرهم ، وقال آخرهم : خذوا خیرهم ، فکانت تلک ، فلم یَرَهم حتّی جاءوا لیلة أخری فیما یری قلبه والنبیّ صلی الله علیه و آله نائمة عیناه ولا ینام قلبه .. فتولاّه جبرئیل ثمّ عرج به إلی السماء((1)) .

وفی هذه الضبابیة وهذا الإبهام نری کتب شروح الحدیث عند أهل السنّة والجماعة لا توضّح إلّا بعض الشیء عن هؤلاء ، فحکی السندی فی حاشیته علی النسائی وضمن تفسیره لهذا الحدیث .. « قالوا : هما حمزة وجعفر ... »((2)) .

وفی شرح مسلم باب الإسراء : روی أنّه کان نائماً معه حینئذ عمّه حمزة بن عبدالمطّلب وابن عمّه جعفر بن أبی طالب((3)) .

وفی فتح الباری بشرح صحیح البخاری : ... فقال أوّلهم : أیهم هو ، فیه إشعار بأنّه کان نائماً بین جماعة أقلّهم اثنان وقد جاء أنّه کان نائماً معه حینئذ حمزة ابن عبدالمطّلب وجعفر بن أبی طالب ابن عمّه((4)) .


1- صحیح البخاری 5 : 33 - 34 / کتاب المناقب - باب « کان النبیّ تنام عینه ولا ینام قلبه » . وانظر : 9 : 824 ، کتاب التوحید - باب « وکلّم الله موسیٰ تکلیما » ، وصحیح مسلم 1 : 148 ، کتاب الإیمان ، باب « الإسراء برسول الله صلی الله علیه و آله » ، وسنن البیهقی 7 : 62 . وقال ابن حجر فی فتح الباری 13 : 409 : « وقوله : قبل أن یُوحی إلیه » أنکرها الخطّابی وابن حزم وعبدالحقّ والقاضی عیاض والنووی ، وعبارة النووی : وقع فی روایة شریک هذه أوهام أنکرها العلماء ، أحدها قوله : قبل أن یوحی إلیه ، وهو غلط لم یَوافَق علیه .
2- حاشیة السندی علی النسائی 1 : 217 ، کتاب الصلاة باب فرض الصلاة وذکر اختلاف الناقلین .
3- هذا ما حکاه مهمّش تفسیر القرطبی 20 : 104 . ولم نقف علیه فی مظانّه .
4- فتح الباری بشرح صحیح البخاری 13 : 409 - 410 ، کتاب التوحید .

ص:129

وقال البناء فی الفتح الربّانی((1)) والمبارکفوری فی تحفة الأحوذی((2)) ، والکلام للأوّل : قال الحافظ : والمراد بالرجلین ، حمزة وجعفر ، وأنّ النبیّ صلی الله علیه و آله حین کان نائماً بینهما .

هکذا عرّفت کتب الشروح اسم الرجلین دون ذکر سند أو روایة فی ذلک، لکنّ کتب الشیعة الإمامیّة والإسماعیلیّة والزیدیّة رَوَت بأسانیدها أسماء الذین کانوا نائمین مع النبیّ صلی الله علیه و آله ، وهم : علیّ ، وحمزة ، وجعفر ، کانوا یحیطون به عن یمینه وشماله وتحت رِجلَیه ..

روی علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن عبدالله بن المغیرة ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبدالله علیه السلام فی قول الله تعالی : {سُبْحَانَ الَّذِی أَسْرَی بِعَبْدِهِ لَیْلاً} ، قال : روی عن رسول الله أنّه قال : بینا أنا راقد بالأبطح ، وعلیٌّ عن یمینی ، وجعفر عن یساری ، وحمزة بین یَدَیّ ، وإذا أنا بخفق أجنحة الملائکة وقائل منهم یقول : إلی أیّهم بُعِثتَ یا جبرئیل ؟ فقال: إلی هذا ، وأشار إلیّ . ثمّ قال : هو سیّد ولد آدم وحوّاء ، وهذا وزیره ووصیّه وختنه وخلیفته فی أمّته ، وهذا عمّه سید الشهداء حمزة ، وهذا ابن عمّه جعفر له جناحان خضیبان یطیر بهما فی الجنّة مع الملائکة ، دعه فلتنم عیناه ولتسمع أُذناه ولْیَعِ قلبه ...((3))

وروی القاضی النعمان فی شرح الأخبار عن الطبری ؛ رفعه إلی حذیفة الیمانی ، قال: خرج إلینا رسول الله صلی الله علیه و آله یوماً وهو حاملٌ الحسنَ والحسینَ علیهما السلام علی عاتقه ، فقال : هذان خیر الناس أباً وأمّاً ؛ أبوهما علیّ ... إلی أن قال : إنّ الله عزّوجلّ اختارنا أنا وعلیّا وحمزة وجعفر یوم بعثنی برسالته وکنت نائماً بالأبطح ، وعلیّ نائم


1- الفتح الربّانی 20 : 248 .
2- تحفة الأحوذی 9 : 193 .
3- تفسیر علیّ بن إبراهیم 2 : 13 تأویل الآیات 1 : 269 ، تفسیر نور الثقلین 3 : 100 عنه .

ص:130

عن یمینی ، وحمزة عن یساری ، وجعفر عند رجلی ، فما انتبهت إلّا بحفیف أجنحة الملائکة ، فنظرت فإذا أربعة من الملائکة وأحدهم یقول لصاحبه : یا جبرئیل ، إلی أیّ الأربعة أُرسِلتَ ؟ فرفسنی برِجلی وقال : إلی هذا .

قال : ومَن هذا ؟!

قال : محمّد سیّد المرسلین .

قال : ومَن هذا عن یمینه ؟!

قال : علیّ سیّد الوصیّین .

قال : ومن هذا عن یساره ؟!

قال : حمزة سیّد الشهداء .

قال : ومن عند رجلیه ؟

قال : جعفر الطیّار فی الجنَّة ((1)).

وروی الشیخ الطوسی بإسناده عن إبراهیم بن صالح بن زید بن الحسن ، عن أبیه ، عن أبی عبدالله علیه السلام ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : رقدتُ بالأبطح علی ساعدی وعلیٌّ عن یمینی ، وجعفر عن یساری ، وحمزة عند رِجلی ، قال : فنزل جبرئیل ومیکائیل وإسرافیل ، ففزعت لخفق أجنحتهم . قال : فرفعت رأسی فإذا إسرافیل یقول لجبرئیل : إلی أیّ الأربعة بُعثتَ وبُعثنا معک ؟ قال : فرفس برِجله فقال : إلی هذا ... إلی آخر الروایة((2)) .

وروی المرشد بالله یحیی بن الحسین الشجری - من الزیدیّة - فی الأمالی الخمیسیّة بإسناده عن ابن عباس، عن النبیّ صلی الله علیه و آله فی قول الله : {إنّما یُریدُ اللهُ لِیُذهِبَ عَنکُمُ الرِّجسَ أهلَ البَیْتِ ویُطَهِّرَکُم تَطْهیراً} فإنّا أهل بیت مُطهَّرون من الذنوب ، ألا


1- شرح الأخبار 1 : 120 - 121 ح 46 .
2- الأمالی للطوسی : 731 مجلس یوم الجمعة الثالث والعشرین من ذی الحجّة سنة 457 ه- .

ص:131

وإن الله اختارنی من ثلاثة من أهل بیتی علی جمیع أمّتی وأنا سیّد الثلاثة ، وسیّد ولد آدم یوم القیامة ، ولا فخر .

قال أهل السدة: یا رسول الله ، سَمِّ لنا الثلاثة نعرفهم ؟ فبسط رسول الله کفَّه الطیّبة المبارکة ثمّ حلق بیده ، قال : اختارنی وعلیّاً وحمزة وجعفراً ، کنا رقوداً بالأبطح لیس منّا إلّا مسجّی بثوبه ، علیّ عن یمینی ، وجعفر عن یساری ، وحمزة عند رجلی ، فما نبّهنی من رقدتی غیر حفیف أجنحة الملائکة وبرد ذراع علیّ تحت خدی ، فانتبهت من رقدتی ، وجبرئیل فی ثلاثة أملاک ، فقال له بعض الأملاک الثلاثة : یا جبرئیل ، إلی أیّ هؤلاء الثلاثة أُرسِلتَ ؟

فحرّکنی برجله وقال : إلی هذا وهو سیّد ولد آدم .

فقال له أحد الثلاثة : ومَن هو ، سمِّه ؟

فقال : هذا محمّد سیّد المرسلین ، وهذا علیّ خیر الوصیّین ، وهذا حمزة سیّد الشهداء ، وهذا جعفر له جناحان خضیبان یطیر بهما فی الجنّة حیث یشاء((1)) .

ولو حقّقنا فی رجال الخبر المروی فی تفسیر علیّ بن إبراهیم - والذی رواه المرحوم شرف الدین الحسینی ( من أعلام القرن العاشر ) مسنداً فی تاو یل الآیات - لرأیناهم ثقات لم یرد فیهم جرح ، ویؤیّده ما حکاه القاضی النعمان المصری فی شرح الأخبار والطوسی والمرشد بالله فی أمالیهما ، فنحن لو جمعنا هذین النصین مع ما جاء فی الإمام علیّ وأنّه أحد سادات أهل الجنّة السبعة بنص رسول الله صلی الله علیه و آله وأنّ مثاله کان فی الجنَّة وقد رأی ذلک رسول الله حینما أسری به إلی السماء ، لعرفنا حقیقة أخری کانت بنو أمیّة تخفیها وتخاف نشرها وشیوعها بین الناس ، بل سعت لطمسها وإبدالها بأخبار أخری فی الصحابة .

وإذا أردتَ أن تقف علی جلیة الأمر ، فلاحِظْ أنّ هناک مجموعة من الأحادیث


1- الأمالی الخمیسیة: 151 .

ص:132

النبویة الشریفة ، ومجموعة من الآیات الکریمة فسّرها الرسول الأکرم ، وفیها تجد علیّاً وحمزة وجعفراً فی إطار واحد لا ینفصلون ، وعلی نسق فرید من الکرامة فیه لا یتفرقون .

فقد أخرج الحاکم وابن ماجة بسندهما عن أنس بن مالک أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال : نحن بنو عبدالمطلب سادة أهل الجنّة ؛ أنا وعلیّ وجعفر وحمزة والحسن والحسین والمهدی ، ثمّ قال الحاکم : هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم ولم یخرجاه((1)) .

وقد روی ابن عساکر بسنده عن حبشی بن جنادة ، أن رسول الله صلی الله علیه و آله ، قال : إنّ الله اصطفی العرب من جمیع الناس ، واصطفی قریشاً من العرب ، واصطفی بنی هاشم من قریش ، واصطفانی واختارنی فی نفر من أهل بیتی : علیّ وحمزة وجعفر والحسن والحسین((2)) .

وقد روی عطیة ، عن أبی سعید الخدری ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : خیر الناس حمزة وجعفر وعلیّ((3)) .


1- المستدرک علی الصحیحین 3 : 211 والنصّ عنه ، وهو فی سنن ابن ماجة 2 : 1368 باب خروج المهدیّ ح 4087 ، وفیه : « نحن ولد عبدالمطّلب » ... ونحو الأوّل فی طبقات المحدّثین بإصفهان 2 : 291 ، وأیضاً فی سبل الهدی والرشاد 11 : 7 .
2- کنز العمّال 11 : 756 ، ح 3368 ، عن ابن عساکر .
3- شرح نهج البلاغة 15 : 72 .

ص:133

وروی الحاکم الحسکانی بسنده عن عبدالله بن عباس ، فی قول الله تعالی : {أفَمَن وَعَدناهُ وَعْداً حَسَناً فهو لاقِیه} ((1)) ، قال : نزلت فی حمزة وجعفر وعلیّ ، وذلک أنّ الله سبحانه وتعالی وعدهم فی الدنیا الجنّة علی لسان نبیّه صلی الله علیه و آله ، فهؤلاء یلقون ما وعدهم الله فی الآخرة((2)) ...

وروی الحاکم الحسکانی أیضاً بسنده عن عبدالله بن عبّاس فی قول الله تعالی : {مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَیْهِ} ((3)) ، یعنی علیّاً وحمزة وجعفرا {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَی نَحْبَهُ} یعنی حمزة وجعفرا {وَمِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ} یعنی علیّاً کان ینتظر أجله والوفاء لله بالعهد والشهادة فی سبیل الله ، فوالله لقد رزق الشهادة((4)) .

وبإسناده أیضاً عن زید ، قال : سألت أبا جعفر محمّد بن علیّ ، قلت له : أخبرنی عن قوله تعالی : {الَّذِینَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیَارِهِمْ بِغَیْرِ حَقٍّ} ((5)) ، قال : نزلت فی علیّ وحمزة وجعفر((6)) ...

فهؤلاء الثلاثة کانوا یحوطون النبیّ کما تحوط عینَ الناظر الهُدُبُ ، وکانوا هم عماد المدافعین عنه فی أوائل الدعوة الإسلامیّة ، وقد أعلنوا إسلامهم بکل جرأة وتحدّ للحشود القرشیة المتظافرة علی الفتک برسول الله صلی الله علیه و آله ، وها قد رأیت الأحادیث النبویة الشریفة والآیات القرآنیة الکریمة کیف تعدهم لئالئ فی سلک ونظام واحد ، فلماذا یحذف اسم « علیّ » من هذه الکوکبة ؟! ما یکون ذلک إلّا من صنیع المبغضین له والأمویین ومن لفّ لفَّهم ، ویکفیک هذا دلیلاً دامغاً علی أنّ ( نهج الأذان المنامی ) حاول التعتیم علی الحقیقة المحمدیة العلویة ، وحاول القضاء علی ( نهج الأذان السماوی ) ، فلم یتمکنوا من ذلک .

وهؤلاء الثلاثة - علیّ وحمزة وجعفر - کانت فضائلهم متماسکة متناسقة حتّی سارت علی السنة الشعراء ، فقد قال الکمیت فی بائیته الرائعة :

أولاک نبیّ الله منهم وجعفر

وحمزة لیث الفَیلقَین الُمجرَّبُ


1- القصص : 61 .
2- شواهد التنزیل 1 : 564 ، ح 601 . وانظر : نهج الإیمان 514 .
3- الأحزاب : 23 .
4- شواهد التنزیل 2 : 6 ، ح 628 . وانظر : التبیان 5 : 318 ، وتفسیر القمّی 2 : 188 .
5- الحجّ : 40 .
6- شواهد التنزیل 1 : 521 ، ح 552 .

ص:134

هُمُ ما هُمُ وتراً

وشَفعاً لقومِهم

لفقدانهم ما

یُعذَرُ المُتَحَوِّبُ قتیل التَّجوبی الذی استوأرت به

یساق به سَوقاً

عنیفاً ویجنبُ

قال شارح القصیدة : قتیل التجوبی هو علیّ بن أبی طالب ، وتجوب قبیلة وهم فی مراد((1)) .

ولمّا هجا أحدُ الشعراء - من ولد کریز بن حبیب بن عبدشمس - محمّد بن عیسی المخزومی ، أجابه شاعرٌ آخر فذکر معایب بنی عبدشمس وأنهم لم یکن لهم ما یذکر فی الجاهلیة من أمر اللواء والندوة والسقایة والرفادة ، وذکر حقدهم علی النبیّ وآل النبیّ صلی الله علیه و آله ، فقال :

لا لواءٌ یُعدّ

یا بن کریز

لا ولا رِفْدُ بیتِه ذی السَّناءِ

لا حجابٌ ولیس فیکم

سِوی الکب

ر وبُغضِ

النبیِّ والشهداءِ بین حاک ومُخْلج وطرید

وقتیل

یَلْعَنْهُ أهلُ السماءِ

ولهم زمزمٌ

کذاک وجِبری

لُ ومجدُ

السقایةِ الغَرّاءِ

قال ابن أبی الحدید : قال شیخنا أبو عثمان : فالشهداء علیّ وحمزة وجعفر ، والحاکی والمخلج هو الحکم بن أبی العاص ... والطرید اثنان : الحکم بن أبی العاص ومعاویة بن المغیرة بن أبی العاص ، وهما جدّا عبدالملک بن مروان من قبل أمّه وأبیه((2)) ...

وعلی کلّ حال ، فإن المنصف لا یرتاب فی أنّ الأذان کان تشریعه سماویاً لا رؤیؤیا ، وکان علیّ وحمزة وجعفر ، محیطین بالنبیّ صلی الله علیه و آله ، لکن الحکومات والسیاسات حذفت اسم علیّ

علیه السلام محاوِلةً إبعاد هذه المکرمة عنه وهی أقرب إلیه من


1- الروضة المختارة 40 .
2- انظر : شرح نهج البلاغة 15 : 198 - 199 .

ص:135

حبل الورید ، وهذه لیست أوّل فعلة من فعلات المحرّفین ، بل لها نظائر ونظائر إلی ما شاء الله .

وما ذکرهم مثال بلال وغیره من الصحابة فی خبر الإسراء والمعراج وترکهم ذکر مثال علیّ إلّا شاهد آخر علی ما حرفوا فی الأذان السماوی ، الذی تبناه علیّ وأولاده وأصحابه .

فقد روی مضمون ذلک جابر بن عبدالله الانصاری ، وأبو أمامة الباهلی ، وبریده ، وأنس بن مالک ، وأبو هریرة ، وسهل بن سعد الساعدی عن رسول الله بنصوص متقاربة .

فأمّا ما رواه جابر - فقد أخرجه البخاری ومسلم فی صحیحیهما((1)) ، وأبو داود الطیالسی((2)) ، وأحمد((3)) فی مسندیهما ، وابن حبان فی صحیحه((4)) - والنص للبخاری - وهو :

قال رسول الله : أُریتنی دخلت الجنَّة ، فإذا أنا بالرمیضاء امرأة أبی طلحة ، وسمعت خشفة فقلت : من هذا ؟

قال ] جبرئیل [ : هذا بلال . قال : ورأیت قصراً بفنائه جاریة ، فقلت : لمن هذا ؟ فقال : لعمر ، فأردت أن أدخله فأنظر إلیه فذکرت غیرتک .


1- صحیح البخاری والنصّ عنه 5 : 70 ح 199 ، باب مناقب عمر بن الخطاب ، وانظر : صحیح مسلم 4 : 1908 ح 2457 باب من فضائل أمّ سلیم أمّ أنس بن مالک وبلال ، وانظر : صحیح مسلم 4 : 1862 باب فضائل عمر بن الخطّاب ح 2394 .
2- مسند أبی داود الطیالسی 238 ح 1715 و1719 ، ما رواه محمد بن المنکدر عن جابر .
3- مسند أحمد 3 : 389 - 390 .
4- صحیح بن حبّان 15 : 309 فی ذکر قصر عمر فی الجنّة ، وص 559 فی ذکر ایجاب الجنّة لبلال و16 : 161 فی ذکر أمّ حرام فی الجنّة .

ص:136

فقال عمر : بأبی أنت وأمّی یا رسول الله ، أعلیک أغار ؟!

وفی روایة أبی أمامة التی رواها أحمد فی مسنده((1)) والطبرانی فی الکبیر((2))والهیثمی فی مجمع الزوائد((3)) - والنصّ عن أحمد - قال : قال رسول الله : دخلت الجنَّة فسمعت فیها خشفة بین یدی ، فقلت : ما هذا ؟ قال : بلال .

قال : فمضیت فإذا أکثر أهل الجنَّة فقراء المهاجرین((4)) وذراری المسلمین ولم أرَ أحداً أقلّ من الأغنیاء والنساء ... ثمّ خرجنا من أحد أبواب الجنَّة الثمانیة ، فلمّا کنت عند الباب أتیت بکُفّة فوُضعت فیها ووُضِعت أمّتی فی کفّة ، فرجحتُ بها ، ثمّ أتی بأبی بکر فوضع فی کفّة وجیء بجمیع أمّتی فی کفّه فوضعوا فرجح أبو بکر ، وجیء بعمر فوضع فی کفّة وجیء بجمیع أمّتی فوضعوا فرجح عمر ، وعرضت أمّتی رجلاً رجلاً((5)) فجعلوا یمرّون فاستبطأت عبدالرحمن بن عوف ، ثمّ جاء بعد الأیاس ...

وأمّا روایة عبدالله بن بریدة عن أبیه والتی أخرجها الطبرانی فی الکبیر((6)) وابن أبی شیبة فی المصنّف((7)) وابن حبّان فی الصحیح((8)) وأحمد فی المسند((9)) والترمذی فی السنن((10))


1- مسند أحمد 5 : 259 .
2- المعجم الکبیر 8 : 281 ح 7923 باختصار ، مسند الرویانی 2 : 277 .
3- مجمع الزوائد 9 : 59 ، 10 : 262 .
4- لا یفوتک عدم ذکر الأنصار فی هذا الحدیث .
5- لاحظ عدم ذکر عثمان وعلیّ فی هذا الحدیث فقد یکون للخوارج ید فی وضعه .
6- المعجم الکبیر 1 : 337 - 338 ح 1012 .
7- المصنّف لابن أبی شیبة 6 : 399 ح 32325 .
8- صحیح ابن حبّان 15 - 561 ، 562 .
9- مسند أحمد 5 : 354 و360 .
10- سنن الترمذی 5 : 620 ح 3689 .

ص:137

وابن خزیمة فی الصحیح((1)) والحاکم فی المستدرک((2)) - والنصّ للترمذی - فهی ، قال : أصبح رسول الله فدعا بلالاً ، فقال : یا بلال ، بم سبقتنی إلی الجنَّة ؟ ما دخلت الجنَّة قطّ إلّا سمعت خشخشتک أمامی .

وأمّا ما رواه أنس بن مالک - والذی جاء فی مسند عبد بن حمید((3)) - فهو : قال أنس : قال رسول الله : دخلتُ الجنّة فسمعت خشفة فقلت : ما هذه ؟ فقالوا : هذا بلال ، ثمّ دخلت الجنّة فسمعت خشفة ، فقلت : ما هذه ؟ قالوا : هذه الغمیضاء بنت ملحان وهی أمّ سلیم أمّ أنس بن مالک .

وأمّا ما رواه أبو هر یرة - والذی أخرجه البخاری((4)) ومسلم((5)) وابن حبّان((6)) فی صحاحهم ، وابن عساکر فی تاریخ دمشق((7)) - فهو : أن النبیّ قال لبلال عند صلاة الفجر : یا بلال ، حدّثنی بأرجی عمل عملتَه فی الإسلام فإنی سمعت دفّ نعلَیک بین یدَیّ فی الجنَّة ، قال : ما عملت عملاً أرجی عندی أنیّ لم أتطهّر طهوراً فی ساعة لیل أو نهار إلّا صلیت بذلک الطهور ما کتب لی أن أصلّی .

وأمّا روایة سهل بن سعد ففیها : قال : قال رسول الله : دخلت الجنَّة فإذا منظر آت فنظرت فإذا هو بلال((8)) ..


1- صحیح ابن خزیمة 2 : 214 ح 1209 .
2- المستدرک علی الصحیحین 1 : 313 و3 : 285 .
3- منتخب مسند عبد بن حمید 399 ح 1346 .
4- صحیح البخاری 2 : 499 کتاب التهجّد باللیل ، باب فضل الطهور باللیل والنهار ، ح 1074 والنصّ عنه ، وج 5 : 93 کتاب فضائل أصحاب النبیّ باب مناقب بلال بن أبی رباح .
5- صحیح مسلم 4 : 1910 باب من فضائل بلال ح 2458 .
6- صحیح ابن حبّان 15 : 565 .
7- تاریخ دمشق 10 : 453 - 454 .
8- مسند أحمد 2 : 333 .

ص:138

کلّ هذه النصوص ظاهرة فی أنّه صلی الله علیه و آله رأی ذلک فی معراجه إلی السماء ، وهناک نصّان آخران یوضحان ذلک ؛ فقد روی الطبرانی فی الکبیر بإسناده عن وحشی بن حرب ، عن أبیه ، عن جدّه : أنّ رسول الله لمّا أسری به فی الجنَّة سمع خشخشة ، فقال : یا جبرئیل ، ما هذه الخشخة ؟ قال : هذا بلال .

قال أبو بکر : لیت أمّ بلال ولدتنی وأبو بلال وأنا مثل بلال((1)) رواه الطبرانی ورجاله ثقات .

وفی مسند أحمد((2)) ومجمع الزوائد((3)) والأحادیث المختارة((4)) وتفسیر ابن کثیر((5)) عن ابن عبّاس ، والنصّ لأحمد : بسنده عن ابن عبّاس ، قال : لیلة أسری بنبیّ الله صلی الله علیه و آله ودخل الجنَّة فسمع من جانبها وَجساً ، قال : یا جبرئیل ، ما هذا ؟ قال : هذا بلال المؤذّن .

فهذه النصوص تُشیر إلی وجود مثال بلال فی الجنّة وإن جدّ بعض الأعلام إلی تضعیفها((6)) وحملها علی کونها کانت فی المنام لا الیقظة ، لکنّهم بهذا التعلیل أو ذاک لا یمکنهم التقلیل من حجیّتها عند القائلین بها ، وذلک لحجیّة رؤیا الأنبیاء عند جمیع المسلمین ، وقد یکون ما رآه الرسول معنی آخر لتجسّم الأعمال والذی یذهب إلی القول به جماعة من المسلمین .

وبعد هذا فلا مانع من أن نذکر بعض الروایات الدالّة علی وجود اسم علیّ


1- المعجم الکبیر 22 : 137 ، مجمع الزوائد 9 : 299 .
2- مسند أحمد 1 : 257 .
3- مجمع الزوائد 9 : 300 .
4- الأحادیث المختارة 9 : 552 .
5- تفسیر ابن کثیر 3 : 14 .
6- فیض القدیر 3 : 517 ، فتح الباری 3 : 26 - 27 ، نیل الاوطار 3 : 81 ، تحفة الاحوذی 10 : 120 .

ص:139

فی العرش والکرسی ، والتی لا نستبعد أن تکون حکومة الأمویین وضعت الأحادیث الآنفة فی مقابلها ، محاولةً منهم لطمس فضائل علیّ والتقلیل من أهمّیتها ، وذلک طبق المنهج الذی رسموه وخططوه فی ذلک کما تقدم بیانه ، إذ أن حدیث رجحان کفّة أبی بکر وعمر علی کفّة الناس أجمعین هو تحریف للحدیث الثابت عن رسول الله : ضربة علیّ یوم الخندق تعدل عبادة الثقلین((1)) ، وإلیک الان بعض تلک الروایات المشیرة إلی وجود اسم الإمام علیّ علی ساق العرش :

روی الصدوق فی « من لا یحضره الفقیه » عن علیّ علیه السلام ، عن النبیّ صلی الله علیه و آله أنّه قال فی وصیة له : یا علیّ ، إنّی رأیت اسمک مقروناً باسمی فی ثلاثة مواطن ، فأنست بالنظر إلیه ، إنی لمّا بلغت بیت المقدس فی معراجی إلی السماء وجدت علی صخرتها « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، أیّدته بوزیره ونصرته بوزیره » .

فقلت لجبرئیل : مَن وزیری ؟

قال : علیّ بن أبی طالب علیه السلام .

فلما انتهیت إلی سدرة المنتهی وجدتُ مکتوباً علیها : « إنّی أنا الله لا إله إلّا أنا وحدی ، محمّد صفوتی من خلقی ، أیّدته بوزیره ونصرته بوزیره » ، فقلت لجبرئیل : مَن وزیری ؟ فقال : علیّ بن أبی طالب .

فلمّا جاوزتُ سِدرةَ المنتهی انتهیت إلی عرش ربّ العالمین جلّ جلاله ، فوجدت مکتوباً علی قوائمه : « إنّی أنا الله لا إله إلّا أنا وحدی ، صفوتی من خلقی ، أیّدته بوزیره ونصرته بوزیره » ، فقلت لجبرئیل : مَن وزیری ؟ فقال : علیّ بن أبی طالب .


1- شرح المقاصد للتفتازانی 5 : 298 .

ص:140

فلمّا رفعت رأسی نظرت علی بطنان العرش مکتوباً : « إنّی أنا الله لا إله إلّا أنا ، محمّد حبیبی ، أیّدته بوزیره ونصرته بوزیره »((1)) .

وفی کتاب کمال الدین وتمام النعمة للصدوق بإسناده إلی وهب بن منبّه ، رفعه عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله لعلیّ : لمّا عرج بی ربیّ جلّ جلاله أتانی النداء : یا محمّد .

قلت : لبیّک ربَّ العظمة لبیّک ، فأوحی الله إلیَّ : یا محمّد ، فیمَ اختصم الملأ الأعلی ؟

فقلت : إلهی ، لا علم لی .

فقال : یا محمّد ، هلاّ اتَّخذت من الآدمیّین وزیراً وأخاً ووصیّاً من بعدک ؟

قلت : إلهی ، ومَن أتّخذ ؟ تخیَّرْ أنت یا إلهی . فأوحی الله إلیّ : یا محمّد ، قد اخترتُ لک من الآدمیّین علیّ بن أبی طالب.

فقلت : إلهی ، ابن عمّی ؟

فأوحی الله إلیّ : یا محمّد ، إنّ علیّاً وارثک ووارث العلم من بعدک ، وصاحب لوائک لواء الحمد یوم القیامة ، وصاحب حوضک یسقی مَن ورد علیه من مؤمنی أمّتک .

ثمّ أوحی الله إلیّ : یا محمّد ، إنّی قد أقسمت علی نفسی قسماً حقاً ، لا یشرب من ذلک الحوض مُبغض لک ولأهل بیتک وذر یّتک الطیّبین الطاهرین ، حقّاً أقول یا محمّد: لأُدخِلنّ جمیع أمّتک الجنَّة إلّا مَن أبی من خلقی ، فقلت : إلهی ، هل واحد یأبی من دخول الجنَّة ؟

فأوحی الله إلی : بلی .


1- من لا یحضره الفقیه 4 : 373 - 374 ، وفی تاریخ دمشق 47 : 344 بسنده عن حمید الطویل عن أنس بن مالک قال : قال النبی صلی الله علیه و آله : لما عُرج بی رأیت علی ساق العرش مکتوباً : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أیّدته بعلیّ ونصرته بعلیّ .

ص:141

فقلت : وکیف یأبی ؟

فأوحی الله إلی : یا محمّد ، اخترتُک من خلقی ، واخترتُ لک وصیّاً من بعدک ، وجعلته منک بمنزلة هارون من موسی إلّا أنّه لا نبیّ بعدک ، وألقیت محبّته فی قلبک ، فجعلته أباً لولدک ، فحقّه بعدک علی أمّتک کحقّک علیهم فی حیاتک ، فمن جحد حقّه فقد جحد حقّک ، ومن أبی أن یوالیه فقد أبی أن یوالیک ، ومن أبی أن یوالیک فقد أبی أن یدخل الجنّة ، فخَرَرتُ لله ساجداً شکراً لما أنعم علیّ ... والخبر طویل اکتفینا منه بهذا المقدار((1)) .

وفی تفسیر علیّ بن إبراهیم بإسناده عن أبی بردة الأسلمی ، قال : سمعت رسول الله یقول لعلیّ : یا علیّ ، إنّ الله أشهَدَک معی فی سبع مَواطن : أمّا أوّل ذلک فلیلة أُسری بی إلی السماء ، قال لی جبرئیل : أین أخوک ؟

فقلت : خلّفته ورائی .

قال : ادعُ الله فلیأتک به ، فدعوتُ الله وإذا مِثالُک معی وإذا الملائکة وقوف صفوف ، فقلت : یا جبرئیل ، من هؤلاء ؟ قال : هم الذین یباهیهم الله بک یوم القیامة ، فدنوت فنطقت بما کان وما یکون إلی یوم القیامة .

والثانی حین أُسری بی من المرّة الثانیة ، فقال لی جبرئیل: أین أخوک ؟ فقلت : خلّفته ورائی ، فقال : ادعُ الله فلیأتک به ، فدعوتُ الله فإذا مثالک معی ، فکُشِط لی عن سبع سماوات حتّی رأیت سُکّانها وعُمّارها وموضع کلّ ملک منها ... إلی أن قال :

وأمّا السادس : لمّا أُسری بی إلی السماء جمع الله لی النبیّین فصلّیت بهم ومثالک خلفی((2)) .


1- کمال الدین وتمام النعمة 250 - 251 وانظر : تفسیر نور الثقلین 4 : 470 .
2- تفسیر علیّ بن إبراهیم 2 : 335 - 336 فی تفسیر سورة النجم وعنه فی تفسیر نور الثقلین 5 : 158 سورة النجم ح 55 .

ص:142

وفی عیون أخبار الرضا ، بسنده عن أمیر المؤمنین ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لمّا أسری بی إلی السماء أوحی إلیّ ربّی جلّ جلاله فقال : یا محمّد ، إنّی اطّلعتُ إلی الأرض اطّلاعةً فاخترتک منها فجعلتک نبیّاً ، وشَقَقتُ لک من اسمی اسماً ، فأنا المحمود وأنت محمّد .

ثمّ اطّلعت الثانیة فاخترت منها علیّاً وجعلته وصیّک وخلیفتک وزوج ابنتک وأبا ذریّتک ، وشَقَقْتُ له أسماً من أسمائی ؛ فأنا العلیّ الأعلی وهو علیّ .

وجعلت فاطمة والحسن والحسین من نورکما ، ثمّ عرضت ولایتهم علی الملائکة ، فمَن قَبِلها کان عندی من المقرّبین ((1))...

وفی کمال الدین وتمام النعمة ، بإسناده إلی عبدالسلام بن صالح الهروی ، عن علیّ بن موسی الرضا ، عن آبائه ، عن علیّ : عن النبیّ صلی الله علیه و آله فی حدیث طویل ، قال فیه :... فنظرت - وأنا بین یَدَی ربّی - إلی ساق العرش ، فرأیتُ اثنی عشر نوراً ، فی کلّ نور سطر أخضر مکتوب علیه اسم کلّ وصیّ من أوصیائی ، أولهم علیّ بن أبی طالب وآخرهم مهدیّ أمّتی .

فقلت : یا ربّ ، أهولاء أوصیائی مِن بَعدی ؟ فنُودیتُ : یا محمّد ، هؤلاء أولیائی وأحبّائی وأصفیائی وحجّتی بعدک علی بریّتی ، وهم أوصیاؤک وخلفاؤک وخیر خلقی بعدک . وعزّتی وجلالی لأظهرنّ بهم دِینی ، ولأُعلینّ بهم کلمتی ، ولأطهرنّ الأرض بآخرهم من أعدائی ، ولأملّکنّه مشارق الأرض ومغاربها ، ولأسخرنّ له الریاح ، ولأذللنّ له الرقاب الصِّعاب ، ولأرقینّه فی الأسباب ، ولأنصرنّه بجندی ، ولأمدنّه بملائکتی حتّی یُعلن دعوتی ویجمع الخلق علی توحیدی ، ثمّ لأدیمنّ ملکه ، ولأداولنّ الأیام بین أولیائی إلی یوم القیامة((2)) .


1- عیون أخبار الرضا 2 : 61 .
2- کمال الدین وتمام النعمة 256 .

ص:143

وفی أصول الکافی ، بإسناده عن الإمام علیّ علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنّه قال : ... فإنه لمّا أسری بی إلی السماء الدنیا فنسبنی جبرئیل لأهل السماء استودع الله حبّی وحبّ أهل بیتی وشیعتهم فی قلوب الملائکة ، فهو عندهم ودیعة إلی یوم القیامة((1)) ...

وقد مرَّ علیک خبر سدیر الصیرفی وعمر بن أُذینة فی الإسراء والمعراج ، وقول الإمام الصادق للاخیر : یا عمر ، ما تری هذه الناصبة فی أذانهم ورکوعهم وسجودهم ؟! نحن جئنا بهذه النصوص کی نؤکد علی صحّة ما قاله الإمام الصادق عن النواصب ودورهم فی تحریف الأمور وخصوصاً المسائل التی فیها اسم الإمام علیّ بن أبی طالب وأهل بیت الرسول ، وان تحریفاتهم لا تقتصر علی مفردة أو مفردتین فی التاریخ والشر یعة ، بل شملت جمیع مراحل التشریع من الاسراء حتّی ما لا نهایة ، وإنّک لو مررت بالتاریخ والحدیث ودرستهما دراسة واقعیة بعیداً عن التعصب لوافقتنا فیما قلناه وستقف علی عشرات الروایات الدالّة علی مکانة الإمام علیّ والتی سنتعرض لها فی الشهادة الثالثة لاحقاً بإذن الله تعالی .

نحن لا نرید التفصیل فی مثل هذه الموارد، بل نذکّر القارئ الکریم بما مرّ علیه من کلام شیخ ابن أبی الحدید من أنّ الأمویّین سعوا إلی تحریف الفضائل الثابتة فی علیّ وجعلها فی عثمان وأبی بکر وعمر ، ونحن لو تابعنا السیر التاریخی لوقفنا علی التحریف اللفظی والمعنوی لبنی أمیّة ، فکما أنّهم جعلو اللعنة سمة وشرفاً للملعونین!! فقد أوّلوا کلام الرسول فی معاویة ( لا أشبع الله بطنک ) بأنّه دعا له


1- الکافی 2 : 46 کتاب الإیمان والکفر ، باب نسبة الإسلام ح 3 .

ص:144

بأنّه سیأتی یوم القیامة خمیص البطن لا شیء علیه((1)) .

وخیر مثال علی التحریف المعنوی هو ما أشاعه معاویة فی واقعة صفّین عند مقتل عمّار بن یاسر - لمّا تناقل الجندُ کلامَ رسول الله « تقتلک الفئة الباغیة » - بأن الإمام علیّ بن أبی طالب هو القاتل له حیث أخرجه وزجّ به فی المعرکة ، ولما سمع الإمام علیّ بن أبی طالب بهذه المقالة قال ما مفاده : وعلی هذا الکلام یکون رسول الله هو الذی قتل حمزة لأنّه أخرجه لحرب المشرکین !

وأقبح منه ما روی أنّه قال لأهل الشام : إنّما نحن الفئة الباغیة التی تبغی دم عثمان((2)) !

فللأمویین تحریفات لفظیة وتحریفات معنویة کثیرة ، وإنّ هذه الدراسة ترید أن توضح أمثال هذه الأمور فی الشریعة والتاریخ وانعکاساً علی الأذان هنا .

فلا یجوز حمل بعض التحقیقات حول الأمویین وعقیدتهم فی الاسراء والمعراج و... علی الإسهاب والخروج عن البحث ، بل ما کتبناه هو المقصود ، ولولاه لما فهمنا ملابسات التشریع الذی نحن بصدد بیانه .

بلی ، إنّهم لم یکونوا یحبّون آل الرسول، بل لم یحبّوا کلّ من أحبّه الرسول ، بل


1- والأغرب من هذا ما قاله ابن کثیر فی البدایة والنهایة 8 : 123 ، وقد انتفع معاویة بهذه الدعوة فی دنیاه واخراه . أمّا فی الدنیا فإنّه لما صار إلی الشام امیراً کان یأکل فی الیوم سبع مرات یجاء بقصعة فیها لحم کثیر وبصل فیأکل منها ، ویأکل فی الیوم سبع اکلات بلحم ، ومن الحلوی والفاکهة شیئاً کثیراً ویقول والله ما اشبع وانما اعیا ، وهذه نعمة ومعدة یرغب فیها کل الملوک . وأمّا فی الآخرة ... فإنّ رسول الله قال: اللّهمّ إنّما أنا بشر فإیما عبد سببته أو جلدته أو دعوت علیه ولیس لذلک أهلا فاجعل ذلک کفارة وقربة تقربه بها عندک یوم القیامة ... وهذا الحدیث فضیلة لمعاویة .
2- الإمامة والسیاسة 1 : 146 .

ص:145

کانوا یتعاملون مع آل الرسول بالشدة والبغض ، فقد ذکر المناوی فی فیض القدیر ، وکذا القرطبی فی تفسیره واقعة دارت بین مروان بن الحکم وأسامة بن زید .

وأسامة کان ممن یحبهم رسول الله - حسب نص القرطبی وغیره - وکان الخلیفة عمر بن الخطاب أعطاه خمسة آلاف درهم ولابنه عبدالله ألفی درهم ، فسأل عبدالله عن سر ذلک فأجابه عمر أنّه فعل ذلک لمحبة رسول الله له .

قال القرطبی : وقد قابل مروان هذا الواجب ( أی محبّة مُحِبِّ رسول الله ) بنقیضه ، وذلک أنّه مرّ بأسامة وهو یصلّی بباب بنت رسول الله .

فقال مروان : إنّما أردت أن تُری الناس مکانک ، فقد رأینا مکانک ! فَعَل الله بک وفعل ، وقال قولاً قبیحاً .

وقال له أسامة : آذیتنی وإنّک فاحش متفحّش ، وقد سمعتُ رسول الله یقول : إنّ الله یُبغض الفاحش المتفحش .

فانظر ما بین الفعلین وقِس ما بین الرجلین ، فلقد آذی بنو أمیّة رسول الله فی أحبابه وناقضوه فی مَحابّه((1)) .

وعلیه فالذی یجب القول به هنا ، هو أنّ خبر الإسراء ثابت بالکتاب ، والمعراج ثابت بالسنة - وإن لم یفرّق البعض بینهما فأطلق الإسراء علی کلیهما تساهلاً - وهذا ما جعل المجال مفتوحاً للإجمال والتفصیل والتلاعب والتشکیک فی خبر المعراج أکثر من أخبار الإسراء .

فهل یرجع إجمالهم فی نقل أخبار المعراج إلی عدم وقوفهم علی نقول أهل بیت الوحی والنبوة؟ أم یرجع إلی أنّهم أجملوا ذلک عن قصد وعمد ؟ لعلّک عرفت جواب هذا السؤال ممّا مرّ ، فأغنی ذلک عن الإطالة .


1- تفسیر القرطبی 14 : 240 ، وعنه فی فیض القدیر 1 : 618 .

ص:146

وبهذا یکون ما کتبناه هو أشارة إلی دواعی الأمویین ومن لفّ لفهم فی تحریف خبر الأذان ، وکیف ربطوا خبر الإسراء والمعراج بالشجرة الملعونة ، مدّعین أنّها شجرة الزقوم ، بل کیف ربطوها بمسائل أخری وقضایا مصیریة فی الشریعة والتاریخ ، کلّ ذلک للتشکیک فی مقام الرسول صلی الله علیه و آله والقول بأنّ منامه المعراجی هذا یشابه الأذان ویحتاج إلی شاهد لتثبیت صحّته .

ص:147

مطلبان

اشارة

لنا هنا مطلبان یتضحان بعد طرحنا هذین السؤالین :

الأوّل : هل أنّ الأذان عبارة عن الإعلام للصلاة فقط ، أم هو بیان لأصول العقیدة وأرکان الإسلام ؟

الثانی : هل أنّ أمر الأذان توقیفیّ؟ وإذا کان توقیفیّاً ، فهل هناک فرق بین توقیفیة الواجبات وتوقیفیة المستحبّات أم لا ؟

وقبل الجواب عن السؤال الأوّل لابدّ من الإشارة إلی حقیقة هامّة فی العبادات وغیرها ، وهی : أنَّ الأُمور العبادیّة فی الشرع لها ظاهر ومغزی ، فقد یمکن للإنسان أن یقف علی ظاهر شیء ویؤدّیه دون أن یعرف کنهه ومغزاه والغایة القصوی منه ، فالمطالع مثلاً فی ما جاء عن أهل بیت النبوة یقف علی أسرار فی الصلاة والصیام والزکاة والحجّ وغیرها ، ویتعرّف علی أُمور کان لا یعرفها من ذی قبل ، ولم یتنبه لها فی نظرته الأُولی ، من ذلک ما ذکره الصدوق فی علل الشرائع ، حیث قال فیه :

إنّ نفراً من الیهود جاءوا إلی رسول الله فسألوه عن مسائل وکان فیما سألوه : أخبرنا یا محمّد لأیّ علَّة تُوَضَّأُ هذه الجوارح الأربع وهی أنظف المواضع فی الجسد ؟

ص:148

فقال النبیُّ صلی الله علیه و آله : « لمّا أن وسوس الشیطان إلی آدم دنا من الشجرة ونظر إلیها ذهب ماء وجهه ، ثمّ قام ومشی إلیها وهی أوّل قدم مشت إلی الخطیئة، ثمّ تناول بیده منها ممّا علیها فأکل فطار الحلی والحلل عن جسده ، فوضع آدم یده علی ] أُمِّ [ رأسه وبکی ، فلمّا تاب الله علیه فرض علیه وعلی ذرّیّته غسل هذه الجوارح الأربع ، وأمره بغسل الوجه لما نظر إلی الشجرة ، وأمره بغسل الیدین إلی المرفقین لما تناول منها ، وأمره بمسح الرأس لما وضع یده علی أُمِّ رأسه ، وأمره بمسح القدمین لما مشی بهما إلی الخطیئة »((1)) .

ومعنی هذا النصّ أنّ العبد یجب علیه تطهیر أعضائه حینما یرید التوجّه إلی الله، وبما أنّ الوجه والیدین فیهما الحواسّ الخمس الظاهرة التی بها یُعصی الإله کان علیه أن یغسلهما قبل الدخول إلی حضرة الإله.

أمّا الرأس والقدمان فهما عنصران آلیّان یتقوّی بهما المکلّف علی المعصیة أو الطاعة وهما لیسا من الحواسّ الخمس ، ففی الرأس القوّة المفکِّرة والخیالیّة التی تبعث الفرد إلی ارتکاب المعاصی أو فعل الواجب ، وبالرِّجل یسعی إلیهما - الطاعة أو المعصیّة - فأمر سبحانه المسح علیهما کی ینجو من الوساوس الشیطانیّة والأغلال النفسیّة ویدخل حضیرة القدس طاهراً نقیّاً من الأدناس ، ولأجل هذه الحقیقة فقد أکّدنا فی کتابنا « وضوء النبیّ » علی : أنَّ طهارة الوضوء هی طهارة حکمیّة ولیست بحقیقیّة ، لأنَّ المؤمن لا یُنَجِّسُه شیء ، وبالوضوء یُعرف مَن یطیع الله ومن یعصیه((2)) .

وبعد هذه المقدِّمة لابدّ من الإجابة عن السؤال الأوّل .


1- علل الشرائع 1 : 280 الباب 191 .
2- انظر : وضوء النبیّ ، المدخل 428 .

ص:149

1 - الأذان إعلام للصلاة أم بیان لأصول العقیدة ؟

اشارة

قال القاضی عیاض : « اعلم أنّ الأذان کلام جامع لعقیدة الإیمان ، مشتملة علی نوعیه من العقلیّات والسمعیّات ، فأوّله إثبات الذات وما یستحقّه من الکمال ] أی الصفات الوجودیة [ ، والتنزیه عن أضدادها ] أی الصفات العدمیة [ ، وذلک بقوله « الله أکبر » ، وهذه اللفظة مع اختصار لفظها دالَّة علی ما ذکرناه .

ثمّ صرّح بإثبات الوحدانیّة ونفی ضدّها من الشرکة المستحیلة فی حقّه سبحانه وتعالی ، وهذه عمدة الإیمان والتوحید ، المقدّمة علی کلّ وظائف الدین.

ثمّ صرّح بإثبات النبوّة والشهادة بالرسالة لنبیّنا ، وهی قاعدة عظیمة بعد الشهادة بالوحدانیّة وموضعها بعد التوحید ، لأنّها من باب الأفعال الجائزة الوقوع ، وتلک المقدّمات من باب الواجبات ، وبعد هذه القواعد کملت العقائد العقلیّات فیما یجب ویستحیل ویجوز فی حقّه سبحانه وتعالی .

ثمّ دعا إلی ما دعاهم إلیه من العبادات، فدعا إلی الصلاة وجعلها عقب إثبات النبوّة ، لأنَّ معرفة وجوبها من جهة النبیّ صلی الله علیه و آله لا من جهة العقل .

ثمّ دعا إلی الفلاح ، وهو الفوز والبقاء فی النعیم المقیم، وفیه إشعار بأُمور الآخرة من البعث والجزاء ، وهی آخر تراجم عقائد الإسلام .

ثمّ کرّر ذلک بإقامة الصلاة للإعلام بالشروع فیها ، وهو متضمّن لتأکید الإیمان وتکرار ذکره عند الشروع فی العبادة بالقلب واللسان ولیدخل المصلّی فیها علی بیّنة من أمره وبصیرة من إیمانه ویستشعر عظیم ما دخل فیه وعظمة حقّ مَن یعبده وجزیل ثوابه ... »((1)) .


1- نقله عنه النووی فی المجموع 3 : 75 . وانظر کلام السیّد البکری فی حاشیة اغاثة الطالبیین 1 : 229 والبخاری فی شرح الکرمانی 5 : 4 وشرح النووی علی مسلم .

ص:150

وقد نقل محمّد بن علان - شارح الأذکار النوویّة - کلام القاضی عیاض بشیء من التصرّف ، کقوله :

ثمّ کرّر التکبیر آخره إشارة إلی الاعتناء السابق ، لأنَّ هذا المقام هو الأصل المبنیّ علیه جمیع ما تقرّر من العقائد والقواعد ، وختم ذلک بکلمة التوحید إشارة إلی التوحید المحض ...((1)) .

وکان آخره اسم « الله » لیطابق البداءة ، إشارة إلی أنَّه الأوّل والآخِر فی کلّ شیء ، قال القاضی : « ثمّ کرّر ذلک عند إقامة الصلاة للإعلام بالشروع فیها ، وفی ذلک تأکید الإیمان وتکرار ذکره عند الشروع فی العبادة بالقلب واللسان ، لیدخل المصلّی فیها علی بیّنة من أمره وبصیرة من إیمانه ویستشعر عظیم ما دخل فیه وعظیم حقّ مَن عبده وجزیل ثوابه علی عباده((2)) .

وقد علّق ابن علان علی کلام القاضی عیاض بقوله : ( قلتُ : قال ابن حجر فی شرح المشکاة : وللاعتناء بشأن هذا المقام الأکبر کرّر الدالّ علیه أربعاً إشعاراً بعظیم رفعته ، وکأنّ حکمة خصوص الأربع أنَّ القصد بهذا التکریر تطهیر شهود النفس بشهود ذلک عن شهواتها الناشئة عن طبائعها الأربعة الناشئة عن أخلاطها الأربعة .

وفی شرح العباب له: ( وکأنَّ حکمة الأربع أنَّ الطبائع أربعة لکلٍّ منها کمال ونقص یخصّه بإزاء کلّ منها کلمة من تلک لیزید فی کمالها ویطهّر نقصها ، وکذا یقال بذلک فی کلّ محلّ ورد فیه التربیع )((3)) .


1- وهو أن ( لا إله إلّا هو )، معنی آخر لقوله : ( إنّا لله وإنّا إلیه راجعون ) أو قوله : ( وإلی ربّک المنتهی ) .
2- انظر : الفتوحات الربّانیّة علی الأذکار النوویّة 2 : 84 .
3- الفتوحات الربانیة 2 : 83 .

ص:151

وقال القرطبیّ وغیره : ( الأذان علی قلّة ألفاظه مشتمل علی مسائل العقیدة ، لأنّه بدأ بالأکبر یّة وهی تتضمّن وجود الله وکماله ، ثمّ ثنّی بالتوحید ونفی الشرک ، ثمّ بإثبات الرسالة لمحمّد صلی الله علیه و آله .

ثمّ إلی الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة ، لأنّها لا تُعرف إلّاَ من جهة الرسول .

ثمّ دعا إلی الفلاح وهو البقاء الدائم ، وفیه الإشارة إلی المعاد .

ثمّ أعاد ما أعاد توکیداً ، ویحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت والدعاء إلی الجماعة وإظهار شعار الإسلام((1)) .

قال ابن خزیمة : فإذا کان المرء یطمع بالشهادة بالتوحید لله فی الأذان وهو یرجو أن یخلّصه الله من النار بالشهادة لله بالتوحید فی أذانه ، فینبغی لکلِّ مؤمن أن یتسارع إلی هذه الفضیلة طمعاً فی أن یخلّصه الله من النار ، خلا فی منزله أو فی بادیة أو قر یة أو مدینة طلباً لهذه الفضیلة((2)) .

وقال القسطلانیّ - بعد نقله خبر أبی هریرة عن النبیِّ وقوله : « إذا نُودی للصلاة أدبر الشیطان وله ضراط حتّی لا یُسمَع التأذین » - : ( لعظیم أمره لما اشتمل علیه من قواعد الدین وإظهار شرائع الإسلام ، أوحی : لا یشهد للمؤذِّن بما سمعه إذا استشهد یوم القیامة ، لأنّه داخل فی الجنّ والإنس المذکور فی حدیث : لا یسمع مدی صوت المؤذِّن جنّ ولا إنس ولا شیء إلّاَ شهد له یوم القیامة )((3)) .


1- فتح الباری 2 : 61 کتاب أبواب الأذان ، وعنه فی بذل المجهود 4 : 3 - 4 . وعون المعبود 2 : 127 .
2- صحیح ابن خزیمة 1 : 208 .
3- إرشاد الساری 2 : 5 .

ص:152

وأخرج عبدالرزّاق عن معمر ، عن الزهریّ : أنَّ أبا بکر الصدّیق قال : الأذان شعار الإیمان((1)) .

ونقل الصدوق بسنده إلی الإمام الحسین بن علیّ علیهما السلام ، قال : کنّا جلوساً فی المسجد ، إذ صعد المؤذِّن المنارة ، فقال : الله أکبر ، الله أکبر ، فبکی أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب

علیه السلام ، وبکینا لبکائه ، فلمّا فرغ المؤذّن ، قال : « أتدرون ما یقول المؤذِّن ؟ ».

قلنا : الله ورسوله ووصیّه أعلم .

فقال : « لو تعلمون ما یقول لضحکتم قلیلاً ولبکیتم کثیراً ، فلِقوله : الله أکبر ، معان کثیرة .

منها : أنَّ قول المؤذِّن : « الله أکبر » ، یقع علی قِدَمِهِ ، وأزلیّته ، وأبدیّته ، وعلمه ، وقوّته ، وقدرته ، وحلمه ، وکرمه ، وجوده ، وعطائه ، وکبر یائه .

فإذا قال المؤذِّن : اللهُ أکبر ، فإنّه یقول : الله الذی له الخلق والأمر ، وبمشیّته کان الخَلق ، ومنه کلّ شیء للخلق ، وإلیه یرجع الخلق، وهو الأوّل قبل کلّ شیء لم یَزَل ، والآخِر بعد کلّ شیء لا یزال ، والظاهر فوق کلّ شیء لا یُدرَک ، والباطن دون کلّ شیء لا یُحَدّ ، فهو الباقی ، وکلّ شیء دونه فان .

والمعنی الثانی : « الله أکبر » ، أی : العلیم الخبیر ، علیم بما کان وما یکون قبل أن یکون .

والثالث: « اللهُ أکبر » ، أی : القادر علی کلّ شیء ، یقدر علی ما یشاء ، القویّ لقدرته ، المقتدر علی خلقه ، القویّ لذاته ، وقدرته قائمة علی الأشیاء کلّها ، إذا قضی أمراً فإنّما یقول له : کن فیکون .


1- مصنّف عبدالرزّاق 1 : 483/1858 .

ص:153

والرابع : « اللهُ أکبر » علی معنی حلمه ، وکرمه ، یحلم کأنّه لا یعلم ، ویصفح کأنّه لا یری ، ویستر کأنّه لا یُعصی ، لا یَعجَل بالعقوبة کرماً وصفحاً وحلماً .

والوجه الآخر فی معنی الله أکبر : أی الجواد ، جزیل العطاء ، کریم الفِعال .

والوجه الآخر : الله أکبر فیه نفی صفته وکیفیّته ، کأنّه یقول : الله أجَلُّ من أن یُدرِک الواصفون قدرَ صفته ، الذی هو موصوف به ، وإنّما یصفه الواصفون علی قدرهم لا علی قدر عظمته وجلاله ، تعالی الله عن أن یُدرِک الواصفون صفته علوّاً کبیراً .

والوجه الآخر : الله أکبر ، کأنّه یقول : الله أعلی وأجلّ ، وهو الغنیُّ عن عباده ، لا حاجة به إلی أعمال خلقه .

وأمّا قوله: « أشهد أن لا إله إلّا الله » : فإعلام بأنَّ الشهادة لا تجور إلّاَ بمعرفة من القلب ، کأنّه یقول: أعلمُ أنّه لا معبود إلّاَ الله عزّوجلّ ، وأنَّ کلّ معبود باطل سوی الله عزّوجلّ ، وأقِرُّ بلسانی بما فی قلبی من العلم بأ نَّه لا إله إلّاَ الله ، وأشهد أنّه لا ملجأ من الله عزّوجلّ إلّا إلیه ، ولا منجی من شرّ کلّ ذی شرّ ، وفتنة کلّ ذی فتنة إلّا بالله .

وفی المرّة الثانیة: « أشهد أن لا إله إلّاَ الله » ، معناه : أشهد أن لا هادی إلّا الله ، ولا دلیل إلی الدین إلّا الله ، وأُشهِدُ الله بأنی أشهَدُ أن لا إله إلّا الله ، وأُشهد سُکَّان السماوات ، وسکّان الأرضین ، وما فیهنّ من الملائکة والناس أجمعین ، وما فیهنّ من الجبال ، والأشجار ، والدوابّ ، والوحوش ، وکلّ رطب ویابس ، بأنّی أشهد أن لا خالق إلّاَ الله، ولا رازق ، ولا معبود ، ولا ضارّ ، ولا نافع ، ولا قابض ، ولا باسط ، ولا معطی ، ولا مانع ، ولا ناصح ، ولا کافی ، ولا شافی ، ولا مُقدّم ، ولا مُؤخّر إلّا الله ، له الخلق والأمر ، وبیده الخیر کلّه ، تبارک الله ربّ العالمین .

وأمّا قوله : « أشهدُ أن محمّداً رسول الله » ، یقول : أشهد الله أنَّه لا إله إلّا هو ،

ص:154

وأنَّ محمّداً عبده ورسولُه ، ونبیُّه ، وصفیُّه ، ونجیبُه ، أرسله إلی کافّة الناس أجمعین بالهدی ودین الحقّ لیظهره علی الدین کلّه ولو کره المشرکون ، وأشهد مَن فی السماوات والأرض ، من النبیّین والمرسلین ، والملائکة والناس أجمعین أنَّ محمّداً سیّد الأوّلین والآخرین .

وفی المرّة الثانیة : « أشهد أنَّ محمّداً رسول الله » ، یقول : أشهد أن لا حاجة لأحد ] إلی أحد [ إلّاَ إلی الله الواحد القهّار الغنیّ عن عباده والخلائق والناس أجمعین، وأنّه أرسل محمّداً إلی الناس بشیراً ونذیراً وداعیاً إلی الله بإذنه وسراجاً منیراً ، فمن أنکره وجحده ولم یؤمن به أدخله الله عزّوجلّ نار جهنّم خالداً مُخَلَّداً ، لا ینفکُّ عنها أبداً .

وأما قوله : « حیّ علی الصلاة » ، أی هلمّوا إلی خیر أعمالکم ، ودعوة ربّکم ، وسارعوا إلی مغفرة من ربّکم ، وإطفاء نارکم التی أوقدتموها علی ظهورکم ، وفکاک رقابکم التی رَهَنتموها ، لیکفّر الله عنکم سیئاتکم ، ویغفر لکم ذنوبکم ، ویبدّل سیئاتکم حسنات ، فإنّه مَلِکٌ کریم ، ذو الفضل العظیم ، وقد أذِن لنا - معاشرَ المسلمین - بالدخول فی خدمته ، والتقدّم إلی بین یدیه .

وفی المرة الثانیة : « حیّ علی الصلاة » ، أی قوموا إلی مناجاة ربّکم وعرض حاجاتکم علی ربکم ، وتوسّلوا إلیه بکلامه ، وتشفعوا به وأکثروا الذکر والقُنوت ، والرکوع والسجود ، والخضوع والخشوع ، وارفعوا إلیه حوائجکم ، فقد أذن لنا فی ذلک .

وأمّا قوله : « حیّ علی الفلاح » ، فإنّه یقول : أَقْبِلُوا إلی بقاء لا فناءَ معه ، ونجاة لا هلاک معها ، وتعالوا إلی حیاة لا موت معها ، وإلی نعیم لا نفاد له ، وإلی مُلک لا زوال عنه ، وإلی سرور لا حزن معه ، وإلی أُنس لا وحشة معه ، وإلی نور لا ظلمة معه ، وإلی سعة لا ضیق معها ، وإلی بهجة لا انقطاع لها ، وإلی غِنی لا فاقة

ص:155

معه ، وإلی صحّة لا سقم معها ، ] وإلی عِزّ لا ذلّ معه [ ، وإلی قوّة لا ضعف معها ، وإلی کرامة یا لها من کرامة ، وعَجِّلُوا إلی سرور الدنیا والعقبی ، ونجاة الآخرة والأُولی .

وفی المرّة الثانیة : « حیّ علی الفلاح » ، فإنّه یقول : سابقوا إلی ما دعوتکم إلیه ، وإلی جز یل الکرامة ، وعظیم المِنَّة ، وسنیّ النِّعمة ، والفوز العظیم ، ونعیم الأبد فی جوار محمّد صلی الله علیه و آله فی مقعد صدق عند ملیک مقتدر .

وأمّا قوله : « اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر » ، فإنّه یقول : الله أعلی وأجلّ من أن یعلم أحد من خلقه ما عنده من الکرامة لعبد أجابه وأطاعه ، وأطاع أمره وعبدَهُ وعرف وعیده ، واشتغل به وبذکره ، وأحبّه وآمن به ، واطمأنَّ إلیه ووثق به وخافه ورجاه ، واشتاق إلیه ، ووافقه فی حکمه وقضائه ، ورضی به .

وفی المرّة الثانیة : « اللهُ أکبر » ، فإنّه یقول : الله أکبر : وأعلی وأجَلُّ من أن یَعلم أحدٌ مبلغ کرامته لأولیائه وعقوبته لأعدائه ، ومبلغ عفوه وغفرانه ونعمته لمن أجابه وأجاب رسوله ، ومبلغ عذابه ونَکاله وهوانه لمن أنکره وجحده .

وأمّا قوله: « لا إله إلّا الله » ، معناه : لله الحجّة البالغة علیهم بالرسول والرسالة ، والبیان والدعوة ، وهو أجَلُّ من أن یکون لأحد منهم علیه حجَّة ، فَمَن أجابه فله النور والکرامة ، ومَن أنکره فإنَّ اللهَ غنیٌّ عن العالمین ، وهو أسرع الحاسبین .

ومعنی « قد قامت الصلاة » فی الإقامة، أی حان وقت الزیارة والمناجاة ، وقضاء الحوائج، ودرک المُنَی ، والوصول إلی الله عزّوجلَّ ، وإلی کرامته وغفرانه وعفوه ورضوانه .

ص:156

قال الصدوق: إنّما تَرَکَ الراوی ذِکر « حیّ علی خیر العمل » للتقیّة((1)) ، وقد روی فی خبر آخر أنَّ الصادق

علیه السلام سئل عن معنی « حیّ علی خیر العمل » فقال : « خیر العمل : الولایة » .

وفی خبر آخر : « خیر العمل : بِرُّ فاطمةَ وولدها »((2)) .

قلتُ : سنفتح بإذن الله ملابسات هذه الرؤیة وما یتلوها عن ابن عبّاس فی البابین الأوّل « حیّ علی خیر العمل ، الشرعیة والشعاریّة » ، والثالث « أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله بین الشرعیة والابتداع » من هذه الدراسة إن شاء الله تعالی . إذ لا خلاف عند جمیع الفرق الشیعیة إسماعیلیة کانت ، أم زیدیة ، أم إمامیة اثنی عشریة بجزئیة الحیعلة الثالثة ، وأکّد الدسوقی وغیره - کما سیأتی - علی تأذین الإمام علیّ بن أبی طالب بها ، فقد یکون - وکما احتمله الشیخ الصدوق - الراوی إنّما ترک ذکر ( حیّ علی خیر العمل ) للتقیة وذلک للظروف التی کانت تمر بها الشیعة . ویؤید ما قلناه فی شرعیة الحیعلة الثالثة وأنّها موجودة فی الأخبار المنقولة عن الإمام علیّ وابن عباس ما روی عند الزیدیة عن ابن عبّاس عن علیّ بن أبی طالب قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول : « لما انتُهی بی إلی سدرة المنتهی ... وفیه : حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل »((3)) .


1- وعلق القاضی نعمان بن محمد بن حسون ( ت 363ه- ) فی الایضاح علی الروایة التی لیس فیها ذکر ( حی علی خیر العمل ) بقوله . ولا اظن والله اعلم ان ذلک ترک من الروایة إلّا لمثل ما قدمت ذکره فی کتاب الطهارات من الوجوه التی من اجلها اختلفت الرواة عن اهل البیت ] أی البقیة راجع دعائم الإسلام 1 : 59 - 60 [ فان لم یکن ذلک فقد ثبت انه اذن بها علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله توفاه الله تعالی وان عمر اقطعه ....
2- معانی الأخبار 38 - 41 والنصّ عنه ، والتوحید 238 - 241 کما فی مستدرک وسائل الشیعة 4 : 65 - 70 ح 4187 / 1 ، وانظر : بیان المجلسیّ فی بحار الأنوار 81 : 134 - 135 ، وتفسیره علیه السلام الأذان فی جامع الأخبار : 171 کما فی بحار الأنوار 81 : 153 - 155 .
3- انظر : الخبر بتفصیله فی کتاب الاعتصام بحبل الله 1 : 290 .

ص:157

وروی الصدوق فی معانی الأخبار بسنده عن عطاء ، قال : کنّا عند ابن عبّاس بالطائف ، أنا وأبو العالیة ، وسعید بن جبیر ، وعکرمة ، فجاء المؤذِّن فقال : « اللهُ أکبر اللهُ أکبر » ، واسم المؤذِّن قثم بن عبدالرحمن الثقفیّ .

فقال ابن عبّاس : أتدرون ما قال المؤذِّن ؟ فسأله أبو العالیة ، فقال : أخبرنا بتفسیره .

قال ابن عبّاس: ( إذا قال المؤذِّن : « الله أکبر ، اللهُ أکبر » ، یقول : یا مَشاغیلَ الأرض ، قد وجبت الصلاة ، فتفرَّغوا لها .

و إذا قال: « أشهد أن لا إله إلّاَ الله » ، یقول : یقوم یوم القیامة ، ویشهد لی ما فی السماوات وما فی الأرض علی أنّی أخبرتکم فی الیوم خمس مرّات .

و إذا قال: « أشهد أنَّ محمّداً رسول الله » ، یقول : تقوم القیامة ومحمّد یشهد لی علیکم أنّی قد أخبرتکم بذلک فی الیوم خمس مرّات ، وحجّتی عند الله قائمة .

و إذا قال: « حیّ علی الصلاة » ، یقول : دِیناً قیِّماً فأقیموه ، وإذا قال : « حیّ علی الفلاح » ، یقول : هَلُمُّوا إلی طاعة الله وخذوا سهمکم من رحمة الله ، یعنی الجماعة .

و إذا قال العبد: « اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر » ، یقول : حرّمت الأعمال .

و إذا قال : « لا إله إلّاَ الله » ، یقول : أمانة سبع سماوات ، وسبع أرضین ، والجبال ، والبحار وضعت علی أعناقکم إن شئتم فأقبلوا وإن شئتم فأدِبروا((1)) .

وقد مرّ علیک کلام الإمام الحسین « والأذان وجه دینکم » ، وقول محمّد ابن الحنفیّة : « عمدتم إلی ما هو الأصل فی شرائع الإسلام ومعالم الدین »((2)) ، وما جاء


1- معانی الأخبار 41 کما فی بحار الأنوار 81 : 141 - 143 ومستدرک وسائل الشیعة 4 : 71 - 72 .
2- جاء فی کتاب الاعتصام بحبل الله 1 : 278 : قال الهادی إلی الحقّ ] من أئمّة الزیدیّة [ : والأذان من أصول الدین ، وأصول الدین لا یتعلّمها رسول الله علی لسان بشر من العالمین .

ص:158

فی ( مَن لا یحضره الفقیه ) بإسناده عن الفضل بن شاذان فیما ذکره من العلل عن الرضا علیه السلام أنّه قال :

« إنّما أُمِرَ الناس بالأذان لعلل کثیرة ، منها : أن یکون تذکیراً للناسی ، وتنبیهاً للغافل ، وتعریفاً لمن جهل الوقت واشتغل عنه ؛ ویکون المؤذِّن بذلک داعیاً لعبادة الخالق ، ومرغِّباً فیها ، ومُقِرَّاً له بالتوحید ، مجاهراً بالإیمان ، معلناً بالإسلام ... » .

إلی أن یقول : « وجُعِل بعد التکبیر الشهادتان ، لأنَّ أوّل الإیمان هو التوحید والإقرار لله بالوحدانیّة ، والثانی الإقرار للرسول بالرسالة ، وأنَّ إطاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ، ولأنَّ أصل الإیمان إنّما هو الشهادتان ، فجعل شهادتین شهادتین کما جُعِلَ فی سائر الحقوق شاهدان ، فإذا أقرّ العبد لله عزّوجلّ بالوحدانیّة وأقرّ للرسول بالرسالة فقد أقرَّ بجملة الإیمان ؛ لأنّ أصل الإیمان إنّما هو بالله وبرسوله . وإنّما جعل بعد الشهادتین الدعاء إلی الصلاة ، لأنّ الأذان إنّما وضع لموضع الصلاة ، وإنّما هو نداء إلی الصلاة فی وسط الأذان ودعاء إلی الفلاح وإلی خیر العمل ، وجعل ختم الکلام باسمه کما فتح باسمه »((1)) .

وفی العلل لمحمّد بن علیّ بن إبراهیم بن هاشم، قال : علّة الأذان أن تکبّر الله وتعظّمه وتقرّ بتوحید الله وبالنبوّة والرسالة وتدعو إلی الصلاة وتحثّ علی الزکاة ، ومعنی الأذان : الإعلام ، لقوله تعالی : {وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَی النَّاسِ} ((2)) ، أی : إعلام ، وقال أمیر المؤمنین علیه السلام : « کنتُ أنا الأذان فی الناس بالحجّ » ، وقوله : {وَأَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ} ((3)) ، أی : أعلِمهم وادعُهم .


1- مَن لا یحضره الفقیه 1 : 299/914 ، علل الشرائع : 258/9 الباب 182 ، عیون أخبار الرضا 2 : 103 - 105 .
2- التوبة : 2 .
3- الحجّ : 28 .

ص:159

فمعنی « الله » أنّه یخرج الشیء من حدِّ العدم إلی حدِّ الوجود ویخترع الأشیاء لا من شیء ، وکلّ مخلوق دونه یخترع الأشیاء من شیء إلّاَ الله ، فهذا معنی « الله » وذلک فرق بینه وبین المحدَث .

ومعنی « أکبر » ، أی : أکبر مِن أن یُوصَف فی الأوّل، وأکبر من کلِّ شیء لمّا خلق الشیء .

ومعنی قوله : « أشهد أن لا إله إلّاَ الله » : إقرار بالتوحید، ونفی الأنداد وخلعها ، وکلّ ما یعبدون من دون الله .

ومعنی « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » : إقرار بالرسالة والنبوّة ، وتعظیم لرسول الله صلی الله علیه و آله ، وذلک قول الله عزّوجلّ : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} ((1)) ، أی : تُذکَر معی إذا ذُکِرتُ .

ومعنی « حیّ علی الصلاة » ، أی : حثّ علی الصلاة .

ومعنی « حیّ علی الفلاح » ، أی : حثّ علی الزکاة .

وقوله : « حیّ علی خیر العمل » ، أی : حثّ علی الولایة ، وعلّة أنّها خیر العمل أنَّ الأعمال کلّها بها تقبل .

اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ، لا إله إلّاَ الله ، محمّد رسول الله، فألقی معاویة من آخر الأذان « محمّد رسول الله » ، فقال : أمَا یرضی محمّد أن یُذکر فی أوّل الأذان حتّی یذکر فی آخره ؟!

ومعنی الإقامة : هی الإجابة والوجوب ، ومعنی کلماتها فهی التی ذکرناها فی الأذان ، ومعنی « قد قامت الصلاة » ، أی : قد وجبت الصلاة وحانت وأُقیمت ، وأمّا العلّة فیها ، فقال الصادق علیه السلام : « إذا أذَّنتَ وصلّیتَ صلَّی خلفک صفٌّ من


1- الانشراح : 4 .

ص:160

الملائکة ، وإذا أذَّنت وأقمتَ صلَّی خلفک صفّان من الملائکة » ، ولا یجوز ترک الأذان إلّا فی صلاة الظهر والعصر والعتمة ، یجوز فی هذه الثلاث الصلوات إقامة بلا أذان ، والأذان أفضل ، ولا تجعل ذلک عادة ، ولا یجوز ترک الأذان والإقامة فی صلاة المغرب وصلاة الفجر ، والعلة فی ذلک أنّ هاتین الصلاتین تحضرهما ملائکة اللیل وملائکة النهار((1)) .

وقال الشیخ جعفر کاشف الغطاء - ضمن بیانه لحکم وفضل الأذان - : « .. ولأنّه وضع لشعائر الإسلام دون الإیمان »((2)) .

فهذه النصوص تشیر بوضوح إلی أنّ الأذان لم یکن إعلاماً بوقت الصلاة فقط ، بل هو بیان لکلّیّات الإسلام وأصول العقیدة والعقائد الحقة .

فلو کان بیاناً لوقت الصلاة خاصّة ؛ لکان للشارع أن یکتفی بتشریع علامة کی تکون معلماً للوقت والمکان کما تفعله الیهود والنصاری والمجوس بالبوق والناقوس وإشعال النار وغیر ذلک .

وعلیه ، لم یکن الأذان لإعلام وقت الصلاة خاصّة ، ویؤیّد قولنا شمولیّة التأذین لکثیر من الأُمور الاجتماعیّة والحیاتیّة، ولو سلّطنا الضوء علی آثار الأذان فی الشر یعة لوقفنا علی جواب سؤالنا .


1- بحار الأنوار 81 : 169 . عن کتاب العلل لمحمد بن علی بن إبراهیم بن هاشم .
2- کشف الغطاء ، الطبعة القدیمة 227 فی بیان کیفیّة الأذان ، وسنعلِّق فی الباب الثالث « اشهد ان علیّاً ولی الله بین الشرعیة والابتداع » علی کلامه رحمه الله تعالی .

ص:161

الأذان وآثاره فی الحیاة الاجتماعیة
اشارة

من الثابت فی الشریعة الإسلامیة استحباب الأذان والإقامة لأمور حیاتیّة واجتماعیّة کثیرة غیر الصلاة ، نذکر موارد منها :

الأذان والمولود

عن علیّ علیه السلام : « مَن وُلِد له مولود فلیؤذِّن فی أُذنه الیمنی بأذان الصلاة ، ولیقم فی الیسری، فإنَّ ذلک عصمة من الشیطان الرجیم والإفزاع له »((1)) .

وفی سنن أبی داود بسنده عن عبیدالله بن أبی رافع ، عن أبیه ، قال : رأیت رسول الله صلی الله علیه و آله أذّن فی أُذن الحسن بن علیّ حین ولدته فاطمة بالصلاة((2)) .


1- النصّ فی الجعفریّات ( الأشعثیّات ) : 32 ، وقریب منه فی دعائم الإسلام 1 : 147 ، وعنه فی بحار الأنوار 84 : 162 - 163 . وانظر : وسائل الشیعة 21 : 405 - 406 کتاب النکاح باب استحباب الأذان فی أذن المولود .
2- سنن أبی داود 4 : 328 کتاب الأدب باب فی الصبیّ یولد فیؤذّن فی أذنه ح 5105 ، وسنن الترمذی 4 : 97 کتاب الأضاحی باب الأذان فی اذن المولود ح 1514 ، وقال : هذا حدیث حسن صحیح .

ص:162

الأذان والعقم

شکا هشام بن إبراهیم إلی الرضا علیه السلام سقمه وأنّه لا یولد له ، فأمره أن یرفع صوته بالأذان فی منزله ، قال : ففعلتُ ذلک ، فأذهب اللهُ عنی سقمی ، وکثر ولدی((1)) .

الأذان والمرض

عن جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام أنّه دخل علیه رجل من موالیه وقد وعک ، فقال له علیه السلام : « ما لی أراک متغیِّر اللون ؟ » .

فقلتُ : جُعِلتُ فداک ، وعکتُ وعکاً شدیداً منذ شهر ، ثمّ لم تنقلع الحمّی عنّی ، وقد عالجتُ نفسی بکلّ ما وصفه لی المترفّقون فلم أنتفع بشیء من ذلک .

فقال له الصادق علیه السلام : « حلَّ أزرار قمیصک، وأدخل رأسک فی قمیصک وأذِّن وأقِم واقرأ سورة الحمد سبع مرات » .

قال : ففعلتُ ذلک ، فکأ نّما نشطتُ من عقال((2)) .

وحکی العجلونی فی کشف الخفاء عن الفقیه محمّد السیابا - فیما حکی عن نفسه - أنّه هبّت ریح فوقعت منه حصاة فی عینه وأعیاه خروجها وآلمته أشدّ الألم ، وأنّه لمّا سمع المؤذّن یقول : أشهد أن محمّداً رسول الله ، قال ذلک ، فخرجت الحصاة من فوره((3)) .


1- الدعوات للقطب الراوندیّ : 189 - 190 ، وعنه فی بحار الأنوار 81 : 156 . ومستدرک وسائل الشیعة 4 : 39 کتاب الصلاة وانظر : کلام الشیخ یحیی بن سعید فی جامع الشرائع 73 ، والصدوق فی من لا یحضره الفقیه 1 : 292 ح 903 .
2- طبّ الأئمّة 52 ، کما فی بحار الأنوار 81 : 75 .
3- کشف الخفاء 2 : 206 - 207 .

ص:163

الأذان وسعة الرزق

شکا رجل لأبی عبدالله الصادق علیه السلام الفقر ، فقال : « أذِّن کلَّما سمعتَ الأذان کما یُؤذّن المؤذّن »((1)) .

وقال سلیمان بن مقبل المدینیّ : قلتُ لأبی الحسن موسی بن جعفر علیه السلام : ] لأیّ [ علّة یستحبّ للإنسان إذا سمع الأذان أن یقول کما یقول المؤذِّن ، وإن کان علی البول والغائط ؟

فقال علیه السلام : « لأنَّ ذلک یزید فی الرزق »((2)) .

الأذان ووجع الرأس

ذکر الشیخ الطبرسیّ فی عدّة السفر وعمدة الحضر : روی عن الأئمَّة: أنّه : « یکتب الأذان والإقامة لرفع وجع الرأس ویُعَلَّق علیه »((3)) .

الأذان وسوء الخُلق

عن الصادق علیه السلام : « إن لکلّ شیء قَرَماً ، وأنَّ قَرَم الرجل اللحم، فَمَن ترکه أربعین یوماً ساء خُلقه ، ومَن ساء خلقه فأذِّنّوا فی أُذنه الیمنی »((4)) .


1- بحار الأنوار 81 : 174 عن الدعوات للراوندی .
2- وسائل الشیعة 1 : 315 کتاب الطهارة أبواب أحکام الخلوة ، وانظر : 15 : 347 - 348 عن الإمام علیّ ، کتاب الجهاد أبواب جهاد النفس .
3- مستدرک وسائل الشیعة 4 : 76 ، مستدرک سفینة البحار 1 : 65 فی مادة « أذن » ، الطبعة القدیمة .
4- المحاسن 2 : 256 کتاب المآکل ح 1808 ، بحار الأنوار 81 : 151 .

ص:164

الأذان وطرد الشیطان

روی سلیمان الجعفریّ أنّه سمع الإمام الصادق علیه السلام ، یقول : « أذِّن فی بیتک ، فإنّه یطرد الشیطان ، ویستحبّ من أجل الصِّبیان »((1)) .

الأذان والغول

فی دعائم الإسلام عن علیّ علیه السلام قال : « قال رسول الله : إذا تَغَوّلت لکم الغِیلان((2)) فأذِّنوا بالصلاة »((3)) .

وعن أبی سعید الخدریّ : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « لا یسمع مدی صوت المؤذِّن جنّ ولا إنس ولا شیء إلّاَ وشهد له یوم القیامة »((4)) .

وقال الخطاب الرعینی فی مواهب الجلیل نقلاً عن الناشری من الشافعیّة فی الإیضاح : یستحبّ الأذان لمزدَحَم الجنّ ، وفی أُذُن الحزین ، والصبیّ عندما یولد فی الیمنی ویقیم فی الیسری ، والأذان خلف المسافر والإقامة((5)) .

فتلخّص مما سبق ومن أقوال بعض علماء أهل السنّة والجماعة ، وجمیع الشیعة بفرقها الثلاث أنَّ تشریع الأذان کان فی المسری وأنَّ تشریعه لم یکن لتعیین وقت الصلاة خاصّة ؛ لاکتناف هذه الشعیرة الإسلامیّة أسراراً عالیة ومعانی باطنیّة عمیقة


1- الحدائق النضرة 7 : 366 .
2- الغول : نوع من الجنّ یغتال الإنسان - بحار الأنوار 81 : 119 .
3- دعائم الإسلام 1 : 147 کما فی بحار الأنوار 81 : 162 ، ومستدرک وسائل الشیعة 4 : 62 .
4- صحیح البخاری 1 : 306 کتاب الأذان باب رفع الصوت بالأذان ح 575 ، سنن النسائی 2 : 12 کتاب الأذان باب رفع الصوت بالأذان .
5- مواهب الجلیل 2 : 85 . وانظر فتح المعین لشرح فرة العین المطبوع فی هامش اغاثة الطالبین 1 : 230 .

ص:165

ذکرنا بعضها ، وستقف علی غیرها لاحقاً ، وستعرف بأنَّ السِّرَّ فی رفع « حیّ علی خیر العمل » لم یکن لِما علّلوه ، وکذا المقصود من جملة « الصلاة خیر من النوم » لم یکن کما یفهمه عامّة الناس من العبارة ، بل هناک أسرار ومسائل تکتنف هذه الفصول سنرفع الستار عنها فی الباب الثانی من هذه الدراسة بإذن الله تعالی .

2 - توقیفیّة الأذان

وصل البحث بنا إلی طرح سؤال آخر وهو : هل الأذان توقیفیّ بمعنی لزوم إتیان فصوله کما هی ، أم إنّ لنا الحق فی الزیادة والنقصان حسب ما تقتضیه المصلحة وهو المعنی بعدم توقیفیته کما مرّت الإشارة إلیه ؟ وهل هناک فرق بین الأمور التوقیفیة العبادیّة وغیرها ، وبین الواجبات والمستحبات ، أم لا ؟

بل ما هو حکم الأذان ، وهل توقیفیته کالقرآن لا یمکن الزیادة والنقیصة فیها ؟ أم أن توقفیته هی بشکل آخر ؟

من الثابت المعلوم أن الأذان توقیفیّ ، وقد مرت علیک نصوص أهل بیت النبیّ الدالّة علی أنّه شرّع فی الإسراء والمعراج ، ومثله جاء فی کتب بعض أهل السنة والجماعة .

لکن من حقّنا أن نتساءل : لو کان کذلک فکیف لنا أن نتعامل مع بعض الأحادیث والنصوص المشعرة بعدم التوقیفیة ، وذلک لما فیها من الزیادة والنقصان ، وعلی أیّ شیء تدل ، هل علی التخییر أم الرخصة أم علی شیء آخر ؟

روی أبو بصیر عن أبی عبدالله الصادق علیه السلام ، قال : لو أنّ موّذناً أعاد فی الشهادة وفی حیّ علی الصلاة أو حیّ علی الفلاح المرتین والثلاث وأکثر من ذلک إذا کان إماماً یرید به جماعة القوم لیجمعهم لم یکن به بأس((1)) .


1- الکافی 3 : 308 ح 34 والنصّ عنه ، وعنه فی وسائل الشیعة 5 : 428 .

ص:166

وعن أبی عبیدة الحذَّاء ، قال : رأیت أبا جعفر علیه السلام یکبّر واحدة واحدة فی الأذان ، فقلت له : لِمَ تکبر واحدة واحدة ؟ فقال : لا باس به إذا کنتَ مستعجلاً فی الأذان((1)) .

وروی الشیخ فی الصحیح عن عبدالله بن سنان ، قال : سألت أبا عبدالله عن المرأة تؤذّن للصلاة ؟ فقال : حَسَنٌ إن فعلت ، وان لم تفعل أجزأها أن تکبّر وأن تشهد أن لا إله إلّاَ الله وأن محمّداً رسول الله((2)) .

وعن أبی مریم الأنصاری فی الصحیح ، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول : إقامة المرأة أن تکبّر وتشهد أن لا إله إلّاَ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله صلی الله علیه و آله ((3)) .

وجاء فی روایة البخاری ومسلم ، عن عبدالله بن الحارث ، قال : خَطَبنا ابنُ عبّاس فی یوم ذی رزغ ، فأمرَ المؤذّن لمّا بلغ ( حیّ علی الصلاة ) قال قل : « الصلاة فی الرحال » ، فنظر بعضهم إلی بعض ، فکأنّهم أنکروا ، فقال : کأ نّکم أنکرتم هذا ، إنَّ هذا فَعَلُه مَن هو خیر منّی - یعنی النبیّ صلی الله علیه و آله - وإنّها عزمة ، وإنّی کرهت أن أُحرجکم((4)) .

وجاء عن الإمام الباقر علیه السلام أنّه کان یزید فی الفجر جملة « الصلاة خیر من النوم »((5)) !


1- التهذیب 2 : 62 ح 216 ، الاستبصار 1 : 307/1140 ، وسائل الشیعة5 : 425 .
2- التهذیب 2 : 58 ح 202 ، وسائل الشیعة5 : 405 .
3- الکافی 3 : 305 ، کتاب الصلاة باب بدء الأذان والإقامة .
4- صحیح البخاری 1 : 324 - 325 ، کتاب الأذان باب هل یصلی الإمام بمن حضر ... فی المطر ح 629 وقرئت منه فی باب ( الرخصة فی المطر والعلة ان یُصلی فی رحله ) وفی باب ( الأذان للمسافر إذا کانوا جماعة ... ) عن نافع قال اذن ابن عمر فی لیلة بارده بصحبنا ثمّ قال : صلوا فی رحالکم ... وانظر فتح الباری لابن رجب 3 : 493 ، صحیح مسلم 1 : 485 ح 699 ، کتاب صلاة المسافرین وقصرها .
5- التهذیب 2 : 63 ح 222 .

ص:167

فعلی أی شیء تدل هذه النصوص ؟ وما المعنی بها ؟ وکیف یمکن تطابقها مع القول بتوقیفیة العبادات ؟

وهل أنّ توقیفیة الأذان تختلف عن غیره من الأحکام فیجوز إعادة ( حیّ علی الفلاح ) ثلاث مرات أو أکثر فی الأذان ، ولا یجوز الزیادة والنقیصة فی أمر عبادی آخر ؟

وهل هناک فرق بین الواجب التوقیفیّ والمستحبّ التوقیفیّ ؟

إن التوقیفیّ معناه هو التعبّدیّ ، أی التعبّد بما جاء به الشارع المقدّس دون زیادة ولا نقصان ، فلو صحّ مجیء « حیّ علی الفلاح » فی الأذان ثلاثاً فهو شرعیّ ویحمل إما علی التخییر أو الرخصة لضرورة خاصة .

ولو لم یصح الخبر فلا یعمل به، ولیس هناک فرق بین التوقیفیّ فی العبادات والتوقیفیّ فی المعاملات ، وکذا لا فرق بین التوقیفیّ فی الواجبات والمستحبّات ، فعلی المکلف أن یؤدّی ما سمعه وعقله علی الوجه الذی أمر به الشارع فقط ، ففی کمال الدین للصدوق ، عن عبدالله بن سنان ، قال : قال الصادق علیه السلام : ستصیبکم شبهة فتبقون بلا عَلَم یُری ولا إمام هدیً ، لا ینجو منها إلّاَ من دعا بدعاء الغریق .

قلت : وکیف دعاء الغریق ؟

قال : تقول : یا الله یا رحمن یا رحیم یا مقلّب القلوب ، ثبّت قلبی علی دینک ..

فقلت : یا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبی علی دینک .

فقال علیه السلام : إن الله عزّ وجلّ مقلّب القلوب والأبصار ، ولکن قُل کما أقول : یا مقلب القلوب ثبّت قلبی علی دینک((1)) .


1- کمال الدین وتمام النعمة 2 : 351 باب 43 ح 49 وعنه فی بحار الأنوار 52 : 148 ح 73 .

ص:168

بهذا النهج یتعلم المسلم لزوم التروّی والتأنّی والحیطة والحذر فی النقل وضرورة رعایة النص کما هو دون زیادة ونقصان ، هذا ما علّمنا الشارع المقدّس التمسّک به .

نعم ، قد یختلف توقیفی عن توقیفی آخر ، وبلحاظ زاویة خاصة ، بمعنی أنّ توقیفیة الأذان قد تختلف عن توقیفیة الزواج والطلاق ، أی : أنّ توقیفیة الزواج والطلاق تتعلّق بأمر کلّی لا بجزئیته ، أی یجب علی المطلِّق أو العاقد أن یُنشئ عقدة الزواج والطلاق فی کلامه دون التعبد بصیغة واحدة خاصة ، فله أن یقول : ( أنکحت ) أو ( زوّجت ) أو ( متّعت ) ، فلو أتی العاقد بأی صیغة منها صح زواجه .

وکذا الحال بالنسبة إلی الطلاق فلو قال المطلِّق: زوجتی طالق ، أو فاطمة طالق ، أو امرأتی التی فی رکن الدار طالق - لو کانت هناک مثلاً - صح طلاقه ، لأنّ المطلوب هو إنشاء علقة الزوجیة فی الزواج ، وقصد الإبانة فی الطلاق دون التعبّد بصیغة مخصوصة ، وهذا بخلاف التعبد بنصوص القرآن وما شابهه ، لأن الثانی یأبی التغییر والتبدیل ، فلا یجوز تقدیم جملة من القرآن علی أخری ، فلا یجوز أن تقول: ( الرحیم الرحمن ) بدل ( الرحمن الرحیم ) ؛ لأن المطلوب أداء النصّ السماوی کما هو .

إذاً توقیفیات الأمور تختلف بحسب تعلّق الأحکام ، فتارة : تتعلّق بالحقیقة وذات الأمر ، وأخری بلزوم التعبد بالنصّ المعهود دون زیادة ونقیصة ، وقد وضّحنا قبل قلیل بأنّ توقیفیة الزواج والطلاق مثلاً تتعلق بالحقیقة الکلیة دون التعبد بصیغة بخصوصها ، بخلاف توقیفیة القرآن فإنّها توقیفیة بالنص فلا یجوز الزیادة والنقصان والتقدیم والتأخیر ، ومن القبیل الأوّل الأذکار المستحبة فی القنوت ، فالقنوت مستحبّ یقیناً لکن لا یلحظ فیه ذکر مخصوص ، فللقانت أن یقنت بما شاء من تسبیح وتحمید وشکر و...

ص:169

والآن نتساءل عن توقیفیة الأذان وأنّه من أی القسمین ، وهل یجوز فیه الزیادة والنقیصة وتبدیل کلمة بأختها أم لا ؟ ولو جاز فإلی أیّ حدّ یسمح لنا الشارع بالتصرف ؟ وهل أنّه من قبیل الذکر المسموح به فی القنوت أو من قبیل اختلاف صیغ التشهد وصلاة الخوف عند أهل السنة والجماعة أم هو شیء آخر ؟

نترک القاری معنا إلی الابواب اللاحقة کی نوقفه علی حقیقة الأمر وما نرید قوله بهذا الصدد .

الخلاصة

بعد أن بیّنّا معنی الأذان لغة واصطلاحاً ، والأقوال التی قیلت فی تأریخ تشریع الأذان ، عرضنا أشهر الأقوال الموجودة عند أهل السنة والجماعة فی بدء الأذان فکانت ستّة :

1 - تشریعه باقتراح من الصحابة وخصوصاً عمر بن الخطّاب .

2 - تشریعه بمنامات رآها بعض الصحابة . مثل أبی بکر وعمر وعبدالله بن زید وغیرهم .

3 - نزول الأذان تدریجیاً ، ثمّ إضافة عمر الشهادة بالنبوّة .

4 - الأذان وحی من الله تلقّاه الرسول من جبرئیل فی المعراج .

5 - إنّ عمر أوّل من سمع أذان جبرئیل فی السماء ثمّ سمعه بلال .

6 - إنّ تشریع الأذان نزل به جبرئیل علی آدم لمّا استوحش .

ثمّ أتینا برؤیة أهل البیت فی بدء الأذان ، وأکّدنا اتّفاقهم علی کون تشریعه کان فی المعراج ، ونقلنا نصوصاً عن :

1 - الإمام علیّ بن أبی طالب .

2 - الإمام الحسن بن علیّ .

ص:170

3 - الإمام الحسین بن علیّ .

4 - محمّد بن علیّ بن أبی طالب ( ابن الحنفیة ) .

5 - الإمام علیّ بن الحسین زین العابدین .

6 - الإمام محمّد بن علیّ الباقر .

7 - الإمام جعفر بن محمّد الصادق .

8 - الإمام علیّ بن موسی الرضا .

ثمّ ذکرنا أقوال بعض أعلام الإمامیة کی نؤکّد إطباقهم علی هذا الأمر وأنه مأخوذ من الوحی النازل علی النبیّ دون الرؤیا .

وحیث أن القول بکونه وحیاً قد ورد عند الفریقین بعکس القول بکونه مناماً الذی انفردت به أهل السنة والجماعة ، ألقینا بعض الضوء علی هذه الرؤیة فکانت لنا وقفة مع أحادیث الرؤیا ، ثمّ تحقیق فی دواعی نشوء مثل هذه الفکرة عندهم ، واحتملنا ارتباط هذا الأمر مع قوله تعالی : {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنَاکَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} المرتبط بلعن بنی أمیّة ، موضحین هناک بعض معالم الخلاف وجذوره ، مؤکدین علی أن أهل البیت کانوا یشیرون فی کلماتهم ومواقفهم إلی أن بنی أمیّة جدّوا للوقوف أمام انتشار ذکر محمّد وآله فی الأذان والتشهد والخطبة ، ساعین للتقلیل من مکانة الإسراء والمعراج والادّعاء بأنّه کان بالروح فقط ، أی أنّه کان فی المنام لا فی الیقظة ، وذلک طمساً لذکر الرسول المستتبع طمس ذکر مکارمه صلی الله علیه و آله وفضائه ، والأنکی من ذلک أنهم أغفلوا وجود الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام ضمن المضطجعین مع النبیّ عند العروج أو البعثة وحرفوا نصوصاً ومشاهدات اُخری کانت فی المعراج وتسمیتها بأسماء آخرین .

ومثله تناسیهم ذکر وجود مثاله فی الجنَّة مع أنّهم ذکروا وجود أمثلة مَن هم أقلّ شأناً ومنزلة من علیّ بکثیر . وقد قلنا بأن فکرة الرؤیا استحکمت عند القوم بعد

ص:171

صلح الإمام الحسن مع معاویة لقول سفیان بن اللیل : فتذاکرنا عنده ، فقال بعضنا : إنّما کان الأذان برؤیا عبد الله بن زید ، فقال له الحسن بن علیّ : أنّ شأن الأذان أعظم من ذلک ، أذّن جبرئیل ...

ثمّ ذکرنا ما حکی عن الإمام الحسین وأنّه سئل عما یقول الناس فقال علیه السلام : الوحی ینزل علی نبیکم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبد الله بن زید .

وما نقل عن محمّد بن الحنفیة أنّه فزع لمّا سمع ما یُقال عن تشریع الأذان بالرؤیا وقوله: وعمدتم إلی ما هو الأصل فی شرائع الإسلام ومعالم دینکم فزعمتم أنّه کان رؤیا رآها رجل من الأنصار فی منامه یحتمل الصدق والکذب وقد تکون أضغاث أحلام .

قال ] الراوی [ : فقلت : هذا الحدیث قد استفاض فی الناس ؟

قال : هذا والله هو الباطل .

ثمّ نقلنا بعد ذلک کلمات الإمام علیّ والزهراء والحسن والحسین وعلیّ بن الحسین وزینب ، المصرّح أو الملوّح فیها ببنی أمیّة ومن قبلهم ممن کانوا قد تصدو للخلافة !

ثمّ رکّزنا علی خطبة الإمام السجاد فی الشام فذکرنا قسماً منها إلی أن أذن المؤذن فقال ( اشهد أن محمّداً رسول الله ) فالتفت علیّ بن الحسین من أعلی المنبر إلی یزید وقال : یا یزید ، محمّدٌ هذا جدی أم جدک ، فإن زعمت أنّه جدک فقد کذبت ، وإن قلت أنّه جدی فلم قتلت عترته ، ولاحظنا سیر محاولة الطمس وامتدادها إلی العصر العباسیّ من جانب الحکومات، وفی مقابلها حرص أئمّة أهل البیت: علی إتمام النور ورفع الذکر والافتخار باسم محمّد المرفوع فی الأذان .

وأخیراً أشرنا إلی مطلبین آخرین :

أحدهما : أنّ الأذان لیس إعلاماً محضاً للصلاة ، بل له أکثر من واقع فی الحیاة

ص:172

الإسلامیة ، إذ تنطوی ألفاظه علی معانی الإسلام وأصول العقیدة من التوحید والنبوة والإمامة - بنظر الإمامیة - ثمّ ذکرنا الأذان وآثاره فی الحیاة الإجتماعیة .

ثانیهما : توقیفیة الأذان .. ! وقد ترکنا القارئ دون جواب متکامل هنا ، وذلک لأنّ هذا المطلب یحتاج إلی مقدمات ومزید بیان للملابسات وما زید فی الأذان وما نقص منه ، فلابّد من مسایرة البحث للوقوف علی الحقیقة . والآن مع أوّل باب من هذه الدراسة :

ص:173

الباب اول: حیَّ عَلی خَیْرِ العَمَلِ الشرعیة والشعاریة

اشارة

l أنّها جزء علی عهد رسول الله

l تأذین الصحابة وأهل البیت بها

l رفع الخلیفة الثانی لها

l بیان لمعنی الحیعلة وسبب حذفها

l تاریخ المسألة والصراعات فیها

ص:174

ص:175

ویقع الکلام فی هذا الباب فی أربعة فصول :

الفصل الأوّل : الکلام فی شرعیّة حیَّ علی خیر العمل ، وأنّها کانت جزءاً علی عهد رسول الله

صلی الله علیه و آله .

الفصل الثانی : فی تحدید زمن حذف هذه الحَیعَلة ، وامتناع بلال عن التأذین .

الفصل الثالث : فی بیان معنی حیّ علی خیر العمل ، والأسباب التی دَعَتِ عمر بن الخطاب إلی حَذْفِها من الأذان .

الفصل الرّابع : بیان تاریخ المسألة وکیف صارت شعاراً لنهج التعبّد المحض ، وحذفُها شعاراً سیاسیّاً لخصومهم فی العصور المتأخّرة بعد ثبوت شرعیّتها علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله .

ص:176

ص:177

الفصل الأول: فی جزئیة حیَّ علی خیر العمل

اشارة

ص:178

ص:179

ویتلّخص الکلام فیه فی ثلاثة أقسام :

القسم الأوّل : بیان اتّفاق الفریقین علی أصل شرعیّة « حیَّ علی خیر العمل » وانفراد أهل السنة والجماعة بدعوی النَّسخ فیها من بعد .

القسم الثانی : أسماء من أذّن ب- « حیَّ علی خیر العمل » من الصَّحابة والتّابعین وأهل البیت .

القسم الثالث : إجماع العترة .

ص:180

ص:181

القسم الأوّل: اتّفاق الفریقین علی أصل شرعیّتها

اشارة

من الثابت المسلّم الذی لا یقبل الشکّ هو ثبوت جزئیّة « حیَّ علی خیر العمل » فی الأذان علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ؛ لأنّها مضافاً إلی وجودها فی روایات الإمامیة الاثنی عشریة وفی روایات الزیدیة والإسماعیلیّة ، رواها أهل السنة والجماعة بطرقهم ، وأنّ بلالاً کان یؤذّن بها فی الصبح خاصّة ، بل کان جمّ غفیر من الصحابة یؤذّنون بها .

وحکی عن بعض أئمّة المذاهب الأربعة أنّهم قالوا بالتأذین بها ، لکنّ عامّتهم ادّعوا أنّ رسول الله أمر بلالاً بحذفها من الأذان ووضع مکانها جملة « الصلاة خیر من النوم » .

من هذا یتبیّن أنّهم لا ینکرون

شرعیّتها فی مبدأ الأمر ، لکنّهم یقولون بنسخها ، فما هو الناسخ إذاً ؟ ولِمَ تُنسخُ هذه الجملة بالخُصوص من الأذان ؟

للإجابة عن هذا السؤال لابدّ من ملاحظة أنّ أهل السنّة والجماعة انقسموا - فی هذه المسألة - إلی فریقین ؛ فمنهم من قال إنّ الناسخ هو قول رسول الله صلی الله علیه و آله لبلال : « اجعل مکانها الصلاة خیر من النوم »((1)) ، فی حین لم یَرَ الفریقُ الآخر منهم بُدّاً من السُّکوت عن بیان الناسخ ؛ لضعف تلک الأخبار وعدم دلالتها علی المقصود ، بل


1- انظر : مجمع الزوائد 1 : 330 ، « وفیه : « رواه الطبرانی فی الکبیر ، وفیه عبدالرحمن بن عمّار بن سعد وقد ضعّفه ابن معین » . والجدیر بالذکر أن المتّقی الهندی ذکر روایة الطبرانی فی کنز العمال 8 : 342 ح 23174 بعد ذکر إسنادها قال : کان بلال یؤذّن بالصبح فیقول : حیَّ علی خیر العمل ، ولم یذکر فیه : « اجعل مکانها الصلاة خیر من النوم » .

ص:182

لاحتواء تلک الأسانید علی وقفات علمیّة ؛ سَنَدیّة ودلالیّة ، یجب بیانها إن اقتضی الحال .

قال السیّد المرتضی فی الانتصار : وقد روت العامّة أنّ ذلک ] أی « حیّ علی خیر العمل » [ مما کان یقال فی بعض أیام النبیّ ، وإنّما ادّعی أن ذلک نُسخ ورُفع ، وعلی مَن ادّعی النسخ الدلالة له ، وما یجدها((1)) .

وقال ابن عربی فی الفتوحات المکیة : ... وأمّا من زاد فی الأذان حیَّ علی خیر العمل فإن کان فُعل فی زمان رسول الله - کما روی أنّ ذلک دعا به فی غزوة الخندق ؛ إذ کان الناس یحفرون ، فجاء وقت الصلاة وهی خیر موضوع کما ورد فی الحدیث ، فنادی المنادی أهل الخندق « حیَّ علی خیر العمل » - فما أخطأ مَن جعلها فی الأذان ، بل اقتدی إن صحّ الخبر ، أو سنّ سنّة حسنة((2)) .

وجاء فی الروض النضیر عن کتاب السنام ما لفظه : الصحیح أنّ الأذان شرّع بحیّ علی خیر العمل ، لأنّه اتُّفِق علی الأذان به یوم الخندق ، ولأنّه دعاءٌ إلی الصَّلاة ، وقد قال صلی الله علیه و آله « خیر أعمالکم الصلاة »((3)) . کما وردت روایات أخری تفید أنّ مؤذّنی رسول الله صلی الله علیه و آله وغیرهم من الصحابة استمرّوا علی التأذین بها حتّی ماتوا((4)) .

وعلیه فالفریقان شیعةً وسنةً متّفقان علی ثبوت حکمها فی الصدر الأوّل وعلی کونها جزء الأذان فی بدء التشریع ، لکنّ أهل السنة والجماعة انفردوا بدعوی


1- الانتصار 137 ، باب « وجوب قول حیّ علی خیر العمل فی الأذان » .
2- الفتوحات المکیة 1 : 400 .
3- هذا ما حکاه عزّان محقّق کتاب ( الأذان بحیّ علی خیر العمل ) 12 عن الروض النضیر 1 : 542 .
4- المصدر نفسه 50 - 56 . .

ص:183

النسخ ، وهو کلام قُرِّر فی العهود اللاحقة لأسباب تقف علیها لاحقاً .

فهذا الأمر یشیر إلی أنّ شرعیتها وجزئیتها کانت ثابتة عند الفریقین من لدن عهد الرسول الأکرم ، ویضاف إلی ذلک أنّ الشیعة الإمامیة والزیدیة والإسماعیلیة لهم طرقهم الخاصَّة والصَّحیحة وکُلُّها تُؤکّد ثبوتها علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وعدم نَسْخها فی حیاته صلی الله علیه و آله ، « وأنّ رسول الله أمَرَ بلالاً أنْ یُؤذّن بها فلم یَزَلْ یُؤَذِّنُ بها حتّی قَبَضَ اللهُ رَسولَهُ »((1)) .

وهذا نصّ صریح یدلّ علی عدم نسخ « حَیّ علی خیر العمل » وعلی کونها جُزء الأذان حتّی قَبَضَ الله رسوله .

و یؤیِّد هذا المروی عندنا عن بلال ما رواه الحافظ العلوی الزیدی((2)) مسنداً إلی


1- انظر : من لا یحضره الفقیه 1 : 284/ ح 872 وعنه فی وسائل الشیعة 5 : 416 ، والاستبصار 1 : 306 ح 1134 ، والأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی 91 .
2- وهو أبو عبدالله محمد بن علی بن الحسن العلوی الشجری الکوفی ( الإمام المحدّث الثقة العالم الفقیه مسند الکوفة ) کما نصّ علیه الذهبی فی العبر 3 : 212 وسیر أعلام النبلاء 17 : 636 وابن العماد الحنبلی فی شذرات الذهب 3 : 274 . مات بالکوفة فی ربیع الأول سنة 445 ه- ، ومولده فی رجب سنة 367 ه- . قال ابن النرسی : ما رأیت من کان یفهم فقه الحدیث مثلَه . وقال : کان حافظاً خرّج عنه الحافظ الصوری وأفاد عنه وکان یفتخر به ( سیر اعلام النبلاء 17 : 636 ) . وفی ( طبقات الزیدیة 2 : 292 ) : الثقة العابد مسند أهل الکوفة ، وقد ترجم له الطهرانی فی طبقات أعلام الشیعة ( أعلام القرن الخامس 170 - 172 ) . له کتاب « فضل الکوفة » و« فضل زیارة الحسین » و« تسمیة من روی عن الإمام زید من التابعین » ، و« التاریخ » ، و« التعازی » وکتاب « الجامع الکافی » وقد جمعه من بضع وثلاثین کتاباً من کتب الإمام محمد بن المنصور المرادی الزیدی ، وهو من أجلّ ما کتب فی الفقه ونصوص الأئمّة الزیدیّة ، وفیه بحث الأذان . وله کتاب علی انفراد باسم « الأذان بحیَّ علی خیر العمل » له طرق متعدّدة عند الزیدیّة ، وقد أشار محمد یحیی سالم عزّان إلی بعض طرقه إلی هذا الکتاب فی مقدّمة تحقیقه ص (32) ، وکذا العلاّمة السیّد محمّد بن حسین بن عبدالله الجلال ، حیث قال فی آخر نسخته : یقول الفقیر إلی الله المعترف بالذنب والتقصیر محمد بن حسین بن عبدالله الجلال : أروی کتاب « الأذان بحیَّ علی خیر العمل » من عدّة طرق عن مشایخی رحمهم الله بطر یق الإجازة العامّة ، وأرویه عن سیّدی العلاّمة قاسم بن حسین أبو طالب بالسماع من فاتحته إلی خاتمته إلّا الیسیر منه فبالإجازة العامّة ، وهو یرویه عن عدد من مشایخه ذکرتهم فی مؤلّفی المسمّی ( الأنوار السنیّة فی إسناد علوم الأمة المحمدیّة ) منهم شیخه العلاّمة علیّ بن حسین المغربی عن شیخه السیّد العلاّمة عبدالکریم بن عبدالله أبو طالب عن شیخه العلاّمة بدر الال ... إلی آخر مشایخه - عن المؤلّف أبی عبدالله محمد بن علیّ بن الحسن بن علیّ بن الحسین بن عبدالرحمن بن القاسم بن الحسن بن زید بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب رضوان الله علیهم جمیعاً . وقد طبع هذا الکتاب فی الیمن فی شهر صفر عام 1399 ه- ، السیّد یحیی عبدالکر یم الفضل عن نسخة العلاّمة الجلال . قال المحقق فی مقدّمته للکتاب : وقد روی التأذین ب- « حی علی خیر العمل » ، أکثر من عشرة من الصحابة ، وجاءت روایة الأذان من أکثر من مائة طریق ، وکلّ منها بإسناد متصل ( انظر : المقدمة 5 - 6 ) . وقد نقل عن هذا الکتاب کثیر من الأعلام أمثال الإمام القاسم بن محمّد فی کتاب الاعتصام ، والشوکانی فی نیل الأوطار ، وأخرج مسنده فی کتابه ( إتحاف الأکابر ) ، ورواه وأخرج مسنده العلاّمة عبدالواسع الواسعی فی کتابه ( درر الأسانید ) ، وکذا العلاّمة مجد الدین المؤیّد والعلاّمة الجلال وغیرهم . ومن المؤسف أنّ النسخة المطبوعة التی بأیدینا مغلوطة ، ولم تُعرض وتقابَل مع نسخ خطیة أخری للکتاب ، وإن کتب علی المطبوع حقّقه السیّد یحیی عبدالکر یم الفضیل . ولأجله استعنت فی بعض الأحیان بنسخة أخری من تحقیق محمّد یحیی سالم عزّان ، وفی أحیان أخری بکتاب الاعتصام بحبل الله المطبوع فیه کتاب الأذان بکامله . وقد أرانی المحقّق الحجة السیّد محمد رضا الجلالی نسخة من کتاب ( الأذان بحیّ علی خیر العمل ) بخط العلاّمة المحدّث السیّد محمد بن الحسین الجلال مجیزاً له روایة هذا الکتاب ، وقد أخبرنی بأنه یعزم علی تحقیقه وطبعه فسرّنی عزمه علی تحقیقه آملین له التوفیق والسداد .

ص:184

أبی محذورة من أنَّ رسول الله علّمه الأذان ، وفیه التَّأذین بحیَّ علی خیر العمل((1)) .

ومن المعلوم أنَّ أبا محذورة تَعَلَّمَ الأذان من رسول الله - حسبما یقولون - فی


1- انظر : « الأذان بحیّ علی خیر العمل » للحافظ العلوی 26 - 27 ،29 . وکذا : تحقیق عزّان 50 - 54 .

ص:185

أواخر السَّنَة الثامنة من الهجرة بعد رجوعه من حُنَین((1)) ، ومعناه ثبوتُ حیّ علی خیر العمل وشرعیتُها حتّی ذلک التأریخ ، ولم یَأمر رسولُ الله بإبدالها ب- « الصلاة خیر من النوم » .

ویضاف إلی ذلک أنَّ روایة الحافظ العَلوی عن بلال تنفی الزیادة التی جاء بها الطبرانی والبیهقی عنه رضوان الله تعالی علیه ؛ لأنَّ الحافظ العَلوی کان قد قال :

حدّثنا علیّ بن محمّد بن إسحاق المقری الخزّاز ، أخبرنا أبو زرعة أحمد بن الحسین الرازی ، حدّثنا أبو بکر بن تومردا ، أخبرنا مسلم بن الحجّاج ، حدّثنا إبراهیم بن محمّد بن عرعرة ، حدّثنا معن بن عیسی ، حدّثنا عبدالرحمن بن سعد المؤذِّن ، عن محمّد بن عمّار بن حفص بن عمر ، عن جدّه حفص بن عمر بن سعد ، قال : کان بلال یؤذِّن فی أذان الصبح بحیَّ علی خیر العمل((2)) .

فی حین نری نفس هذا الحدیث قد ورد فی الطبرانی والبیهقی((3)) من طریق یعقوب بن حمید ، عن عبدالرحمن بن سعد ] المؤذّن [ ، عن عبدالله بن محمّد وعمر وعمّار ابنَی حفص ، عن آبائهم ، عن أجدادهم ، عن بلال : أنّه کان ینادی بالصبح فیقول : « حیَّ علی خیر العمل » ، إلّا أنّ فیما أخرجه الطبرانی والبیهقی زیادة :

فأمره النبیّ صلی الله علیه و آله أن یجعل مکانها « الصلاة خیر من النوم » وترک « حیَّ


1- سبل السلام 1 : 120 ، کتاب المسند للشافعی 31 ، مسند أحمد 3 : 408 ، سنن النسائی 2 : 5 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل 28 . وبتحقیق عزّان 56 . والاعتصام بحبل الله 1 : 290 .
3- المعجم الکبیر 1 : 353 والنصّ عنه ، وفی السنن الکبری 1 : 425 وفیه قال الشیخ : هذه اللفظه لم تثبت عن النبیّ صلی الله علیه و آله فیما علّم بلالاً وأبا محذورة ونحن نکره الزیادة فیه وبالله التوفیق .

ص:186

علی خیر العمل » .

والمتأمِّل فی روایة معن بن عیسی عن عبدالرحمن بن سعد التی أوردها الحافظ العلوی یراها أوثق من روایة یعقوب بن حمید التی أوردها الطبرانی والبیهقی باتفاق الجمیع ؛ لأنَّ معن بن عیسی ثقة ثبت وکذا غیره من رجال السند .

وممّا یحبذ هنا هو أنّ نقوم بتحقیق بسیط عن رجال الإسنادین وما رَوَوه عن بلال وأبی محذورة ، واختلاف النقل عنهما ، کی نتعرف علی ملابسات مثل هذه الأمور فی الشر یعة والأحکام :

وقفة مع الحدیثَین

وقفة مع الحدیثَین((1))

ذکرت کتب الحدیث والتاریخ أسماء أربعة من الذین أذنوا علی عهد رسول الله ، وهم :

1 - بلال بن رباح الحبشی

2 - أبو محذورة القرشی

3 - عبدالله بن أمّ مکتوم

4 - سعد القرظ

وقد أذّن أبو محذورة بعد السنة الثامنة من الهجرة((2)) ، وقیل بعد فتح مکّة((3)) ،


1- أحدهما : الذی رواه الطبرانی والبیهقی بإسنادهما عن عبدالرحمن بن سعد القرظ ، وفیه : کان بلال یؤذّن فی أذان الصبح بحیّ علی خیر العمل ، وأنّ رسول الله أمره أن یجعل مکانها الصلاة خیر من النوم ، وهو یخالف ما رواه الحافظ العلوی من طر یق مسلم بن الحجّاج والذی یخلو من هذه الزیادة . الثانیة : حدیث أبی محذورة المختلف فیه ، والذی رواه رجال الصحاح والسنن لیس فیه « حیّ علی خیر العمل » ، أمّا الحافظ العلوی وأحمد بن محمّد بن السری فقد رَوَیاه وفیه التأذین بحیّ علی خیر العمل ، وهو الذی یتّفق مع مرویّات أهل البیت ، وعلیه إجماع العترة حسبما ستعرف بعد قلیل .
2- سبل السلام 1 : 120 ، کتاب المسند للشافعی 31 ، مسند أحمد3 : 408 ، سنن النسائی 2 : 5 .
3- الطبقات الکبری لابن سعد 5 : 450 .

ص:187

ونقل عن سعد القرظ أنّه کان یؤذّن بِقُبا((1)) .

وربّما تکون روایات الأذان عند المذاهب الأربعة والاختلافات فی فصوله وأعداده ، راجعة إلی اختلاف عمل هؤلاء الصحابة فی الأذان أو اختلاف النقل عنهم ، مضافاً إلی ما جاء عن عبد الله بن زید بن ثعلبة بن عبد ربه فیه .

فالاختلاف أمر ملحوظ فی الأحادیث ، وقد یُنقَل عن الصحابی الواحد نقلان متخالفان ؛ فالتکبیرتان والأربع فی أوّل الأذان مثلاً ورد کلّ منهما عن عبدالله بن زید ، والتثویب وعدمه جاءا عن أبی محذورة ، واختص خبر الترجیع((2)) بأبی محذورة دون غیره من المؤذنین ، فما سبب کلّ هذا الاختلاف والکل ینسب فعله إلی الصحابة ؟

« فمالک والشافعی ذهبا إلی أنّ الأذان مثنی مثنی والإقامة مرّة مرّة ، إلّا أنّ الشافعیّ یقول فی أوّل الأذان ( الله أکبر ) أربع مرات ویرویها محفوظاً عن عبدالله بن زید وأبی محذورة ، وهی زیادة مقبولة والعمل بها فی مکّة ومن تبعهم من أهل الحجاز .

لکن مالکاً وأصحابه ذهبا إلی تثنیة التکبیر ، وقد رووا ذلک من وجوه صحاح من أذان أبی محذورة ومن أذان عبدالله بن زید وعلیه عمل أهل المدینة من آل سعد القرظ »((3)) .


1- تلخیص الحبیر 3 : 199 ، تهذیب الأسماء للنووی 1 : 55 .
2- الترجیع فی الأذان هو تکریر الشهادتین جهراً ، هکذا فسره الصاغانی ، انظر : تاج العروس 5 : 351 .
3- انظر : فتح المالک 1 : 7 . وفتح الباری لابن رجب الحنبلی 3 : 413 .

ص:188

واتفق مالک((1)) والشافعی((2)) علی الترجیع فی الأذان ، لکن الحنابلة((3)) والأحناف((4)) قالوا : لا ترجیع فی الأذان ، وکلٌ استند فیما ذهب إلیه إلی نقله عن بعض الصحابة !!

قال الأثرم : سمعت أبا عبدالله ] یعنی أحمد بن حنبل [ یُسأَلُ : إلی أیّ الأذان یذهب ؟ قال : إلی أذان بلال ...

قیل لأبی عبدالله : ألیس حدیث أبی محذورة بعد حدیث عبدالله بن زید ؛ لأنّ حدیث أبی محذورة بعد فتح مکّة ؟

فقال : ألیس قد رجع النبیّ إلی المدینة فأقرّ بلالاً علی أذان عبد الله بن زید((5)) .

بلی ، إنّ فِعل الصحابی کان هو الحجة رغم الاختلافات ، لکن لنا أنّ نتساءل عن هذا الاختلاف هل أنّه حصل بالفعل فی زمن الصحابی ، أم أنّه من صنع المتأخرین ، وما هی ملابسات هذه الأحادیث المختلفة ؟ بل ما هی قیمة رجال إسنادها ؟!

ونحن إیماناً بضرورة دراسة مثل هذه الأمور سلّطنا بعض الضوء علی رجال خبری بلال وأبی محذورة .

فقد ادّعی فی طریق الطبرانی والبیهقی أنّ رسول الله

صلی الله علیه و آله قال لبلال : « اجعل مکانها الصلاة خیر من النوم » ، مع أنّ هذه الزیادة غیر موجودة فی طریق الحافظ العلوی .


1- فتح المالک 1 : 8 .
2- المجموع للنووی 3 : 90 .
3- المغنی لابن قدامة 1 : 416 . فتح الباری لابن رجب 3 : 414 .
4- المبسوط للسرخسی 1 : 128 ، الهدایة شرح البدایة 1 : 41 باب الأذان .
5- المغنی لابن قدامة 1 : 416 - 417 .

ص:189

وفی روایة أبی محذورة « فاجعل فی آخرها : الصلاة خیر من النوم » ، وهی أیضاً غیر موجودة فی طریق الحافظ العلوی .

فأیّ النقلین هو الصواب إذن ؟!

مع ما رواه الطبرانی والبیهقی عن بلال

قد مرّ علیک قبل قلیل((1)) ما رواه الطبرانی عن شیخه محمّد بن علیّ الصائغ ، والبیهقی بإسناده عن أبی الشیخ الإصفهانیّ - فی کتاب الأذان - عن محمّد بن عبدالله بن رسته ، کلاهما عن یعقوب بن حمید بن کاسب :

حدّثنا عبدالرحمن بن سعد بن عمّار بن سعد القرظ ، عن عبدالله بن محمّد ، وعمر وعمّار ابنَی حفص ، عن آبائهم ، عن أجدادهم ، عن بلال ...

وفی هذا الإسناد : یعقوب بن حمید بن کاسب ، فهو أبو یوسف ، مدنیّ الأصل ، مکیّ الدار ؛ هذا ما قاله ابن أبی حاتم الرازی ، ثمّ قال : سألت یحیی بن معین عن یعقوب بن کاسب ، فقال : لیس بشیء .

وقال أبو بکر بن خیثمة : سمعت یحیی بن معین یقول وذکر ابن کاسب ، فقال : لیس بثقه ، قلت : من أین قلت ذلک ؟ قال : لأنّه محدود((2)) .

قلت : ألیس فی سماعه ثقة ؟ قال : بلی .

أخبرنا عبدالرحمن ، قال : سمعت أبی یقول : ضعیف الحدیث .

أخبرنا عبدالرحمن قال : سألت أبا زرعة عن یعقوب بن کاسب ، فحرّک رأسه ، قلت : کان صدوقاً فی الحدیث ، قال : لهذا شروط . وقال فی حدیث رواه


1- مَرَّ فی صفحة : 185- 186 .
2- المحدود : من أقیم علیه الحدّ .

ص:190

یعقوب : قلبی لا یسکن إلی ابن کاسب((1)) .

وقال أبو بکر : سمعت یحیی بن معین وذکر ابن کاسب یقول : لیس بثقة ، فقلت له : من أین قلت ذاک ؟ قال : لأنّه محدود ، قلت : ألیس هو فی سماعه ثقة ؟ فقال : بلی ، فقلت له : أنا أعطیک رجلاً تزعم أنّه وجب علیه حدٌّ وتزعم أنّه ثقة ، قال : من هو ؟ قلت : خلف بن سالم ، قال : ذلک إنما شتم بنت حاتم مرّة واحدة ، وما به بأس لولا أنّه سفیه .

قلت لمصعب الزبیری: إنّ یحیی بن معین یقول فی ابن کاسب : إنّ حدیثه لا یجوز لأنّه محدود ، فقال : لیس ما قال ، إنما حدّه الطالبیّون فی التحامل ولیس حدود الطالبیین عندنا بشیء لجورهم ، وابن کاسب ثقة مأمون صاحب حدیث ، أبوه مولی للخیزران ، وکان من أمناء القضاة زماناً((2)) .

وقال الذهبی فی تذکرة الحفاظ : تفرّد بأشیاء وله مناکیر ، حدّث عنه البخاری وابن ماجة وعبدالله بن أحمد وإسماعیل القاضی ، وأبو بکر بن أبی عاصم وطائفة ، ذکره البخاری فقال : لم نرَ إلّا خیراً ، وقال أبو حاتم : ضعیف((3)) .

وفی میزان الاعتدال : قال البخاری : لم نرَ إلّا خیراً ، هو فی الأصل صدوق وشذّ مضر بن محمّد الاسدی فروی عن ابن معین : ثقة ، وروی عبّاس عن یحیی : لیس بثقه((4)) ، فقلت : لم ؟

قال : لأنّه محدود ...

والنسائی : لیس بشیء .


1- الجرح والتعدیل 9 : 206 .
2- التعدیل والتجریح للباجی 3 : 1425 .
3- تذکرة الحفّاظ 2 : 466 .
4- فی تهذیب الکمال 32 : 322 عن عباس الدوری عن ابن معین : لیس بشیء .

ص:191

وأبو حاتم : ضعیف .

قال الذهبی: کان من علماء الحدیث لکن له مناکیر وغرائب ، وحدیثه فی صحیح البخاری فی موضعین : فی الصلح ، وفیمن شهد بدراً ...

قال الحلوانی : رأیت أبا داود السجستانی قد جعل حدیث یعقوب بن کاسب وقایات علی ظهور کتبه ، فسألته عنه ، فقال : رأینا فی مسنده أحادیث أنکرناها ، فطالبناه بالأصول فدافعنا ، ثمّ أخرجها بَعدُ فوجدنا الأحادیث فی الأصول مغیَّرة بخطِّ طَرِیّ ؛ کانت مراسیل فأسنَدَها وزادَ فیها((1)) .

وفی سیر أعلام النبلاء :

« ... وکان من أئمّة الأثر علی کثرة مناکیر له - إلی أنّ یقول - : وقال ابن عدی : لا بأس به وبروایاته ، هو کثیر الحدیث ، کثیر الغرائب ، کتبت مسنده عن القاسم بن عبدالله عنه ، صَنّفه علی الأبواب ، وفیه من الغرائب والنسخ والأحادیث العزیزة ، وشیوخ أهل المدینة ممّن لا یروی عنهم غیره ... »((2)) .

وقال ابن حبّان فی الثقات : مات سنة أربعین أو أحد وأربعین ومائتین، کان ممّن یحفظ وممّن جمع وصنّف ، واعتمد علی حفظه فربّما أخطأ فی الشیء بعد الشیء ، ولیس خطأ الإنسان فی شیء یَهِمُ فیه ما لم یفحش ذلک منه بمُخْرِجِهِ عن الثقات إذا تقدّمت عدالته((3)) .

قلت : کیف یقول ابن حبّان هذا وهو یعلم بأن الخدشة فیه جاءت لکونه محدوداً لا من جهة حفظه ؛ لأنّ الثابت عدم قبول شهادة الفاسق وخصوصاً لو أفحش فی التحامل علی أهل البیت ، وخصوصاً الإمام علیّ بن أبی طالب ، وهذا


1- میزان الاعتدال 7 : 276 - 277 . وانظر : الضعفاء الکبیر للعقیلی 4 : 446 .
2- سیر أعلام النبلاء 11 : 158 وانظر : کلام ابن عدی فی الکامل 7 : 151 .
3- الثقات لابن حبّان 9 : 285 .

ص:192

یشیر إلی نصبه بلا أدنی شک ؛ لأنّ الطالبیین حدّوه لنصبه ، وقد وقفت علی سرّ الحد لقول الزبیری « إنّما حده الطالبیون فی التحامل » وقول ابن معین فی خلف بن سالم « ... إنّما شتم بنت حاتم مرّة واحدة وما به بأس » ، وهما یرشدان إلی أنّ الخدشة جاءت فیه من هذه الجهة ، وهی فسق بلا شک ، لا من جهة نسیانه ، وکیف لا یکون فاسقاً غیر معتمد الروایة وهو یغیر الأصول ویسند المراسیل؟! أضف إلی کلّ ذلک أنّه کان « أبوه مولی للخیزران وکان من أمناء القضاة زماناً » ؟

وأمّا عبدالرحمن بن سعد بن عمار بن سعد المؤذّن .

فقد قال ابن أبی حاتم عنه: سئل یحیی بن معین عن عبدالرحمن المؤذّن ، فقال : مدینی ضعیف ؛ روی عن أبی الزناد((1)) .

وقال ابن حجر فی تقریب التهذیب : ضعیف من السابعة((2)) .

وقال الشوکانی فی نیل الأوطار : وعبدالرحمن ضعیف((3)) .

وقال ابن أبی عاصم فی الآحاد والمثانی : ضعیف((4)) .

وقال البخاری فی تاریخه الکبیر : عبدالرحمن بن سعد فیه نظر ، مولی بنی مخزوم((5)) .

وقال الماردینی الشهیر بابن الترکمانی فی الجوهر النقی : منکر الحدیث((6)) .

وضعّفه ابن أبی حاتم ، وقال ابن القطان : هو وأبوه وجدّه مجهولو الحال((7)) .


1- الجرح والتعدیل 5 : 238 .
2- تحریر تقریب التهذیب 2 : 321 .
3- نیل الاوطار 3 : 346 .
4- الآحاد والمثانی 1 : 65 .
5- تاریخ البخاری الکبیر 5 : 287 .
6- الجوهر النقی 3 : 286 .
7- الجوهر النقی 1 : 394 .

ص:193

وقال الألبانی فی إرواء الغلیل : عبدالرحمن بن سعد ضعیف وأبوه وجده لا یعرف حالهم((1)) .

وأمّا عبدالله بن محمد فقد ضعفه ابن معین((2)) .

وسئل یحیی بن معین عن عبدالله بن محمّد وعمّار وعمر ابنی حفص بن عمر بن سعد عن آبائهم عن أجدادهم کیف حال هؤلاء ؟ قال : لیسوا بشیء((3)) .

وأمّا عمر بن حفص بن عمر بن سعد القرظ .

فقد قال ابن معین : لیس بشیء((4)) .

وقال ابن حجر فی تقریب التهذیب: عمر بن حفص بن عمر بن سعد القرظ المدنی المؤذن فیه لین ، من السابعة((5)) .

وأمّا عمار بن حفص بن عمر بن سعد القرظ ، فهو أخو عمر ، وهو والد محمّد ، روی عنه عبدالرحمن بن سعد((6)) .

قال البخاری : لم یصحّ حدیثه((7)) .

وقال یحیی بن معین : لیس بشیء((8)) .


1- إرواء الغلیل 3 : 120 .
2- الجوهر النقی 1 : 394 ، 3 : 287 .
3- انظر : تاریخ ابن معین ( الدارمی ) 169 ، الکامل فی الضعفاء 5 : 73 ، الضعفاء للعقیلی 2 : 300 - 301 ، والجرح والتعدیل 6 : 103 .
4- الجوهر النقی 3 : 287 الجرح والتعدیل 6 : 102 ، المغنی فی الضعفاء 2 : 464 ، تهذیب الکمال 21 : 302 ، تهذیب التهذیب 6 : 183 .
5- تحریر تقریب التهذیب 3 : 68 .
6- التاریخ الکبیر 5 : 287 .
7- میزان الاعتدال 5 : 211 .
8- لسان المیزان 4 : 271 ، الجرح والتعدیل 6 : 392 .

ص:194

وأمّا حفص بن عمر بن سعد القرظ ، فلم یسمع من جدّه ولا غیره من الصحابة ، وربما نسب إلی جدّه فیتوهّمه الواهم أنّه تابعی((1)) .

وقد علّق ابن الترکمانی علی أحد أحادیث حفص بن عمر فی کتاب صلاة العیدین بقوله: إنّ حفصاً والد عمر المذکور فی هذا السند إن کان حفص بن عمر المذکور فی السند الأوّل فقد اضطربت روایته لهذا الحدیث ، رواه ها هنا عن سعد القرظ ، وفی ذلک السند رواه عن أبیه وعمومته عن سعد القرظ ، فظهر من هذا أنّ الأحادیث التی ذکرها البیهقی فی هذا الباب لا تسلم من الضعف . وکذا سائر الأحادیث الواردة فی هذا الباب ..((2))

وحکی الزیلعی عن « الإمام » : وأهل حفص غیر مُسمَّین ، فهم مجهولون((3)) .

کان هذا حال رجال هذا الإسناد .

مع ما رواه الحافظ العلوی عن بلال

أمّا طریق الحافظ العلوی فهو أحسن من هذا بکثیر ، وإن کان فیه بعض الملابسات ؛ لأنّ الحافظ خرّج حدیثه من طریق مسلم بن الحجّاج ، وإن لم یکن فی صحیحه :

حدثنا إبراهیم بن محمّد بن عرعرة ، حدثنا معن بن عیسی ، حدثنا عبدالرحمن بن سعد المؤذّن ، عن محمّد بن عمّار بن حفص بن عمر .

وهم خیر من أولئک .

فمسلم بن الحجّاج ، صاحب الصحیح ، فهو إمام عند القوم .


1- معرفة علوم الحدیث : 70 النوع الخامس عشر .
2- الجوهر النقی 3 : 287 .
3- نصب الرایة 1 : 265 .

ص:195

وأمّا إبراهیم بن محمّد بن عرعرة بن البرند بن النعمان أبو إسحاق البصری فقال عنه ابن أبی حاتم الرازی : سئل أبی عن إبراهیم بن أبی عرعره فقال : صدوق((1)) .

وحکی عن علیّ بن الحسین بن حبّان أنّه قال : وجدت فی کتاب أبی بخطّ یده قلت له - یعنی یحیی بن معین - : أبو عرعرة ؟

فقال : ثقه معروف الحدیث، کان یحیی بن سعید یکرمه ، مشهور بالطلب ، کیّس الکتاب ؛ ولکنه یفسد نفسه ، یدخل فی کلّ شیء((2)) . وجاء فیه بعض التلیین .

وأمّا معن بن عیسی بن یحیی بن دینار الأشجعی مولاهم القزّاز أبو یحیی المدنی ؛ فهو فی طبقة یعقوب بن حمید بن کاسب ، فقد ترجم له المزّی فی التهذیب((3)) ، قال أبو حاتم : أثبتُ أصحاب مالک وأوثقهُم معن بن عیسی ، وهو أحب الیَّ من عبدالله بن نافع الصائغ ومن ابن وهب((4)) .

أمّا عبدالرحمن بن سعد المؤذن فضعیف حسبما عرفت .

وأمّا محمّد بن عمّار بن حفص بن عمر ، فهو أبو عبدالله المدنی مؤذّن مسجد الرسول، ویقال له: کشاکش، وهو مولی الانصار ویقال : مولی عمّار بن یاسر((5)) .

قال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبیه : ما أری به بأس((6)) ، وقال الدوری عن یحیی بن معین : لم یکن به باس((7)) .


1- الجرح والتعدیل 2 : 130 .
2- تاریخ بغداد 6 : 149 - 151 وفیه : سکن بغداد وحدّث بها عن یحیی بن سعید القطّان وعبدالرحمن بن مهدی ومحمد بن جعفر ومحمد بن بکر البرسانی ومعن بن عیسی ...
3- تهذیب الکمال 28 : 336 .
4- الجرح والتعدیل 8 : 277 - 278 الترجمة 1271 .
5- تهذیب الکمال 26 : 163 ، تهذیب التهذیب 9 : 358 ، التاریخ الصغیر 2 : 183 .
6- العلل لأحمد 2 : 485 ، بحر الدم فیمن مدحه أحمد أو ذمّ 141 .
7- تاریخ بن معین بروایة الدوری 1 : 147 .

ص:196

وقال علیّ بن المدینی : ثقة((1)) .

قال أبو حاتم : شیخ لیس به بأس ، یُکتب حدیثه((2)) .

وقال ابن حجر : لا بأس به ، من السابعة((3)) .

وحفص بن عمر بن سعد القرظ قد عرفت حاله وهو مُتکلَّم فیه ، والخبر موقوف علیه ولیس بحجة .

ومع کلّ هذه الملابسات نری هذا الإسناد أنظف ممّا رواه الطبرانی فی الکبیر والبیهقی عن أبی الشیخ الإصفهانی عن محمّد بن عبدالله بن رُسته فی السنن .

مع ما رواه السری عن أبی محذورة

و یعضد ثبوت الحیعلة الثالثة عن رسول الله ما رواه الحافظ العلوی بطرق متعددة - سیأتیک ذکرها تحت عنوان « تأذین الصحابة وأهل البیت » - عن أبی محذورة وأنّها اتفقت جمیعاً علی ثبوتها .

وأمّا روایة الحافظ العلوی بإسناده الذی فیه أحمد بن محمّد بن السری فإلیک نصّها :

حدّثنا أبو القاسم علیّ بن الحسین العرزمی إملاءً من حفظه ، قال : حدّثنا أبو بکر أحمد بن محمّد بن السری التمیمی ، حدّثنا أبو عمران موسی بن هارون بن عبدالله الجمال ، حدّثنا یحیی ابن عبدالحمید الحمانی ، حدّثنا أبو بکر بن عیاش ، عن عبد العزیز بن رفیع ، عن أبی محذورة ، قال : کنتُ غلاماً صیّتاً ، فأذّنت بین یدی رسول الله

صلی الله علیه و آله


1- لسان المیزان 7 : 369 - 370 ، تهذیب الکمال 26 : 163 .
2- الجرح والتعدیل 8 : 43 .
3- تحریر تقریب التهذیب 3 : 295 .

ص:197

لصلاة الفجر ، فلما انتهیت إلی « حیَّ علی الفلاح » قال النبیّ صلی الله علیه و آله : ألحق فیها « حیَّ علی خیر العمل »((1)) .

وهذا النص - کما تراه - واضح لا مغمز فی لفظه ولا معناه ، لکنّ المتآخرین من علماء العامّة حرفوا النص عن وجهته فنقلوا الروایة بشکل آخر ، قالوا :

زعم أحمد بن محمد بن السری أنّه سمع موسی بن هارون عن الحمانی عن أبی بکر بن عیاش عن عبدالعزیز بن رفیع عن أبی محذورة ، قال : کنت غلاماً فقال النبیّ : اجعل فی آخر أذانک « حیّ علی خیر العمل »((2)) .

وبناء علی هذا التلاعب قال الحافظ ابن حجر فی خبر السری :

« وهذا حدثنا به جماعة عن الحضرمی عن یحیی الحمانی وإنّما هو : اجعل فی آخر أذانک الصلاة خیر من النوم »((3)) .

لکن کلامه باطل من عدة جهات :

الأولی : أنّ مکان « حیّ علی خیر العمل » عند من یقول بها هی وسط الأذان لا فی آخره ، وأنّها من أصل الأذان لا زیادة فیه کالصلاة خیر من النوم ، وإنّما سوغ لهم هذا التلاعب تحریفهم نص السری عن وجهته ، حیث جعلوا الحیعلة الثالثة فی آخر الأذان ، لیتسنی لهم ادعاء أنّ الروایة وردت بجعل « الصلاة خیر من النوم » فی آخره لا الحیعلة الثالثة .

الثانیة : أنّ زیادة « الصلاة خیر من النوم » جاءت متأخّرة ، وقد قال مالک


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل 15 - 16 .
2- میزان الاعتدال 1 :283 - 284 .
3- لسان المیزان 1 : 268 .

ص:198

عنها أنّها ضلال((1)) ، ورجع الشافعی عن القول بها فی الجدید((2)) ؛ لعدم ثبوت ذلک عن أبی محذورة، وهو مؤشّر علی عدم شرعیّتها فی أصل الأذان ، فلو کان الأمر کذلک فالزیادة مشکوک فیها ولا یمکن الأخذ بها ، وقد جاء فی مصنف ابن أبی شیبة عن الأسود بن یزید قوله وقد سمع المؤذّن یقول « الصلاة خیر من النوم » فقال : لا یزیدون فی الأذان ما لیس سنّة((3)) .

الثالثة : إنّ ما زعمه ابن حجر من وضع حدیث : نار تلتقط مبغضی آل محمّد ، واتّهم به أحمد بن محمّد بن السریّ ، فباطل .

إذ لا شاهد له علی ذلک إلّا استعظامه واستکباره أن یرد مثل هذا الحدیث فی فضل آل محمّد ، ولو أنصف لعلم أنّ مبغضی آل محمّد فی النار وأنّه لا استکبار ولا استعظام . وهناک روایات کثیرة تشیر إلی هذا المعنی ، فقد یکون أحمد بن محمّد بن السری نقل الحدیث بالمعنی ، وهو جائز عند الفریقین ، ومحض الانفراد - لو صحّ - لا یدلّ علی الوضع ، خصوصاً مع أنّ لحدیثه هذا شواهد ومتابعات کثیرة ، وأحمد هذا ثقة بإجماعهم ، ولم یعیبوا علیه إلّا شیئاً لا یصح به قدح .

فأحمد بن محمّد بن السری المعروف بابن أبی دارم المتوفّی 351 ه- قال عنه الحافظ محمّد بن أحمد بن حمّاد الکوفی ، بعد أنّ أرّخ وفاته : کان مستقیم الامر عامّة


1- انظر : مواهب الجلیل 2 : 83 کتاب الصلاة ، فضل الأذان والإقامة ، حیث صرّح بأن التثویب ضلال ، فتمحّل بعضهم وقالوا إن المراد بالتثویب « حیّ علی خیر العمل » وقال آخر المراد هو التثویب الثانی وهو خنق للحقیقة ، خصوصاً وقد حکی عن مالک تجویزه الحیعلة الثالثة کما سیأتی فی آخر القسم الثالث من هذا الباب فصل « جزئیة حی علی خیر العمل » ، والباب الثانی من هذه الدراسة « الصلاة خیر من النوم شرعة أم بدعة » .
2- الأمّ 1 : 85 .
3- مصنّف ابن أبی شیبة 1 : 189 .

ص:199

دهره ، ثمّ فی آخر أیّامه کان أکثر ما یُقرأ علیه المثالب ، حضرته ورجل یقرأ علیه : إنّ عمر رفس فاطمة حتّی أسقطت بمحسن .

وفی خبر آخر فی قوله تعالی : {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ} عمر : {وَمَنْ قَبْلَهُ} أبوبکر {وَالْمُؤْتَفِکَاتُ} عائشة وحفصة ، فوافقته علی ذلک ؛ ثمّ أنّه حین أذَّن الناس بهذا الأذان الُمحدَث وضع حدیثاً متنه : تخرج نار من عدن((1)) ...

وعلیه فالخدشة فی ابن أبی دارم جاءت لروایته المثالب لا لسوء حفظه واختلاطه بأخَرَة و.. ، بل لروایته أشیاء لا ترضی الآخرین من القول برفس فاطمة ، وشرعیّة حیّ علی خیر العمل ، وأنّ النار تلتقط مبغضی آل محمّد وغیرها .

وقد تلحض مما سبق : إمکان الخدش فی خبرَی أبی محذورة وبلال المُدَّعِیَیْنِ لنسخ الحیعلة الثالثة ، والمُعَارَضَیْنِ بما رواه العلوی . ونلفت نظر القارئ الکریم إلی أنّ هذین الخبر ین بمجردهما قد لا یصلحان لإثبات شرعیة حیّ علی خیر العمل ، بل إن ثبوتها عندنا یرجع إلی ما عندنا من طرق صحیحة فی ذلک ، ویؤیده تأذین أهل البیت والصحابة بذلک ، وهو ما ستعرفه بعد قلیل ، الأمر الذی یتفق مع سیرة بلال وحیاته الفکریة التی ستقف علیها فی الفصل الثانی من هذا الباب « حذف الحیعلة وامتناع بلال عن التأذین ».

مشیرین إلی أنّ الملابسات العلمیة التی تعرضنا لها آنفاً ینبغی أن تحدّ من إسراف من یدّعی النسخ ویلهج بوجود الناسخ بلا دلیل مُرْض ، وهذا هو الذی أشار إلیه الشریف المرتضی ( ت 436 ه- ) بقوله :


1- لسان المیزان 1 : 268 . ودعوی ابن حجر وغیره انّ هذا من مختلقات السری لا یثبت أمام الحقیقة العلمیة ، إذ روی هذا التأویل کثیر من المحدثین ومن کتبوا فی المثالب .

ص:200

وقد روت العامة أنّ ذلک مما کان یقال من بعض أیّام النبیّ وإنّما ادُّعی أنّ ذلک نُسِخَ ورُفِعَ ، وعلی من ادّعی النسخ الدلالة له وما یجدها .

وممّا یضحک الثکلی أنّ البعض أسرف للغایة ؛ حیث رفض جزئیة حیّ علی خیر العمل ، مدّعیاً أنّ الشیعة هم الذین أوجدوها وحشروها فی کتب أهل السنة والجماعة لأنّ بقیّة الفرق الإسلامیّة لا تقول بذلک ، کما أنَّ صحاحهم ومسانیدهم قد خلت من « حیّ علی خیر العمل » .

وأمام احتمال طرح مثل هذه الشبهة ، نقول : إنَّ هذه القضیّة لم تختصّ بالطالبیّین دون غیرهم علی ما ضبطته لنا صفحات تاریخ السنّة والسیرة ، بل أقرّها عدد من الصحابة وعملوا بها ، ویکفینا أن نذکر هنا اسم ابن عمر فقط لأنّه الصحابی الذی کان مورد اعتماد أهل السنة والجماعة فی فترات متعاقبة من التاریخ ، حتّی أنَّ المنصور العبّاسیّ قد وجّه مالکاً حین تدوین کتاب « الموطّأ » بقوله : هل أخذت بأحادیث ابن عمر ؟

قال : نعم .

قال المنصور : خذ بقوله وان خالف علیّاً وابن عباس((1)) .

وعلی ضوء هذا الأمر الحکومی یمکننا القول : إنّ الدولة العبّاسیّة قد اعتبرت فقه ابن عمر معیاراً ومقیاساً شاخصاً لتدو ین السنّة، لأنّه لم یکن شخصاً عادیّاً ، بل کانت شخصیته ذات أبعاد مبطّنة ، وفی هذا المجال رأیناه یضفی علی حیاته هالة من القدسیّة فی اقتفاء آثار النبیّ ومتابعته .

ویتلخص إشکال أهل السنة والجماعة فی ثلاث نقاط :

إشکالهم الأوّل : ادّعاء أنَّ مصادرهم الحدیثیّة المعتبرة قد خلت من الروایات


1- الطبقات الکبری لابن سعد 4 : 147 .

ص:201

التی تؤکّد ثبوت « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان ، وأنّ السنن الکبری للبیهقیّ ، ومصنّف ابن أبی شیبة - اللَّذین ضمّا بین طیّاتهما مثل تلک الروایات - لیسا من الکتب الرئیسیّة التسعة ، إذ هما من المصادر الثانویّة ، لذا فهم لا یقولون بشرعیّة « حیّ علی خیر العمل » لأنّ صحیحی البخاریّ ومسلم لم یذکرا روایات تؤیّد ذلک !

إشکالهم الثانی : ادعاء أنّ رواة تلک الروایات المثبِتة ل- « حیّ علی خیر العمل » هم من الضعفاء ، فتکون الروایات غیر معتبرة من ناحیة السند .

إشکالهم الثالث : إمکان القول بأنَّ عمل رسول الله هو الحجّة علینا لا عمل الصحابة ، فلا حجّیّة فی التزام ابن عمر الإتیانَ ب- « حیّ علی خیر العمل » فی أذانه ، لأنّ المسلم مکلّف باتّباع رسول الله لا غیره !

هذه هی جملة إشکالاتهم

أمّا ما یخصّ إشکالهم الأوّل - من أنّ صحاحهم وسننهم المعتبرة لم تذکر روایات تؤیّد شرعیّة « حیّ علی خیر العمل » وعلی الأخصّ فیما تمّ تدوینه فی کتابی الشیخین البخاریّ ومسلم - فقد أجاب أحد الزیدیّة علیه إجابة نقضیّة بقوله :

« وقالوا إن صحّت فی الأذان الأوّل فهی منسوخة بالأذان الثانی ، لعدم ذکره فیها .

وردّ هذا : بأنّه لا یلزم من عدم ذکره فی الصحیحین عدم صحّته ، ولیس کلّ السنّة الصحیحة فی الصحیحین ، وبأنّه لو کان منسوخاً لما خفی علی علیّ بن أبی طالب وأولاده کما فی مسنداتهم ، وهم السفینة الناجیة بقول جدّهم سیّد البریّة : « أهل بیتی فیکم کسفینة نوح : مَن رَکبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوی » .

وما ذکره فی کتاب ( الأذان بحیّ علی خیر العمل ) أنّها کانت ثابتة فی

ص:202

الأذان أیّام النبیّ ، وفی خلافة أبی بکر ، وفی صدر من خلافة عمر ثمّ نهی عنها »((1)) .

وبعد ذکر جواب هذا الزیدیّ علی الإشکال الأوّل ، نقول : إنّ من الثابت المعلوم أَنْ لیس باستطاعة کتبهم التسعة أن تضمّ جمیع الأحادیث والروایات المرویّة علی مرّ التاریخ ، بل ولم یدَّعِ أصحاب تلک الکتب أنفسهم الإلمام بکلِّ ما رُوِی أو جمعهم لکل ما صح عن رسول الله .

بلی ، إنّهم ادعوا أنّ أحادیثهم منتقاةٌ من الأحادیث الصحیحة ، وبهذا المعنی صرح کلٌّ من النسائیّ والبخاریّ وابن ماجة وغیرهم ، فهذا یقول إنَّه انتقی صحیحه من ستمائة ألف حدیث صحیح ، وذاک یقول إنّه أخذها من ثلاثمائة ألف حدیث صحیح .. وهکذا .

وصحیح أنَّهم یصفون الأحادیث التی انتقوها بأنّها صحیحة، ولکنّهم بذات الوقت لا ینکرون صحّة بقیّة الأحادیث المتروکة عندهم - التی لم یشملها تدوینهم - فهم والحال هذه لا ینفون وجود أحادیث صحیحة عند الآخرین .

فلو لاحظت أحادیث عبدالله بن زید الأنصاری المعتمدة عندهم فی تشریع الأذان فلا تجدها فی صحیحی البخاری ومسلم ، ولم یأتِ بهما الحاکم فی مستدرکه ، فما یعنی هذا اذاً ؟

ونحن قد بیّنّا أنّ ثمّة اتفاقاً بین الفریقین علی ثبوت « حیّ علی خیر العمل » فی عهد رسول الله واستمرّ ذلک إلی أن جاء المنع من قبل عمر بن الخطاب ، وبهذا تتأکّد شرعیّة وثبوت « حیَّ علی خیر العمل » إلی أنّ حکم عمر بن الخطّاب بعدم


1- انظر : هامش مسند زید بن علی : 84 عن الأذان بحیّ علی خیر العمل : 63 بتحقیق عزّان . والنص عن طبعة دار الحیاة لمسند الإمام زید .

ص:203

شرعیّتها ، وعلی هذا الأساس فإنّ « حیّ علی خیر العمل » هی السنّة الحقّة وما خالفها لیس من سنّة الرسول المصطفی صلی الله علیه و آله .

أمّا الإجابة علی إشکالهم الثانی فهی غیر مبتورة عن الإجابة علی الإشکال الأوّل، إذ أنّ امتداد الإجابة بمثابة الردّ الفاصل علی إشکالهم الثانی ، لأنّهم یقولون بأنّ الروایات التی وردت فیها الحیعلة الثالثة « حیّ علی خیر العمل » ضعیفة السند، لأنّ أغلب رواتها من الضعاف ... وهنا لابدّ لنا من الخوض فی بحث منهجی مبنائیّ معهم لیکون حدیثنا أکثر علمیّة وأدقّ توجیهاً ، فنقول :

هل ضوابط الجرح والتعدیل المتّبعة فی توثیق وتضعیف الرجال هی ضوابط قرآنیّة ، أو هی مبنیّة علی الهوی والهوس ، أو تتحکّم بها الطائفیّة ، کأن یکون للشافعیّة ضوابطهم الخاصّة بهم ، وکذا للمالکیّة والحنفیة وغیرهم .

فقد خدش ابن معین وأحمد بن صالح فی الإمام الشافعیّ((1)) .

وذکر الخطیب البغدادیّ أسماء الذین ردّوا علی الإمام أبی حنیفة((2)) .

وقال الرازی فی رسالة ترجیح مذهب الشافعیّ ما یظهر منه أنّ البخاری عدّ أبا حنیفة من الضعفاء فی حین لم یذکر الشافعیّ((3)) .

وحکی عن أبی علیّ الکرابیسیّ أنّه کان یتکلم فی الإمام أحمد ، وکذا قدح العراقیّ شیخ ابن حجر فی ابن حنبل ومسنده((4)) .

وذکر الخطیب فی تاریخه أسماء عدّة قد خدشوا فی الإمام مالک((5)) .


1- انظر : هامش تهذیب الکمال 24 : 380 .
2- تاریخ بغداد 13 : 370 وفیه اسم 35 رجلاً تکلّموا فی الإمام أبی حنیفة .
3- طبقات الشافعیة 2 : 118 .
4- انظر : فیض القدیر 1 : 26 .
5- تاریخ بغداد 1 : 224 ، وتهذیب الکمال 24 : 415 .

ص:204

وقد خدشوا فی الإمام البخاری والنسائی وغیرهما .

فما المعتبر فی الجرح والتعدیل اذاً ؟

فی سیاق جوابنا علی إشکالهم الثانی ، نقول أیضاً : لو سلّمنا فرضاً بضعف تلک الروایات ، فإنّ کثرتها وتعدّد طرقها، تجعلها معتبرة ، ویمکن الأخذ بها بناءً علی قاعدة : ( الحدیث الضعیف یقوّی بعضه بعضاً )((1)) . وأنّهم کثیراً ما أخذوا بروایات رجالها ضعفاء ، فمثلاً أنّهم عملوا بقوله صلی الله علیه و آله « علی الید ما اخذت حتّی تودیه »((2))علی رغم ضعف سندها وانحصارها بسمرة بن جندب .

هذا کلّه بصرف النظر عن أنّ هناک جمّاً غفیراً من علماء المسلمین - من طوائف الاثنی عشریة والاسماعیلیة والزیدیة - رووا بطرق صحاح وحسان ثبوت الحیعلة الثالثة فی زمن رسول الله صلی الله علیه و آله وعدم نسخها ، وحینئذ فنحن نری انجبار الروایات الضعیفة بهذه الطرق الصحیحة والحسنة .

ویتأکّد لک سبب ندرة الروایات الدالّة علی الحیعلة الثالثة فی مدرسة الخلفاء أو تضعیفهم لرواتها لو سایرت البحث معنا حتّی الفصل الرابع « حیّ علی خیر العمل تاریخها السیاسی والعقائدی » إذ هناک ستقف علی الاسباب السیاسیة الکامنة وراء هکذا أمور فی الشر یعة .

أمّا فیما یتعلّق بالإشکال الثالث من أنَّ عمل النبیّ الأکرم هو الحجّة ولیس


1- نصب الرایة 1 : 93 عن البیهقی أنّه قال : والآثار الضعیفة إذا ضم بعضها إلی بعض أحدثت قوة فیما اجتمعت فیه من الحکم .
2- مسند أحمد 5 : 8 ، 12 ،13 ، سنن الدارمی 2 : 264 باب فی العاریة موداة ، ابن ماجة 2 : 802 باب العاریة ، سنن أبی داود 2 : 115 باب فی الرقبی ، سنن الترمذی 2 : 368 باب ما جاء فی العاریة موداة ، مستدرک الحاکم 2 : 47 ، السنن الکبری للبیهقی 6 : 90 ، 95 ،100 ، السنن الکبری للنسائی 3 : 411 .

ص:205

عمل الصحابة فی المورد المشار إلیه ، فلیس لنا إشکال فی أصل هذا الکلام والمبنی ، لکن فیه علی أهل السنّة إیرادان : نقضیّ وحلّی ؛ إذ أنک تری أهل السنّة یتّبعون عمل الصحابة ویجعلونه معیاراً لهم فی الأحکام الفقهیّة ، ولکنّهم اتّخذوا موقفاً مضادّاً لمنهجیّتهم الفقهیّة فی مسألة « حیّ علی خیر العمل » علی الرغم من دعم عمل الصحابة فیها بالنصوص الکثیرة الصریحة والشواهد التاریخیّة المؤیّدة لها .

فعلی الرغم من التزام الصحابة ب- « حیّ علی خیر العمل » فی أذانهم، وعلی رغم کثرة الروایات التی تؤکّد شرعیّتها ، تری بعضهم یستثنون حکم هذه المسألة علی ضوء طریقتهم فیقولون : الحجّة - فی هذه المسألة بالذات - عمل النبیّ الأعظم ولیس عمل الصحابة ، مع أنّ مِن بینهم مَن یقول بأنَّ ( فعل الصحابیّ یخصّص القرآن )((1)) .. وهذا تناقض واضح وصریح من جانبهم !

بینما تراهم فی حین آخر یقولون بأنّ فعل الصحابیّ هو علامة أو انعکاس لفعل النبیّ الأکرم ، ولمّا کان ثمّة خلاف بین فقه علیّ علیه السلام وفقه عمر ، وبین ابن عمر وعمر نفسه ، وبین الصحابة الآخرین فیما بینهم أیضاً ، فإنّ هذا مؤشر یدلّ دلالة واضحة علی وجود مذهبین مختلفین : أحدهما یتبع رسول الله صلی الله علیه و آله والنصوص الواردة ، والآخر یعطی لنفسه الاجتهاد ، ویتعبد بسیرة الشیخین وإن خالفت سنة رسول الله صلی الله علیه و آله .

ولو نقّبت فی الکتب وتتبّعت أقوال المورخین فی ابن عمر لوقفت علی أنّ المشهور عندهم أنّه کان یتحرّی آثار النبیّ الأکرم، وقد سُطِّرَتْ فی کتاب « منع تدوین الحدیث » ثمان وثلاثون حالة اختلف فیها عبدالله بن عمر مع أبیه .

إذ کان ابن عمر فی أغلبها یحاول اتّباع سنّة رسول الله ، لکنّ عمر لم یأبه بکلام ابنه ، ملتزماً برأیه ، عاملاً بالقیاس أو الاستحسان وما شابه ذلک ..


1- المذاهب الإسلامیّة لأبی زُهرة .

ص:206

فبماذا یُفَسَّر إذاً خلاف ابن عمر مع أبیه ؟ نحن لا نرید بکلامنا هذا القول بأنّ ابن عمر کان من اتباع نهج التعبد المحض ، أو أنّه لا یجتهد مقابل النص ، لکن الصبغة الغالبة علیه هی شهرته بتحری أثار رسول الله واتّباع سننه لا الاجتهاد والرأی .

ولمّا کان عمر هو الذی أمر ب- « الصلاة خیر من النوم » ، وهو الذی نهی عن « حیّ علی خیر العمل » ، کان فعل الصحابة فی هذا المورد هو الحاکم وهو الحجّة عندهم بخلاف ما یدّعون من أنَّ فعل النبیّ الأکرم هو الحجة لا غیر .

وبهذا ، فقد عرفنا شرعیة الأذان بحیّ علی خیر العمل ، وانه لم ینسخ من قِبَلِ رسول الله صلی الله علیه و آله کما یقولون ، وما ذُکِر من إشکالات کلّها کانت واهیة لا تناهض الأدلة ، بل وقفتَ علی بعض تحریفات الأمویین ومن اتبعوهم من المتزلفین المتزلفین وکیف حرّفوا قول أبی محذورة ( فلما انتهیت إلی حیّ علی الفلاح قال النبیّ صلی الله علیه و آله : ألحِق فیها حیّ علی خیر العمل ) ، وأبدلوها ب- ( اجعل فی آخر أذانک حیّ علی خیر العمل ) فان هذا الکلام باطل وتحریف صریح للنصوص . لأنّ « ألحِق فیها حیّ علی خیر العمل » یؤکد علی أن مکان الحیعلة الثالثة هو بعد الحیعلتین لا کما تقول الروایة المفتعلة بأنّها فی آخر الأذان ، ف- « الصلاة خیر من النوم » تتفق مع کونها آخر الأذان لتأخر تشریعها ، أما الحیعلة الثالثة فهی بعد الحیعلتین ، إلّا أن یقولوا بأن الحیعلة الثالثة أو الصلاة خیر من النوم - کما فی الروایة الاخری - هو آخر الأذان ، مسقطین بذلک التکبیر والتهلیل عن اخر الأذان وهذا ما لا یقوله أحد .

وعلیه فیکون الصحیح الذی یتفق مع فصول الأذان هو ما رواه الحافظ العلوی بإسناده عن ابی محذورة لا ما حرفه الذهبی وابن حجر ، فتدبر .

ص:207

القسم الثانی: أذین الصحابة وأهل البیت

اشارة

إنّ المطالع فی کتب السیر والتاریخ والحدیث عند المذاهب الإسلامیّة یقف علی أسماء عدة من الصحابة والتابعین وتابعی التابعین وأهل بیت رسول الله صلی الله علیه و آله کانوا یؤذّنون ب- « حیّ علی خیر العمل » وإن کانت بعض تلک النصوص تشیر إلی تأذینهم بها فی الفجر خاصة ، لکنّ هناک نصوصاً أخری تدل علی شمولیتها لجمیع الاوقات .

و إلیک الآن أسماء بعض مَن أذّن بها للرسول الأکرم ، وأسماء بعض کبار الصحابة وأهل بیت النبوة ، جئنا بها من طرق الشیعة الإمامیة الاثنی عشریة ، وطرق الزیدیة ، والإسماعیلیة وأهل السنة والجماعة ، اعتقاداً منا بضرورة الوقوف علی جمیع الطرق عند جمیع المذاهب الإسلامیة ، کی لا تکون رؤیتنا ضیقة منحصرة بمذهب دون آخر ، بل لتکون شمولیّة موسّعة تکشف عن وجهات نظر الجمیع .

1 - بلال بن رباح الحبشی ( ت 20 ه )

أخرج الطبرانی فی الکبیر والبیهقی فی سننه ، بسندهما عن عمّار وعمر ابنَی حفص بن عمر ، عن آبائهم ، عن أجدادهم ، عن بلال أنّه کان یؤذّن بالصبح فیقول : « حیَّ علی خیر العمل » ، فأمر النبیُّ أن یجعل مکانها « الصلاة خیر من النوم » وترک « حیَّ علی خیر العمل »((1)) .


1- المعجم الکبیر 1 : 352 ، السنن الکبری للبیهقی 1 : 425 مجمع الزوائد 1 : 330 کنز العمال 8 : 345/23188 .

ص:208

وقد مَرَّ علیک قبل قلیل کلام الحافظ العلوی وتحقیقنا فی هذه الروایة ، وأن جملة ( فأمره النبیّ ... ) إلی آخره ، لم تکن فی الإسناد الأصلی ، ویؤیّد صحة کلام الحافظ العلوی وروایته ما روی - عندنا - عن أبی بصیر ، عن أحدهما علیهما السلام أنّه قال : إنّ بلالاً کان عبداً صالحاً فقال : لا أؤذّن لأحد بعد رسول الله ، فتُرِکَ یومئذ « حیَّ علی خیر العمل »((1)) .

وعن الإمام علیّ علیه السلام أنّه قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول : إنّ خیر أعمالکم الصلاة ، وأمر بلالاً أن یوذّن بحیّ علی خیر العمل ؛ حکاه فی الشفاء((2)) .

وفی کنز العمّال : کان بلال یؤذن بالصبح فیقول « حیّ علی خیر العمل »((3)) .

2 - علی بن أبی طالب ( ت 40 ه )

روی الإمام المؤید بالله الزیدی فی کتابه شرح التجر ید ، من طریق عباد بن یعقوب ، عن عیسی بن عبدالله ، عن آبائه ، عن علیّ علیه السلام أنّه قال : سمعت رسول الله یقول : « إن خیر أعمالکم الصلاة » وأمر بلالاً أن یؤذّن بحیّ علی خیر العمل((4)) .

وروی الحافظ العلوی بسنده عن عیسی بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب : حدّثنی أبی ، عن أبیه ، عن جده ، قال : کان أبی علیّ علیه السلام إذا خرج إلی سفر لا یَکِل الأذان إلی غیره ولا الإقامة ، وکان لا یَدَع أن یقول فی أذانه : حیَّ علی خیر العمل((5)) .


1- من لا یحضره الفقیه 1 : 284 ، وسائل الشیعة 5 : 418 ، ولنا تحقیق عن بلال فی الفصل الثانی من هذا الباب فراجع .
2- البحر الزخار 2 : 191 ، وانظر : الشفاء 1 : 260 .
3- کنز العمّال 8 : 342 ، ح 23174 .
4- جواهر الأخبار والآثار 2 : 191 ، الاعتصام بحبل الله المتین 1 : 309 .
5- الأذان بحیّ علی خیر العمل : 94 الحدیث 74 .

ص:209

وقد أخرج الحافظ العلوی ذلک بعدّة طرق عن الإمام علیّ ، منها :

حدّثنا محمّد بن الحسین التیملی قراءة ، حدّثنا((1)) علیّ بن العبّاس البجلی ، حدّثنا بکّار بن أحمد ، حدّثنا حسن بن حسین ، عن عمرو بن ثابت ، عن محمّد ابن عبدالرحمن ، قال : کان ابن النباح یجیء إلی علیّ علیه السلام حین یطلع الفجر فیقول : حیَّ علی الصلاة ، حیَّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، فیقول علیّ علیه السلام : مرحباً بالقائلین عدلاً ، وبالصلاة مرحباً وأهلاً ، یا ابن النباح : أقم .

حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهیم ، أخبرنا محمّد بن محمّد بن الحسین((2)) فی لقائه((3)) ، أخبرنا محمّد بن القاسم بن زکریا ، حدّثنا عبّاد بن یعقوب ، أخبرنا عمرو بن ثابت ، عن ابن أبی لیلی : بنحوه .

حدّثنا محمّد ، أخبرنا محمّد بن عمّار العجلی ، حدّثنا علیّ بن محمّد بن حنینة((4)) ، حدّثنا عباد بن یعقوب ، أخبرنا عمرو ، عن ابن أبی لیلی : بنحوه .

حدّثنا أحمد بن زید بن بشّار ، وعلیّ بن محمّد ] بن بنان [ الشیبانی ، قالا : حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعید الرفّاء المقری ، حدّثنا محمّد بن الحسن بن محسن الطریفی ، حدّثنا الحسن بن یحیی بن عبد الله ، حدّثنی أبو بکر بن أبی أویس((5)) ابن أخت مالک بن أویس ، عن حسین بن عبدالله بن ضمیرة ، عن علیّ بن


1- فی الاعتصام 1 : 291 : نبأنا .
2- فی تحقیق عزّان : بن کنانة ولیس فیها ( فی لقائه ) .
3- فی الاعتصام : فی کتابه .
4- أثبت عزّان فی المتن : نُجیة ، وقال فی الهامش : فی ج : حنیة وفی ط- : علی بن محمد بن حتینة ، والصواب ما أثبته ، انظر : ترجمته فی المعجم ] الذی أعدّه فی آخر الکتاب [ . أما فی الاعتصام : حبیة .
5- أثبت عزّان فی المتن بدل اویس « انس » واحال علی ما ترجمه له فی المعجم . وهو الموجود فی الاعتصام 1 : 292 کذلک وفی آخره الحیعلة مرة واحدة .

ص:210

أبی طالب علیه السلام أنه کان یقول فی أذان الصبح : حیَّ علی خیر العمل ، حیَّ علی خیر العمل .

حدّثنا میمون بن علیّ بن حمید المقری، حدّثنا أبو الحسن أحمد بن الحسن بن الحسین بن عیسی العلوی ، حدّثنا عبدالعزیز بن یحیی ، حدّثنا المغیرة بن محمّد ، حدّثنا إبراهیم بن محمّد وعبدالرحمن((1)) حدّثنا عیسی بن عبدالله و((2))محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب ، حدّثنی أبی ، عن أبیه ، عن جده ، قال : کان أبی علیٌّ علیه السلام إذا خرج إلی سفر لا یَکِل الأذان إلی غیره والإِقامة((3)) ، وکان لا یدع أن یقول فی أذانه : حیَّ علی خیر العمل .

حدّثنا((4)) جعفر بن محمّد الجعفری ومحمّد بن عبدالله بن الحسین ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعید ، حدّثنا یعقوب بن یوسف الضبی ، حدّثنا أبو جبارة حصین بن المخارق ، عن یعقوب بن عدی ، عن یحیی بن زید ، عن آبائه ، عن علیّ علیه السلام : أنه کان یأمر مؤذنه أن ینادی فی أذانه بحیَّ علی خیر العمل .

حدّثنا((5)) أحمد بن محمّد بن إبراهیم قراءةً ، أخبرنا محمّد بن أبی العبّاس الورّاق ، حدّثنا محمّد بن القاسم بن زکریّا ، ] حدّثنا [((6)) عبّاد بن یعقوب ، أخبرنا نصر بن مزاحم ، عن سفیان بن إبراهیم الحریری ، عن صباح المزنی ، عن سعید ، عن


1- فی متن عزّان : « بن عبد الرحمن » وقال فی الهامش : وفی ط- : إبراهیم بن عبدالرحمن . وهو الموجود فی الاعتصام 1 : 292 .
2- فی الاعتصام : عبدالله بن محمد .
3- فی نسخة عزّان : ولا الإقامة . وهو الموجود فی الاعتصام 1 : 292 کذلک .
4- فی الاعتصام : أخبرنا .
5- فی نسخة عزّان : اخبرنا ، وقد سقط ما قبله .
6- الزیادة من تحقیق عزّان . والاعتصام 1 : 292 .

ص:211

الأصبغ بن نباتة ، قال : جاء مؤذنو علیّ علیه السلام فحیَّوه بالصلاة ، فقال : مرحباً بالقائلین عدلاً ، وبالصلاة مرحباً وأهلاً . فلما تفرق المؤذّنون خرج علینا ، فقال : حیَّ علی الصلاة ، حیَّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیَّ علی الفلاح ، حیَّ علی خیر العمل ، حیَّ علی خیر العمل .

أخبرنا محمّد بن عبدالله بن الحسین قراءة، حدّثنا الحسین بن محمّد الفزاری ، حدّثنا جعفر بن عبدالله المحمّدی ، حدّثنا مصبح بن الهاقان((1)) ، حدّثنا إبراهیم بن محمّد - یعنی ابن أبی یحیی - عن جعفر ، عن أبیه ، ] عن جده [((2)) قال : کان علیّ علیه السلام یقول فی أذانه : حیَّ علی الفلاح ، حیَّ علی خیر العمل ، وذکر الحدیث .

* طریق الإمام الصادق علیه السلام

أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن زید بن بشّار ، وعلیّ بن محمّد الشیبانی ، قالا : حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعید بن مسلم ، حدّثنا علیّ بن العبّاس وعلیّ بن سلامة ، حدّثنا بکار بن أحمد ، حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن الثقة إبراهیم بن أبی یحیی ، عن جعفر بن محمّد علیه السلام : أن علیّاً علیه السلام کان یقول لکل صلاة : حیَّ علی الفلاح ، حیَّ علی خیر العمل .

* طریق إبراهیم بن محمد

أخبرنا محمّد بن أحمد بن إبراهیم قراءة، أخبرنا محمّد بن أبی العبّاس الورّاق فی کتابه ، حدّثنا محمّد بن القاسم ، حدّثنا الحسن بن محمّد المزنی ، حدّثنا هارون بن أبی بروة ، حدّثنی حسین أخی ، عن إبراهیم بن محمّد بن أبی یحیی : أن علیّاً علیه السلام کان


1- فی الاعتصام : الهلقان .
2- الزیادة من الاعتصام .

ص:212

یقول لکل صلاة : حیَّ علی الصلاة حی علی الصلاة ، حیَّ علی الفلاح حیَّ علی الفلاح ، حیَّ علی خیر العمل ، حیَّ علی خیر العمل((1)) .

* طریق الإمام الباقر علیه السلام

أخبرنا محمّد قراءةً ، حدّثنا محمّد ] قراءة [ ((2))، حدّثنا حسن ، حدّثنا حسین ابن نصر ، حدّثنا خالد بن عیسی ، عن عاصم بن جمیل((3))، عن جعفر ، عن أبیه : أنّ علیّاً علیه السلام کان یقول فی الأذان لکل صلاة : حیَّ علی الصلاة حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح حیّ علی الفلاح ، حیَّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل .

أخبرنا محمّد ] بن أحمد [ ((4))، أخبرنا محمّد ] بن أبی العباس [ ((5))، أخبرنا محمّد ] بن القاسم [ ((6))، حدّثنا حسن ] بن محمّد المزنی [((7))، حدّثنی هارون ابن أبی بردة ، عن وهب بن وهب ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ] عن جده [ ((8)): أن علیّاً علیه السلام کان یُثنّی الإِقامة کما یُثنّی الأذان ، وأخبرنا أنه إن أذّن فی الصبح قال : حیَّ علی خیر العمل .

أخبرنا ((9)) أحمد بن زید بن بشّار ، حدّثنا الحسن ] بن [ ((10)) محمّد الرفّا ، حدّثنا


1- وانظر : الاعتصام 1 : 293 .
2- الزیادة من الاعتصام 1 : 293 .
3- فی تحقیق عزّان : بن حمید الخیاط .
4- الزیادة من عزّان .
5- الزیادة من عزّان .
6- الزیادة من عزّان .
7- الزیادة من عزّان .
8- الزیادة من الاعتصام 1 : 293 .
9- فی تحقیق عزّان : حدّثنا .
10- الزیادة من تحقیق عزّان والاعتصام .

ص:213

علیّ بن العبّاس وعلیّ بن الحسین بن سلامة ، قالا : حدّثنا بکّار ، حدّثنا حسن((1)) بن حسین ] العُرنی [ ، عن صالح بن أبی الأسود ، عن أبی الجارود ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : کان فی أذان علیّ علیه السلام : حیّ علی خیر العمل .

.. حدّثنا ابن النحّاس ، حدّثنا علیّ ، حدّثنا بکار بهذا ... وقال: کان فی الأذان حیّ علی خیر العمل .

حدّثنا عبدالله بن مخالد((2)) البجلی ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعید ، حدّثنی أحمد بن یحیی بن المنذر الحجری ، حدّثنا أبو الطاهر أحمد بن عیسی ، حدّثنی الحسن بن علیّ الینبعی عن أبیه ، قال : سمعت محمّد بن علیّ علیه السلام یؤذن حیّ علی خیر العمل ، فقلت له : أیش هذا الأذان ؟ قال : هذا أذان خیر البریة بعد النبیّ علیه السلام جدِّک

علیّ بن أبی طالب علیه السلام ((3)) .

وجاء فی حاشیة الدسوقی ما نصه : « کان علیّ علیه السلام یزید « حیَّ علی خیر العمل » بعد « حیَّ علی الفلاح » وهو مذهب الشیعة الآن »((4)) .

ومعنی کلامه أنّه علیه السلام لم یَزِد شیئاً إضافیاً علی فصول الأذان، بل إنّه کان یأتی بأمر لم یعمل به الخلفاء .

طرق أخری

وفی الاعتصام بحبل الله: وقد ذکر الفقیه صالح بن الصدیق النمازی فی شرحه ( الانهار علی اثمار الازهار ) قال ابن الرفعة من أصحاب الشافعی فی مطلبه : قال


1- فی الاعتصام : حسین .
2- فی الاعتصام 1 : 294 : مجالد .
3- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی : 48 - 53 ، وبتحقیق عزّان من ص 92 - 98 . والاعتصام 1 : 294 .
4- حاشیة الدسوقی 1 : 193 .

ص:214

القاضی حسین فی التعلیق : روی عن علیّ علیه السلام أنّه کان یقول « حیَّ علی خیر العمل » وبه أخذت الشیعة((1)) .

وروی الحافظ العلوی من طریق ابن عبّاس ، عن علیّ بن أبی طالب ، قال : سمعت رسول الله یقول : لمّا انتهی بی إلی سدرة المنتهی ، فرأیت من جلال الله ما رأیت ، قال لی : یا محمّد « حیَّ علی خیر العمل » ، قلت : یا رب وما خیر العمل ؟ قال : الصلاة قربان أمّتک ...((2))

وعن یحیی بن زید ، عن آبائه ، عن علیّ علیه السلام أنّه کان یأمر مؤذّنه أن ینادی فی أذانه بحیّ علی خیر العمل((3)) .

وعن حسین بن عبدالله بن ضمیرة ، عن جدّه ضمیرة ، عن علیّ بن أبی طالب علیه السلام أنّه کان یقول فی أذان الصبح « حیَّ علی خیر العمل حی علی خیر العمل »((4)) .

وروت الزیدیّة عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه : أنّ علیا علیه السلام کان یثنّی الإقامة کما یثنّی الأذان ، وأخبرنا أنّه إن أذّن فی الصبح قال : حیّ علی خیر العمل .

وعنه أیضاً ، قال : إنّ علیاً علیه السلام کان یقول لکل صلاة « حیّ علی الفلاح ، حیَّ علی خیر العمل »((5)) .

وفی من لا یحضره الفقیه : وکان ابن النبّاح یقول فی أذانه : « حیَّ علی خیر العمل حیَّ علی خیر العمل » فاذا رآه علیّ قال : مرحباً بالقائلین عدلاً ، وبالصلاة مرحباً وأهلاً ((6)) .


1- الاعتصام بحبل الله 1 : 308 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی : 61 بتحقیق عزّان . والاعتصام بحبل الله 1 : 290 .
3- کتاب الأذان بحیَّ علی خیر العمل : 92 / الحدیث 69 ، بتحقیق عزّان .
4- کتاب الأذان بحیَّ علی خیر العمل : 93 / الحدیث 73 ، بتحقیق عزّان .
5- الأذان بحیّ علی خیر العمل : 96 الحدیث 77 وقد مر آنفاً .
6- من لا یحضره الفقیه 1 : 288 ح / 890 وانظر : کتاب الأذان بحیّ علی خیر العمل : 94 الحدیث 75 .

ص:215

3 - أبو رافع ( کان حیّاً فی عهد الإمام الحسن )

قال الحافظ العلوی : أخبرنا علیّ بن محمّد ] إسحاق [ ((1)) الخزّاز ، أخبرنا الحسن بن محمّد بن سعید المُقرئ ، حدّثنا الحسن بن حیّاس((2))، حدّثنا محمّد بن سلیمان ] لُوَین [ ، حدّثنا شریک ، عن عاصم بن((3)) عبیدالله ، عن علیّ ابن الحسین ، عن أبی رافع ، قال : کان النبیّ صلی الله علیه و آله إذا سمع الأذان قال کما یقول ، فإذا بلغ حیّ علی خیر العمل قال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله((4)) .

4 - عقیل بن أبی طالب ( ت فی خلافة معاویة )

روی الحافظ العلوی بسنده عن عبیدة السلمانی : أنّ عقیل بن أبی طالب کان یؤذن ب- « حیّ علی خیر العمل » إلی أن فارق الدنیا ((5)) .

5 - الحسن بن علیّ بن أبی طالب ( ت 50 ه )

قال القاسم بن محمّد - وهو من أعلام الزیدیّة - : ذکر فی کتاب السنام ما لفظه : الصحیح أنّ الأذان شرع

بحیّ علی خیر العمل ؛ لأنّه اتفق علی الأذان به یوم الخندق ، ولأنّه دعاء إلی الصلاة ؛ وقد قال صلی الله علیه و آله : خیر أعمالکم الصلاة ، وقد اتّفق أیضاً علی أنّ ابن عمر والحسن والحسین علیهما السلام وبلالاً وجماعة من الصحابة أذّنوا به ،


1- الزیادة من الاعتصام 1 : 289 .
2- تحقیق عزّان : حباش . وفی الاعتصام 1 : 289 : حیاش .
3- فی الاعتصام 1 : 289 : عن .
4- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 28 ، وبتحقیق عزّان : 55 . الاعتصام 1 :289 ، وفیما یلی عن الاعتصام 1 : 294 مثله .
5- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 54 ، وتحقیق عزّان : 109 .

ص:216

حکاه فی شرح الموطأ وغیره من کتبهم((1)) .

وقد روی الحافظ العلوی عن محمّد بن أحمد بن إبراهیم، أخبرنا محمّد بن أبی العبّاس الوراق بحرانة ، حدّثنا محمّد بن القاسم ، حدّثنا حسن بن محمّد ، حدّثنا محمّد بن علیّ الکندی ، عن زکریّا بن یحیی ، عن عبدالرحمن بن أبی حمّاد ، عن یوسف بن یعقوب ، عن جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : أذانی وأذان آبائی النبیّ صلی الله علیه و آله وعلیّ والحسن والحسین وعلیّ بن الحسین .. حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل((2)) .

وفی الاعتصام 1 : 294 عن الأذان للحافظ العلوی : أخبرنا محمّد بن طلحة الثعالبی ببغداد ، حدّثنا محمّد بن عمر الجعابی القاضی ، حدّثنا إسحاق بن محمّد - یعنی ابن مروان - حدّثنا أبی ، حدّثنا زید بن المعدل ، حدّثنا عبدالله بن یزداد المرادی ، عن النعمان بن قیس ، عن عبیدة السلمانی قال : کان علیّ بن أبی طالب ، والحسن ، والحسین ، وعقیل بن أبی طالب ، وابن عباس ، وعبدالله ابن جعفر ، ومحمّد ابن الحنفیة : یؤذنون إلی أن فارقوا الدنیا فیقولون : حیّ علی خیر العمل ، ویقولون : لم تزل فی الأذان .

6 - أبو محذورة ( ت 59 وقیل 79 ه )

روی محمّد بن منصور فی کتابه الجامع ، بإسناده عن رجال مرضیین ، عن أبی محذورة - أحد موذّنی رسول الله صلی الله علیه و آله - أنّه قال : أمرنی رسول الله صلی الله علیه و آله أن أقول فی الأذان « حیَّ علی خیر العمل »((3)) .


1- الاعتصام بحبل الله المتین 307 - 313 . وانظر : الروض النضیر 1 : 542 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی : 54 ، وبتحقیق عزّان : 136 الحدیث 171 . والاعتصام 1 : 294 .
3- البحر الزخّار 2 : 192 ، أمالی أحمد بن عیسی 1 : 92 ، وکذلک میزان الاعتدال 1 : 139 ، لسان المیزان 1 : 268 .

ص:217

وروی محمّد بن منصور: أنّ ] أبا [ القاسم علیه السلام أمره أن یؤذّن ویذکر ذلک ] یعنی حیّ علی خیر العمل [ فی أذانه ، قال : إنّ رسول الله أمره به ؛ هکذا فی الشفاء((1)) .

وأخرج الحافظ العلوی من عدّة طرق خبر الحیعلة الثالثة ، منها طریق الحمّانی آنف الذکر ، والأخری :

1 - حدّثنا أبو الطیب محمّد بن الحسین بن النحّاس((2)) قراءة ، حدّثنا علیّ ابن عبّاس البجلی ، ] حدّثنا بکار بن أحمد ، حدّثنا مخول بن إبراهیم ، عن((3)) محمّد بن بکر ، عن زیاد بن المنذر ، قال : حدّثنی شیخ من أصحابنا ، عن رجل حدّثه عن أبی محذورة ، قال : أمرنی رسول الله أن أقول فی الأذان : حیّ علی خیر العمل((4)) .

2 - أخبرنا أحمد بن علیّ بن العطّار ومحمّد بن الحسین بن عزال قراءة علیهما ، قالا : حدّثنا علیّ بن أحمد بن عمرو، حدّثنا محمّد بن المنصور المقری ، حدّثنی أحمد بن عیسی ، عن محمّد بن بکر ، عن أبی الجارود مثله((5)) .

3 - حدّثنا أحمد بن زید بن یسار ، أخبرنا الحسن بن محمّد بن سعید بن مسلم ] الرفّاء [ ، حدّثنا محمّد بن الحسن الأریسی((6)) ، حدّثنا أحمد بن یحیی الصوفی ، حدّثنا مخول بن إبراهیم ، حدّثنی محمّد بن بکر الأرحبی ، عن أبی الجارود ، قال :


1- جواهر الأخبار والآثار 2 : 191 .
2- فی تحقیق عزّان : النخّاس .
3- الزیادة عن تحقیق عزّان : 51 ح 2 .
4- الاعتصام بحبل الله 1 : 284 .
5- علق عزّان : 51 ح 3 اخرجه محمد بن منصور فی الامالی 1 : 196 ( 234 راب الصدع ) وفیه : امرنی رسول الله ان اقول فی الأذان حیّ علی خیر العمل ... وانظر : الاعتصام بحبل الله 1 : 284 .
6- فی تحقیق عزّان : الاویسی انظر : : 52 ح 4 .

ص:218

حدّثنی یحیی - شیخ من أصحابنا - عن رجل حدّثه عن أبی محذورة قال : أمرنی رسول الله أن أقول فی الأذان : حیَّ علی خیر العمل((1)) .

4 - حدّثنا محمّد بن الحسین بن النحّاس قراءة، حدّثنا علیّ بن العبّاس البجلی ، حدّثنا بکّار بن أحمد ، حدّثنا عثمان بن سعید الأحول ، حدّثنی هُذیل ابن بلال المدائنی ، قال : سمعت ] ابن [ ((2)) أبی محذورة یقول : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ..

5 - حدّثنا ((3)) أبو الطیب علیّ بن محمّد بن بنان ، حدّثنی أبو القاسم عبدالله ابن جعفر بن محمّد النجّار الفقیه ، حدّثنا العبّاس بن أحمد بن محمود الرازی - قَدِم حاجِّاً فی سنة ثلاث وأربعین وثلاثمائة - حدّثنا أبو جعفر((4)) أحمد بن محمّد بن سلامة الأزدی بمصر - یعنی الطحاوی الفقیه - حدّثنا یونس بن بکر((5)) ، حدّثنا ابن وهب ، حدّثنی عثمان ] بن الحکم الجذامی((6)) ، عن ابن جُریج ، عن ابن أبی محذورة ، عن آل أبی محذورة [ ((7))، عن أبی محذورة ، قال : قال رسول الله : اذْهَبْ فأذِّن عند المسجد الحرام وقل : الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر


1- الاعتصام بحبل الله 1 : 284 .
2- من تحقیق عزّان : 54 ح 7 . والاعتصام بحبل الله 1 : 284 - 290 .
3- فی الاعتصام 1 : 289 اخبرنا .
4- فی الاعتصام 1 : 289 أبو هند .
5- فی الاعتصام : بکیر .
6- فی الاعتصام : الحرامی .
7- الزیادة من تحقیق عزّان : 52 ح 5 .

ص:219

العمل ، حیّ علی خیر العمل ، الله أکبر ، الله أکبر ، لا إله إلّا الله((1)) .

6 - وبهذا الإسناد عن ابن جریج، عن عطاء بن أبی رباح ، قال : تأذین من مضی یخالف تأذینَهم((2)) الیوم ، وکان أبو محذورة یؤذّن علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله فأدرکته أنا وهو یؤذن ، وکان یقول فی أذانه بین الفلاح والتکبیر حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل .

وروی الإمام المؤیّد بالله فی شرح التجر ید من طریق أبی بکر المقری ، قال : حدّثنا الطحاوی الفقیه ، قال : حدّثنا أبو بکر، قال : حدّثنا أبو عاصم ، قال : حدّثنا ابن جریج ، قال : حدّثنا عثمان بن السائبة((3)) ، قال : أخبرنی أبی ، عن عبدالملک بن أبی محذورة ، عن أبی محذورة مؤذن النبیّ ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : اذْهَبْ فأذِّن فی المسجد الحرام وقل : الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ... إلی أن ذکر « حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل »((4)) . وهو نفس خبر الحافظ


1- فی تحقیق عزّان : 53 زیادة ثمّ ارجع فمد صوتک ب- « الله أکبر » إلی أن تنتهی إلی الشهادتین ، ثمّ قل : حیَّ علی الصلاة حیّ علی الصلاة ، حیَّ علی الفلاح ، حیَّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ، الله أکبر الله أکبر ، لا إله إلّا الله . وهذه الزیادة موجودة فی الاعتصام 1 : 289 کذلک ، وفی أول الأَذان تکبیرتان .
2- فی الاعتصام 1 : 289 : تاذینکم .
3- فی الاعتصام 1 : 280 : السائب .
4- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 27 وما فی مسند المؤیّد بالله موجود فی معانی الآثار المطبوع ، إلا أنّه سقط منه لفظ « حیّ علی خیر العمل » وهو یعنی أن المو یّد لم یَرو الروایة عن کتاب الطحاوی وإنما رواها عن طر یق أبی بکر المقری عن الطحاوی ، وقد تابعه العبّاس بن أحمد بن محمود الرازی کما هو مذکور ، ویقوّ یه ما أورد الحافظ المرادی ( انظر : حیّ علی خیر العمل لمحمد سالم عزّان : 20 ) . والاعتصام بحبل الله 1 : 280 وفیه علمنی رسول الله الأَذان کما اوذن الآن الله أکبر ، الله أکبر ، وذکر فیها الحیعلة الثالثة ، ثمّ قال : وذکره الهادی بلفظه فی الاحکام والمنتخب ، وقال فی المنتخب الذی صح لنا عن رسول الله هذا .. وروی فی الشفا مثل هذا عن ابن ابی محذورة .

ص:220

العلوی الا أنّ العلوی رواه عن طریق یونس بن بکر ، حدّثنا ابن وهب ، حدّثنی عثمان بن الحکم المدائنی ، عن ابن جریج .

وقال الإمام یحیی بن حمزة من أئمّة الزیدیّة فی الانتصار : الحجّة التالیة ما رواه محمّد بن منصور فی کتاب الجامع بإسناده عن رجال مرضیّین ، عن أبی محذورة أحد مؤذّنی رسول الله صلی الله علیه و آله أنّه قال : أمرنی رسول الله ...

وقال الإمام محمّد بن المطهّر فی المنهاج : وروِّینا أنّ أبا محذورة أمره النبیّ أن یقول « حیَّ علی خیر العمل حیَّ علی خیر العمل » .

وروی الحافظ العلوی بإسناده عن طریق یحیی بن حمید الحِمّانی ، قال : حدّثنا أبو بکر بن عیّاش ، عن عبدالعزیز بن رفیع ، عن أبی محذورة ، قال : کنت غلاماً صبیّاً فأذّنت بین یدَی رسول الله لصلاة الفجر ، فلمّا انتهیت إلی حیّ علی الفلاح ، قال النبیّ : ألحِقْ بها « حیَّ علی خیر العمل »((1)) .

7 - الحسین بن علیّ بن أبی طالب ( ت 61 ه )

قال القاسم بن محمّد - وهو من أعلام الزیدیة - : ذکر فی کتاب السنام ما لفظه : الصحیح أنّ الأذان شُرِّع بحیّ علی خیر العمل ؛ لأنّه اتّفق علی الأذان به یوم الخندق ، ولأنّه دعاء إلی الصلاة ؛ وقد قال صلی الله علیه و آله : خیر أعمالکم الصلاة ، وقد اتّفق أیضاً علی أنّ ابن عمر والحسن والحسین علیهما السلام وبلالاً وجماعة من الصحابة أذّنوا به ، حکاه فی شرح الموطا وغیره من کتبهم((2)) .

وقد روی الحافظ العلوی عن محمّد بن أحمد بن إبراهیم ، أخبرنا محمّد بن أبی العبّاس الورّاق بحرانة ، حدّثنا محمّد بن القاسم ، حدّثنا حسن بن محمّد ، حدّثنا محمّد


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل تحقیق عزّان : 50 . والاعتصام 1 : 283 .
2- الاعتصام بحبل الله المتین 307 - 313 . وانظر : الروض النضیر 1 : 542 .

ص:221

بن علیّ الکندی ، عن زکریا بن یحیی ، عن عبدالرحمن بن أبی حماد ، عن یوسف بن یعقوب ، عن جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : أذانی وأذان آبائی النبیّ صلی الله علیه و آله وعلیّ والحسن والحسین وعلیّ بن الحسین : حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل((1)) .

8 - زید بن أرقم ( ت ما بین 66 إلی 68 ه )

حکی الشوکانیّ فی نیل الأوطار، عن المحبّ الطبری فی إحکام الأحکام : أنّ زید بن أرقم کان یؤذّن بحیّ علی خیر العمل((2)) .

9 - عبدالله بن عبّاس ( ت ما بین 68 إلی 70 ه )

روی الحافظ العلوی عن محمّد بن طلحة الثعالبی((3)) ببغداد ، حدّثنا محمّد ابن عمر الجعابی القاضی ، حدّثنا إسحاق بن محمّد - یعنی ابن مروان - حدّثنا أبی ، حدّثنا زید بن المعدلة((4)) ، حدّثنا عبدالله بن نزار المرادی ، عن النعمان بن قیس ، عن عبیدة السلمانی ، قال : کان علیّ بن أبی طالب ، والحسن ، والحسین ، وعقیل بن أبی طالب ، وابن عبّاس ، وعبدالله بن جعفر ، ومحمّد بن الحنفیة ، یؤذنون إلی أن فارقوا الدنیا ، فیقولون : حیّ علی خیر العمل .. ویقولون : لم یَزَل فی الأذان((5)) .


1- الأذان للحافظ العلوی: 54 ، وبتحقیق عزّان : 136 الحدیث171 . وقد مرَّ علیک فی صفحة 215 و 219 ما جاء فی الاعتصام عن الحسن والحسین وغیرهم من الطالبیین.
2- نیل الاوطار 2 : 44 ، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 5 : 283 .
3- بتحقیق عزّان : النعالی .
4- فی تحقیق عزّان : المُعَدِّل .
5- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 54 ، وتحقیق عزّان : 109 وفیه : لم تزل فی الأذان .

ص:222

10 - عبدالله بن عمر ( ت 73 وقیل 74 ه )

اختلفت الروایات عنه، ففی بعضها أنّه کان یقول بحیّ علی خیر العمل دوماً ، وفی أخری أنّه کان یقولها أحیاناً أو فی السفر خاصة . وقد وضّحنا فی کتابنا وضوء النبیّ ( البحث الروائی ) سرّ مثل هذا الاختلاف فی المرویّات ، وسیأتی مزید توضیح إن اقتضی الأمر . فأما الآثار الدالّة علی تأذین ابن عمر بها دوماً ، فهی :

1 - عن محمّد بن سیرین ، عن ابن عمر ، أنّه کان یقول ذلک فی أذانه((1)) .

2 - وفی مصنّف عبدالرزّاق ، عن معمر ، عن یحیی بن أبی کثیر ، عن رجل : انّ ابن عمر کان إذا قال فی الأذان « حیّ علی الفلاح » قال « حیّ علی خیر العمل » ثمّ یقول : الله أکبر الله أکبر لا إله إلّا الله((2)) .

3 - وعن زید بن محمّد ، عن نافع : أنّ ابن عمر کان إذا أذّن قال « حیّ علی خیر العمل »((3)) .

4 - وعن ابن عون، عن نافع ، قال : کان ابن عمر إذا أذّن قال « حیّ علی خیر العمل » أخرجه المؤیّد بالله((4)) .

وقال الحافظ محمّد بن إبراهیم الوزیر : وروی ابن حزم فی کتاب الإجماع ، عن


1- السنن الکبری للبیهقی 1 : 425 ، الاعتصام بحبل الله 1 : 308 .
2- المصنف 1 : 460/ ح 1786 .
3- الاعتصام بحبل الله 1 : 295 . وراب الصدع 1 : 198 وفی الایضاح للقاضی نعمان : 109 و... وفیها بهذا الاسناد ] أی الذی مر فی الکتب الجعفریة [ عن جعفر بن محمد بن نافع ابن عبدالله بن عمر إذا اقام الصلاة فبلغ ( حی علی الفلاح ) قال ( حی علی خیر العمل ) .
4- أخرجه المؤیّد بالله فی شرح التجر ید - مخطوط - من طریق عمّار بن رجاء عن أزهر بن سعد انظر : الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی بتحقیق عزّان : 103 .

ص:223

ابن عمر أنّه کان یقول فی أذانه « حیّ علی خیر العمل »((1)) .

ثمّ قال: وبحثت عن هذین الاسنادین فی « حیّ علی خیر العمل » فوجدتهما صحیحین إلی ابن عمر وزین العابدین((2)) .

أما الأقوال المشیرة إلی تأذینه بها فی بعض الأحیان ، فهی :

1 - مالک بن أنس ، عن نافع: کان ابن عمر أحیاناً إذا قال « حیّ علی الفلاح » قال علی إثرها : « حیّ علی خیر العمل »((3)) .

2 - عن اللیث بن سعد ، عن نافع ، قال : کان ابن عمر لا یؤذّن فی سفره ، وکان یقول : « حیّ علی الفلاح » وأحیاناً « حیّ علی خیر العمل » . ورواه محمّد بن سیرین عن ابن عمر أنّه کان یقول ذلک فی أذانه ، وکذلک رواه نسیر بن ذعلوق عن ابن عمر وقال : فی السفر((4)) .

3 - وعن عبیدالله واللیث بن سعد ، عن نافع، قال : کان ابن عمر ربّما زاد فی أذانه « حیّ علی خیر العمل »((5)) ورواه أیضاً عطاء عن ابن عمر((6)) .

4 - عبدالرزّاق ، عن ابن جریج ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنّه کان یقیم الصلاة فی السفر یقولها مرّتین أو ثلاثاً یقول « حیّ علی الصلاة حیّ علی الصلاة ، حیّ علی خیر العمل »((7)) .


1- انظر : مراتب الإجماع ، لابن حزم : 27 .
2- الروض النضیر 1 : 542 وانظر : الإحکام لابن حزم 4 : 593 ، ومقدمة الأذان بحیّ علی خیر العمل بتحقیق عزّان : 14 .
3- السنن الکبری للبیهقی 1 : 424 ؛ الاعتصام بحبل الله 1 : 297 ، 308 ، 312 .
4- السنن الکبری للبیهقی 1 : 424 - 425 ، وانظر : مصنف بن أبی شیبة 1 : 196 .
5- فتح الباری فی شرح صحیح البخاری لابن رجب الحنبلی 3 : 497 .
6- السنن الکبری للبیهقی 1 : 424 ، الاعتصام بحبل الله 1 : 299 ، 310 .
7- مصنّف عبدالرزّاق 1 : 464 / ح 1797 .

ص:224

قال ابن حزم : ولقد کان یلزم من یقول بمثل هذا عن الصاحب - فمثل هذا لا یقال بالرأی - أن یأخذ بقول ابن عمر هذا ، فهو عنه ثابت بأصحّ إسناد((1)) .

وروی الحافظ زین الدین العراقی عن الإمام علاء الدین مغلطای فی کتاب ( التلویح شرح الجامع الصحیح ) أنّه قال ما لفظه : أمّا حیّ علی خیر العمل فذکر ابن حزم أنّه صحّ عن عبدالله بن عمر ، وأبی أمامة بن سهل بن حنیف انهما کانا یقولان فی أذانهما حیّ علی خیر العمل . وقال مغلطای : وکان علیّ بن الحسین یقولها ((2)) .

وقال المحقّق الجلال : وصحّح ابن دقیق العید وغیره أن ابن عمر وعلیّ بن الحسین ثَبَتا علی التأذین بها إلی أن ماتا ((3)) .

وفی المختصر من شرح ابن دقیق العید علی العمدة ما لفظه : وقد صحّ بالسند الصحیح أن زین العابدین وعبدالله بن عمر أذنّا بحیّ علی خَیر العمل إلی أن ماتا ((4)) .

و إلیک الآن بعض الطرق التی ذکرها الحافظ العلوی فی کتابه الأذان بحیّ علی خیر العمل ، عن عبدالله بن عمر بن الخطّاب .

* زید عن نافع

أخبرنا أبو الطیّب محمّد بن الحسین التیملی قراءة ، حدّثنا أبو جعفر محمّد ابن علیّ بن مهدی العطّار ، حدّثنا قاسم بن وهب التمیمی ، حدّثنا قاسم أبو بکر البجلی ، حدّثنا إسماعیل بن هارون الخزّار ، عن عاصم العمری ، عن زید بن محمّد ابن((5)) نافع : أنّ ابن عمر کان إذا أذّن قال : حیّ علی خیر العمل .


1- المحلی 3 : 160 - 161 .
2- الروض النضیر 1 : 541 . والاعتصام بحبل الله 1 : 311 .
3- ضوء النهار 1 : 468 .
4- الروض النضیر 1 : 542 .
5- فی الاعتصام : عن .

ص:225

* محمد بن عجلان عن نافع

حدّثنا محمّد بن حمید بن محمّد ] بن الحسین [ ((1))بن حمید اللخمی ، حدّثنا أبو بکر محمّد بن جعفر الآدمی القاری ، حدّثنا موسی بن إسحاق ، حدّثنا منجاب((2)) بن الحارث ، عن علیّ بن شهر((3)) ، عن حاتم ، عن محمّد بن عجلان ، عن نافع ، قال : سمعت ابن عمر یقول : حیّ علی خیر العمل .

حدّثنا الحسین بن محمّد بن الحسن المقری ، حدّثنا علیّ بن الحسین بن یعقوب ، حدّثنا علیّ بن أحمد بن حاتم ، حدّثنا محمّد ] بن أحمد [((4))بن مروان ، حدّثنا عثمان بن سعید ، عن((5)) حاتم ، بن إسماعیل ، عن محمّد بن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه کان یقول : حیّ علی خیر العمل .

حدّثنا عبدالله بن بشر بن مخالد((6)) البجلی ، أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعید، حدّثنا أحمد بن یحیی بن المنذر الحجری ، حدّثنا أبو الطاهر أحمد بن عیسی ، حدّثنی أبو بکر بن أبی أویس ، عن سلیمان بن بلال ، عن ابن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنّه کان یؤذّن فیقول : حیّ علی خیر العمل ، ویقول : کانت فی الأذان ، فخاف عمر أن یتکل((7)) الناس عن الجهاد .

أخبرنا محمّد بن طلحة الثعالی البغدادی ببغداد ، وکتبه أبی بخطه ، حدّثنا


1- الزیادة من الاعتصام .
2- فی الاعتصام 1 : 296 : مِنْجَاب ، وضبطه فی الهامش : بکسر النمیم وسکون النون وفتح الجیم التیمی ، أبو محمد الکوفی .
3- فی الاعتصام : مسهر .
4- الزیادة من الاعتصام .
5- فی الاعتصام : حدّثنا بدل عن .
6- فی الاعتصام : مجالد .
7- فی الاعتصام : ینکل .

ص:226

القاضی أبو بکر محمّد بن عمر الجعابی الحافظ ، حدّثنا حامد بن سعید بن زهیر ، حدّثنا شریح بن یونس ، حدّثنا أبو سعید الصنعانی ، عن ابن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنّه کان یقول - یعنی فی أذانه - : ] حیّ علی الصلاة [ ((1)) حیّ علی خیر العمل .

أخبرنی محمّد بن طلحة الثعالی ، حدّثنا محمّد بن عمر الجعابی الحافظ ، حدّثنا أحمد المؤمّل ، حدّثنا محمّد بن علیّ بن خلف ، حدّثنا إسماعیل بن أبان ، حدّثنی ابن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنّه کان یؤذن فیقول فی أذانه : حیّ علی خیر العمل .

وقد رواه أیضاً جعفر بن محمّد الطبری عن ابن عمّار ، عن مؤمّل ، عن سفیان، عن ابن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر .

* مالک بن أنس عن نافع

أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن زید بن بشار قراءةً ، حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعید المقری ، حدّثنا جعفر بن محمّد الحسنی البغدادی ، حدّثنا محمّد بن علیّ بن خلف ، حدّثنا عبدالوهّاب بن عطا الجفاف((2)) ، أخبرنا مالک بن أنس ، عن نافع : أن ابن عمر کان یقول فی أذانه : حیّ علی خیر العمل((3)) .


1- الزیادة من الإعتصام 1 : 296 .
2- فی الاعتصام : الخفاف .
3- وانظر :الاعتصام 1 : 312 فانه وبعد ذکره اسناد البیهقی الشافعی عن مالک بن أنس عن ابن نافع ... قال : ومن طریقهم إلی الطبری الشافعی فی کتابه ( غایة الاحکام فی احادیث الاحکام ) ما لفظه : حدیث الحیعلة بحیّ علی خیر العمل أخرجه سعید بن منصور قال الطبری : ورواه ابن حزم فی کتاب ( الاجماع ) عن ابن عمر : أنّه کان یقول فی أذانه : حیّ علی خیر العمل . انتهی ما ذکره فی التوضیح ، وفی شرح العمدة لابن دقیق العید .

ص:227

* ابن عون عن نافع

حدّثنا میمون بن حمید المقری ، أخبرنا إسحاق بن محمّد المقری ، حدّثنا أبو زید الحسن بن ] محمّد بن [ ((1)) السکن التمیمی ، حدّثنا جعفر بن محمّد السَّدوسی ، حدّثنا أزهر بن سعدان ، حدّثنا ابن عون ، عن نافع ، قال : کان ابن عمر إذا أذّن قال : حیّ علی خیر العمل((2)) .

حدّثنا حسن بن حسین بن حبیش المقری ، أخبرنا أبو العبّاس محمّد ابن أحمد بن مرزوق ، حدثنا أبو زید الحسن بن محمد بن السکن : بهذا .

حدّثنا أبی ، حدّثنا علیّ بن سفیان((3)) بن یعقوب الهمدانی((4)) ، حدّثنا أبو زید الحسن بن محمّد بن السکن : بهذا .

* ابن جریج عن نافع

حدّثنا ((5)) أبو عمر عبدالواحد بن محمّد بن عبدالله بن محمّد بن مهدی البغدادی ، أخبرنا أبو عبدالله محمّد بن إسماعیل الفارسی قراءةً سنة تسع وعشرین وثلاثمائةً ، حدّثنا إسحاق بن إبراهیم بن عبّاد ، حدّثنا عبدالرزاق بن همّام الصنعانی ، عن ابن جریج ، عن نافع : أنّ ابن عمر کان یقول : - یعنی فی الأذان - حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل .


1- الزیادة من الاعتصام .
2- جاء فی الاعتصام 1 : 281 قال المؤید بالله فیه أیضاً : أخبرنا أبو العباس الحسن قال : اخبرنا محمد بن علی الصباغ ، ویوسف بن محمد الکسائی ، وأحمد بن سعید الثقفی قالوا اخبرنا عمار بن رجا قال : حدّثنا ازهر بن سعد عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر انه کان یقول فی اذان : حیّ علی خیر العمل ، وهو فی اُصول الاحکام والشفاء .
3- فی الاعتصام : شفیر .
4- فی الاعتصام : الهمذانی .
5- فی الاعتصام : اخبرنا .

ص:228

* عثمان بن مقسم عن نافع

أخبرنا محمّد بن طلحة التعالی((1)) ، حدّثنا محمّد بن عمر بن زیاد بن عجلان ، حدّثنا محمّد بن إِسماعیل الراشدی ، حدّثنا أمیّة بن الحارث ، حدّثنا عثمان بن مقسم ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه کان یقول فی أذانه : حیّ علی خیر العمل .

* عبیدالله بن عمر عن نافع

أخبرنا محمّد بن أحمد بن إِبراهیم قراءةً ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن الهیثم فی کتابه ، حدّثنا أبو علیّ الخراسانی ، حدّثنا أبو بکر ، حدّثنا أبو أسامة ، حدّثنا عبیدالله ، عن نافع ، قال : کان ابن عمر ربّما زاد فی أذانه : حیّ علی خیر العمل .

أخبرنا محمّد((2)) بن أبی العبّاس الورّاق ، حدّثنا محمّد بن الحسین بن جعفر((3)) ، حدّثنا عبیدالله ] بن إسماعیل القرشی ، حدّثنا أبو أسامة ، حماد بن أسامة عن عبیدالله [ ((4))، عن نافع ، قال : کان ابن عمر ربّما زاد فی أذانه : حیّ علی خیر العمل .

أخبرنا علیّ بن محمّد الشیبانی ، ومحمّد بن أحمد ] بن إبراهیم [ ((5)) قراءةً علیهما ، قالا : أخبر الحسن بن محمّد بن إسماعیل بن إسحاق فی کتابه ، حدّثنا جعفر بن محمّد الحسنی((6)) ، حدّثنا عیسی بن مهران ، أخبرنا عبدالرحمن بن صالح الأزدی ،


1- فی الاعتصام : الثعالبی وبعده : حدّثنا محمد بن عمر الجعابی ، حدّثنا أحمد بن زیاد ابن عجلان ، حدّثنا محمد بن إسماعیل الراشدی ...
2- فی الاعتصام 1 : 298 اخبرنا محمد ، اخبرنا محمد بن العباس .
3- فی الاعتصام : حفص .
4- الزیادة من الاعتصام 1 : 298 .
5- الزیادة من الاعتصام .
6- فی الاعتصام 1 : 298 الجنبی وقال فی الهامش : بفتح الجیم وسکون النون بعدها موحدة اسمه عمرو بن هاشم انتهی من الطبقات .

ص:229

حدّثنا أبو مالک الحسنی ، عن عبیدالله بن عمر ، عن نافع ، قال : کان ابن عمر ربّما قال فی أذانه : حیّ علی خیر العمل .

* جوریة بن أسماء عن نافع

أخبرنا علیّ بن محمّد بن بنان فی کتابه، حدّثنی ثوابة بن أحمد بن عیسی بن ثوابة بن مهران((1)) الأسدی الموصلی فی الکوفة فی مجلس السکونی ، حدّثنا أبو یعلی أحمد بن علیّ بن المثنی ، حدّثنا عبدالله((2)) بن محمّد بن أسماء ، حدّثنا جوریة((3)) ، عن نافع : أن ابن عمر کان لا یؤذّن فی السفر ولکن یجعلها إِقامة ویقول : حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، مرّتین .

أخبرنا علیّ بن محمّد الشیبانی ، أخبرنی الحسین بن محمّد الرفّاء ، حدّثنی جعفر بن محمّد الحسنی ، حدّثنا عیسی بن مهران ، حدّثنا أبو غسان الهذلی ، حدّثنا جوریة بن أسماء ، ] عن عتبة [ ((4))، عن نافع ، عن ابن عمر : أنّه کان یقول فی أذانه : حیّ علی خیر العمل ، مرتین .

* یحیی بن أبی کثیر عن نافع

أخبرنا عمر بن عبدالواحد بن مهدی البغدادی فی کتابه إلیَّ ، حدّثنا محمّد ابن إسماعیل الفارسی ، حدّثنا إِسحاق بن إِبراهیم بن عبادی((5)) ، حدّثنا عبدالرزاق بن همام ، حدّثنا معمر ، عن یحیی بن أبی کثیر ، عن رجل((6)) : أنّ ابن عمر کان إذا


1- فی الاعتصام : بهران .
2- فی الاعتصام : عبیدالله .
3- فی الاعتصام : جویریة .
4- لم توجد فی الاعتصام 1 : 298 .
5- فی الاعتصام : عباد .
6- لم یذکر اسمه فی الأصل ، وقال عزّان : ویبدو أنّه نافع لأنّ الروایة عنه .

ص:230

قال : فی الأذان : حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، قال : حیّ علی خیر العمل ، ثمّ یقول : الله أکبر ، الله أکبر ، لا إِله إلّا الله .

* عطاء عن ابن عمر

أخبرنا محمّد بن طلحة التغالی ، وکتبه إلی بخطّه ، حدّثنا القاضی محمّد بن علیّ((1)) الجعابی الحافظ ، حدّثنا إسحاق بن محمّد - یعنی ابن مروان - حدّثنا أبی ، حدّثنا المغیرة بن عبدالله((2)) ، عن مقاتل بن سلیمان ، عن عطاء ، عن ابن عمر : أنه کان یؤذّن بحیّ علی خیر العمل ، ثمّ ترک ذلک وقال((3)) : أخاف أن یتّکل الناس((4)) .

11 - جابر بن عبدالله ( ت 68 إلی 79 ه )

قال الحافظ العلوی : أخبرنا محمّد بن جعفر التمیمی مناولةً ، أخبرنا عبدالعزیز بن یحیی الجلودی ، حدّثنا محمّد بن سهل ، حدّثنا عمر بن عبدالجبار ، حدّثنا أبی ، حدّثنا علیّ بن جعفر ، عن أبیه ، عن جده ، عن جابر ، قال : کان علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله یقول المؤذّن بعد قوله « حیّ علی الفلاح » « حیّ علی خیر العمل » ، فلمّا کان عمر بن الخطاب فی خلافته نهی عنه کراهة أن یُنْکَلَ عن الجهاد((5)) ؟


1- فی الاعتصام : عمر .
2- فی الاعتصام : عبیدالله .
3- القائل عمر بن الخطاب .
4- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی : 55 - 62 . وانظر : الطریق الأخیر فی صفحة 25 من الکتاب نفسه وبتحقیق عزّان من صفحة : 100 - 108 .
5- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی : 30 ، والاعتصام 1 : 291 .

ص:231

12 - عبدالله بن جعفر ( ت 80 وقیل 90 ه )

روی الحافظ العلوی بسنده عن عبیدة السلمانی : أن عبدالله بن جعفر بن أبی طالب کان یؤذّن ب- « حیّ علی خیر العمل » إلی أن فارق الدنیا ((1)) .

13 - محمد بن علی بن أبی طالب ( ت ما بین 73 - 93 ه )

روی الحافظ العلوی من طریق علیّ بن حزور ، عن محمّد بن بشر ، قال : جاء رجل إلی محمّد بن الحنفیة ، فقال له : بلغنا أنّ الأذان إنّما هو رؤیا رآها رجل من الأنصار ، فقَصّها علی رسول الله ، فأمر بلالاً فأذّن بتلک الرؤیا ! فقال له محمّد بن الحنفیة : إنّما یقول بهذا الجاهلُ من الناس ، إنّ أمر الأذان أعظم من ذلک ، إنّه لما أسری برسول الله صلی الله علیه و آله سمع ملکاً یقول : « الله أکبر الله أکبر » فقال عزّ وجلّ : أنا کذلک أنا الأکبر لا شیء أکبر منی ، إلی أن قال :

ثمّ قال : « حیَّ علی خیر العمل » ، فقال الله : هی أزکی الأعمال عندی وأحبُّها إلیَّ((2)) .

وروی الحافظ العلوی من طریق عبیدة السلمانی ، عن محمّد بن الحنفیة أنّه کان یؤذّن إلی أن فارق الدنیا فیقول : « حیّ علی خیر العمل »((3)) .

14 - أنس بن مالک ( ت ما بین 91 إلی 93 ه )

قال الحافظ العلوی : أخبرنا أبو الطیّب أحمد بن محمّد بن بنان ، أخبرنا الحسن


1- الأذان للحافظ العلوی : 54 ، وتحقیق عزّان : 109 . والاعتصام 1 : 294 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل : 57 بتحقیق عزّان ، والخبر طویل اقتطفنا منه بعض المقاطع . والاعتصام بحبل الله 1 : 285 . وانظر الایضاح للقاضی نعمان : 105 .
3- الأذان بحیّ علی خیر العمل بتحقیق عزّان : 109 الحدیث 107 .

ص:232

بن محمّد بن الحسن الیشکری ، حدّثنی أبو عبدالله الحسن((1)) بن محمّد بن سعید ببغداد ، حدّثنا محمّد بن الغیصی((2)) بدمشق ، حدّثنا إِبراهیم بن عبدالله ، حدّثنی عمّی عبدالرزّاق الإمام ، عن معمر بن((3)) ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : بینا أنا نائم إذ أتانی جبریل فهمزنی برِجله فاستیقظت ، فلم أر شیئاً ، ثمّ أتانی الثانیةَ فهمزنی فاستیقظت فأخذ بضبعی ، فجعلنی فی شیء کوَکر الطیر ، فما أطرفت بصری ] طرفة [ حتّی رجعت إلی الأرض ، فأتی بی مکاناً ، فقال ] لی : أتدری أین أنت ؟ فقلت : لا یا جبریل ، فقال : هذا بیت المقدس ، بیت الله الأقصی ، إلی((4)) المحشر والمنشر ؛ ثمّ قام جبریل فجعل سبابته الیمنی فی أذنه الیمنی ، وأذّن مثنی مثنی ، یقول فی أحدها ((5)) : « حیّ علی خیر العمل » حتّی إذا مضی((6)) أذانه أقام الصلاة مَثنی مَثنی ، وقال فی آخرها : « قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة » ، فبرق نور من السماء ، ففتحت به قبور الأنبیاء ، فأقبلوا من کلّ أوب یُلبّون دعوة جبریل ، فوافی أربعة آلاف نبیّ وأربعمائة وأربعة عشر نبیّاً ، وأخذوا مصافّهم ، ولا أشکّ أنّ جبریل سیتقدّمنا ، فلمّا استَووا فی مصافّهم أخذ جبریل بضبعی فقال لی : تَقدّمْ یا محمّد فَصلِّ بإِخوانک ، فالخاتم أولی من المختوم ، وذکر بقیة الحدیث ...((7))


1- فی الاعتصام 1 : 288 : الحسین .
2- فی الاعتصام : الفیض .
3- فی الاعتصام : عن .
4- فی الاعتصام : إلیه .
5- فی الاعتصام : وقال فی آخرها .
6- فی الاعتصام : قضی .
7- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 26 . والاعتصام 1 : 288 - 289 .

ص:233

15 - علیّ بن الحسین بن علیّ ( ت 94 ه )

جاء فی مصنّفا ابن أبی شیبة وسنن البیهقی ومصادر أخری ، عن حاتم بن إسماعیل ، عن جعفر ، عن أبیه ، ومسلم بن أبی مریم : إنّ علیّ بن الحسین علیه السلام کان یؤذّن فإذا بلغ : « حیَّ علی الفلاح » قال : « حیَّ علی خیر العمل » ویقول : هو الأذان الأوّل((1)) .

وقال الحلبی فی سیرته : ونقل عن ابن عمر وعلیّ بن الحسین أنّهما کانا یقولان فی أذانیهما بعد « حیَّ علی الفلاح » ، « حیَّ علی خیر العمل »((2)) .

وجاء فی الاعتصام بحبل الله : ... ومن شرح المختصر لابن دقیق العید علی العمدة ما لفظه : وقد صح بالسند الصحیح أن زین العابدین وعبدالله بن عمر أذّنا بحیّ علی خیر العمل إلی أن ماتا((3)) .

وقد أخرج الحافظ العلوی من عدة طرق أذان علیّ بن الحسین روایةً وإجازةً :

* حدیث حاتم عن جعفر عن أبیه عن علی بن الحسین .

أخبرنا أبو الطیب محمّد بن الحسین بن النخاس قراءة ، حدّثنا علیّ بن العبّاس البجلی ، حدّثنا بکّار بن أحمد ، حدّثنا حسن بن حسین ، عن حاتم بن إسماعیل ،


1- مصنّف ابن أبی شیبة 1 : 195 والنص عنه ، السنن الکبری للبیهقی 1 : 425 ، الاعتصام بحبل الله 1 : 299 ، 308 ،31 وغیرهما . مسند زید بن علی : 83 عن أبیه علیّ بن الحسین علیه السلام أنّه کان یقول ... نحوه .
2- السیرة الحلبیة 2 : 305 باب الأذان ، المحلّی 3 : 160 ، وفیه وقد صح عن ابن عمر وأبی امامة بن سهل بن حنیف أنهم کانوا ... دعائم الاسلام 1 : 145 ، جواهر الأخبار والآثار للصعدی 2 : 192 .
3- الاعتصام بحبل الله 1 : 312 .

ص:234

عن جعفر ، عن أبیه : أن علیّ بن الحسین کان یؤذّن ، فإذا بلغ : « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأول((1)) .

حدّثنا محمّد بن عبدالله الجعفی ومحمّد بن الحسین بن غزال ، قالا : حدّثنا محمّد بن عمّار بن محمّد العجلی العطار لفظاً ، حدّثنا الحسین بن الحکم الحبری ، حدّثنا جندل بن ] والف [ ((2))، عن حاتم بن إِسماعیل ، عن جعفر ، عن أبیه ، ] عن [((3)) علیّ بن الحسین : أنه کان إذا بلغ فی أذانه « حیّ علی الفلاح » کان یقول : « حیّ علی خیر العمل » ، وکان یقول : هو الأذان الأوّل((4)) .

حدّثنا میمون ، حدّثنا علیّ بن حمید المقری((5))، أخبرنا إسحاق بن محمّد النجار المقری ، حدّثنا أبو زید الحسن بن السکن التمیمی ، حدّثنا جعفر بن محمّد السدوسی((6)) ، حدّثنا حاتم بن إِسماعیل المدنی((7))، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، قال : کان علیّ بن الحسین إِذا أذن قال : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأوّل :


1- الاعتصام 1 : 287 .
2- فی تحقیق عزّان : والق .
3- فی تحقیق عزّان : أن .
4- أخرجه ابن أبی شیبة 1 : 195 ح 2239 عن حاتم بن إسماعیل عن جعفر عن أبیه ومن طریق مسلم بن أبی مریم عن علی بن الحسین واخرجه البیهقی 1 : 425 من طریق موسی بن دواد عن حاتم به . والاعتصام 1 : 287 . وفی الإیضاح للقاضی نعمان : 108 وفی الکتب الجعفریة من روایة ابن علی محمد بن محمد بن الأشعث الکوفی عن أبی الحسن موسی بن إسماعیل بن موسی بن جعفر عن أبیه عن جده عن أبی عبدالله جعفر بن محمّد عن أبیه : ان علی بن الحسین ....
5- فی الاعتصام 1 : 287 حدّثنا میمون بن حمید ، اخبرنا إسحاق بن محمد المقری حدّثنا أبو زید .
6- فی الاعتصام 1 : 287 الدوسی .
7- فی الاعتصام : المدینی .

ص:235

حدّثنا حسن بن حسین بن حبیش المقری ، أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن أحمد بن ] مرزقی [ ((1)) المقری ، حدّثنا أبو زید الحسن بن السکن : بمثله .

حدّثنا أبی رضی الله عنه ، حدّثنا محمّد ] بن الحسین [ ((2))بن سعید الأزدی ، حدّثنا عبدالله بن زیدان ، حدّثنا محمّد ] بن ثوابة [ ((3))، حدّثنا حفص الهلالی عن حاتم المدنی((4))، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن علیّ بن الحسین ، قال : ذُکِر عنده « حیّ علی خیر العمل » ، قال : کان أذان الناس الأوّل .

حدّثنا جعفر بن محمّد الحسنی، حدّثنا عیسی بن مهران ، أخبرنا العبد الصالح مخول بن إبراهیم ، حدّثنا حاتم بن إِسماعیل ، عن جعفر ، عن أبیه ، قال : کان علیّ بن الحسین یزید فی أذانه ، إذا قال : « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » . ویقول : یا بُنیّ ، هو الأذان الأوّل .

أخبرنا محمّد بن أحمد بن إِبراهیم ، أخبرنا أحمد بن محمّد الکندی ، حدّثنا أبو علیّ الخراسانی ، حدّثنا أبو بکر عبدالله بن محمّد العبسی ، حدّثنا حاتم بن إسماعیل المدنی ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، ومسلم بن أبی مریم : أنّ علیّ ابن الحسین کان یؤذن ، فإذا بلغ « حیّ علی الفلاح » ، قال : « حیّ علی خیر العمل » . ویقول : ] هو [الأذان الأوّل ، یعنی أذان النبیّ صلی الله علیه و آله .

] وفیما أجاز لی جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعید [ ((5)).

حدّثنا جعفر بن علیّ بن نجیح، حدّثنا أبو غسان ، حدّثنا حاتم ، عن جعفر ابن


1- فی تحقیق عزّان : المرزوقی .
2- الزیادة من الاعتصام 1 : 287 ، وفی تحقیق عزّان : الحسن .
3- فی الاعتصام 1 : 287 : بن نوار .
4- فی الاعتصام : المدینی .
5- الزیادة من الاعتصام 1 : 300 .

ص:236

محمّد ، ] عن أبیه [ ((1))ومسلم بن أبی مریم : أنّ علیّ بن الحسین کان یؤذّن ، فإِذا بلغ « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأوّل .

] وفیما أجاز لی جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعید [ ((2))، حدّثنا محمّد بن أحمد بن النضر ، حدّثنا موسی بن داود ، حدّثنا حاتم بن إِسماعیل ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن علیّ بن الحسین ، قال : کان یؤذّن فإِذا بلغ « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأول .

حدّثنا الحسین بن محمّد بن الحسن المقری ، حدّثنا مسلم التمیمی ، حدّثنا جعفر بن محمّد الأزدی((3))، حدّثنا محمّد بن جمیل، حدّثنا إِبراهیم - یعنی ابن محمّد بن میمون - عن حاتم ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، ومسلم بن أبی مریم : أن علیّ بن الحسین کان یؤذن ، فإِذا بلغ « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأول .

حدّثنا علیّ بن محمّد بن بنان، حدّثنا الحسن بن محمّد السَّکونی ، حدّثنا الحضرمی ، حدّثنا محمّد بن عبید النحّاس ، حدّثنا حاتم ، عن جعفر ، عن أبیه ، ومسلم بن أبی مریم : أن علیّ بن الحسین کان یؤذن ، فإذا بلغ « حیّ علی الصلاة » ، « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأوّل .

أخبرنا أحمد بن زید بن بشّار ، حدّثنا الحسن بن محمّد الرفّا ، حدّثنا جعفر ابن محمّد الأزدی((4))، حدّثنا محمّد بن جمیل ، حدّثنا إِبراهیم بن محمّد بن میمون ، وحدّثنا حاتم : بمثله .


1- من الاعتصام 1 : 300 .
2- الزیادة من الاعتصام .
3- فی الاعتصام 1 : 301 : الاودی .
4- فی الاعتصام 1 : 301 : الاودی .

ص:237

حدّثنا محمّد بن أحمد بن عبدالله قراءةً ، أخبرنا ] أحمد بن [((1)) محمّد بن هارون فی کتابه إلی ، أخبرنا محمّد بن الحسین بن حفص ، حدّثنا محمّد بن عبید ، حدّثنا حاتم ، حدّثنا جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، ومسلم بن أبی مریم : أن علیّ بن الحسین کان یؤذن ، فإِذا بلغ « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأول ، یعنی أذان النبیّ صلی الله علیه و آله .

أخبرنا محمّد بن أحمد قراءةً ، أخبرنا محمّد بن أحمد بن هارون فی کتابه إلیَّ ((2))، أخبرنا محمّد بن القاسم بن زکریا ، حدّثنا حسن بن عبدالواحد ، حدّثنا محمّد بن علیّ الکِندی ، حدّثنا زکریا بن یحیی ، حدّثنا عبدالرحمن بن أبی حمّاد ، حدّثنا حاتم بن إِسماعیل ، أخبرنی جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن علیّ ابن الحسین علیه السلام ، قال : الأذان الأول - یعنی أذان النبیّ صلی الله علیه و آله - « حیّ علی خیر العمل » ، وکان علیّ بن الحسین یقوله فی أذانه .

] قال وفیما أجاز لی جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعید [ ((3))، حدّثنا الحسن بن علیّ بن بویغ((4))، حدّثنا إسماعیل بن أبان ، عن حاتم بن إِسماعیل ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، ومسلم بن أبی مریم : أن علیّ بن الحسین کان إذا بلغ « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأوّل .

أخبرنا زید بن جعفر بن حاجب فی کتابه إِلیَّ ، حدّثنا محمّد بن أحمد بن علیّ بن


1- الزیادة من الاعتصام .
2- لیس فی الاعتصام 1 : 301 إلیَّ .
3- الزیادة من الاعتصام 1 : 302 .
4- وفی الاعتصام 1 : 302 : بریع وقال فی الهامش : المشهور فی کتب الحدیث بزیغ یاء ثمّ زای ثمّ غین معجمة وفی نسخة بریع انتهی عن هامش الاصل .

ص:238

الولید ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن عبید المقری ، حدّثنا عبّاد بن یعقوب ، أخبرنا حاتم ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، ومسلم بن أبی مریم : أن علیّ بن الحسین کان یؤذن ، فإِذا بلغ « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » : ویقول هو الأذان الأوّل .

أخبرنا علیّ بن محمّد بن بنان ، حدّثنا ثوابة بن أحمد بن عیسی بن ثوابة بن مهران ، حدّثنا علیّ بن الحسین المستملی ، وجماعة ، قالوا : حدّثنا جعفر بن محمّد الغربانی((1)) ، حدّثنا قتیبة بن سعد ، حدّثنا حاتم بن إِسماعیل ، عن جعفر ابن محمّد ، عن أبیه ، قال : کان علیّ بن الحسین یقول فی أذانه : « حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأوّل .

حدّثنا زید بن حاجب ، حدّثنا محمّد بن عمّار، حدّثنا الحسین بن الحکم ، حدّثنا جندل بن والف((2)) ، عن حاتم بن إِسماعیل ، عن جعفر ، عن أبیه ، وعن ابن أبی مریم : عن علیّ بن الحسین : أنه کان إذا بلغ فی أذانه « حیّ علی الفلاح » قال : کان یقول : « حیّ علی خیر العمل » ، وکان یقول : هو الأذان الأوّل .

* یحیی بن العلی عن جعفر عن أبیه عن علی بن الحسین((3)) .

أخبرنا محمّد بن الحسین بن النحاس قراءةً ، ] حدّثنا [ علیّ بن العبّاس البجلی ، حدّثنا بکّار بن أحمد ، حدّثنا الحسن بن حسین وسعید بن عثمان ، عن أبی یحیی بن العلی((4)) ، عن جعفر ، عن أبیه ، قال : کان علیّ بن الحسین یقول فی أذانه : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأوّل .


1- فی الاعتصام 1 : 302 : الفریانی .
2- فی الاعتصام 1 : 302 : والق .
3- هذا السطر کتب بالاسود فی الاعتصام .
4- فی الاعتصام : حسن بن حسین ، وسعید بن عثمان عن یحیی بن العلاء .

ص:239

حدّثنا محمّد بن الحسین بن غزال ، حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عمّار العطار ، حدّثنا جعفر بن علیّ بن نجیح ، حدّثنا حسن بن حسین ، عن یحیی بن العلی((1)) ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، قال : کان علیّ بن الحسین یقول فی أذانه : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأوّل .

* عبدالله بکیر وعمرو بن جمیع عن جعفر عن علی بن الحسین .

أخبرنا محمّد بن الحسین بن النحّاس قراءةً ، حدّثنا علیّ بن العبّاس البجلی ، حدّثنا بکار ، حدّثنا حسن بن حسین ، حدّثنا عبدالله بن بکیر ، وعمرو بن جمیع ، عن جعفر ، قال : کان علیّ بن الحسین یقول : « حیّ علی خیر العمل » بعد « حیّ علی الفلاح » .

* حسین بن مخارق عن جعفر عن أبیه عن علی بن الحسین علیهم السلام

أخبرنا محمّد بن عبدالله الجعفی قراءةً ، حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد ابن سعید ، أخبرنا یعقوب بن یوسف بن زیاد الضبّی ، حدّثنا أبو جُنادة حُصین ابن مخارق ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه : أن علیّ بن الحسین کان یقول : فی أذانه : حیّ علی خیر العمل ، مرّتین .

* سفیان بن السمطّ عن جعفر بن محمد عن أبیه عن جده .

حدّثنا الحسین بن محمّد بن الحسین الخزّار ، حدّثنا علیّ بن الحسین بن یعقوب ، حدّثنا أحمد بن عیسی العجلی العطّار ، حدّثنا جعفر بن عنبسة الیشکری ، حدّثنا أحمد بن عمر البجلی ، حدّثنا سلام بن عبدالله الهاشمی ، عن سفیان بن السمط ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن جدّه ، قال : أوّل من أذّن فی السماء جبریل حین أسری بالنبیّ صلی الله علیه و آله فقال : الله أکبر ، الله أکبر ، فذکره إلی قوله : « حیّ علی خیر


1- فی الاعتصام 1 : 303 : العلا .

ص:240

العمل ، حیّ علی خیر العمل » ، فقالت الملائکة : أُمِر القوم بخیر العمل ، وأقام الصلاة ، وقال جبریل : یا محمّد ، إن الله أمرنا بالسجود لأبیک آدم فلسنا نتقدم ولده ، فتقدّم رسولُ الله صلی الله علیه و آله فصلّی بالملائکة((1)) .

* مندل بن علی عن جعفر عن أبیه عن علی بن الحسین .

] ومما أجاز لی جعفر بن محمّد بن حاجب بروایته عن أحمد بن محمّد بن سعید [((2)) ، حدّثنا أحمد بن یوسف ، وأخبرنی مندل بن ] محمّد ، قالا : حدّثنا الحسین بن محمّد ، حدّثنا مندل بن [ ((3)) علیّ - واسمه عمرو بن علیّ - القرنی((4)) ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه : أن علیّاً - وهو علیّ بن الحسین - کان یقول : حیّ علی الصلاة ، حیَّ علی الفلاح ، حیَّ علی خیر العمل .

* غیاث بن إبراهیم بن جعفر بن محمد عن أبیه عن علی بن الحسین .

أخبرنا جعفر بن محمّد بن حاجب إجازةً ، عن أحمد بن سعید ، حدّثنی محمّد بن الفضل ، حدثنی أبی ، حدّثنا غیاث ، عن جعفر ، عن أبیه : أن علیّ ابن الحسین کان إذا أذن قال : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل .. یقول : أی بنی هذا الأذان الأول - یعنی ] أذان النبی [ ((5)) - حتّی نهی عنه عمر .

* عن عبدالله بن سنان عن جعفر عن علیّ بن الحسین علیهما السلام

أخبرنا جعفر بن محمّد بن حاجب إجازةً ، عن أبی العبّاس بن سعید ، حدّثنا


1- الاعتصام 1 : 285 ، 304 .
2- الاعتصام 1 : 304 .
3- الزیادة من الاعتصام .
4- فی الاعتصام : العنزی .
5- الزیادة من الاعتصام 1 : 304 .

ص:241

الحسن بن جعفر بن مدرار ، حدّثنا عمی طاهر بن مدرار ، حدّثنا عبدالله بن سنان ، عن جعفر بن محمّد ، قال : کان علیّ بن الحسین یقول فی أذانه : حیّ علی خیر العمل ، ویقول : هو الأذان الأوّل .

* محمّد بن مسلم عن جعفر عن علیّ بن الحسین علیهما السلام

فیما أجاز لی جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعید ، حدّثنی الحسن بن جعفر بن مدرار ، حدّثنا العلاء بن رزین ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبی عبدالله ، قال : کان علیّ بن الحسین یقول فی أذانه : حیّ علی خیر العمل .

* محمّد بن عبدالله بن علیّ بن الحسین عن جعفر .

فیما أجاز لی جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعید ، أخبرنی جعفر بن محمّد بن عمر قراءةً ، حدّثنی عبدالله بن جمیل ، حدّثنی عبدالله بن محمّد - یعنی ابن عبدالله بن علیّ بن الحسین - عن أبیه ، عن جعفر ابن محمّد ، قال : کان علیّ بن الحسین یقول فی أذانه : حیّ علی خیر العمل .

* أبو العبّاس بن الفضل بن عبدالملک السقّاف عن جعفر بن محمّد .

فیما أجاز لی جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعید ، حدّثنا الحسن بن القاسم ، حدّثنا عبدالله بن صالح ، حدّثنی داود بن حصین ، عن أبی العباس ، عن أبی عبدالله ، قال : کان علیّ بن الحسین یقول فی الأذان : حیّ علی خیر العمل .

* أبو مریم عبدالغفّار بن القاسم الأنصاری عن جعفر بن محمّد .

أخبرنا محمّد بن أحمد بن إبراهیم قراءةً ، أخبرنا محمّد بن محمّد بن هارون فی کتابه ، حدّثنا محمّد بن القاسم بن زکریا ، حدّثنا حسن بن عبدالواحد ، حدّثنا حسن بن سعید ، حدّثنا أبی ، حدّثنا أبو مریم ، حدّثنا جعفر ابن محمّد ، عن علیّ بن

ص:242

الحسین : أنه کان یقول إذا أذّن : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، ویجعل فی آخر أذانه وإِقامته « الله أکبر الله أکبر لا إله إلّا الله » .

* عبدالله بن محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب عن أبی جعفر عن علیّ بن الحسین .

حدّثنا عبدالله بن مخالد بن بشر البجلی ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعید ، حدّثنا أحمد بن یحیی بن المنذر الحجری ، حدّثنا أبو الطاهر أحمد بن عیسی ، حدّثنی أبی ، عن أبیه ، عن علیّ بن الحسین وأبی جعفر : أنّهما کانا یؤذّنان : حیّ علی خیر العمل .

* أبو الجارود زیاد بن المنذر عن أبی جعفر عن علیّ بن الحسین .

أخبرنا أبو الطیب محمّد بن الحسین بن النحّاس قراءةً ، حدّثنا علیّ بن العباس ، حدّثنا بکّار((1)) ، حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن زیاد بن المنذر ، عن أبی جعفر محمّد بن علیّ ، قال : سمعت أبی علیَّ بن الحسین یؤذّن : « حیّ علی الفلاح حیّ علی خیر العمل » فی الأذان والإِقامة .

حدّثنا أحمد بن زید بن بشّار ، حدّثنا الحسن بن محمّد الرفّا ، حدّثنا جعفر ابن محمّد الأزدی ، حدّثنا محمّد بن جمیل ، حدّثنا نصر : بنحوه .

حدّثنا محمّد بن عبدالله ومحمّد بن الحسین بن غزال ، قالا : حدّثنا ((2)) الحسین بن محمّد ] بن [((3)) الفرزدق ، حدّثنا جعفر بن عبدالله المحمّدی ، حدّثنا محمّد بن صلة((4))


1- الاعتصام 1 : 286 وفیه : بکار بن أحمد بن أحمد ، حدّثنا علی بن أبی حنیفة ومخول ابن إبراهیم قالا : حدّثنا محمد بن بکر عن زیاد بن المنذر قال : سمعت أبا جعفر یقول کان أبی علی بن الحسین علیه السلام یقول إذا أذن : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، قال : وکانت من الأذان ، وکان عمر لما خاف أن یتثبط الناس عن الجهاد ویتکلوا ؛ امرهم فکفوا عنها .
2- فی الإعتصام 1 : 304 : اخبرنا .
3- الزیادة من الاعتصام 1 : 305 .
4- فی الاعتصام : جیلة .

ص:243

الطحّان ، حدّثنا محمّد بن بکر الأرحبی وعکرمة بن یزید الأحمسی ، عن أبی الجارود ، قال : سمعت أبا جعفر یقول : کان أبی علیّ ابن الحسین((1)) إذا قال : « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » ، قال : وکانت فی الأذان الأوّل ، وکان عمر لما خاف أن یَتَثبَّطَ الناس عن الجهاد ویتّکلوا علی الصلاة أمرهم أن یکفوا عنها ((2)) .

حدّثنا أحمد بن علیّ العطار ومحمّد بن الحسن((3)) بن غزال قراءةً علیهما ، قالا : حدّثنا علیّ بن أحمد بن عمرو ، حدّثنا محمّد بن منصور ، حدّثنی أحمد ابن عیسی ، عن محمّد بن بکر ، عن أبی الجارود ، قال : سمعت أبا جعفر یقول : کان علیّ بن الحسین إذا قال : « حیّ علی الفلاح » ] حیّ علی الفلاح [ ، قال : « حیّ علی خیر العمل » ] حیّ علی خیر العمل [((4))، وکانت فی الأذان فأمرهم عمر أن یکفّوا عنها مخافة أن یتثبّط الناس عن الجهاد ویتّکلوا علی الصلاة .

حدّثنا أحمد بن زید بن بشّار ، حدّثنا الحسن بن محمّد الرفّاء المقری ، حدّثنا جعفر بن محمّد الأزدی((5))، حدّثنا محمّد بن جمیل ، حدّثنا محمّد بن جبلة ، عن محمّد بن بکر ، عن أبی الجارود ، قال : سمعت أبا جعفر یقول : کان أبی علیّ بن الحسین إِذا قال : « حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح » ، قال : « حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل » ، قال : وکانت فی الأذان ، وکان عمر لمّا خاف أن یتثبّط الناس عن الجهاد ، ویتّکلوا علی الصلاة ، أمرهم یکفّوا عنها .


1- فی الاعتصام : أبی الجارود قال : سمعت أبا جعفر یقول کان أبی علیّ بن الحسین ...
2- الاعتصام 1 : 287 ، 305 .
3- فی الاعتصام 1 : 286 : حسین .
4- الزیادة من الاعتصام 1 : 281 وبدل : ان یکفوا عنها ( فکفوا عنها ) .
5- فی الاعتصام 1 : 305 : الاودی .

ص:244

حدّثنا حسین بن محمّد البجلی ، حدّثنا محمّد بن ] مسلم [((1)) بن محمّد بن مسلم التمیمی ، حدّثنا جعفر بن محمّد الأزدی((2)) ، حدّثنا محمّد بن جمیل : بمثله .

16 - أبو أمامة بن سهل بن حُنیف ( ت 100 ه )

ذکر المحبّ الطبری - إمام الشافعیة فی عصره - فی کتابه المسمّی ب- ( إحکام الأحکام ) ما لفظه : ذکر الحیعلة بحیّ علی خیر العمل عن صدقة بن یسار عن أبی أمامة بن سهل بن حُنیف أنّه کان إذا أذّن قال : « حیّ علی خیر العمل » . أخرجه سعید بن منصور((3)) .

وروی الحافظ العلوی من طریق صدقة بن یسار ، قال : کنت فیما بین مکّة ] والمدینة [ فصحبت رجلاً - صحبته سائر یومی لم أدر مَن هو - فإذا هو أبو أمامة بن سهل بن حنیف ، فسمعته یؤذّن فی أذانه « حیّ علی خیر العمل »((4)) .

وفی الاعتصام بحبل الله ، عن الأذان للعلوی : حدّثنا محمّد ، أخبرنا محمّد ابن أبی العبّاس من کتابه ، قال : حدّثنا محمّد بن القاسم ، حدّثنا حسن بن محمّد ، حدّثنا حرب بن حسن المحاربی ، حدّثنا سفیان بن عیینة ، عن صدق ابن یسار المکی ، قال : صحبت ذات یوم أبا امامة بن سهل بن حنیف ، قال : فقال سائر القوم ابن بدری ، قال : فحضرت الصلاة : فسمعته یقول فی اذانه : حیّ علی خیر العمل ، خیر علی خیر العمل((5)) .


1- لا توجد هذه الزیادة فی الاعتصام 1 : 305 .
2- فی الاعتصام 1 : 305 : الاودی .
3- الاعتصام بحبل الله 1 : 309 ، 311 ، الروض النضیر 1 : 541 ، دلائل الصدق 3 : 100 .
4- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 55 بثلاثة طرق ، وصفحه 112 بتحقیق عزّان . والاعتصام بحبل الله 1 : 295 .
5- الاعتصام 1 : 295 .

ص:245

وروی البیهقی : أنّ ذکر « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان رُوی عن أبی أمامة ] ابن سهل بن حنیف [ ((1)).

وقد مرَّ علیک کلام علاء الدین المتقی فی کتاب التلویح فی شرح الجامع الصحیح : وأمّا « حیّ علی خیر العمل » فذکر ابن حزم أنّه قد صحّ عن ابن عمر وأبی أمامة بن سهل بن حنیف أنّهم کانوا یقولون فی أذانهم « حیَّ علی خیر العمل » .

وما أضافه صاحب التلویح علی قوله هذا : وکان علیّ بن الحسین یقولها((2)) .

وکلام ابن حزم : قد صح عن ابن عمر وأبی أمامة بن سهل بن حنیف أنّهم کانوا یقولون فی أذانهم « حیّ علی خیر العمل »((3)) .

17 - محمّد بن علیّ الباقر ( ت 114 ه )

روی الحافظ العلوی بسنده عن أحمد بن عیسی ، عن محمّد بن بکر ، عن أبی الجارود ، قال : سمعت أبا جعفر ] الباقر [ قال : کان أبی علیّ بن الحسین إذا قال : « حیّ علی الفلاح حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل » ، قال : وکانت فی الأذان فأمرهم عمر أن یکفّوا عنها مخافة أن یَثَّبَّط الناس عن الجهاد ویتّکلوا علی الصلاة((4)) .


1- سنن البیهقی 1 : 425 . وانظر فتح الباری لابن رجب 3 : 417 عنه .
2- انظر : دلائل الصدق 3 : 100 ، والاعتصام بحبل الله 1 : 311 ، والمحلی 3 : 160 .
3- المحلی 3 : 160 .
4- انظر : کتاب الأذان بحیّ علی خیر العمل : 22 ، وبتحقیق عزّان : 114 الحدیث 113 وفیه الحَیعَلَتین مرّة مرّة ، وفی ص 21 عن زیاد بن المنذر ، ورأب الصدع للمرادی 1 : 196 الحدیث 235 .

ص:246

وفی الاعتصام عن الأذان للحافظ: أخبرنا أبو الطیب محمّد بن الحسین التملی قراءة ، حدّثنا علیّ بن العبّاس البجلی ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن الحسین الزهری ، وبکار بن أحمد ، قالا : حدّثنا حسن بن حسین ، عن خالد بن إسماعیل المخزومی ، عن جعفر بن محمّد علیهما السلام ، قال : کان أبی إذا أذن بالصلاة قال : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ، ثمّ یقول : یا بنی هذا النداء الاوّل((1)) .

وروی الحافظ العلوی عن الباقر من اثنین وعشرین طریقاً ، منها من طریق جابر الجعفی عن أبی جعفر ، قال : أذانی وأذان آبائی - النبیّ صلی الله علیه و آله ، وعلیّ ، والحسن ، والحسین ، وعلیّ بن الحسین - « حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل »((2)) .

وروی الإمام محمّد بن منصور المرادی المقری ، عن محمّد بن جمیل ، عن نصر بن مزاحم ، عن أبی الجارود ، عن أبی جعفر ، أنّه کان یقول « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان والإقامة((3)) .

وقد مر علیک سابقاً ما أخرجه الشیخ الطوسی فی التهذیب والاستبصار عن ابن أُذینة ، عن زرارة والفضیل بن یسار، عن الإمام الباقر تحت عنوان « أهل البیت وبدء الاذان » .


1- الاعتصام بحبل الله 1 : 306 .
2- کتاب الأذان بحیّ علی خیر العمل : 54 ، وبتحقیق عزّان : 131 - 136 .
3- رأب الصدع 1 : 197 الحدیث 238 . وانظر : الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 78 - 82 ، وبتحقیق عزّان : 132 الحدیث 160 .

ص:247

18 - زید بن علیّ ( ت 121 ه )

روی الحافظ العلوی من طریق طیبة بن حیان ، قال : کان زید بن علیّ یأمر المؤذّن أن یقول فی الأذان « حیّ علی خیر العمل » .

ومن طریق یزید بن معاویة بن إسحاق ، قال : کنا بجبّانة سالم وقد أَمِنَّا أهلَ الشام ، فأمر زید بن علیّ معاویةَ بن إسحاق ؛ فقال : أذِّن ب- « حیّ علی خیر العمل »((1)) .

وروی زید بن علیّ ، عن أبیه علیّ بن الحسین ، أنّه کان یقول فی أذانه : « حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل »((2)) .

قال الحافظ أبو عبدالله محمّد بن علیّ بن الحسن بن علیّ فی کتاب « الأذان بحیّ علی خیر العمل » : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن زید بن بشارة قراءةً ، قال : حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعید ، حدّثنا الحسن بن محمّد الأوسی ، حدّثنا أحمد بن یزید بن رشد ، حدّثنا أبو معمر سعید بن جنتم((3)) ، قال : سمعت زید ابن علیّ یقول : إن عمر نحَّی من النداء فی الأذان : « حیّ علی خیر العمل » وقد أبلغت العلماء أنّها کان یُؤَذَّن بها رسول الله حتّی قبضه الله عزّ وجلّ إلیه ، وکان یؤذَّن بها لأبی بکر حتّی مات ، وطرفاً من ولایة عمر حتّی نهی عنها ((4)) .


1- کتاب الأذان بحیّ علی خیر العمل ، بتحقیق عزّان : 37 الحدیث 172 و173 .
2- مسند الإمام زید : 83 .
3- ما فی المتن هو طبق نسخة الفضیل ، أما فی تحقیق عزّان : حدّثنا أحمد بن زید بن بشار البیسائی ، حدّثنا الحسن بن محمد بن سعید الرَّفاء ، حدّثنا محمد بن الحسن بن عبدالحمید بن محسن الأوسی ، حدّثنا أحمد بن رشد ، حدّثنا أبو معمر سعید بن خثیم قال ...
4- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 83 وبتحقیق عزّان : 138 وانظر : مسند الإمام زید : 93 ثمّ اخرج هذا الخبر برجاله ومعناه ، وفی أمالی أحمد بن عیسی : فأمرنی أن أقول : « حیّ علی خیر العمل » .

ص:248

19 - یحیی بن زید بن علیّ ( ت 125 ه )

قال الحافظ العلوی ، أخبرنا محمّد بن الحسین النحاس قراءة ، حدّثنا علیّ بن العبّاس البجلی ، حدّثنا بکار بن أحمد الهمدانی ، حدّثنا مخول بن إبراهیم ، عن محمّد بن بکر الأرحبی ، عن زیاد ابن المنذر ، قال : حدّثنی حسان ، قال : أذَّنت لیحیی بن زید بخراسان فأمرنی أن أقول « حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل »((1)) .

أخبرنا أبو عبدالله أحمد بن علیّ بن العطار المقری ومحمّد بن الحسین بن غزال قراءةً علیهما ، قالا : حدّثنا علیّ بن أحمد بن عمرو الجنبی، حدّثنا محمّد بن منصور المقری ، حدّثنی أحمد بن عیسی ، عن محمّد بن بکر ، عن أبی الجارود ، عن حسان ، قال : أذّنت لیحیی بن زید بخراسان فأمرنی أن أقول : « حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل » .

أخبرنا علیّ بن محمّد بن بنان ، حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمّد الرفّا ، حدّثنا جعفر بن محمّد الحسنی ، حدّثنا عیسی بن مهران ، حدّثنا مخول ، حدّثنا صباح المزنی ، قال : أذّن رجل کان مع یحیی بن زید بخراسان ، قال : ما زال مؤذّنهم ینادی ب- « حیّ علی خیر العمل » حتّی قتل((2)) .


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 86 وبتحقیق عزّان : 144 وانظر : أمالی أحمد بن عیسی 1 : 197 الحدیث 236 ، وعنه فی الاعتصام بحبل الله 1 : 281 ، وانظر الایضاح للقاضی نعمان : 109 کذلک ، وللإمام المهدی محمد بن المطهّر الزیدی فی المنهاج الجلی إسناد آخر لهذه الروایات فراجع .
2- انظر : کتاب الأذان بحیّ علی خیر العمل : 87 .

ص:249

20 - محمّد بن زید بن علیّ ( لم نقف علی وفاته )

قال الحافظ العلوی: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهیم ، أخبرنا محمّد بن أبی العبّاس الورّاق فی کتابه إلیّ ، قال : حدّثنا محمّد بن قاسم بن وهیب ، عن أحمد بن مفضل ، عن محمّد بن زید بن علیّ ، ] قال : تقول [ فی الأذان مرتین : الله أکبر الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله أشهد أن محمّداً رسول الله ، حیّ علی الصلاة حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل ، الله أکبر الله أکبر ، لا إله إلّا الله .

حدّثنا علیّ بن محمّد بن بنان الشیبانی ، أخبرنا علیّ بن الحسین بن یعقوب الهمدانی ، حدّثنی علیّ بن العبّاس ، حدّثنا قاسم بن وهیب ، حدّثنا أحمد بن مفضل ، قال : سألت محمّد بن زید بن علیّ عن الأذان ، فقال : مرّتین مرّتین الله أکبر الله أکبر فذکر مثل ما قبله((1)) .

21 - محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب ( ت 135 ه )

روی الحافظ العلوی ، عن محمّد بن الحسین بن النخاس قراءة ، حدّثنا علیّ ابن العباس ، حدّثنا بکار بن أحمد ، حدّثنا إسماعیل بن أبان ، عن غیاث بن إبراهیم ، عن عبدالله بن محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب ، عن أبیه : أنّه کان یقول فی أذانه : « حیّ علی خیر العمل »((2)) .

وجاء فی کتاب الاعتصام بحبل الله : وفی شرح التجر ید قال : والدلیل علی


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 88 ، وبتحقیق عزّان : 146 ح 184 و185 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 84 ، وصفحه 138 بتحقیق عزّان .

ص:250

صحة ما أخبرنا به أبو العبّاس الحسنی رضی الله عنه ، قال : أخبرنا علیّ بن الحسین الظاهری ، قال : حدّثنا محمّد بن محمّد بن عبدالعزیز ، قال : حدّثنا عباد ابن یعقوب ، قال : أخبرنا عیسی بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب قال : حدّثنی أبی ، عن أبیه ، عن جده علیّ : قال : سمعت رسول الله یقول : ( إنّ خیر أعمالکم الصلاة ) وأمر بلالاً أن یؤذّن بحی علی خیر العمل((1)) .

قال الحافظ العلوی : أخبرنا أبی رضی الله عنه ، حدّثنا أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن المحدد العطار ، حدّثنا أبی ، حدّثنا الحسن بن یحیی العلوی ، حدّثنا أبو الطاهر أحمد بن عیسی بن عبدالله ، عن الحسین بن زید ، قال : رأیت محمّد ابن عمر بن علیّ بن أبی طالب یؤذّن بحیّ علی خیر العمل((2)) .

22 - إبراهیم بن عبدالله بن الحسن ( ت 145 ه )

قال الحافظ العلوی : حدّثنا عبدالله بن محمّد بن هشام ، وأبو القاسم میمون ابن علیّ المقری ، قالا : أخبرنا إسحاق بن محمّد المقری ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالک ، قال : حدّثنا عبّاد بن یعقوب ، حدّثنا سالم الخزّاز ، قال : کان إبراهیم بن عبدالله بن الحسن یأمر أصحابه إذا کانوا فی البادیة یزیدون فی الأذان « حیّ علی خیر العمل »((3)) .

حدّثنا الحسین بن محمّد بن الحسن المقری، حدّثنا علیّ بن الحسین بن یعقوب الهمدانی ، حدّثنا علیّ بن إبراهیم بن وهیب القرشی ، حدّثنا عباد عن سالم ، قال :


1- الاعتصام 1 : 281 عن شرح التجرید .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 84 ، وصفحه 138 الحدیث 175 بتحقیق عزّان .
3- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 88 ، وبتحقیق عزّان : 147 ح 186 .

ص:251

کان إبراهیم بن عبدالله یأمرهم إذا کانوا فی البادیة أن یزیدوا فی الأذان « حیّ علی خیر العمل »((1)) .

23 - جعفر بن محمّد الصادق ( ت 148 ه )

روی الحافظ العلوی من طریق معاویة بن عمّار ، قال : سمعت جعفر بن محمّد یقول فی الأذان « حیّ علی خیر العمل »((2)) .

وفی الاعتصام بحبل الله عن کتاب الأذان : أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن زید ابن بشار ، وعلیّ بن محمّد الشیبانی ، قالا : حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعید ابن مسلم ، حدّثنا علیّ بن العبّاس وعلیّ بن سلامة ، حدّثنا بکار بن أحمد ، حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن الثقة إبراهیم بن أبی یحیی ، عن جعفر بن محمّد علیهما السلام کان یقول لکل صلاة : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل((3)) .

ومن طریق عبدالله بن سنان ، عن أبی عبدالله ، قال : سألته عن الأذان ، فذکره وقال فیه « حیّ علی الفلاح حیّ علی الفلاح » « حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل »((4)) .


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 89 ، وبتحقیق عزّان : 147 ح 187 .
2- کتاب الأذان بحیّ علی خیر العمل : 85 .
3- الاعتصام بحبل الله 1 : 293 .
4- کتاب الأذان بحیّ علی خیر العمل : 85 . وبتحقیق عزّان : 141 ، ثمّ قال الحافظ العلوی : وقد روی حدیثَ الأذان عن جعفر بن محمد عن أبیه عن علی بن الحسین علیهما السلام جماعةٌ قد تقدّم أحادیثهم فی باب علیّ بن الحسین . فاستغنینا عن إعادتها هنا ، منهم : هانی بن إسماعیل المدنی ، ومحمد بن عبدالله بن علی بن الحسین ، وعبدالله بن محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب ، وأبو مریم الأنصاری ، ومندل بن علی العثربی ، ویحیی بن العلیّ الرازی ، وغیاث بن إبراهیم ، وسفیان بن السمط ، وعبدالله بن بکیر ، وعمرو بن جمیع ، وحصین بن مخارق ، وعبدالله بن سنان ، ومحمد بن المسلم ، وأبو العباس ، وخالد بن إسماعیل المخزومی . ورواه عن حاتم بن إسماعیل عن جعفر عن أبیه عن جدّه جماعةٌ من الثقات منهم : حسن بن حسین المغربی ، ومخول بن إبراهیم ، وأبو غسان مالک بن إسماعیل النهدی ، وإبراهیم بن محمد بن میمون ، ومحمد بن عبید النحّاس ، وأبو بکر بن أبی شیبة ، وعبدالرحمن بن أبی حمّاد ، وإسماعیل بن أبان ، وجندل بن والف ] والق [ الثعلبی ، وجعفر بن محمد السدوسی ، وموسی بن داود وقتیبة بن سعید .

ص:252

وقد روی هذا الخبر الشیخ الطوسی بإسناده عن النضر ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبی عبدالله ] الصادق [ فی التهذیب((1)) والاستبصار((2)) .

وعن الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن حماد بن عثمان ، عن إسحاق بن عمار ، عن المعلی بن خنیس ، قال : سمعتُ أبا عبدالله یؤذّن فقال : الله أکبر الله أکبر الله أکبر الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله صلی الله علیه و آله أشهد أنّ محمّداً رسول الله صلی الله علیه و آله ، حیّ علی الصلاة حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل ، الله أکبر الله أکبر ، لا إله إلّا الله لا إله إلّا الله((3)) .

وعن فضاله ، عن سیف بن عمیرة ، عن أبی بکر الحضرمی وکلیب الأسدی ؛ جمیعاً عن أبی عبدالله أنّه حکی لهما الأذان وفیه : « حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل »((4)) .

24 - الحسین بن علیّ صاحب فَخّ ( ت 169 ه )

کان الحسین یؤذن بها ویأمر أصحابه بالتأذین بها ، قال الحافظ العلوی : أخبرنا محمّد بن الحسین بن النحّاس قراءة ، حدّثنا علیّ بن العبّاس البجلی ، حدّثنا بکّار ،


1- التهذیب 2 : 59 ح 209 .
2- الاستبصار 1 : 305 ح 1133 .
3- الاستبصار 1 : 306 ح 1136 . وانظر : التهذیب 2 : 61 ح 212 .
4- انظر : التهذیب 2 : 60 ح 211 ، والاستبصار 1 : 306 ح 1135 .

ص:253

حدّثنا عنترة بن حسین العصافی ، قال : کان حسین بن علیّ صاحب فَخّ یقول فی أذانه « حیّ علی خیر العمل »((1)) .

وروی أبو الفرج الاصفهانی خبر ( صاحب فخ ) مع الوالی العمری ، وفیه : ان الحسین بن علیّ ( صاحب فخ ) ویحیی بن عبدالله بن الحسن « قتل سنة 175 ه- فی حبس الرشید » .

وسلیمان بن عبدالله بن الحسن « قتل بفخ سنة 169 ه- » .

و إدریس بن عبدالله بن الحسن « ت 177 ه- بالمغرب » .

وعبدالله بن الحسن الافطس « قتل ما بین 170 - 178 ه- » .

و إبراهیم بن إسماعیل طباطبا .

وعمر بن الحسن بن علیّ بن الحسن بن الحسین بن الحسن .

وعبدالله بن إسحاق بن إبراهیم بن الحسن بن الحسن بن علیّ « قتل بفخ 169 ه- » .

وعبد الله بن جعفر بن محمد بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب .

وجّهوا إلی فتیان من فتیانهم وموالیهم فاجتمعوا .. سته وعشرین رجلاً من ولد علیّ ، وعشرة من الحاج ، ونفر من الموالی ، فکانوا جمیعاً وراء التأذین العلنی بحیّ علی خیر العمل((2)) .

وسیأتی مزید کلام عنه وما فعله بالوالی العمری بعد قلیل((3)) .


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 89 ، وبتحقیق عزّان : 148 ح 188 .
2- انظر : مفصل الخبر فی الفصل الرابع ( حیّ علی خیر العمل تأر یخها العقائدی والسیاسی ) ومقاتل الطالبیین : 443 / 447 .
3- فی الفصل الرابع « حیّ علی خیر العمل ، تاریخها السیاسی والعقائدی » .

ص:254

25 - موسی بن جعفر الکاظم ( ت 183 ه )

سیأتی بعد قلیل((1)) ما رواه الصدوق عنه فی العلل عنه علیه السلام وأنّه أجاب محمّد بن أبی عمیر عن العلة الظاهرة والباطنة ل- « حیّ علی خیر العمل » .

26 - علیّ بن موسی الرضا ( ت 203 ه )

روی الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان فیما ذکره من العلل عن الرِّضا علیه السلام فی الأذان بالخصوص ، وقال فیما قال :... وإنّما هو نداء إلی الصلاة فی وسط الأذان ودعاء إلی الفلاح وإلی خیر العمل ، وجعل ختم الکلام باسمه کما فتح باسمه((2)) .

وروی فی العلل وفی عیون أخبار الرضا بأسانید أخری قوله « وإنّما هو نداء إلی الصلاة ، فجعل النداء إلی الصلاة فی وسط الأذان ، فقدَّم قبلها أربعاً : التکبیرتین والشهادتین ، وأخّر بعدها أربعاً یدعو إلی الفلاح حثّاً علی البرّ والصلاة ، ثمّ دعا إلی خیر العمل مرغباً فیها وفی عملها وفی أدائها ، ثمّ نادی بالتکبیر والتهلیل لیتم((3)) ... » .

27 - علیّ بن جعفر بن محمّد بن علیّ ( ت 210 ه )

قال الحافظ العلوی : حدّثنا أبی رضی الله عنه ، حدّثنا محمّد بن جعفر المُقری ، حدّثنا محمّد بن الحسین الأسنانی((4)) ، حدّثنا أحمد بن جناب ، عن علیّ بن جعفر بن محمّد ، قال : قال فی الأذان : « حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل »((5)) .


1- فی الفصل الثالث « حیّ علی خیر العمل ، دعوة للولایة وبیان لاسباب حذفها » .
2- من لا یحضره الفقیه 1 : 300 ح 914 ، علل الشرائع 1 : 259 .
3- علل الشرائع 1 : 259 / الباب 182 . والنصّ عنه ، عیون أخبار الرضا 2 : 104 . علة تشریع الأذان .
4- فی تحقیق عزّان : الاشنانی .
5- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 89 ، وبتحقیق عزّان : 149 .

ص:255

28 - أحمد بن عیسی ( ت 247 ه )

قال الحافظ العلوی : أخبرنا أبو عبدالله أحمد بن علیّ العطّار البجلی ، ومحمّد بن علیّ بن الحسین بن غزال الحارثی قراءةً علیهما ، قالا : حدّثنا علی ابن أحمد بن عمرو الحسنی((1)) ، حدّثنا محمّد بن منصور المقری ، قال : سألت أحمد بن عیسی ، قلت : إِذا أذّنت تقول : « حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل » ؟ قال : نعم .

قلت : فی الأذان والإقامة .

قال : نعم ولکنّی أخفیها((2)) .

واخری : قلت لأحمد بن عیسی ، تقول إذا أذنت « حیّ علی خیر العمل » ؟

قال : نعم .

قلت : فی الأذان والإقامة ؟

قال : نعم((3)) .

29 - الحسن بن یحیی بن الحسین بن زید بن علیّ (ت260 ه )

قال الحافظ العلوی : أخبرنا أبو عبدالله أحمد بن علیّ بن الحسن الهذلی قراءةً ، حدّثنا علیّ بن أحمد بن عمرو الحسنی ، حدّثنا الحسن بن یحیی بن الحسین بن زید بن علیّ ، قال : أجمع آل رسول الله صلی الله علیه و آله علی أن یقولوا فی الأذان والإِقامة : « حیّ علی


1- فی تحقیق عزّان : الجبان .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 90 ، وبتحقیق عزّان : 149 الحدیث 190 وراب الصدع 1 : 197 الرقم 237 وانظر الایضاح للقاضی نعمان : 109 وفیه معنی قوله : ( اخفیها ) بمعنی التقیه لان ذلک هو السنة .
3- المصدر السابق .

ص:256

خیر العمل » وأن ذلک عندهم سنّة . وقد سمعنا فی الحدیث أن الله سبحانه وتعالی بعث ملکاً من السماء إلی الأرض بالأذان وفیه « حیّ علی خیر العمل » . ولم یزل النبیّ صلی الله علیه و آله یؤذّن بحیّ علی خیر العمل حتّی قبضه الله ، وکان یُؤذَّن بها فی زمن أبی بکر ، فلمّا ولی عمر قال : دعوا « حیّ علی خیر العمل » لئلاّ یشتغل الناس عن الجهاد ، فکان أوّل مَن ترکها ((1)) .

وبعد کلّ هذا نقول : لو صحّ النسخ فلماذا نری إصرار بعض الصحابة والتابعین وکلّ أهل البیت علی شرعیّتها وضرورة الإتیان بها ؟

وهل یصح أن ینسخ حکم « حیّ علی خیر العمل » ولا یعلمه عبدالله بن عمر وعلیّ بن الحسین وأبو أمامة بن سهل بن حنیف سنوات بعد رسول الله ، فلو کان ثمة نسخ لَمَا خَفِی علیهم ، وما معنی کلام الإمام علیّ بن الحسین : « هذا هو الأذان الاول » ؟ أَلیس المعنیّ به هو الأذان الأول قبل التحریف ؟

إنّ إجماع أهل البیت وتأذین بعض الصحابه ب- « حیَّ علی خیر العمل » لَیؤکّد شرعیّة الإتیان بها وعدم نسخها .


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 91 ، وبتحقیق عزّان : 150 الحدیث 192 .

ص:257

القسم الثالث: إجماع العترة

مرّ علیک سابقاً فی ( تأذین الصحابة وأهل البیت ) أنّ الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام کان یقول ویأمر مؤذّنه أن یقول : حیّ علی خیر العمل .

والمدقق فی حدیث تشریع الأذان الذی رواه الإمام علیّ عن النبیّ یقف علی جزئیة « حیّ علی خیر العمل » فیه ، إذ جاء فی حاشیة الدسوقی ما نصه :

( کان علیّ یزید حیّ علی خیر العمل بعد حیّ علی الفلاح ، وهو مذهب الشیعة الآن )((1)) .

ومعنی کلامه أنّه علیه السلام کان یأتی بأمر أعرض عنه الخلفاء ، وهو فعل أبنائه من بعده کذلک حتّی استقرّت السیرة به عند الشیعة ؛ للاعتقاد بعدم الفصل بین فعل الإمام علیّ ومذهب الشیعة الآن ، لأنّ الشیعة یستقون فقههم وأحکامهم من الإمام علیّ وأبنائه المعصومین علیهم السلام .

وقد روی الحافظ العلوی ( أبو عبدالله ) بإسناده عن عبیدة السلمانی ، قال :

کان علیّ بن أبی طالب ، والحسن ، والحسین ، وعقیل بن أبی طالب ، وابن عباس ، وعبدالله بن جعفر ، ومحمّد بن الحنفیة یؤذنون إلی أن فارقوا الدنیا فیقولون ب- « حیّ علی خیر العمل » ویقولون : لم تزل فی الأذان((2)) .


1- حاشیة الدسوقی 1 : 193 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل : 109 الحدیث 107 ، الاعتصام 1 : 294 .

ص:258

وعنه کذلک عن الإمام الباقر علیه السلام قوله :

أذانی وأذان آبائی - علیّ ، والحسن ، والحسین ، وعلیّ بن الحسین - حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل((1)) .

وجاء فی معجم الأدباء لیاقوت الحموی فی ترجمة عمر بن إبراهیم بن محمّد المتوفی سنة 539 - من أحفاد الإمام زید الشهید - نقلاً عن السمعانی أنّه قال :

وکان خشن العیش ، صابراً علی الفقر ، قانعاً بالیسیر ، سَمِعتُه یقول : أنا زیدی المذهب ولکنّی أفتی علی مذهب السلطان - یعنی أبا حنیفة - إلی أن یقول السمعانی : وکنت ألازمه طول مقامی بالکوفة فی الکُوَرِ الخمس ، ما سمعت منه طول ملازمتی له شیئاً فی الاعتقاد أنکرته ، غیر أنّی کنتُ یوماً قاعداً فی باب داره وأخرج لی شذرة من مسموعاته وجعلت أفتقد فیها حدیث الکوفیین فوجدت فیها جزءاً مترجماً بتصحیح الأذان بحی علی خیر العمل ، فأخذته لأطالعه ، فأخذه من یدی وقال : هذا لا یصلح لک ، له طالبٌ غیرک ، ثمّ قال : ینبغی للعالم أن یکون عنده کلّ شی ، فإنّ لکلّ نوع طالباً((2)) .

فلو جمعت هذا النص مع الذی مر علیک من أنّ زیداً کان یأمر مؤذنه بالحیعلة الثالثة عندما یأمن أهل الشام ، وکذا من أنّ یحیی بن زید کان یأمر أصحابه بخراسان أن یحیعلوا فما زال مؤذنهم ینادی بها ، ومثله کلام إبراهیم بن عبدالله بن الحسن وانه کان یأمر أصحابه - إذا کانوا بالبادیة - أن یزیدوا فی الأذان حیّ علی خیر العمل((3)) .


1- مقدمة الأذان بحیّ علی خیر العمل لعزّان : 18 .
2- معجم الادباء 15 : 259 .
3- حیّ علی خیر العمل بتحقیق عزّان : 147 ح 186 و187 .

ص:259

وما قاله أحمد بن عیسی فی جواب من سأله عن التأذین بحیّ علی خیر العمل ؟

قال : نعم ، ولکن أُخفیها ((1)) .

فلو جمعت هذه النصوص بعضها إلی بعض لوقفت علی الظروف التی کان یعیشها الطالبیون ، وهی ظروف لم تکن مؤاتیة لإبداء آرائهم ، حتّی تری عمر بن إبراهیم رغم کونه زیدیاً یفتی علی مذهب السلطان ؛ لأن الفقه السائد یومئذ کان فقه أبی حنیفة ، فلا یرتضی أن یطّلع السمعانی علی الجزء المصحّح بالأذان

بحیّ علی خیر العمل ، فیأخذه منه ویقول له : « هذا لا یصلح لک ، له طالب غیرک » ثمّ یعلل سر وجود مثل هذه الکتب والأجزاء مصحّحة عنده بأنّه ینبغی « للعالم أن یکون عنده کلّ شیء ، فإن لکل نوع طالباً » لأن عمر بن إبراهیم کان یعرف السمعانی واهتماماته ، وقد أشار السمعانی نفسه إلی توجهاته الشخصیة بقوله : « ... وجعلت أفتقد فیها حدیث الکوفیین فوجدت ... » وفی هذا کفایة لمن أراد التعرف علی ملابسات التشریع وما دار بین الکوفة والشام والحجاز و.. من التخالف والتضاد .

هذا شیء عن ملابسات ( حیّ علی خیر العمل ) ، وهی تدلّ علی دور الحکومة بعدم التأذین بها . والآن مع أقوال بعض العلماء عن إجماع العترة علی التأذین بحیّ علی خیر العمل .

قال الشوکانی فی نیل الأوطار : ( ... والتثو یب زیادة ثابتة فالقول بها لازم ، والحدیث لیس فیه ذکر « حیّ علی خیر العمل » ، وقد ذهبت العترة إلی إثباته وأنّه بعد قول المؤذّن « حیّ علی الفلاح » ، قالوا : یقول مرّتین : حیّ علی خیر العمل ،


1- حیّ علی خیر العمل بتحقیق عزّان : 150 ح 190 واخرجه محمد بن منصور فی الامالی ] لابن عیسی [ 1 : 194 رقم 237 قال سألت أحمد ... الخ .

ص:260

ونسبه المهدیّ فی البحر إلی أحد قولَی الشافعی ، وهو خلاف ما فی کتب الشافعیّة ، فإنّا لم نجد فی شیء منها هذه المقالة((1)) ، بل خلاف ما فی کتب أهل البیت((2)) .

قال فی الانتصار: إنّ الفقهاء الأربعة لا یختلفون فی ذلک ، یعنی فی أنّ « حیّ علی خیر العمل » لیس من ألفاظ الأذان ، وقد أنکر هذه الروایة الإمام عزّ الدین فی شرح البحر وغیره ممّن له اطّلاع علی کتب الشافعیّة .

« احتج القائلون بذلک » بما فی کتب أهل البیت - کامالی أحمد بن عیسی ، والتجرید ، والأحکام ، وجامع آل محمّد - من إثبات ذلک سنداً إلی رسول الله صلی الله علیه و آله .

قال فی الأحکام : وقد صحّ لنا أنّ « حیّ علی خیر العمل » کانت علی عهد رسول الله یؤذّن بها ، ولم تُطرح إلّا فی زمن عمر . وهکذا قال الحسن بن یحیی ؛ روی ذلک عنه فی جامع آل محمّد .


1- یؤیّد صحّة کلام المهدّی ما قاله القاسم بن محمّد بن علیّ نقلاً عن توضح المسائل للمقری « قد ذکر الرویانی أنّ للشافعی قولاً مشهوراً بالقول به » ، وما قاله الشافعی عن التثو یب وأنّه لم یثبت عن ابی محذورة . ولو جمعنا هذین القولین وضممنا أحدهما إلی الآخر لاتّضح لنا ما نر ید قوله من الملازمة وعدم الفصل بین القول ( بحیّ علی خیر العمل ) وعدم القول ( بالصلاة خیر من النوم ) ، وکذا العکس ، إذ قد ثبت عن ابن عمر تأذینه ب- ( حیّ علی خیر العمل ) وکراهیته للتثویب ، ومثله الأمر بالنسبة إلی الإمام علی ، فالقائل بشرعیة « حیّ علی خیر العمل » لا یقبل شرعیة « الصلاة خیر من النوم » ، والقائل بشرعیة « الصلاة خیر من النوم » ینکر شرعیة « حیّ علی خیر العمل » ، فإنکار الشافعی للتثویب یرجح المنسوب إلیه من القول ب- «حیّ علی خیر العمل » . هذا وقد أشار الإمام المهدی أحمد بن یحیی المرتضی (المتوفی 840 ه-) فی البحر الزخار 2 : 191 إلی أنّ أخیر قولی الشافعی هو القول بالحیعلة الثالثة وذلک بعد أن اشار إلی إجماع العترة بذلک فقال : ( .. العترة جمیعاً ، وأخیر قولی الشافعی حیّ علی خیر العمل ) ، فتامل .
2- هذا قصور أو تقصیر من الشوکانی ، فقد عرفت إجماع العترة علی التأذین ب- « حیّ علی خیر العمل » ، وکان ینبغی له أن یحقّق فی المسألة قبل أن یقطع برأیه هذا .

ص:261

وبما أخرج البیهقی فی سننه الکبری بإسناد صحیح عن عبدالله بن عمر أنّه کان یؤذّن بحیّ علی خیر العمل أحیاناً .

وروی فیها عن علیّ بن الحسین أنّه قال : هو الأذان الأوّل .

وروی المحبّ الطبری فی أحکامه عن زید بن أرقم أنّه أذّن بذلک ، قال المحب الطبری : رواه ابن حزم ورواه سعید بن منصور فی سننه عن أبی أمامة ابن سهل البدری ، ولم یَروِ ذلک من طریق غیر أهل البیت مرفوعاً ، وقول بعضهم : وقد صحّح ابن حزم والبیهقی والمحبّ الطبری وسعید بن منصور ثبوت ذلک عن علیّ بن الحسین ... »((1)) .

وجاء فی کتاب الاعتصام بحبل الله : ... وفی الجامع الکافی : قال الحسن بن یحیی بن الحسین ] بن زید المتوفّی 260 [ : أجمع آل رسول الله علی أن یقولوا فی الأذان والإقامة ( حیّ علی خیر العمل ) وأن ذلک عندهم سنّة ، قال : وقد سمعنا فی الحدیث أنّ الله سبحانه بعث ملکاً من السماء إلی الأرض بالأذان ، وفیه : حیّ علی خیر العمل .. ولم یزل النبیّ صلی الله علیه و آله یؤذن بحیّ علی خیر العمل حتّی قبضه الله إلیه ، وکان یُؤَذَّنُ بها فی زمان أبی بکر ، فلما وَلِیَ عمر قال : دعوا حیّ علی خیر العمل لا یشتغل الناس عن الجهاد . وکان أوّل من ترکها((2)) .

وقال الاستاذ عزّان فی مقدمة کتاب ( الأذان بحیّ علی خیر العمل ) : ... وقال الإمام المؤیّد بالله أحمد بن الحسین الهارونی ( المتوفی 411 ه- ) : ومذهب یحیی - یعنی الهادی - وعامة أهل البیت التأذین بحیّ علی خیر العمل((3)) .

وقال القاضی زید بن محمّد الکلاری - وهو من أتباع المؤیّد بالله ولم یعاصره - :


1- نیل الاوطار 2 : 43 - 44 .
2- الاعتصام بحبل الله 1 : 278 عن الجامع الکافی مخطوط .
3- شرح التجرید مخطوط .

ص:262

التأذین به - أی بحیّ علی خیر العمل - إجماع أهل البیت لا یختلفون فیه ، ولم یرد عن أحد منهم منعه وإنکاره ، وإجماعهم عندنا حجّة یجب اتّباعها ((1)) .

وقال الإمام محمّد بن المطهر المتوفی 728 ه- : ویؤذن بحیّ علی خیر العمل ، والوجه فی ذلک اجماع أهل البیت((2)) ...

وقال العلاّمة صلاح بن أحمد بن المهدی المتوفی 1048 ه- : أجمع أهل البیت علی التأذین بحیّ علی خیر العمل((3)) .

وقال العلاّمة الشرفی المتوفی 1055 : وعلی الجملة فهو - أی الأذان بحیّ علی خیر العمل - إجماع أهل البیت ، وإنّما قطعه عمر((4)) .

وقال العلاّمة المحقق الحسن بن أحمد الحلال المتوفی 1084ه- - بعد أن ذکر اتفاق العترة علی التأذین بحیّ علی خیر العمل - : وإجماع العترة وعلیّ: ، وهما معصومان عن تعمد البدعة((5)) .

وقال شیخنا((6)) السیّد العلاّمة مجد الدین حفظه الله : وقد صحّ إجماع أهل البیت: علی الأذان بحیّ علی خیر العمل((7)) .

وذکر فی أمالی أحمد بن عیسی : ذهب آل محمّد أجمع إلی أثبات حیّ علی خیر العمل مرّتین فی الأذان بعد حیّ علی الفلاح .


1- شرح القاضی زید للتحریر مخطوط .
2- المنهج الحلی شرح مسند الإمام زید بن علی 1 : 77 مخطوط .
3- شرح الهدایة : 294 .
4- ضیاء ذوی الابصار مخطوط 1 : 61 .
5- ضوء النهار 1 : 469 .
6- الکلام لعزّان .
7- المنهج الاقوم فی الرفع والضم : 35 .

ص:263

وفی شرح الأزهار : ومنهما : حیّ علی خیر العمل ، یعنی أنّ من جملة ألفاظ الأذان والإقامة حیّ علی خیر العمل ؛ للأدلّة الواردة المشهورة عند أئمّة العترة وشیعتهم وأتباعهم وکثیر من الأمّة المحمدیّة التی شحنت بها کتبهم .

قال الهادی إلی الحق یحیی بن الحسن فی الأحکام : وقد صحّ لنا أن حیّ علی خیر العمل کانت علی عهد رسول الله یؤذّنون بها ، ولم تُطرح إلّا فی زمن عمر بن الخطّاب ، فإنه أمر بطرحها وقال : أخاف أن یتّکل الناس علیها ویترکوا الجهاد ، وفی المنتخب : وأمّا « حیّ علی خیر العمل » فلم تزل علی عهد رسول الله حتّی قبضه الله ، وفی عهد أبی بکر حتّی مات ، وانما ترکها عمر وأمر بذلک فقیل له : لم ترکتها ؟ فقال : لئلا یتّکل الناس علیها ویترکوا الجهاد((1)) . انتهی ما قاله عزّان .

وقال الصنعانی : إن صحّ إجماع أهل البیت - یعنی علی شرعیة حیّ علی خیر العمل - فهو حجة ناهضة((2)) .

وقال المقبلی عن أئمّة الزیدیّة : ولو صحّ ما ادعی من وقوع إجماع أهل البیت فی ذلک لکان أوضح حجّة((3)) .

ونحن فی الفصل الرابع « حیّ علی خیر العمل وتاریخها العقائدی والسیاسی » من هذا الباب سنوکّد هذا الإجماع عند أهل البیت ، وعند الشیعة بفرقها الثلاث ، ونوضّح سیر هذه المسألة وکیف صارت شعاراً لنهج التعبد المحض فی العصور المتأخرة بعد أن أُذِّن بها علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وکیف صار حذفها وإبدالها


1- الاحکام 1 : 84 ، شرح الازهار 1 : 223 ، البحر الزخار 2 : 191 ، الأذان للعلوی بتحقیق عزّان : 153 .
2- هذا ما حکاه عزّان فی کتابه « حیّ علی خیر العمل بین الشرعیة والابتداع » : 68 عن کتاب منحة الغفار المطبوع بهامش ضوء النهار .
3- انظر : مقدمة الأذان بحیّ علی خیر العمل لعزّان : 17 .

ص:264

ب- « الصلاة خیر من النوم » شعاراً لخصومهم ، وهو دلیل قوی علی ما نر ید قوله من وقوع الملابسات فی هذه الشعیرة الإسلامیة .

مؤکّدین بأنّا ببیاننا لهذه الأقسام الثلاثة أردنا أن نوضح وجهة نظرنا فی جزئیة هذا الفصل من فصول الأذان ، ولا نرید أن نحکّم آراءانا فوق کلام الباری وأقوال الرسول کما یفعله بعض متعصبی المذاهب الذین یرجّحون کلام إمام مذهبهم علی القرآن والسنة المطهرة ، مثل ما فعله الصاوی فی حاشیته علی تفسیر الجلالین إذ قال :

« ولا یجوز تقلید ما عدا المذاهب الأربعة ولو وافق قولَ الصحابة ، والحدیثَ الصحیح ، والآیةَ ، فالخارجُ عن المذاهب الأربعة ضالٌّ مضلٌّ ، وربّما أدّاه ذلک للکفر ؛ لأنّ الأخذ بظواهر الکتاب والسنة من أصول الکفر »((1)) .

یستبین ممّا سبق أنّ الشیعة لم ینفردوا بهذا القول ، بل هناک نقول عن الشافعی وبعض الأعلام فی القول بجزئیة « حیّ علی خیر العمل » . ومن المفید أن نقف قلیلاً عند هذا الأمر لنؤکد علی صحة ما قلناه من أنّ هذا الفصل « حیّ علی خیر العمل » کان جزءاً من الأذان علی عهد رسول الله إذ أمر النبیّ مؤذّنه بالتأذین به ، لکن المقدرات السیاسیة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله شاءت محوه وإزالته .

وممّا یؤیّد قولنا هذا ما قاله القاسم بن محمّد بن علیّ نقلاً عن « توضیح المسائل » لعماد الدین یحیی بن محمّد بن حسن بن حمید المقرئ ما لفظه : ومنها إثبات حیّ علی


1- حاشیة الصاوی علی تفسیر الجلالین 3 : 10 ط دار احیاء التراث العربی ، وقد رد الشیخ أحمد بن حجر آل بوطامی القاضی الأول بالمحکمة الشرعیة بدولة قطر علی کلام الصاوی فی کتاب أسماه ( تنزیه السنة والقرآن عن کونهما مصدر الضلال والکفران ) هذا ما قاله العلاّمة الخلیلی مفتی سلطنة عمان فی کتابه الحق الدامغ : 10 .

ص:265

خیر العمل ، قال : رواه الإمام المهدی أحمد بن یحیی فی بحره عن أخیر قولَی الشافعی قال : وقد ذکر الرویانی أنّ للشافعی قولاً مشهوراً بالقول به . وقد قال کثیر من علماء المالکیة وغیرهم من الحنفیة والشافعیة إنّه کان « حیّ علی خیر العمل » من ألفاظ الأذان .

قال الزرکشی فی کتابه المسمی بالبحر ما لفظه :

«ومنها ما الخلاف فیه موجود ] فی المدینة [ کوجوده فی غیرها ، وکان ابن عمر - وهو عمید أهل المدینة - یری إفراد الاذان ویقول فیه « حیّ علی خیر العمل » انتهی بلفظه((1)) .

إلی أن قال القاضی یحیی بن محمد بن حسن بن حمید ] المقری [ : فصحّ ما رواه الرویانی أنّ للشافعی قولاً مشهوراً فی إتیان « حیّ علی خیر العمل »((2)) .

وفی الروض النضیر : وقد قال کثیر من علماء المالکیة وغیرهم من الحنفیة والشافعیة أنّه کان « حیّ علی خیر العمل » من الفاظ الأذان((3)) .

وفی الاعتصام بحبل الله : وروی الإمام السروجی عن شرح الهدایة للحنفیة أحادیث « حیّ علی خیر العمل » بطرق کثیرة((4)) .

وبعد هذا اتضح سقم ما انفرد به أهل السنة والجماعة من القول بکراهة الإتیان بحیّ علی خیر العمل فی الأذان((5)) ؛ لأنّ فعل ابن عمر وإن قلنا بعدم دوامه فهو بیان


1- الاعتصام بحبل الله المتین 1 : 307 .
2- الاعتصام بحبل الله 1 : 308 .
3- الروض النضیر 1 : 542 .
4- الاعتصام 1 : 311 .
5- انظر المجموع للنووی 3 : 98 .

ص:266

لجواز الإتیان بها ، وفعل أبی أمامة بن سهل بن حنیف یؤکد جزئیتها وأنّها کانت علی عهد النبیّ صلی الله علیه و آله وکذا تأذین الإمام علیّ وعلیّ بن الحسین ، فهو دلیل علی مشروعیة هذا الفصل ، ویضاف إلیها أقوال العلماء فإنّها تدل فی أقل التقادیر علی عدم حرمة الإتیان بها .

ففی کتاب « الکبر یت الأحمر فی بیان علوم الشیخ الأکبر » علی هامش یواقیت الجواهر للشعرانی ، التصریح بعدم الکراهیة ، قال فیه ] أی الشیخ الأکبر فی الفتوحات المکیة [ : ما عرفتُ مستند مَن کره قول المؤذن « حیّ علی خیر العمل » فإنّه روی أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله أمر بها یوم حفر الخندق ...

وحکی الشیخ حسن فخر الدین البلتستانی عن صاحب ( حاشیة منهیة ) من علماء الهند : إنّ ابن تیمیة زعم فی منهاجه علی بدعة « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان ، فهذا تشدّد منه نحن لا نوافق معه فی ذلک((1)) .

وقال مهمّش مراتب الإجماع ما هذا نصه : فلا یکون هذا - حیّ علی خیر العمل - بدعة الروافض کما یزعم ابن تیمیة((2)) .

وبهذا عرفت أنّ « حیّ علی خیر العمل » فصل قد أُذِّن به علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وعمل به الصحابة وأهل البیت ، وذهب بعض الأعلام إلی شرعیته وعدم کراهة الإتیان به .

نعم ، إنّ أتباع النهج الحاکم ترکوه ، ولم یرووا فیه إلّا القلیل ، وقالوا عن الموجود أنّه قد نسخ ؟!


1- حاشیة منهیة : 2 . انظر : کلام ابن تیمیة فی منهاج السنة النبویة 4 : 165 .
2- مراتب الاجماع لابن حزم : 27 ، انظر : منهاج السنة النبویة 6 : 293 - 294 .

ص:267

هذا وقد تمخض من کلّ ما سبق أُمور :

1 - اتفاق الفریقین علی أصل شرعیتها فی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وانفراد أهل السنة والجماعة بدعوی النسخ ، وقد تحدی السیّد المرتضی أن یأتوه بالناسخ ، بقوله :

وإنّما ادعی أنّ ذلک نُسخ ورفع ، وعلی من ادعی النسخ الدلالة وما یجدها .

2 - ذکرنا فی القسم الثانی الدلیل الثانی من أدلّتنا علی جزئیة الحیعلة الثالثة وهو فعل الصحابة وأهل البیت ، فذکرنا فیه اسم ثلاثین شخصاً أذّنوا ب- « حیّ علی خیر العمل » من الصحابة والتابعین وأهل البیت .

3 - إجماع العترة واتفاق الشیعة بفرقها الثلاث علی الحیعلة .

4 - واخیراً ختمنا الکلام عن جزئیة الحیعلة الثالثة بما حکی عن الشافعی وبعض الاعلام من القول بجزئیتها . وسوف نُثبت لاحقاً - إن شاء الله - وجود ملازمة بین القول ب- « حیّ علی خیر العمل » وعدم القول ب- « الصلاة خیر من النوم » ؛ لأنّ القائل بشرعیة أحدهما لا یقول بشرعیة الآخر . وحیث ثبت عن الشافعی رجوعه - فی أواخر أیام حیاته - عن التثویب لعدم ثبوت صحة حدیث أبی محذورة عنده یرجح المنسوب من القول ب- « حیّ علی خیر العمل » إلیه ، ومثله الکلام عن مالک وغیرهم من الأحناف والمذاهب الأخری .

ص:268

ص:269

الفصل الثانی: حذف الحیعلة وامتناع بلال عن التأذین ؟

ص:270

ص:271

قبل البدء فی بیان بحوث هذا الفصل لابدّ من معرفة معنی ما قاله أحد الصادِقَیْن((1)) فیما رواه عنه أبو بصیر ، أنّه قال : إنّ بلالاً کان عبداً صالحاً فقال : لا أُؤَذِّنُ لأحد بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ، فتُرِکَ یومئذ « حیّ علی خیر العمل »((2)) .

ولو ثبت هذا الخبر وصح الحدیث لصار زمن سقوط حیّ علی خیر العمل من الأذان بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله وفی عهد أبی بکر بالذات ، وهذا یخالف المشهور بین الطالبیین والمتّفق علیه عند الشیعة الإمامیة ، والزیدیّة ، والاسماعیلیّة ، فإنّهم جمیعاً قد أطبقوا علی إسقاطها فی عهد عمر بن الخطّاب ، فما یعنی ما رواه أبو بصیر إذاً ؟

الحدیث الآنف هو بصدد التعر یف ببلال الحبشی مؤذّن رسول الله صلی الله علیه و آله وأنّه کان صلب العود شجاعاً فی مبادئه ، وعبداً صالحاً ، ومعناه : لو کان بلال مؤذناً فی العصور اللاَّحقة لما تُرک حیّ علی خیر العمل ؛ وذلک لإیمانه وتقواه وثباته علی العقیدة ، لکن لما ترک بلال - بل اضطُرَّ إلی ترک - الأذان بعد رسول الله صلی الله علیه و آله کان فی ذلک فرصة للآخرین بالزیادة والنقیصة فیه((3)) .

ولک الحقّ أن تسأل عن علّة ترک بلال للأذان بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وعن الأقوال التی قیلت فی ذلک ، وهل یصح حقاً ما نقل عن بلال بأنّه طلب من أبی بکر


1- أی الإمام الباقر أو الإمام الصادق علیهم السلام .
2- من لا یحضره الفقیه باب الأذان والإقامة 1 : 184 ح 872 .
3- کزیادة ( الصلاة خیر من النوم ) فیه أو نقیصة ( حیّ علی خیر العمل ) منه .

ص:272

أن یذهب إلی الشام کی یرابط علی ثغور المسلمین ، أو أنّه قال : لا أطیق أن أؤذّن بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ، أو غیر ذلک ؟

إنّ الدقّة فی معرفة سیر الأحداث تفرض علینا أن نقول : إنّ ترک بلال للأذان لم یکن لمجرّد حالة نفسیة وردّة فعل تجاه وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله ، لأنّ بلالاً کان أتقی وأورع من أن یترک منصباً نصبه فیه رسول الله صلی الله علیه و آله طیلة حیاته ، ذلک لأنّ النبیّ صلی الله علیه و آله لم ینصّبه مؤذِّناً شخصیّاً له ، بل أعطاه دور مؤذّن الإسلام ، فکیف یترک هذا الدَّور الشریف لمجرّد موت النبیّ صلی الله علیه و آله ؟! وهو أعلم الناس بما قاله رسول الله صلی الله علیه و آله فی فضل الأذان والمؤذنین .

بل کیف تعقل صیاغة عذر ترجیحه للجهاد فی الشام علی التأذین للمسلمین ، مع أنّ الرسول الأکرم صلی الله علیه و آله أمر المسلمین أن ینضووا تحت لواء أُسامة وفیهم أبو بکر وعمر وغیرهما من الصحابة ، ومن الثابت أنّ بلالاً کان مستثنی من هذا الأمر الجهادی ، حیث أطبق التاریخ والمؤرّخون علی أنّه کان عند رسول الله صلی الله علیه و آله یؤذّن له حتّی آخر لحظة من لحظات حیاته الشریفة ، فکیف ترک التأذین ورجّح الجهاد ؟!

إن هذا ما لا یعقل فی حق بلال ، خصوصاً وأنّه لم یُعهد عنه اتخاذه موقفاً مرتبکاً عند موت النبیّ صلی الله علیه و آله کما حدث ذلک لعمر بن الخطّاب((1)) ، بل تلقّی الحادث کباقی المسلمین بألم وأسی ، واضعاً نصب عینیه قوله تعالی : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَی أَعْقَابِکُمْ} ((2)) ، وقوله تعالی : {إِنَّکَ مَیِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَیِّتُونَ} ((3)) .


1- تاریخ الطبری 3 : 202 - 203 فی أحداث سنة 11 ه- ، وأُسد الغابة 3 : 221 .
2- آل عمران : 144 .
3- الزمر : 30 .

ص:273

فما قیل فی ترک بلال للأذان لمجرّد وفاة النبیّ

صلی الله علیه و آله لا یمکن الرکون إلیه بحال من الأحوال ، خصوصاً وأنّ بلالاً لو بقی علی أذانه لکان ذلک أقوی للمسلمین وأثبت لنفوسهم ، حیث یظلّون یعیشون مع الرسول وذکریاته السماو یة العطرة ، بل یکون ذلک أبْعَثَ للمسلمین علی الجهاد ، لأنّه یذکّرهم بأ یّام کان ینادی فیها بمحضر النبیّ بالصلاة جامعة للجهاد والخروج والقتال .

علی أنّنا نری أنّهم یستعیضون عن بلال بسعد القرظ الذی لم یؤذن علی عهد رسول الله إلّا ثلاث مرّات بقباء - ان صح النقل - وأبی محذورة الذی کان یستهزئ بالأذان وبرسول الله((1)) ، فلماذا لم یخرج سعد القرظ للجهاد إذا کان الجهاد أفضل من التأذین ؟!

و إذا کان بلال قد ترک الأذان لترجیح الجهاد علیه ، فلماذا لا نری له أیّ مشارکة فی قتال المرتدین ؟! ولماذا لم یرد اسمه مع أبی بکر فی حروب الردّة ؟ ونحن نعلم بأنّ حروب الردة قد طالت - بین موت النبیّ صلی الله علیه و آله وبدء فتوح الشام - فاصلة زمنیة تقارب سنة((2)) أو أقل .

ولماذا لم یؤذِّن بلال فی هذه المدّة لأبی بکر ، إذ کان بوسعه أن یؤذّن له ، حتّی إذا بدأت مسیرة جیوش المسلمین للشام ترکه واشتغل بالجهاد ؟

إنّ بقاء بلال فی المدینة ولو فترةً قصیرة لم یؤذّن فیها لأبی بکر ، إنّما یعنی شیئاً ؟ فما هو ؟ حتّی إذا بدأت الجیوش بالزحف نحو الشام ، خرج بلال - طائعاً أو مکرها - إلی الشام وبقی فیها .


1- هذا ما سنوضّحه لک فی الباب الثانی من هذه الدراسة « الصلاة خیر من النوم شرعة أم بدعة » فانتظر .
2- بدأت حروب الردة بعد أربعین أو ستین أو سبعین یوماً من وفاة النبیّ ، وانتهت بمقتل مسیلمة فی ربیع الاول سنة 12 ه- .

ص:274

وعلیه لا یصحّ التبر یر المطروح من ترک بلال الأذانَ ترجیحاً للجهاد علیه ، بل یبدو أنّ هذا العذر والتبریر اختُلِقَ لدعم فکرة حذف الحیعلة الثالثة ترجیحاً للجهاد علیها - وهی فکرة عمر بن الخطّاب التی صرّحت بها روایات عدیدة - بدعوی أنّ الجهاد - لا الصلاة - هو خیر العمل ، ومعنی کلامهم أن بلالاً ترک الأذان ترجیحاً للجهاد علیه !!

فإذا لم یصح هذا التبریر فلنا أن نقول : إنّ هناک أمراً آخر دعاه إلی اتخاذ هذا الموقف . فما هو ؟

یبدو أنّ وراء ترک بلال للأذان سرّاً کامناً ، لأنّه ترک الأذان بمجرّد تسلّم أبی بکر للخلافة ، ویظهر أنّه بقی فی المدینة مدّة یسیرة قد لا تتجاوز وقت وفاة فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله أو تتجاوزها بأیام قلائل .

وما قیل من أنّ بلالاً أذّن لأبی بکر مدّة خلافته ، ثمّ رجّح الجهاد فی زمان عمر فهو شیء لا یصحّ ؛ لأنّ بلالاً کانت له مشارکات فی فتوح الشام ، وهذا یعنی أنّه کان مع جیوش المسلمین ، وقد تفطّن ابن کثیر إلی ذلک قائلاً :

ولمّا توفّی رسول الله صلی الله علیه و آله ترک بلال الأذان ، ویقال : أذّن للصدّیق أیّام خلافته ، ولا یصحّ((1)) .

وقد علق النووی فی المجموع علی کلام ابن قسیط الذی قال بأن بلالاً کان یسلم علی ابی بکر وعمر فی آذانه یقول : وهذا النقل بعید أو غلط ، فان المشهور المعروف عند أهل العلم بهذا الفن ان بلالاً لم یؤذن لابی بکر ولا عمر وقیل اذن لابی بکر رضی الله عنهم ، وروایة ابن قسیط هذه منقطعه فانه لم یدرک ابا بکر ولا عمر ولا بلالاً رضی الله عنهم((2)) .


1- البدایة والنهایة 4 : 7/104 احداث سنة عشرین من الهجرة .
2- المجموع 3 : 125 .

ص:275

وکأنّ امتناع بلال من التأذین لأبی بکر بعد النبیّ

صلی الله علیه و آله لم یَرُق لرجال النهج الحاکم ، لأنّه تبدو منه معالم معارضته للخلافة الجدیدة ، من هنا وضعوا شتی المختلقات لتوجیه عدم تأذینه له ، وکأنّ الأقرب للواقع أنّه اضطُرّ إلی ترک المدینة متّجهَّا نحو الشام ، إذ کانت الشام منفی المعارضین ، وکان ستار الجهاد خیر وسیلة لإبعاد المعارضین ، حیث ذهب سعد بن عبادة الأنصاری مکرهاً إلی الشام فقتل هناک غیلة ، ونفی فی زمان عثمان أبو ذر ومالک الأشتر وغیرهما من المعارضین إلی الشام وحبوس معاویة((1)) ، ولا یستبعَد أن یکون بلال قد رأی - نتیجة ضغوط أبی بکر وعمر علیه کما ستعلم - أنّ الذهاب إلی الشام أسلَمَ له ، وأبعد عن عیون السلطة .

و یؤکّد لنا أنّ وراء امتناع بلال من التأذین لأبی بکر أمراً مخفیّاً ، عدمُ امتناعه من التأذین لأهل البیت ، حیث أذَّن لفاطمة الزهراء بعد رسول الله صلی الله علیه و آله مرّة ، وأذّن لولدیها الحسن والحسین علیهما السلام مرّة أخری بعد وفاة فاطمة ، وذلک ما لم یختلف فیه المؤرخون وأرباب السیر .

روی الصدوق : أنّه لما قُبض النبیّ صلی الله علیه و آله امتنع بلال من الأذان وقال : لا أؤذّن لأحد بعد رسول الله

صلی الله علیه و آله ، وإن فاطمة قالت ذات یوم : إنّی أشتهی أن أسمع صوت مؤذّن أبی بالأذان ، فبلغ ذلک بلالاً فأخذ فی الأذان ، فلمّا قال : « الله أکبر الله أکبر » ذکرت أباها صلی الله علیه و آله وأ یّامه فلم تتمالک من البکاء ، فلمّا بلغ إلی قوله « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » شَهِقت فاطمة شهقةً وسقطت لوجهها وغُشی علیها ، فقال الناس


1- تاریخ الیعقوبی 2 : 172 وفیه نفی أبی ذر إلی الشام ، وتاریخ الطبری 4 : 317 - 326 / احداث سنة 33 وذکر فیه تسیر عثمان جماعة من أهل الکوفة إلی الشام منهم مالک الأشتر .

ص:276

لبلال : أمِسکْ یا بلال ، فقد فارقت ابنةُ رسول الله الدنیا ، وظنّوا أنّها قد ماتت ، فقَطَع أذانه ولم یُتمّه ، فأفاقت فاطمة وسألته أن یُتّم الأذان فلم یفعل ، وقال لها : یا سیّدة النسوان ، إنی أخشی علیک مما تُنزلینه بنفسک إذا سمعتِ صوتی بالأذان ، فأعفته عن ذلک((1)) .

وهذا یدلّ علی وجود بلال فی المدینة قبل وفاة الزهراء 2 ، ولم یکن قد خرج منها بعدُ إلی الشام ، وهذا یؤکد أنّ أبا بکر بقی أربعین یوماً((2)) - علی أقل التقادیر - یدبّر أموره قبل أن یجهز لقتال المرتدین ، وظل یقاتل المرتدین مدّة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزید عن سنة قبل أن یسیِّر الجیوش التی فتحت الشام بعد أن کان جیش أسامة رجع عن وجهة الشام دون قتال .

وقد علمتَ أنّ بلالاً لم یشارک فی قتال المرتدین ، بل صرّحوا بأنّه أقام فی المدینة إلی أن خرجت بعوث الشام((3)) .

کان بلال إذاً فی المدینة ولم یؤذّن لأبی بکر ، فلماذا لم یؤذّن لأبی بکر ؟! إنّه تساؤل یفرض نفسه ، ویبحث عن اجابة .

روی إبراهیم بن محمد بن سلیمان بن بلال بن أبی الدرداء ، حدثنی أبی محمد بن سلیمان ، عن أبیه سلیمان بن بلال ، عن أم الدرداء ، عن أبی الدرداء ، قال : إنّ بلالاً رأی فی منامه النبیّ صلی الله علیه و آله وهو یقول له : ما هذه الجفوة یا بلال ؟! أما آن لک أن تزورنی یا بلال ؟


1- من لا یحضره الفقیه 1 : 298 / ح 907 ، وانظر : الدرجات الرفیعة : 365 - 366 .
2- وقیل : ستین یوماً ، وقیل سبعین یوماً ، انظر : تاریخ الطبری 3 : 241 ، والیعقوبی 2 : 127 .
3- انظر : کنز العمّال 13 : 305 ح 36873 ، مختصر تاریخ دمشق 5 : 265 . بل قال ابن أبی حاتم أنّه خرج إلی الشام فی خلافة عمر . انظر : المراسیل : 108 ، وعنه فی تهذیب الکمال 17 : 373 .

ص:277

فانتبه حزینا وجلاً خائفاً ، فرکب راحلته وقصد المدینة ] من الشام [ ، فأتی قبر النبی صلی الله علیه و آله فجعل یبکی عنده ویمرّغ وجهه علیه .

فأقبل الحسن والحسین فجعل یضمّهما ویقبِّلهما ، فقالا له : یا بلال ، نشتهی أن نسمع أذانک الذی کنت تؤذّنه لرسول الله صلی الله علیه و آله فی السَّحَر ، ففعل ، فَعَلا سطح المسجد ، فوقف موقفه الذی کان یقف فیه ، فلمّا أن قال : « الله أکبر الله أکبر » ارتجّت المدینة .

فلما أن قال : « أشهد أن لا إله إلّا الله » زاد تعاجیجها ، فلما أن قال : « أشهد أن محمّداً رسول الله » خرج العواتق من خدورهنّ ، فقالوا : أبُعِث رسول الله صلی الله علیه و آله ؟! فما رؤی یوماً أکثر باکیاً وباکیة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله من ذلک الیوم((1)) .

لقد ثبت أنّ بلالاً أذّن لفاطمة بعد وفاة رسول الله

صلی الله علیه و آله وقبل خروجه إلی الشام ، وأذّن للحسن والحسین بعد وفاة فاطمة عند رجوعه من الشام لزیارة قبر رسول الله صلی الله علیه و آله ، بل روی أنّه کان یرجع کلّ سنة مرّة إلی المدینة فینادی بالأذان للمسلمین إلی أن مات((2)) ، فلماذا لم یؤذّن للخلیفة الأوّل ، ومن بعده للثانی ؟!

إنّ حقیقة امتناع بلال من التأذین تتجاوز مسألة ترحیله إلی الشام للمشارکة فی الجهاد ، بل إنّ المسألة لَتصل إلی معارضته لأصل خلافة أبی بکر وعمر ولأنّه أبی


1- تاریخ دمشق 7 : 136 ترجمة رقم 493 قال : انبأنا أبو محمد بن الاکفانی ، نا عبدالعزیز بن أحمد ، نا تمام بن محمد ، نا محمد بن سلیمان ، نا محمد بن الفیض ، نا أبو إسحاق إبراهیم بن محمد بن سلیمان بن بلال بن أبی الدرداء ، ثم ذکر باقی الاسناد ، والنص عنه ، ومختصر تاریخ دمشق 4 : 118 ، 5 : 265 ، أسد الغابة 1 : 208 . وانظر : تهذیب الکمال 4 : 289 ، حیث أبدل « الحسن والحسین » ب- « بعض الصحابة » .
2- انظر : الدرجات الرفیعة : 367 ، نقلاً عن کتاب المنتقی .

ص:278

- کما یبدو - أن یؤذّن لهما بالأذان الذی بُدِّل فیه وغُیِّر ، والذی سخّروا له من بعد سعد القرظ مولی قریش ، الذی ظل مؤذّناً حتّی للحجّاج الثقفی ، ولم یکن له أیّ دور فی المدینة فی زمان النبیّ

صلی الله علیه و آله .

قال النووی فی تهذیب الاسماء : جعل النبیّ صلی الله علیه و آله سعد القرظ مؤذناً بقباء ، فلما ولی أبو بکر الخلافة وترک بلالٌ الأذان نقله أبو بکر إلی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله لیؤذن فیه فلم یزل یؤذن فیه حتّی مات فی أیّام الحجاج بن یوسف الثقفی ، وتوارث بنوه الأذان . وقیل : الذی نقله عمر بن الخطاب((1)) .

ولکنّ بلالاً مع ذلک لم یمتنع عن التأذین لأهل البیت والمسلمین المخلصین - ولذلک قال جعفر بن محمّد : رحم الله بلالاً فإنّه کان یحبنا أهل البیت((2)) - ، بل إنّه امتنع عن التأذین لرجال النهج الحاکم ورؤوس الخلافة وحدهم .

روی الشیخ المفید بسنده عن الصادق علیه السلام أنّه قال : وکان بلال مؤذّن رسول الله صلی الله علیه و آله ، فلمّا قبض رسول الله صلی الله علیه و آله لزم بیته ولم یؤذّن لأحد من الخلفاء((3)) .


1- تهذیب الأسماء 1 : 207 .
2- الاختصاص : 73. ویدل علی اختصاص بلال بعلیّ وأهل البیت وعدم إیمانه بشرعیة خلافة أبی بکر ، ما روی فی تفسیر الحسن العسکری : فی ان بلالاً کان یعظّم أمیر المؤمنین علیه السلام ویوقره أضعاف توقیره لأبی بکر ، فقیل له فی ذلک مع أنّ أبا بکر کان مولاه الذی اشتراه واعتقه من العذاب ، فأجاب من ذلک بأحسن جواب ، فکان فیما قال : ان حقَّ علیٍّ أعظم من حقه ، لأنّه أنقذنی من رق العذاب الذی لو دام علیّ وصبرت علیه لصرت الی جنات عدن ، وعلیّ انقذنی من رق العذاب الأبد ، واوجب لی بموالاتی له وتفضیلی إیّاه نعیم الأبد «تفسیر العسکری 621/ ح 365» . هذا وقد بقی بلال إلی آخر لحظات عمره الشریف موالیاً لمحمّد وآل محمّد ، وقد ردد قبل موته نفس الشعار الذی ردده عمار فی صفین من بعد : غداً سنلقی الأحبّة محمّداً وحزبه « مختصر تار یخ دمشق 5 : 267 » .
3- الاختصاص : 73 .

ص:279

وقال المزّی : ویقال : إنّه لم یؤذّن بعد النبیّ صلی الله علیه و آله ، إلّا مرّة واحدة ، فی قَدمة قَدِمها لزیارة قبر النبیّ صلی الله علیه و آله ، وطلب إلیه الصحابة ذلک فأذّن ، ولم یُتمّ الأذان ...((1))

وفی کتاب أصفیاء أمیر المؤمنین ، روی عن ابن أبی البختری ، قال : حدّثنا عبدالله بن الحسن : انّ بلالاً أبی أن یبایع أبا بکر ، وإنّ عمر جاء وأخذ بتلابیبه ، فقال : یا بلال ، إنّ هذا جزاء أبی بکر منک ؟! إنّه أعتقک فلا تجیء تبایعه ؟!

فقال بلال : إن کان أبو بکر أعتقنی لله فلیدعنی له ، وإن کان أعتقنی لغیر ذلک فها أنا ذا((2)) .

وأمّا بیعته فما کنت أبایع أحداً لم یستخلفه رسول الله ، وإنّ بیعة ابن عمّه یوم الغدیر فی أعناقنا إلی یوم القیامة ، فأیّنا یستطیع أن یبایِع عَلَی مولاه ؟

فقال له عمر : لا أمّ لک ، لا تُقِمْ معنا !

فارتَحَلَ إلی الشام((3)) ...


1- انظر کلام المزی فی تهذیب الکمال 4 : 289 ، ومثله ما حکاه الحصنی الشامی « ت 829 ه- » فی کتابه دفع الشبه عن الرسول : 182 عن الحافظ عبدالغنی المقدسی فی کتابه الکمال فی ترجمة بلال - وأنّه قد قال بهذا القول قبل المزّی - . وقد یکون مقصود المزّی والمقدسی من جملة « طلب إلیه الصحابة » هو طلب الحسن والحسین ، إذ لم یقل أحد بأنه أذن للصحابة علی نحو العموم ، وکذا لا یصحّ ما قاله بأن بلالاً لم یؤذّن بعد النبیّ إلّا مرّة واحدة ؛ لثبوت تأذینه لفاطمة الزهراء قبل رحلته إلی الشام .
2- لا یخفی علیک أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله هو الذی اشتری بلالاً وأعتقه ، لکن بواسطة أبی بکر إذ کانت عنده علاقات حسنة مع کفار قریش ولم یکن وَتَرهم .
3- الدرجات الرفیعة : 367 ، عن کتاب أصفیاء أمیر المؤمنین . وقد روی الوحید البهبهانی قریباً من هذا فی التعلیقة ( انظر : معجم رجال الحدیث 4 : 272 ) . .

ص:280

وفی کتاب کامل البهائی - لعماد الدین الطبری((1)) - : إنّ بلالاً امتنع عن بیعة أبی بکر والأذان له((2)) .

فعلی هذا یکون بلال قد عارض خلافة أبی بکر ، وامتنع من التأذین له مع بقائه بالمدینة ، لعدم إیمانه بشرعیة خلافته ، ولأنّه وعمر أرادا منه ما یأباه ، خرج إلی الشام مکرهاً لا ترجیحاً للجهاد علی منصبه النبوی فی التأذین ، ولاردّة فعل منه تجاه وفاة الرسول المصطفی صلی الله علیه و آله .

فإنّ بلالاً لم یبایع لهما ، وبقی معارضاً للغاصبین فی صفّ علیّ وغیره من عیون الصحابة ، وقد أذّن فی هذه المدّة لفاطمة ، وکان علی اتصال بأهل البیت ، ثمّ إنّهم بعد وفاة فاطمة وإجبار علیّ علی البیعة ، ونفی سعد بن عبادة إلی الشام ، وکسرهم سیف الزبیر ، ووو .... أجبروا بلالاً علی مغادرة المدینة تحت غطاء القتال فی جبهات الشام ، وکان قد عاد إلی المدینة لز یارة قبر النبیّ صلی الله علیه و آله ، فأذّن للحسن والحسین .

وبهذا ، فإنّ مختلقة تأذینه لعمر((3)) فی الجابیة بالشام ، قد وضعت للتغطیة علی


1- الذی فرغ من تألیفه سنة 675 ه-.ق .
2- الأربعین للماحوزی : 257 ، نقلاً عن کامل البهائی .
3- وضعت روایات مفادها أنّ بلالاً أذّن لعمر فی الجابیة ، وقد وردت بأربعة طرق : أوّلها : ما رواه الطبری فی تاریخه 4 : 65 / أحداث سنة 17 ه- ، قال : « کتب إلی السری ، عن شعیب ، عن سیف ] بن عمر التمیمی [ ، عن مجالد عن الشعبی » . وهذا الإسناد فیه سیف بن عمر الوضاع المتّهم بالزندقة . ثانیها : ما رواه البیهقی فی سننه 1 : 419 ، وابن عساکر فی تاریخه 10 : 471 ، والذهبی فی سیره 1 : 357 ، وکلها تنتهی إلی « أبی الولید أحمد بن عبدالرحمن القرشی ، حدّثنا الولید بن مسلم ، قال : سألت مالک بن أنس ... » . وهذا الإسناد فیه أحمد بن عبدالرحمن القرشی الذی لم یسمع من الولید بن مسلم قط ، وکان شبه قاصٍّ ، وقالوا عنه : لا تقبل شهادته علی تمرتین . ناهیک عن الولید بن مسلم الذی کان رفّاعاً للحدیث کثیر الخطأ وروی عن مالک عشرة أحادیث لیس لها أصل ، وکان ردیء التدلیس . ثالثها : ما ذکره البخاری فی التاریخ الصغیر والذهبی فی سیرة 1 : 357 والنص عن البخاری : « حدّثنا یحیی بن نشر ، حدّثنا قراد ، أخبرنا هشام بن سعد ، عن زید بن أسلم ، عن أبیه » . وهذا الإسناد فیه هشام بن سعد الذی ضعفه أحمد بن حنبل وابن سعد ویحیی بن معین والنسائی ، وقال أبو حاتم الرازی : لا یحتج به ، وقال ابن حبان : کان ممن یقلب الاسانید وهو لا یفهم ، ویسند الموقوفات من حیث لا یعلم ، وبطل الاحتجاج به . رابعها : ما أخرجه ابن الأثیر فی أسد الغابة عن أولاد سعد القرظ . وفی هذا الإسناد أولاد سعد القرظ المجهولون کما مرّ علیک . ولا یفوتنّک أنّ أولاد سعد القرظ أرادوا التغطیة علی نزاع بلال مع الخلفاء الذی أدّی إلی ترکه الأذان ، حتّی جاءوا بسعد القرظ فجعلوه بدیلاً عن بلال رحمه الله ، واستمرّ التأذین الرسمی فی ذریّته کما عرفت .

ص:281

نزاع بلال مع عمر فی شأن کیفیة توزیع الأراضی المفتوحة وأمثالها ، حیث قام بلال إلی عمر فقال : لتقسمنّها أو لنتضاربَنّ علیها بالسیف((1)) .

ولما أبی عمر ذلک ، ودعا علی بلال ومن معه بالهلاک((2)) ، سألَ بلال عمرَ البقاء فی الشام واعتزال باقی الفتوحات ، ففعل ذلک عمر((3)) ، فبقی بلال فی دمشق إلی أن مات بها .

وقد کان أبو بکر قد أغضب بلالاً فی زمن النبیّ صلی الله علیه و آله ، فأمر النبیّ أبا بکر أن یترضّاه ، قالوا :

مرّ أبو سفیان ببلال وسلمان وصهیب ، فقالوا : ما أخَذَت سیوفُ الله من عُنُق هذا بعدُ مأخذها ، فقال أبو بکر الصدیق : أتقولون هذا لشیخ قریش وسیّدها ؟!

فذهب أبو بکر إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فأخبره بذلک ، فقال له النبیّ صلی الله علیه و آله :


1- السنن الکبری للبیهقی 6 : 318 .
2- الروض الأنف 6 : 581 ، المبسوط للسرخسی 10 : 16 .
3- اسد الغابة 2 : 79 ، تار یخ دمشق 16 : 21 ، الاصابة 4 : 72 .

ص:282

یا أبا بکر لعلّک أغضبتهم ، لئن کنت أغضبتهم لقد أغضبت ربّک ، قال : فرجع أبو بکر ، فقال : یا إخوة ، لعلّکم غضبتم . قالوا : یغفر الله لک یا أبا بکر((1)) !

وقد کان بین بلال وعمر اختلاف فی وقت الأذان ، أدّی بهم من بعد أن یختلقوا صحة أذان ابن أم مکتوم الأعمی فی الفجر ، مخطّئین أذان بلال لعدم تشخیصه الفجر الصادق ، لضعف فی بصره !!((2))

روی الأوزاعی أنّ بلالاً أتی عمر بن الخطّاب فقال : الصلاة الصلاة ، فردّدها علیه ، فقال له عمر : نحنُ أعلمُ بالوقت منک ، فقال له بلال : لاَنا أعلم بالوقت منک ، إذ أنت أضلّ من حمار أهلک((3)) !

وفی زحمة هذا التضادّ السیاسی الفقهی بین بلال من جهة ، وأبی بکر وعمر وأتباعهما من جهة ، یبدو أنّهم طلبوا منه حذف « حیّ علی خیر العمل » وإبدالها ب- « الصلاة خیر من النوم » ، فرفض بلال ذلک ، ولذلک رفضوا بلالاً ورفضهم ، ونسبوا إلی بلال ضعف البصر واللثَّغة فی اللسان وغیرها من الأمور الجارحة ، وجاءوا بدله بسعد القرظ وأبی محذورة ، ووضعوا أحادیث نسبوها إلی بلال ، وکأنّه أذّن ب- « الصلاة خیر من النوم » فی زمان النبیّ ، مع أنّ الصحیح نسبته إلی بلال عکس ذلک ، فإنّه اذّن ب- « حیّ علی خیر العمل » لا الصلاة خیر من النوم .

علی أنّ بلالاً کان هو أقرب المشاهدین لما واجهوا به النبیَّ قبیل وفاته ، وکیف تخلفوا عن جیش أسامة ، وقدّموا أبا بکر للصّلاة .

کان بلال علی علم بما یجری من حوله ، ولذلک اعتزل القوم ونجا بدینه وأذانه


1- مختصر تاریخ دمشق 5 : 261 .
2- هذا ما تقف علیه فی الباب الثانی من هذه الدراسة : « الصلاة خیر من النوم » فراجع .
3- مختصر تاریخ دمشق 5 : 266 - 267 .

ص:283

الذی رواه لنا أهل البیت عن جبرئیل عن الباری والذی لیس فیه « الصلاة خیر من النوم » .

لکنّ عمر بن الخطّاب لمّا استتّب له الأمر ، سعی لتطبیق ما یرجوه ، فحذف الحیعلة الثالثة وأبدلها بالصلاة خیر من النوم ، وهو الواقع الذی رواه الأعلام من المسلمین :

قال سعد التفتازانی فی حاشیته علی شرح العضد ، والقوشجی فی شرح مبحث الإمامة وغیرهم : إنّ عمر بن الخطاب خطب الناس وقال : أیها الناس ، ثلاث کُنَّ علی عهد رسول الله أنا أنهی عنهنّ وأحرمهنّ وأعاقب علیهن ، وهی : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحیّ علی خیر العمل((1)) .

وقال الحافظ العلوی : أخبرنا محمّد بن طلحة النعالی البغدادی ، حدثنا محمّد بن عمر الجعابی الحافظ ، حدّثنا إسحاق بن محمّد ] بن مروان [ ، حدّثنا أبی ، حدّثنا المغیرة بن عبد الله ، عن مقاتل بن سلیمان ، عن عطاء ، حدّثنا أبی ] السائب بن مالک [عن عمر أنّه کان یؤذن

بحیّ علی خیر العمل ، ثمّ ترک ذلک وقال : أخاف أن یتکل الناس((2)) .

وجاء فی کتاب الاحکام - من کتب الزیدیة - : قال یحیی بن الحسین صلوات الله علیه : وقد صحّ لنا أنّ « حیّ علی خیر العمل » کانت علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله یؤذن بها ولم تطرح إلّا فی زمن عمر بن الخطاب ، فإنّه أمر بطرحها وقال : أخاف أن یتّکل الناس علیها ، وأمر بإثبات « الصلاة خیر من النوم » مکانها .


1- شرح التجرید : 374 ، کنز العرفان 2 : 158 ، الغدیر 6 : 213 ، والبیاضی فی الصراط المستقیم 3 : 277 عن الطبری فی المسترشد : 516 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی ، بتحقیق عزّان : 99 ، وانظر : صفحه 63 منه .

ص:284

قال یحیی بن الحسین رضی الله عنه : والأذان فأصله أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله عُلِّمهُ لیلة المسری ، أرسل الله إلیه ملکاً فعلّمه إیّاه ، فأما ما یقول به الجهال من أنّه رؤیا ...((1)) .

وعن نافع ، عن ابن عمر : أنّه کان یؤذن فیقول : حیّ علی خیر العمل ، ویقول کانت فی الأذان فخاف عمر أن ینکل الناس عن الجهاد .

وعن الباقر قال ، کان أبی علیّ بن الحسین یقول إذا أذّن : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل . قال : وکانت فی الأذان ، وکان عمر لمّا خاف ان یتثبط الناس عن الجهاد ویتکلوا ، أمرهم فکفوا عنها((2)) .

وعن الإمام زید بن علیّ : أنّه قال : ممّا نقم المسلمون علی عمر أنّه نحی من النداء فی الأذان حیّ علی خیر العمل ، وقد بلغت العلماء أنّه کان یؤذّن بها رسول الله حتّی قبضه الله عزّ وجلّ ، وکان یؤذن بها لأبی بکر حتّی مات ، وطرفاً من ولایة عمر حتّی نهی عنها((3)) .

وعن جعفر بن محمّد قال : کان فی الأذان حیّ علی خیر العمل ، فنقصها عمر((4)) .

وعن أبی جعفر الباقر علیه السلام ، قال : کان الأذان بحیّ علی خیر العمل علی عهد رسول الله ، وبه أمروا أیّام أبی بکر وصدراً من أیّام عمر ، ثمّ أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والإقامة ، فقیل له فی ذلک فقال : إذا سمع الناس أنّ الصلاة


1- الإحکام 1 : 84 .
2- انظر : الأذان بحیّ علی خیر العمل : 79 .
3- الاذان بحی علی خیر العمل : 29 - 30 وهامش السنه للإمام زید : 83 .
4- النصوص عن ابن عمر والباقر ، وزید ، وجعفر بن محمد موجودة فی الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی بتحقیق عزّان : 63 .

ص:285

خیر العمل تهاونوا بالجهاد وتخلفوا عنه . وروینا مثل ذلک عن جعفر بن محمّد ، والعامة تروی مثل هذا ...((1))

وروی القاضی زید الکلاری فی شرح التحر یر ، عن الإمام القاسم بن إبراهیم أنّه قال : فأمّا « حیّ علی خیر العمل » فکانت فی الأذان ، فسمعها عمر یوماً فأمر بالإمساک فیه عنها وقال : إذا سمعها الناس ضیّعوا الجهاد لموضعها واتّکلوا علیها((2)) .

وقال فی المنتخب : وأمّا « حیّ علی خیر العمل » فلم تَزَل علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله حتّی قبضه الله عزّوجلّ ، وفی عهد أبی بکر حتّی مات ، وإنّما ترکها عمر وأمر بذلک ، فقیل له : لم ترکتها ؟

فقال : لئلّا یتّکل الناس علیها ویترکوا الجهاد((3)) .

وعن الحسن بن یحیی بن الحسین بن زید بن علیّ ، قال : لم یَزَل النبیّ صلی الله علیه و آله یؤذن بحیّ علی خیر العمل حتّی قبضه الله ، وکان یؤذّن بها فی زمن أبی بکر ، فلمّا ولی عمر قال : دعوا « حیّ علی خیر العمل » لا یشتغل الناس عن الجهاد ، فکان أوّل من ترکها ((4)) .


1- دعائم الإسلام 1 : 142 ، بحار الأنوار 81 : 156 . وجاء فی کتاب الایضاح للقاضی نعمان المتوفی 363 ه- والمطبوع فی (میراث حدیث شیعه) 10 : 108 :.. فقد ثبت انه اذن بها علی عهد رسول الله حتی توفاه الله تعالی وان عمر اقطعه وقد یزید الله فی فرائض دینه بکتابه وعلی لسان نبیه ما شاء لا شریک له وانا ذاکر ما جاءت به الروایة من الأذان بحی علی خیر العمل - وبدأها بهذا الخبر - : فی کتب ابن الحسین علی بن فرسند ]ورسند[ روایته عن احمد عن الحسین عن لولو عن بشر عن ابی جعفر محمد بن علی قال : اسقط عمر من الأذان حی علی خیر العمل فنهاه علی فلم ینته .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل بتحقیق عزّان : 153 .
3- الأذان بحیّ علی خیر العمل بتحقیق عزّان : 153 . وانظر الایضاح للقاضی نعمان : 108 .
4- الأذان بحیّ خیر العمل ، للحافظ العلوی بتحقیق عزّان : 63 - 64 .

ص:286

وقال الفضل بن شاذان ( المتوفّی 260 ه- ) مخاطباً أهل السنّة : ... ورویتم عن أبی یوسف القاضی - رواه محمّد بن الحسن عن أصحابه - وعن أبی حنیفة ، قالوا : کان الأذان علی عهد رسول الله وعلی عهد أبی بکر وصدراً من خلافة عمر یُنادی فیه « حیّ علی خیر العمل » .

فقال عمر بن الخطاب : إنّی أخاف أن یتّکل الناس علی الصلاة إذا قیل : « حیّ علی خیر العمل » ویَدَعُوا الجهاد ، فأمر أن یطرح من الأذان « حیّ علی خیر العمل »((1)) .

إنّ کل هذه النصوص دالّة علی أنّ إسقاط « حیّ علی خیر العمل » من الأذان کان فی عهد عمر بن الخطّاب ، وأنّ الصحابة کانوا قد أذّنوا بها علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وعلی عهد أبی بکر ، وصدراً من خلافة عمر ، وأنّ عمر سمعها یوماً فأمر بالإمساک فیه عنها وقال : إذا سمعها الناس ضیّعوا الجهاد .

إنّ عمر نفَّذَ فی أثناء تسلّمه أزمّة الأمور ما کان یطمح إلیه من حذف « حیّ علی خیر العمل » التی کانت فی أذان المسلمین ، وقد سمعت أنّ مما نقمه المسلمون علی عمر حذفه « حیّ علی خیر العمل » .

و یبدو أنّه لم یتسنَّ لعمر أن یحذفها بعد وفاة النبیّ صلی الله علیه و آله مباشرة وإن حاول ذلک ، وکان الجهاد قائماً علی سوقه أیضاً ، لکنّه نجح فی ذلک عند استلامه الخلافة مسکتاً المعارضین بالقوة والشدة المعهودتین منه .

ومن هنا تعرف أنّ المقصود من کلمة بلال « لا أوذّن لأحد بعد رسول الله » أنّها تعنی : أننی لا أوذّن لأحد اغتصب الخلافة ظلماً بعد رسول الله ، ومن جدّ فی حذف ما یدل علی الإمامة والولایة وإسقاطها من الأذان((2)) .


1- الایضاح : 206 وراجع کتاب العلوم 1 : 92 والاعتصام بحبل الله المتین 1 : 296 ، 299 ، 304 .
2- هذا ما سنبحثه فی الفصل القادم « حی علی خیر العمل دعوة إلی الولایة » .

ص:287

وبهذا فلیس هناک تخالف بین مارواه أبو بصیر وما قالته الشیعة - بفرقها الثلاث - وذلک للدور الذی لعبه عمر بن الخطاب إبّان عهد الخلیفة الأوّل فی رسم الخطوط العامة للحکم الذی یرتضیانه ، إذ أقرّ تلک التطلعات بعد بسط نفوذه فی خلافته ، ممّا دعا بلالا الی أن یترک الأذان ویقول : « لا أوذّن لأحد بعد رسول الله » .

وخلاصة القول : أنّ الحیعلة الثالثة « حیّ علی خیر العمل » کانت علی زمن رسول الله صلی الله علیه و آله ، وزمن أبی بکر ، وصدراً من خلافة عمر ، ثمّ حذفها عمر فی أیّام حکومته ، وأنّه کان یقصد إلی ذلک منذ حروب الردة ، ثمّ أراد تطبیقها بعد وفاة النبیّ صلی الله علیه و آله ، لکنّه اصطدام بمعارضة بلال مؤذن النبیّ صلی الله علیه و آله الذائع الصِّیت ، الذی رفض أنْ یؤذن لرموز الخلافة المغتصبة ، فأبعدوه وأبدلوه بسعد القرظ ، فتسنی لهم ما أرادوا من بعد ، فتمهّدت لهم الأرضیة لذلک بعد إقصاء بلال عن منصبه الذی وضعه فیه النبیّ صلی الله علیه و آله . وقد دلّت کلّ النصوص والأحداث التاریخیة علی أنّ حذفها کان فی حکومة عمر ، ودلَّ خبرُ أبی بصیر عن أحد الصادقَین - الذی صدّرنا هذا الفصل به - علی أنّ عمر کان قاصداً هذا القصد من قبل ، ثمّ نفّذهُ فی أیّام استخلافه .

هذا من ناحیة ، ومن ناحیة أخری - کما ستعرف فی الباب الثانی « الصلاة خیر من النوم شرعة أم بدعة » - أنّ إضافة « الصلاة خیر من النوم » أیضاً کانت من مبتکرات عمر بن الخطاب ، الذی رفع الحیعلة الثالثة وجعل مکانها « الصلاة خیر من النوم » فسار الأمویّون والمجتهدون من بعده علی مساره ، وأحکموا ما ذهب إلیه عمر ، حتّی صار فی العصور اللاحقة تلازم بین إثبات الحیعلة الثالثة ورفض التثویب عند نهج التعبد ، وفی المقابل ثمّة تلازم بین حذف الحیعلة الثالثة واثبات التثویب عند نهج الاجتهاد والحکومات . وقد تطور الأمر - کما سیأتیک - إلی أن صار ذلک شعاراً سیاسیّاً لکل من طرفَی النزاع .

ص:288

وفی هذا المقام نلحظ ما رواه زید النرسی - فی أصله - عن أبی الحسن الکاظم علیه السلام ، حیث قال : « الصلاة خیر من النوم » بدعة بنی أمیة ، ولیس ذلک من أصل الأذان »((1)) ، فإن الإمام الکاظم کان ناظراً إلی استفحال هذا التثویب وشیوعه واتخاذه طابع العموم والانتشار فی زمن بنی أمیّة الذین ساروا فی هذا المجال علی خطی عمر بن الخطاب ، وأ یّدوا نهج الاجتهاد والرأی فی مقابل نهج التعبد المحض ، وبذلک لا یکون ثمة تخالف بین القول بأنّها بدعة وضعت فی عهد عمر بن الخطاب والقول بأنّها بدعة أمویة ؛ لأن الثانیة حکّمت ما شرّع فی عهد الشیخین .

وبعد هذا نتساءل : هل تصحّ هذه العلّة « أی علّة الخوف من ترک الناس للجهاد » لحذف هذا الفصل من فصول الأذان ، أم أنّ هناک دافعاً آخر وراء هذا الأمر ؟ هذا ما سنوضحه فی الفصل اللاحق .


1- مستدرک الوسائل 4 :44 .

ص:289

الفصل الثالث: حیّ علی خیر العمل دعوة إلی الولایة ، وبیان لأسباب حذفها

اشارة

ص:290

ص:291

ذکرت کتب الحدیث والتاریخ أنّ ل- « حیّ علی خیر العمل » مَعنَیَین : ظاهریّ وباطنیّ :

أمّا المعنی الظاهری لجملة « حیّ علی خیر العمل » فهو : أنّ خیر الأعمال الصلاة والدعوة إلی إتیانها ، وهذا هو الفهم الاوّلی المتبادر للذهن .

وتدلّ علیه روایة الصدوق فی علل الشرائع وعیون أخبار الرضا فیما رواه من العلل عن الإمام الرضا علیه السلام ... فقال : أخبِرنی عن الأذان ، لِم أُمروا به ؟

قال : لعلل کثیرة ، منها : أن یکون تذکیراً للساهی ، وتنبیهاً للغافل ، وتعر یفاً لمن جهل الوقت ... إلی أن یقول : فجعل النداء إلی الصلاة فی وسط الأذان ، فقدّم قبلها أربعاً : التکبیرتین والشهادتین ، وأخّر بعدها أربعاً : یدعو إلی الفلاح حثاً علی البر والصلاة ، ثمّ دعا إلی خیر العمل مرغّباً فیها وفی عملها وفی أدائها ، ثمّ نادی بالتکبیر والتهلیل لیتمّ بعدها أربعاً ...((1)) .

أما المعنی الباطنی المکنون - الذی یعرفه أهل البیت ومن نزل فی بیوتهم الکتاب والوحی - فهو ما رواه الصدوق فی معانی الأخبار وعلل الشرائع ، بإسناده عن محمّد بن مروان ، عن الباقر علیه السلام ، قال : أتدری ما تفسیر « حیّ علی خیر العمل » ؟


1- علل الشرائع : 259 الباب 182 ، عیون أخبار الرضا 2 : 103 .

ص:292

قال ، قلت : لا .

قال : دعاک إلی البرّ ، أتدری بِرُّ مَن ؟

قلت : لا .

قال : دعاک إلی برِّ فاطمة وولدها((1)) .

وقال الحافظ العلوی : أخبرنا محمّد بن أحمد قراءة ، أخبرنا محمّد بن أبی العبّاس الوراق فی کتابه ، أخبرنا محمّد بن القاسم ، حدّثنا حسن بن عبدالواحد ، حدّثنی حرب بن حسن ، حدّثنا الحارث بن زیاد - یعنی الطحان - حدّثنا محمّد بن مروان ، قال : سمعت أبا جعفر وسأله رجل عن تفسیر الأذان قال ، فقال له : الله أکبر ، قال : فهو کما قال الله أکبر من کلّ شیء ... حتّی بلغ : حیّ علی خیر العمل ، قال : أمّا قوله : حیّ علی خیر العمل ، قال : فأمرک بالبر ، تدری برّ مَن ؟

قال الرجل : لا .

قال : بر فاطمة وولدها ((2)) .

وفی خبر آخر عن الصادق علیه السلام : سئل عن معنی « حیّ علی خیر العمل » . فقال : خیر العمل الولایة((3)) .

هذا وقد علّل الإمام الکاظم سببَ حذف عمر بن الخطاب لهذه العبارة من الأذان بسبیین : ظاهری وباطنی .

إذ روی الصدوق فی کتاب علل الشرائع بسنده الحسن بل الصحیح عن ابن أبی عمیر أنّه سأل أبا الحسن ( الکاظم ) عن « حیّ علی خیر العمل » لِمَ ترکت من الأذان ؟


1- معانی الاخبار : 42 ، علل الشرائع : 368 الباب 89 ، وعنهما فی بحار الأنوار 81 : 141 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی بتحقیق عزّان : 135 الحدیث 169 .
3- التوحید للصدوق : 241 ، وعنه فی بحار الانوار 81 : 134 .

ص:293

قال : تر ید العلة الظاهرة أو الباطنة ؟

قلت : أریدهما جمیعاً .

فقال : أمّا العلة الظاهرة فلئلاّ یدع الناس الجهاد اتّکالاً علی الصلاة ، وأمّا الباطنة فإنّ « خیر العمل » الولایة ، فأراد مِن أمره بترک « حیّ علی خیر العمل » من الأذان أن لا یقع حثٌّ علیها ودعاءٌ إلیها((1)) .

فما وجه الترابط بین الصلاة والدعوة إلی برّ فاطمة وولدها ؟

بل ما یُعنی بمجیء الولایة وبرّ فاطمة وولدها فی الأذان للصلاة ؟

وهل حقاً أنّ جملة « خیر العمل » هی الولایة أم أنّها : الصلاة ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ؟.. وهل هناک تناف بین الرؤ یتین .

وهل یصحّ مضمون الروایة القائلة بأنّ عمر أراد من أمره بترکها أن لا یقع حثٌّ علی الولایة ودعاءٌ إلیها ؟ أم هناک شیء آخر ؟

وما هی المقدّمات التی تساعدنا علی تفهّم مقصود الإمام أبی الحسن الکاظم فی علّة حذف عمر بن الخطاب لعبارة « حیّ علی خیر العمل » .

بل بماذا تفسّر الشیعة هذه المقولة وما جاء عن أبی جعفر الباقر بأن الإسلام بُنی علی خَمس : الصلاة والصوم والزکاة والحجّ والولایة ، ولم یُنادَ بشیء کما نُودی بالولایة((2)) .

بل کیف تکون الولایة أهمّ من کلّ شیء ؟ وهل هی أهمّ من الشهادتین کذلک ؟ ولماذا تُرجع الشیعة کلَّ شیء إلی الولایة ؟

إنّ أئمّة أهل البیت قد أجابوا عن هذه التساؤلات ، وأنّ المعنیّ عندهم ب- « ما


1- علل الشرائع : 368 العلة 89 . وعنه فی بحار الأنوار 81 : 140 .
2- المحاسن 1 : 445 - 446 باب الشرایع ، والکافی 2 : 18 باب دعائم الإسلام ح 1 و3 و8 .

ص:294

نُودی بشیء کالولایة » وأمثالها لا یعنی أنّها أهم من الشهادتین ، بل إنّ أمر الشهادتین مفروغ منه ؛ لأن الإمام قال : ( بنی الإسلام علی خمس ) ومعناه : أنّ الإسلام المؤلّف من الشهادتین قد بنی علی خمس : الصلاة ، الصوم ، الزکاة ، الحج ، الولایة ، وأن الولایة أفضلها ، وما نودی بشیء کالولایة ، لکون الإمامة امتداداً للنبوّة ، لا أنّها قبال النبوة والتوحید - کما یصوّره البعض - فلا یمکن معرفة الله إلّا بالنبی ، ولا یمکن معرفة النبیّ صلی الله علیه و آله والله جل جلاله معرفةً مقبولة صالحة إلّا بالإمام المفترض طاعته ، وهذا ما وضّحته کتب الإمامیة ، وأشار إلیه العلماء فی کتبهم الکلامیة .

إذ الاعتقاد بالإمامة لا یُترک بحال ، فهی لیست کالصلاة والصوم والزکاة والحجّ التی قد یرخّص فی ترکها فی ظروف خاصة ؛ فالحائض مثلاً تترک الصلاة ، والمر یض معفوّ عن الصوم ، والزکاةُ والحجّ ساقطان عن الفقیر ، أما الولایة فهی واجبة علی المکلّف سواء کان صاحیاً أم مر یضاً ، وذا مال أو معسراً((1)) و... لأنّها من الأصول التی یبتنی علیها قوام الشر یعة ، وبها تقام الأحکام ، وقد مرّ علیک کلام الإمام الزیدی یحیی بن الحسین - فی کتابه الأحکام - عن الأذان ، وأنّه من أصول الدین ، إشعاراً منه بمکانة هذه الشعیرة وما تحمله من مفاهیم وأفکار .

فالأذان وإن کان من شعائر الدین ، لکنّ فصوله تنطوی علی أهم أصول الدین ، والاعتقاد بالإمامة عندنا من أصول المذهب ، وقد وضّح الإمام الباقر علیه السلام


1- جاء فی الخصال : 278 ح 21 باب الخمسة بسنده عن أبی حمزة الثمالی قال : « قال أبو جعفر علیه السلام : بنی الإسلام علی خمس : اقام الصلاة ، وإیتاء الزکاة ، وحج البیت ، وصوم شهر رمضان ، والولایة لنا أهل البیت ، فجعل فی أربع منها رخصة ، ولم یجعل فی الولایة رخصة . من لم یکن له مال لم تکن علیه الزکاة ، ومن لم یکن له مال فلیس علیه حج ، ومن کان مریضاً صلی قاعداً وافطر شهر رمضان ، والولایة صحیحاً کان أو مریضاً أو ذا مال أو لا مال له فهی لازمه » .

ص:295

مکانة الإمامة بین العبادات الخمس ، وقد سأله عنها زرارة بقوله : وأیّ شیء من ذلک أفضل ؟

قال : الولایة أفضل ؛ لأنّها مفتاحهنّ ، والوالی هو الدلیل علیهنّ - إلی أن قال - إنّ أفضل الأشیاء ما أنت علیه إذا فاتَکَ لم یکن منه توبة دون أن ترجع إلیه فتؤدّیه ...

وعلیه فمبحث الإمامة والولایة من المسائل المهمة والمختلف فیها بین المسلمین ، بل من المسائل المتجذرة فی تاریخ الإسلام ، وقد کتب فیها الأعلام مصنفات کثیرة ولا یسع هذه الدراسة الإحاطة بجوانبها ، لکننا نکتفی بالإشارة إلی قلیل من مجموع مئات الأدلّة المستدلّ بها علی الإمامة ، نأتی بها کی نوضّح معنی ومقصود الإمام الکاظم ، وکیف : أنّ الولایة خیر من الجهاد والصلاة وسواهما .

بعض أدلّة الولایة

ولیکن الکلام أولاً عن آیة المودّة ؛ مفهومها ومعطیاتها ، وهل تعنی المحبة کما یقولون أم تعنی شیئاً أکثر من مجرّد المحبة ؟

بل هل هناک اختلاف بین قوله : {مَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ} ، وقوله : {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} ؟

وعلی أیّ شیء تدل هذه الآیة الأخیرة بالتحدید ؟

وهل یعقل أن یحصر شخصٌ رسالیٌّ عظیم کرسول الله صلی الله علیه و آله أجرَ رسالته - الّتی ما أوذی نبی مثل ما أوذی صلی الله علیه و آله هو علیها - بحبّ أقربائه وعشیرته ؟

وهل إنّ قرار الرسول هذا جاء لتحکیم أسرته وعشیرته وتقویة الروح القبلیة والنزعة العشائر یة التی کانت سائدة عند العرب فی الجاهلیة - والعیاذ بالله - ؟

أم أنّه صلی الله علیه و آله أراد بذلک أموراً أخری تعبّر عن إرادة السماء ؟

ص:296

ثمّ مَن هم أقرباؤه المعنیّون فی هذه الآیة ؟

المعلوم أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله أوجب مودّة قرباه لا لتعظیم الجانب القبلی والعشائری ، إذ الثابت عن رسالة السماء أنّها تخالف هذه النزعة الجاهلیة الضیّقة ؛ حیث ذمّ الباری عمَّ النبیّ وزوجة عمّه فی سورة نزلت فی عمّ رسول الله ، أبی لهب ، دون اعتبار لنسبه منه صلی الله علیه و آله : {تَبَّتْ یَدَا أَبِی لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَی عَنْهُ مَالُهُ وَمَا کَسَبَ * سَیَصْلَی نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَ امْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِی جِیدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} .

إذاً لا یکون المعنیُّ بالقربی عشیرته وأقرباءَه بما هم أقرباؤه وعشیرته ، بل المعنیّ بذلک فئة خاصة منهم ، لهم سمات وخصائص تجعلهم أمناء علی دین الله وواسطة للفیض الإلهی ، وهؤلاء هم الصادقون والمطهرون الذین أذهب الله عنهم الرجس ، وقد نوّهنا بطرف من منزلتهم فیما مضی .

إذ لا یعقل أن یأمر اللهُ ورسولُه المؤمنین بالتودّد إلی مَن لیس بأهل للمودّة ، وإلی من هو منحرف عن الجادة - والعیاذ بالله - بل إنّ أمره بالتودد إلیهم یشیر إلی أنّ لهؤلاء القربی خصائص یتمیّزون بها لیست للآخرین ، کالعلم والفضل والتقوی والصبر و... وهذه المقوّمات هی التی جعلت من هؤلاء قدوة ، وقد عرّفهم سبحانه فی آیة التطهیر وحصرهم بمن تحت الکساء وهم بعد النبیّ محمَّد صلی الله علیه و آله : علیّ وفاطمة والحسن والحسین .

من یعرف الدین الإسلامی یعلم بأنّ الإسلام یهتم بالقیم والمثل لا العلائق والاتجاهات القبلیة والعشائر یة ، فقد جعل رسولُ الله سلمانَ الفارسی من أهل بیته لما امتلکه من مؤهّلات وخصائص ذاتیة ومعنویة مع عدم امتلاکه أی علائق مع النبیّ صلی الله علیه و آله من الوجهة القبلیة والإقلیمیة .

قال أبو فراس فی هذا المعنی من النَّسب الإیمانی :

کانت مودّةُ سلمان لَهُ رحماً ولم یکن بَینَ نوح وابنِهِ رَحِمُ

ص:297

المسألة إذاً أعظم مما تُصوِّره مدرسة الخلفاء ونهج الاجتهاد والرأی من أن الآیة تعنی المحبّة بما هی محبة مجرّدة ، وأنّ رسول الله أراد الاهتمام بعشیرته وأقربائه وذویه ، بل إنّ آیة المودّة تشیر إلی مبدأ آخر واضح للمفکّر اللّبیب ، لأنّ الشارع لا یأمر بمحبة من هو لیس بأهل أو بمحبة الفاسق والفاجر - والعیاذ بالله - بل سبحانه یأمر بمودّة من له خصوصیة أن یکون واسطة للفیض الإلهی وصیانة الأحکام ، وإجراء الحدود علی وجهاتها الصحیحة ، وحفظ الثغور ، وتقسیم الفیء ، وردّ الشبهات ، وغیرها من مستلزمات صیانة الدین الحنیف وحفظه ، وهو دلیل علی سلامة القربی المعنیین فی الآیة من العیب والنقص ، إذ جعلهم عِدلاً للقرآن الذی لا یأتیه ریب ، وعلّق أجر رسالته - التی لاقی الصعاب من أجلها - علی مودتهم .

قال الزمخشری فی الکشاف بعد طرحه سؤالاً وجوابه : وروی أنّها لمّا نزلت ، ] قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی [قیل : یا رسول الله ، من قرابتک هؤلاء الذین وجبت علینا مودّتهم ؟ قال : علیّ وفاطمة وابناهما . ویدل علیه ما روی عن علیّ رضی الله عنه : شکوت إلی رسول الله حسد الناس لی ، فقال : أما ترضی أن تکون رابع أربعة : أوّل من یدخل الجنَّة ، أنا وأنت والحسن والحسین ، وأزواجنا عن أیماننا وشمائلنا ، وذر یّتنا خلف أزواجنا ((1)) .

وعن النبیّ صلی الله علیه و آله : حرمت الجنَّة علی من ظلم أهل بیتی وآذانی فی عترتی . ومَن اصطنع صنیعة إلی أحد من ولد عبدالمطّلب ، ولم یُجازِه علیها ، فأنا أجازیه علیها غداً إذا لقینی یوم القیامة((2)) .


1- انظر : فضائل الصحابة ، لأحمد بن حنبل 2 : 624 ح 1068 وفیه زیادة : وشیعتنا من ورائنا .
2- انظر : مسند زید بن علی : 463 و466 الباب 4 فی فضل الحسنین ( نشر دار الحیاة ) وهذا المطلب غیر موجود فی ما اعتمدناه فی تخریج الروایات عن مسند زید ، فانه ینتهی إلی آخر کتاب الفرائض ، وهو من منشورات دار الکتب العلمیة .

ص:298

وروی أنّ الأنصار قالوا : فَعَلنا وفَعَلنا ؛ کأنّهم افتخروا . فقال عبّاس - أو ابن عبّاس رضی الله عنهما - : لنا الفضل علیکم ، فبلغ ذلک رسول الله فأتاهم فی مجالسهم ، فقال : یا معشر الأنصار ، ألم تکونوا أذلّة فأعزّکم الله بی ؟

قالوا : بلی یا رسول الله .

قال : ألم تکونوا ضُلاّلاً فهداکم الله بی ؟

قالوا : بلی یا رسول الله .

قال : أفلا تجیبونی ؟

قالوا : ما نقول یا رسول الله ؟

قال : ألا تقولون : ألم یخرجک قومک فآویناک ؟ أو لم یکذّبوک فصدّقناک ؟ أو لم یخذلوک فنصرناک ؟

قال : فما زال یقول حتّی جَثَوا علی الرُّکَب ، وقالوا : أموالنا وما فی أیدینا لله ولرسوله ، فنزلت الآیة وقال رسول الله :

من مات علی حبّ آل محمّد مات شهیداً ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستکمل الإیمان ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد بشّره ملک الموت بالجنّة ثمّ منکر ونکیر ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد یُزَفّ إلی الجنَّة کما تُزَف العروس إلی بیت زوجها ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد فُتح له فی قبره باباً إلی الجنّة ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائکة الرحمة ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد مات علی السنة والجماعة ، ألا ومن مات علی بغض آل محمّد جاء یوم القیامة مکتوب بین عینیه « آیس من رحمة الله » ، ألا ومن مات علی بغض آل محمّد مات کافراً ، ألا ومن مات علی بغض آل محمّد لم یَشمَّ رائحة الجنّة » ....((1))


1- تفسیر الکشاف 3 : 403 ، وفی تفسیر القرطبی 16 : 21 - 23 فی ذیل الآیة حکی عن الثعلبی هذه الروایة فذیّله ب- ( ومن مات علی بغض آل بیتی فلا نصیب له من شفاعتی ) .

ص:299

وقد نقل الرازی کلام الزمخشری فی تفسیره معلقاً علیه بقوله :

وروی صاحب الکشّاف أنّه لما نزلت هذه الآیة قیل : یا رسول الله ، مَن قرابَتُک هؤلاء الذین وَجَبت علینا مودّتُهم ؟

فقال : علی وفاطمة وابناهما .

فثبت أنّ هؤلاء الأربعة أقارب النبی ، وإذا ثَبَت هذا وجب أن یکونوا مخصوصین بمزیدِ التعظیم ، ویدل علیه وجوه :

الأوّل : قوله تعالی : {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} ووجه الاستدلال به ما سبق .

الثانی : لا شکّ أنّ النبی کان یحبّ فاطمة ، قال صلی الله علیه و آله : فاطمةُ بضعةُ مِنّی یُؤذینی ما یُؤذیها ، وثبَت بالنقل المتواتر أنّه کان یحبّ علیّاً والحسن والحسین .

و إذا ثبت ذلک وجب علی کل الأمة مثله ؛ لقوله : {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ}، ولقوله تعالی : {فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} ، ولقوله : {قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللهُ} ، ولقوله سبحانه : {لَقَدْ کَانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .

الثالث : إن الدعاء للآل مَنصب عظیم ، ولذلک جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد فی الصلاة ، وهو قوله : « اللهمّ صلّ علی محمد وعلی آل محمد وارحم محمداً وآل محمد » .

وهذا التعظیم لم یوجد فی حقّ غیر الآل ، فکلّ ذلک یدلّ علی أن حبّ آل محمد واجب ، وقال الشافعی رضی الله عنه :

ص:300

یا راکباً قِف

بالُمحصَّبِ مِن مِنی

واهتُفْ بساکنِ خِیفها

والناهضِ

سَحَراً إذا فاضَ

الحجیجُ إلی مِنی

فَیضاً کمُلْتَطَمِ

الفراتِ الفائضِ

إنْ کانَ رَفضاً

حُبُّ آل محمد

فَلْیَشهدِ

الثّقلاَنِ أنّی رافضی((1))

ولو تدبّرت فی خبر أبی عبیدة عن الإمام الصادق - والمروی فی تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّی - لعرفت مزیّة فاطمة الزهراء علی عائشة وعلی غیرها من نساء النبیّ ، قال الصادق علیه السلام : کان رسول الله یکثر تقبیل فاطمة 2 ، فغضبت من ذلک عائشة ، وقالت یا رسول الله : إنک تکثر تقبیل فاطمة ! فقال رسول الله :

یا عائشة ، إنه لمّا أسری بی إلی السماء دخلتُ الجنّة فأدنانی جبرئیل من شجرة طوبی وناولنی من ثمارها فأکلته ، فلما هبطت إلی الأرض ، حوّل الله ذلک ماءً فی ظهری ، فلمّا هبطتُ إلی الأرض فواقعتُ بخدیجة فحملت بفاطمة ، فما قبّلتها قطّ إلّا وجدت رائحة شجرة طوبی منها((2)) .

وحسب هذا دلیلاً لمعرفة صحة ما نقول من أنّ مودّتها میزان للإسلام والإیمان .

وعلیه ، فالأجر علی الرسالة لابدّ أن یرتبط بأصل الرسالة ، ولا معنی لما یقال من إرادة التودّد العاطفی البحت لذوی القربی ، بل المعنیّ به هو أنّ هذه النخبة الصالحة هی التجسید الواقعی للدین وصمّام الأمان للرسالة ، وأنّ التودّد إلیهم سیعود بالنفع علی الناس قبل النفع علی القربی ، لأنّها لا تزید القربی مقاماً ومنزلة إذ منزلتهم محفوظة من عند الله ، فهم مستودع العلم وظرف الرسالة ، وهذا ما


1- التفسیر الکبیر للرازی 27 : 166 ، ودیوان الشافعی : 84 .
2- تفسیر علیّ بن إبراهیم کما فی نور الثقلین 3 : 131 ، مجمع الزوائد 9 : 202 ، وانظر : الدّر المنثور 4 : 153 والمستدرک للحاکم 3 : 156 ، والمناقب لابن المغازلی : 357 ، وتاریخ الخمیس 1 : 277 .

ص:301

صرّح به الذکر الحکیم بقوله {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} لا ( المودة للقربی ) ، وفی هذا إیماء لطیف إلی أنّهم غیر محتاجین إلی مودة الناس ، بل إنّ مودّتهم تؤدّی بالناس إلی الخیر والصلاح ، لأنّ التودّد الذی تکون القربی ظرفاً له سیربطهم بالرسالة وصاحبها ارتباطاً وثیقاً ترجع خیراته إلی الناس ، وهو لطف من الله للبشر ، إذ جعل مودّة أهل بیتِ رسولِهِ سبباً لنجاتهم من الهلکة ، وهی من قبیل جعل حب الإمام علیّ وبغضه مقیاساً لمعرفة المؤمن من المنافق ، وقد کان المنافقون من الصحابة یُعرَفُون ببغضهم لعلیّ بن أبی طالب ، فقد ثبت عن أبی سعید الخدری قوله :

« إنّا کنّا نعرف المنافقین - نحن معاشَر الأنصار - ببغضهم علیّ بن أبی طالب »((1)) .

وورد عن عُبادة بن الصامت قوله : کنا نبور أولادنا بحبّ علیّ بن أبی طالب ، فإذا رأینا أحداً لا یحبّه علمنا أنّه لیس منّا وأنّه لغیر رشدة((2)) .

وجاء عن ابن مسعود قوله : ما کنّا نعرف المنافقین علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله إلّا ببغضهم علیّ بن أبی طالب((3)) .

إذاً کان علیّ بن أبی طالب محکًّا للأنصار ولغیرهم((4)) ، وهذا بخلاف قوله صلی الله علیه و آله فی الأنصار ( لا یحبّهم إلّا مؤمن ولا یبغضهم إلّا منافق )((5)) .


1- أُسد الغابة 4 : 30 .
2- الغریبین للهروی 1 : 222 مادة « بور » ، ذکر اول الحدیث ، تاج العروس 3 : 61 مادة ( بور ) ، وغیرهما .
3- الدر المنثور 6 : 66 .
4- ومن هنا أنشأت عائشة تقول فی حق علی علیه السلام : إذا ما التِّبر حُکّ علی محکٍّ تبیّن غشّه من غیر شکِّ وفینا التبر والذهب المصفّی علیّ بیننا شبه المَحکِّ الکنز المدفون للسیوطی : 68 .
5- صحیح مسلم 1 : 85 ح 129 کتاب الایمان .

ص:302

ففی النصّ الأوّل کان شخص علیّ بن أبی طالب هو المعیار لمعرفة المؤمن من المنافق ، بخلاف الأنصار الذین یرجع حبّهم إلی ما فعلوه من نصرتهم لنشر الدین الإسلامی والسعی فی إیواء المسلمین وقیامهم فی مهمّات الدین .

قال النووی فی شرح مسلم ( إنّ من عرف مرتبة الأنصار .... وعرف من علیّ ابن أبی طالب قربه من رسول الله صلی الله علیه و آله وحبّ النبیّ له ، وما کان منه فی نصرة الإسلام وسوابقه ثمّ أحب الأنصار وعلیّاً لهذا ، کان ذلک من دلائل صحّة إیمانه وصدقه فی إسلامه ، لسروره بظهور الإسلام والقیام بما یرضی الله سبحانه وتعالی ورسوله ... )((1)) .

وکلام النووی کما تراه فیه غفلة عن الفرق الشاسع بین الأمر بحب علیّ علیه السلام والأمر بحب الأنصار ، لأن حبّ علیّ علیه السلام مطلوب بذاته ، بخلاف حبّ الأنصار فإنّه مطلوب لسوابقهم ، ویؤکد ذلک أنّ فی الأنصار منافقین ومنحرفین وأصحاب ارتباطات بالیهود - وإن کانت غالبیّتهم من أنصار الإمام علیّ علیه السلام ومخالفین لقریش - فلا یعقل أن یکون حبّهم جمیعاً لذواتهم ، وإنّما کان الحب لهم کمجموعة لها مواقف محمودة .

ومثل الإمام علیّ کانت الصدّیقة فاطمة الزهراء ، إذ علّق الباری عزّ وجلّ رضاه وغضبه علی رضاها وغضبها ؛ لقوله صلی الله علیه و آله : « إنَّ الله یغضب لغضبک ویرضی لرضاک »((2)) ، فصار رضی فاطمة معیاراً لرضی الله ، وهو دلیل علی نزاهتها المطلقة وعصمتها وطهارتها التامّة من کلّ ما یشین ، إذ لا یعقل تعلق رضی الله برضی إنسان غیر معصوم .


1- شرح مسلم 1 - 2 : 423 -424 ، کتاب الایمان / باب 33 .
2- المعجم الکبیر 1 : 108 و22 : 401 ، مجمع الزوائد 9 : 203 ، مستدرک الحاکم 3 : 154 ، الإصابة 8 : 266 .

ص:303

ولا یفوتنّک ما أخرجه الحاکم فی المستدرک عن أبی ذر الغفاری ، قال : قال رسول الله : « من أطاعنی فقد أطاع الله ، ومن عصانی فقد عصی الله ، ومن أطاع علیاً فقد أطاعنی ، ومن عصی علیاً فقد عصانی » .

وقال : هذا حدیث صحیح الاسناد ولم یخرجاه((1)) .

وفی هذا الحدیث دلالة علی کمال الإمام علیّ وعصمته ، لأنا نعلم أن رسول الله لا یداهن ولا یجامل ولا یبالغ ، وبذلک یکون معنی الحدیث أن إرادة الإمام علیّ منبعثة من إرادة الله ولا یمکن أن تتخلف عن إرادته جل وعلا ، وکراهته منبعثة عن کراهة الله ، ولا یمکن أن تتخلف إحداهما عن الأُخری ، إذ لو أمکن التخلّف لکان قوله « من أطاعه فقد أطاع الله » غلطاً ، ولکان قوله : « من عصاه فقد عصی الله » باطلاً ، معاذ الله((2)) ، حیث إن طاعة الرسول هی طاعة لله ، وعصیانه هو عصیان لله ، فیکون من أطاع علیاً فقد أطاع الله ورسوله ، ومن عصاه فقد عصی الله ورسوله ..

وهکذا الحال بالنسبة إلی الإمامین الحسن والحسین ، فهما إمامان قاما أو قعدا ، وسیّدا شباب أهل الجنّة ، فهؤلاء هم القربی المعنیّون فی آیة المودّة .

وعلی هذا فالدعوة إلی المودّة فی القربی ونقل فضائلهم هی مقدِّمة إلی لزوم الأخذ بنهجهم والاهتداء بهداهم ؛ لتعلّق أجر الرسالة بها ، بل هو تعبیر آخر عمّا جاء فی حدیث الثقلین « ما إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدی أبداً » لانّ مفهوم السنّة لغة : هو الطریق ، والصراط ، والجادّة ، واصطلاحاً : هو اتّباع الرسول قولاً وفعلاً وتقریراً .


1- المستدرک علی الصحیحین 3 : 121 .
2- الحق المبین : 79 للمرجع الدینی الشیخ الوحید الخراسانی .

ص:304

وقد أرشَدَنا الرسول صلی الله علیه و آله إلی لزوم اتّباع العترة ، فیکون الابتعادُ عن هؤلاء ابتعاداً عن النبیّ صلی الله علیه و آله والإسلام ، وهو عین الضلالة والهلکة ، لأنّه لا هدی إلّا بالقرآن والنبیّ والعترة ، فعلی مع القرآن ، والقرآن مع علیّ « لا یفترقان حتّی یردا علیّ الحوض »((1)) .

ولو تأمّلت فی هذه العبارة لعرفت مکانة الإمام علیّ ولرأیته فی رتبة المعیّة مع القرآن ، وهی نسبة تقوم بطرفین ، ویستحیل أن تقوم بطرف واحد ، وعندما قال النبیّ : « علیّ مع القرآن » ، فقد أثبتها ، فلماذا أعاد إثباتها بصیغة أخری ، فقال : « والقرآن مع علیّ » ؟

حاشا أفصح مَن نطق بالضاد مِن اللغو فی کلامه ، وحاشا أفصح من نطق بالضاد من التکرار فی کلامه ، ] دون معنی متوخّی ، فإنّه صلی الله علیه و آله [ أراد أن یُفهمنا أن مسألة معیّتهما ] هی [ معیّة من نوع خاص ، ویشیر إلی أبعادها العمیقة ، ذلک أن المعیّة بین شیئین أو أکثر ، عندما تطلق ، فیقال : زید مع عمرو ، فهی أعمّ من أن یکون هذا الطرف فی الإضافة متقدّماً رتبة علی ذاک أو متأخّراً عنه ، بل تدلّ علی أنهما معاً بقطع النظر عن رتبة کلّ منهما .

وربّما کان فیها إشارة إلی أنّ المَقْرون أقلّ رتبةً من المقرون به ، لهذا أعاد النبیّ صلی الله علیه و آله صیاغة هذه المعیة ، لیقول للمفکّرین : لا ینبغی أن تفهموا من قولی : « علیّ مع القرآن » أن علیّاً أقلّ رتبة من القرآن ، بل القرآن مع علیّ أیضاً ، فهما وجودان متعادلان »((2)) .

ویؤیّد هذا الاستنتاج ما جاء عن النبیّ : « علیّ منی وأنا من علیّ »((3)) ،


1- المستدرک 3 : 124 قال صحیح ولم یخرجاه ، الجامع الصغیر 2 : 177 ، کنز العمال 11 : 603 .
2- الحقّ المبین : 105 للمرجع الدینی الشیخ الوحید الخراسانی .
3- سنن الترمذی 5 : 300 ح 3803 ، مصنف بن أبی شیبة 7 : 504 ح 58 ، سنن ابن ماجة 1 : 44 ح 119 .

ص:305

وقوله صلی الله علیه و آله لعلیّ : « أنت منی وأنا منک »((1)) .

ولو جمعنا آیة المودة ، مع آیة التطهیر ، مع حدیث الثقلین ، وما جاء فی أهل الکساء ، وقوله : لا یزال الدین عزیزاً حتّی یکون منهم اثنا عشر خلیفة کلهم من قریش((2)) ، وقوله : من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة((3)) ، وغیرها من الآیات والروایات ، لعرفنا دلالة هذه النصوص علی الولایة التی هی بمعنی الإمامة ، لا بمعنی الصاحب والُمحبّ ، وما شابه ذلک من المفاهیم التی تطرحها مدرسة الخلفاء ونهج الاجتهاد والرأی .

عرفنا إذاً أنّ الخطاب فی آیة المودّة هو لعموم المسلمین الذین آمنوا برسالة النبیّ محمّد صلی الله علیه و آله ، لا لخصوص المشرکین من قریش حسبما قاله البعض ؛ لکون الآیة مدنیة وإن کانت السورة مکیة ، فلا یُعقل أن یخاطب الرسول أعداءه من المشرکین ویطلب منهم أجراً علی رسالته .

وکذا لا یصحّ ما قاله البعض الآخر : من أنّ الآیة تشیر إلی معنی تودّد المسلمین فی التقرّب إلی الله ، ومعنی کلامهم هذا أنّ القربی استعملت بمعنی مطلق التقرّب ، وهذا باطل لغو یاً حیث لم یرد هذا المعنی فی المعاجم .

ویضاف إلیه : کیف یمکن للرسول أن یوقف أجر رسالته علی نفسها ، لأنّ المسلم وباتّباعه الرسالة یحصل له القرب إلی الله ، فلا معنی للتودّد والإلحاح فی القرب إلیه ؛ لأنّه توقیف الشیء علی نفسه ، وإن کان کذلک فلا یکون أجر الرسالة بل هو نتیجة الرسالة .

هذا ، وإنّک لو طالعت التاریخ الإسلامی لعرفت أنّ مفهوم القربی کان فی


1- صحیح البخاری 3 - 4 : 363 - 364 کتاب الصلح / باب کیف یکتب هذا ما صالح فلان ...
2- صحیح مسلم 6 : 4 کتاب الامارة ، سنن بی داود 4 : 106 ح 4280 .
3- وسائل الشیعة 16 : 246 کتاب الامر بالمعروف والنهی عن المنکر .

ص:306

الصدر الأوّل یطلق علی علیّ وفاطمة والحسنین ، ثمّ أطلقت علی أبنائهم المعصومین لاحقاً .

روی الحاکم النیسابوری فی المستدرک عن الإمام الحسن قوله : وأنا من أهل البیت الذین افترض الله مودتهم علی کلّ مسلم فقال تبارک وتعالی : {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیهَا حُسْناً} ، فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البیت((1)) .

وقال أبو إسحاق السبیعی : سألت عمرو بن شعیب عن قوله تبارک وتعالی : {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی }فقال : قربی النبیّ ، رواهما ابن جریر الطبری((2)) .

وعن ابن عبّاس أنّه قال : لما نزلت هذه الآیة : {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} قالوا : یا رسول الله من هؤلاء الذین أمر الله بمودّتهم ؟ قال : فاطمة وولدها :((3)) .

وثبت عن علیّ بن الحسین أنّه قال للشامی رداً علی تنکیل الشامی به : أما قرأت کتاب الله عزّوجلّ ؟

قال الشامی : نعم .

فقال علیّ بن الحسین : أما قرأتَ هذه الآیة {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی}.

قال : بلی .


1- المستدرک علی الصحیحین 3 : 173 .
2- تفسیر ابن کثیر 4 : 113 سورة الشوری .
3- تفسیر ابن أبی حاکم 10 : 3277 .

ص:307

فقال له علیّ بن الحسین علیه السلام : فنحن أولئک ، فهل تجد لنا فی سورة بنی إسرائیل حقاً خاصّة دون المسلمین ؟

فقال : لا .

فقال علیّ بن الحسین : أما قرات هذه الآیة : {وَآتِ ذَا الْقُرْبَی حَقَّهُ} ؟

قال : نعم .

قال علیّ بن الحسین : فنحن أولئک الذین أمر الله عزّ وجلّ نبیه أن یؤتیهم حقهم .

فقال الشامی : إنکم لاَنتم هُم ؟

فقال علیّ بن الحسین : نعم ، فهل قرأت هذه الآیة : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَی}.

فقال الشامی : بلی .

فقال علیّ بن الحسین : فنحن ذوو القربی ، فهل تجد لنا فی سورة الأحزاب حقّاً خاصّة دون المسلمین ؟

فقال : لا .

قال علیّ بن الحسین : أما قرأت هذه الآیة : {إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً}.

قال : فرفع الشامی یده إلی السماء ثمّ قال : اللّهمّ إنیّ أتوب إلیک - ثلاث مرات - اللّهمّ إنی أتوب إلیک من عداوة آل محمّد ، وأبرأ إلیک ممن قتل أهل بیت محمّد ، ولقد قرأت القرآن منذ دهر فما شعرتُ بها قبل الیوم((1)) .

وهذا النصّ یؤکّد لنا وضوح دلالة هذه الآیات المبارکة ، حیث إنّ الشیخ


1- الاحتجاج : 307 ، وتفسیر ابن کثیر 4 : 122 سورة الشوری .

ص:308

الشامی فهم معانیها بأدنی تأمّل ، وبمجرّد إیضاح الإمام السجّاد علیه السلام له المراد من هذه الآیات . هذا من جهة ، ومن جهة ثانیة یبین هذا النص مدی التعتیم الإعلامی الأموی علی أهل البیت ، وتحریفات السلطة لمعانی هذه الآیات المبارکة ، ولذلک کأنّ الشیخ الشامی من قبل لم یشعر بها وبمعانیها . ولم یعرف المصداق الأکمل لها فی زمانه .

ومثله روی حکیم بن جبیر ، عن حبیب بن أبی ثابت ، قال : کنت أجالس أشیاخاً لنا إذ مر علینا علیّ بن الحسین وقد کان بینه وبین أناس من قریش منازعة فی امرأة تزوّجها منهم لم یرض منکحها ، فقال أشیاخ الأنصار : ألا دعوتنا أمس لما کان بینک وبین بنی فلان ، إنّ أشیاخنا حدّثونا أنّهم أتوا رسول الله صلی الله علیه و آله فقالوا : یا محمّد ، ألا نخرج إلیک من دیارنا ومن أموالنا لِمَا أعطانا الله بک وفضّلنا بک وأکرمنا بک ؟ فأنزل الله تعالی : {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} ونحن ندلکم علی الناس ، أخرجه ابن منده((1)) .

وجاء فی الکافی فی حدیث طویل عن الباقر علیه السلام فیه قوله : {قُلْ مَا سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ} یقول : أجر المودة الذی لم اسألکم غیره فهو لکم تهتدون به وتنجون به من عذاب یوم القیامة ، وقال لاعداء الله ، اولیاء الشیطان أهل التکذیب والانکار : {قُلْ مَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَکَلِّفِینَ} ((2)) .

وبعد هذا فلنا أن نحتمل أنّ الله تعالی قد ألمح فی قوله {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} ((3)) ، إلی ما تُلاقیه هذه المجموعة الصالحة من قربی الرسول من أمّته بعده .


1- اُسد الغابة 5 : 367 .
2- الکافی 8 : 379/ ح 574 ، البرهان 7 : 79 .
3- سورة الشوری الآیة : 23 .

ص:309

فعن خالد بن عرفطة ، قال : قال رسول الله : إنکم ستُبتَلَون فی أهل بیتی من بعدی((1)) .

وقال الإمام الباقر : بَلیةُ الناس علینا عظیمة ؛ إن دعوناهم لم یستجیبوا لنا ، وإن ترکناهم لم یهتدوا بغیرنا((2)) .

وجاء عن إبراهیم النظّام قوله : علیّ بن أبی طالب محنة علی المتکلم ؛ إن وفی حقَّه غلا ، وإن بخسه حقّه أساء ، والمنزلة الوسطی دقیقة الوزن حادة الشأن صعبة الترقی إلّا علی الحاذق الدین((3)) .

وقال الشعبی : ما ندری ما نصنع بعلیّ ؛ إن أحببناه افتقرنا ، وإن أبغضناه کفرنا((4)) .

واشتهر عن محمّد بن إدریس الشافعی قوله : ماذا أقول فی رجل أخفت أصدقاؤه فضائله خوفاً ، وأخفت أعداؤه فضائله حسداً ، وشاع له من بین ذَین ما ملأ الخافقین((5)) .

من هذا یتبیّن لنا أنّ آیة المودة هی معنیً آخر لقوله تعالی : {یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ} ((6)) والأخیرة صریحة فی نزولها فی حجة الوداع ویوم غدیر خُمّ .


1- کنز العمال 11 : 124/30877 .
2- الإرشاد 2 : 167 ، مناقب آل أبی طالب 4 : 206 ، بحار الأنوار 46 : 288 ح 11 عن الإرشاد .
3- مناقب آل أبی طالب 3 : 215 باب فی حساده .
4- المناقب للخوارزمی : 350 الفصل 19 وعنه فی بحار الأنوار 29 : 481 .
5- حلیة الابرار 2 : 136 ( للبحرانی ) ، مشارق أنوار الیقین للبرسی : 171 ، وقیل هی للخلیل بن أحمد اللغوی الشهیر کما جاء فی ملحقات السیّد المرعشی علی إحقاق الحق 3 : 406 ، 4 : 2 . وقد نسب العلاّمة الحلی هذه المقولة لأحد الفضلاء دون ذکر اسمه انظر : کشف الیقین : 4 .
6- المائدة : 67 .

ص:310

ولا یصحّ ما قالوه من أنّها نزلت فی أوّل البعثة لمّا خاف رسول الله صلی الله علیه و آله من التبلیغ ، فهدّده الله وطمأنه .

أو ما قالوه من أنّها نزلت فی مکّة قبل الهجرة فاستغنی بها النبیّ عن حراسة عمّه أبی طالب .

أو ما قالوه من نزولها فی المدینة فی السنة الثانیة للهجرة بعد غزوة أحد .

لأن القول الأوّل یکذّبه کون السورة مدنیة ؛ فلا یعقل أن یأتی خبرٌ کان فی أوّل البعثة فی آخر سورة من القرآن ، ولو صحّ ذلک القول وما یلیه وأنّ الله کان قد عصم رسول الله صلی الله علیه و آله ، فما معنی صلاة الخوف وما فعله صلی الله علیه و آله مع الأعداء فی السنوات الأخیرة من حیاته الشریفة ؟

وأکثر من ذلک ، هو أنّ الرسول لو کان قد حُمِیَ هذه الحمایة فی بدء الدعوة واستغنی عن حمایة أبی طالب ، فما معنی تلک النصوص الصادرة عنه

صلی الله علیه و آله إلی القبائل والتی یطلب منهم أن یحموه ؟ بل ما معنی هجرته من مکّة إلی المدینة المنوّرة ؟

فالآیة صریحة فی نزولها فی آخر حیاته الشریفة ، وبعد حجة الوداع ، إذ لو کانت فی بدء الدعوة فلا معنی لعبارة {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ} إذ لم ینزل إلیه إلّا الشیء الیسیر ، وهذه الجملة تدلّ علی الماضی الحقیقی وهو یتطابق مع نزولها فی آخر حیاته صلی الله علیه و آله ، وخصوصاً حینما نری توقّف أمر الرسالة علیه {یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} !

وعلیه فالآیتان - آیة التبلیغ وآیة المودّة - دالتان علی شیء واحد مرتبط بأجر الرسالة وتبلیغها ، وهما أمران مَولَویّان من الباری جل شانه {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} و {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} ، وکلاهما یرتبط بأمر الولایة والخلافة الإلهیة ، لأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان یخاف من رجوع أمّته القهقری

ص:311

- وهی کائنة لا محالة - وذلک لاجتماع قریش علی العصبیة والقبلیة وسعیهم لإبعاد الإمام علیّ عن الخلافة وإمرة المؤمنین ؛ لأنّه وَتَر قریشاً وکَسَر شوکتها وعظمتها .

علی أنّک لو تأمّلت کلمات الأنبیاء: قبل النبیّ محمّد المصطفی صلی الله علیه و آله لرأیتهم یوقفون أجرهم علی الله ، ففی سورة الشعراء حکایة عن قول نوح وهود وصالح ولوط وشعیب قولهم : {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِیعُونِ * وَ مَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی رَبِّ الْعَالَمِینَ}((1)) .

وقوله : {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِیعُونِ * وَمَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی رَبِّ الْعَالَمِینَ} ((2)) .

وقوله : {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِیعُونِ * وَمَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی رَبِّ الْعَالَمِینَ} ((3)) .

وقوله : {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِیعُونِ * وَمَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی رَبِّ الْعَالَمِینَ} ((4)) .

وقوله : {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَیْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِیعُونِ * وَمَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی رَبِّ الْعَالَمِینَ} ((5)) .

وهکذا نجد أنّ کلمات هؤلاء الأنبیاء الکرام: کانت واحدة متطابقة تعبّر عن معنیً واحد محدّد معلوم ، هو أنّهم لم یطلبوا من الناس أجراً علی الرسالة ، وإنّما أجرهم « علی ربّ العالمین » .


1- الشعراء : 109 .
2- الشعراء : 127 .
3- الشعراء : 145 .
4- الشعراء : 164 .
5- الشعراء : 180 .

ص:312

أما الرسول المصطفی فیقول : {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِکْرَی لِلْعَالَمِینَ} ((1)) وقال تعالی : {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِکْرٌ لِلْعَالَمِینَ} ((2)) .

وقال علی لسان نبیّه صلی الله علیه و آله : {قُلْ مَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ یَتَّخِذَ إِلَی رَبِّهِ سَبِیلاً} ((3)) فما یعنی ذلک ، وعلی أیّ شیء یدل ؟

إن المقدمة السابقة قد تکون وضحت جواب هذا الأمر ، خصوصاً بعدما عرفت أنّ رسالة المصطفی هی الرسالة الخاتمة ، فلا یمکن إبقاء هذه الرسالة إِلاَّ ب- {ذِکْرٌ لِلْعَالَمِینَ} و {مَنْ شَاءَ أَنْ یَتَّخِذَ إِلَی رَبِّهِ سَبِیلاً} وهما القرآن والعترة ، وذلک لوجود نصوص کثیرة تشیر إلی أنّ أهل البیت هم ( الذکر ) و( السبیل ) إلی الله ، وهو ما اصطلح علیه فی کلام النبیّ

صلی الله علیه و آله بالثقلین ، فیصیر معنی الآیة وکلام النبیّ لزوم اتّخاذ السبیل إلی الله وهم القربی ، وأنّ اتّخاذ هذا السبیل سیعود نفعه علی الناس ، ( علیکم ) . أمّا أجر رسول الله فهو علی الله لقوله سبحانه فی سورة سبا {قُلْ مَا سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی اللهِ وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَیْ ءٍ شَهِیدٌ}((4)) . ومعنی الآیة : أنی قمت بواجبی ، وأدّیت ما علَیَّ ، ولا أسألکم علیه من أجر بعد المودّة إن أجری إلّا علی الله ، لکن لو أردتم الانتفاع من هذه الرسالة والنجاة فاتصلوا بالسبب الممدود بین الأرض والسماء وهو القرآن والعترة .

وبهذا فلا تناف بین قوله : {لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} وبین قوله : {قُلْ مَا سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ إِنْ أَجْرِیَ إِلّا عَلَی اللهِ} ((5)) .


1- الانعام : 90 .
2- یوسف : 104 .
3- الفرقان : 57 .
4- سبأ : 47 .
5- للإمام الباقر توضح بهذا الصدد انظر : روضة الکافی 8 : 379 .

ص:313

إنّ هذا لَیقترب بنا من فهم المعنی العمیق ل- « حیّ علی خیر العمل » الذی نصّ علیه أهل البیت: الذین هم أعلم الناس بدین الله بما فازوا به من تطهیر الله تعالی إیّاهم تطهیراً شاملاً ، فی المعرفة والمعتقد ، وفی المواقف والعمل . وهذا المعنی الذی یتضمنه « حیّ علی خیر العمل » هو الولایة أو برّ فاطمة وولدها أو ما شابه ذلک ، لما اتّضح لک فی الصفحات السابقة من أنّ الأذان هو بیان لاُصول العقیدة ، ولمّا کانت الولایة امتداداً للرسالة فلا غرابة فی أن تکون أجر الرسالة ، خصوصاً مع ما نعرف من تأکیدات رسول الله صلی الله علیه و آله علی أهل بیته وقرباه المنتجبین .

لقد أکّد رسول الله علی العترة بدءًا من {وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ} ((1)) .

ومروراً بحجة الوداع التی خطب فیها رسول الله خمس مرات ، وختماً بالکتاب الذی منعوه من کتابته فی آخر حیاته الشریفة .

قال الحلبی فی سیرته : « خطب النبیّ خمس خطب : الأولی یوم السابع من ذی الحجة بمکة ، والثانیة یوم عرفة ، والثالثة یوم النحر ، والرابعة یوم القرّ بمنی ، والخامسة یوم النَّفر الأوّل بمنی »((2)) .

وقد روی مسلم وأحمد وغیرهما - خطبته صلی الله علیه و آله عند مرجعه من حجة الوداع إلی المدینة - عن زید بن أرقم ، قال : قام رسول الله صلی الله علیه و آله یوماً خطیباً بماء یُدعی خُمّاً بین مکّة والمدینة ، فحمد الله وأثنی علیه ، ووعظ وذکّر ، ثمّ قال : ألا أیّها الناس ، إنّما أنا بشر یوشک أن یأتی رسول ربی فأجیب ، وأنا تارک فیکم ثقلین : أوّلهما کتاب الله منه الهدی والنور فخذوا بکتاب الله واستمسکوا به ، فحث علی کتاب الله ورغّب فیه ، ثمّ قال : وأهل بیتی ، أذکّرکم فی أهل بیتی ، أذکّرکم فی أهل بیتی ، أذکّرکم فی أهل بیتی .


1- الشعراء : 214 ، وانظر : فی تفسیرها کتب التفاسیر والتواریخ اخبار أول البعثة .
2- السیرة الحلبیة 3 : 333 .

ص:314

فقال له حصین : ومن أهل بیته یا زید ؟ ألیس نساؤه من أهل بیته ؟

قال : نساؤه من أهل بیته ؟! ولکنّ أهل بیته من حرم الصدقة بعده .

قال : ومن هم ؟

قال : هم آل علیّ وآل عقیل وآل جعفر وآل عباس .

قال : کلّ هؤلاء حرم الصدقة ؟

قال : نعم((1)) .

وعن أبی هریرة : من صام یوم ثمانی عشرة من ذی الحجة کتب له صیام ستین شهراً ، وهو یوم غدیر خُمّ لمّا أخذ النبیّ بید علیّ بن أبی طالب فقال : ألستُ ولیَّ المؤمنین ؟

قالوا : بلی یا رسول الله .

قال : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه .

فقال عمر بن الخطاب : بخ بخ لک یا ابن أبی طالب ، أصبحت مولای ومولی کلّ مسلم ! فأنزل الله عزّوجلّ {الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلاَمَ دِیناً} ((2)) .

عَود علی بدء

کانت هذه مقدمة أتینا بها کی نوضّح وجه أفضلیة الولایة علی العبادات الأربع الأخری ، إذ الصلاة تترکها الحائض ، والصوم یترکه المریض ، والزکاة والحج ساقطان عن الفقیر ، أمّا الولایة فهی واجبة علی الصحیح والمر یض والغنی والمعسر ، لأنّها مفتاحهنّ ، وبأهل البیت تُعرف الأحکام ، وتُقبل العبادات ، ویُعبد


1- صحیح مسلم 7 : 122 ، مسند أحمد 4 : 367 .
2- تاریخ دمشق 42 : 233 ، الدر المنثور 2 : 259 ، تاریخ بغداد 8 : 290 .

ص:315

الله ، فهم باب الله الذی منه یُؤتی « وبالإمام تمام الصلاة والزکاة والصیام والحج والجهاد ، وتوفیر الفیء والصدقات ، وإمضاء الحدود والأحکام ، ومنع الثغور والأطراف »((1)) لأنّه الضمان الإلهی للشر یعةَ . ونحن نعلم بأن الشر یعة مرت بمرحلتین :

1 - التأسیس علی ید الرسول الأکرم صلی الله علیه و آله .

2 - الصیانة من الانحراف ، وهو دور الأئمة المفترضی الطاعة ، وهو ما کان یؤکّد علیه الرسول للأمة ، یحذّرها من الابتعاد عنهم لأنّ ذلک سیؤدّی بهم إلی الضلال .

وقد کان النهج الحاکم فی تعارض مع هذه الصفوة الطاهرة ، فما من الصفوة إلّا مقتول أو مسموم ، وقد ثبت فی علم السیاسة والاجتماع أنّ جمیع الثورات الفکر یة ، إذا مات زعماؤها ، وتولّی إدارتها غیر الأکفاء انحرفت عن مسارها الذی اختطّه لها صاحبها ، أمّا إذا واصل المسیرة الأکفاء الذین یختارهم صاحب الثورة والتغییر ، فإنها تبقی حیّة نابضة ، ولا تنحرف عن منهاجها الأصلی . هذا عن القسم الأوّل من السؤال .

أمّا ارتباط برّ فاطمة وولدها بالأذان والصلاة - کما فی بعض الروایات - ((2)) فهو معنی تفسیری للجملة ، ومن قبیل بیان المعانی المشکلة والمتشابهة أو الخفیة والمجملة فی القرآن الکریم والسنة المطهرة ، فالإمام قد یکون أراد بتوضیحه ذلک بیان ما هو المقصود فی العلم الالهی ، وبیان ما حدث بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله من عقوق لفاطمة ؛ فبعد إقصاء علیّ علیه السلام عن الخلافة - أی ترک الولایة التی هی خیر العمل -


1- انظر : الکافی 1 : 224 ، کمال الدین وتمام النعمة : 677 ، معانی الأخبار : 97 .
2- کروایة معانی الاخبار : 42 ، وعلل الشرائع 2 : 256 .

ص:316

عقّوا فاطمة فغصبوا منها فدکاً((1)) ، وروّعوها ، وهددوها بحرق دارها((2))حتّی ماتت غاضبة علیهما((3)) ، کما عقّوا ولدها فمضوا مسمومین مقتولین مشرّدین . ولو تمسک القوم بالولایة التی هی خیر العمل لبَرّوا فاطمة وولدها ، ولما خرجت الخلافة من أهلها ، ومن هنا نعلم أن تفسیر الحیعلة الثالثة تارة بالولایة ، وأخری ببرّ فاطمة وولدها ، إنّما هما وجهان لعملة واحدة ، وعبارتان تدلان علی معنی مشترک واحد ، وهو أنّ محمّداً وعلیّاً وأولادهم المعصومین هم خیر البریة .

ولعلّ القارئ الکریم قد وقف علی جذور هذا الأصل الدینی من القرآن والعترة فیما وضّحناه سابقاً فی البحوث التمهیدیة ، من أنّ تشریع الأذان سماویٌّ ، وهو یحمل فی طیاته سمات معنو یة وأسراراً عالیة ، وأنّه بیان لأصول العقیدة وکلیّات الإسلام ، لأنّ الأذان لیس إعلاماً لوقت الصلاة فقط ، بل إنّ آثاره تجری فی عدة أمور ، فهو بیان لما ابتنی علیه الدین الإسلامی من التوحید والنبوة - والإمامة فی نظر الإمامیة - .


1- انظر : شرح نهج البلاغة 16 : 209 - 253 و17 : 216 ، الاحتجاج 1 : 267 ، الاختصاص : 183 .
2- جاء فی تاریخ الطبری 3 : 202 بسند معتبر ، قال : أتی عمر بن الخطاب منزل علیّ وفیه طلحة والزبیر ورجال من المهاجرین ، فقال : والله لأحرقنّ علیکم أو لتخرجنّ إلی البیعة . وقد کانت فاطمة فی البیت ، فقالوا لعمر : إنّ فی البیت فاطمة ! قال : وإنْ ( انظر الإمامة والسیاسة 1 : 12 ، اعلام النساء 4 : 114 ) .
3- جاء فی صحیح البخاری 2 : 504 کتاب الخمس باب 837 باب فرض الخمس ح 1265 بسنده عن أم المؤمنین عائشة أنّها اخبرته : أن فاطمة علیها السلام ابنة رسول الله صلی الله علیه و آله سألت ابا بکر الصدیق بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله أن یقسم لها میراثها ما ترک رسول الله ممّا أفاء الله علیه ، فقال لها أبو بکر : إن رسول الله قال : لا نورث ما ترکنا صدقة ، فغضبت فاطمة بنت رسول الله ، فهجرت أبا بکر فلم تزل مهاجرته حتّی توفّیت ، وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر .

ص:317

إنْ إکمال الدین وإتمام النعمة لا یکون إلّا بإمامة علیّ وولده ، وهذا ما دلّلت علیه الکتب الکلامیة ، ودلّت علیه الآیات الکریمة التی منها آیة التطهیر وآیة الولایة {إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ ...} وآیة المباهلة ، وسورة الدهر ، وغیرها من عشرات الآیات والأحادیث - إن لم نقل المئات - دالّة علیه ، وهذا ما یجب أن یعتقد به کلّ مسلم ؛ إذ عرفتَ أنْ لا صلاة کاملة ومقبولة إلّا بولایتهم .

إنّ عبارة « حیّ علی خیر العمل » الدالة علی الإمامة هی جزء من الأذان ؛ لما تظافرت به روایات الإمامیة الاثنی عشریة ، والزیدیة ، والإسماعیلیة ، ولوجودها حتّی فی مصادر أهل السنّة ، وقد أذّن بها کبار الصحابة ، وحکی عن الإمام الشافعی والإمام مالک القول بجزئیتها ، وسنزید المسألة وضوحاً وجلاءً فی الباب الثالث ( أشهد أنّ علیّاً ولی الله بین الشرعیة والابتداع ) من هذه الدراسة ، ضمن بحثنا عن شرعیة الشهادة الثالثة أو بدعیتها .

ما وراء حذف الحیعلة الثالثة

نصَّ التفتازانی والقوشجی وغیرهما علی دافع الخلیفة عمر بن الخطّاب إلی حذف هذا الفصل من الأذان ، واتّفق الزیدیّة والإسماعیلیّة والإمامیّة علی ثبوت هذا الحذف عنه ، فی حین جری التعتیم علی هذه النقطة فی أغلب کتب أهل السنّة ، علی الرغم من تأکید کثیر من النصوص التاریخیّة والحدیثیة المتناثرة فی المصادر علی حذف عمر لحیّ علی خیر العمل للدافع الذی أعلنه .

إنّ ما ذکر من تعلیل لحذف الحیعلة الثالثة قد یکون وجیهاً عند عمر بن الخطّاب ؛ لانسجامه مع نفسیته ومنهجه فی فهم النصوص ، وللظروف التی کان یعیشها من غزوات وحروب وتوسیع لرقعة الدولة ، وهو ممّا یستوجب بالطبع جمع الطاقات وتوظیفها للغرض المنشود ، وعدم السماح للمتقاعدین فی التشبث بعلل

ص:318

قد تبعدهم عن الجهاد ، من جملتها الاتکال علی الصلاة أو الولایة باعتبارهما خیر العمل .

لکنّ هذا السبب فی منع عمر بن الخطاب ترد علیه عدة أمور :

أوّلها : إنّ الغزوات والحروب کانت أعظم وأکثر علی عهد رسول الله ، وکانت ظروف انبثاق الدولة الإسلامیّة الفتیّة وبدایة انطلاقها لنشر دین الله أدعی إلی حذف هذه الحیعلة من قِبل رسول الله صلی الله علیه و آله - لو صحّ هذا التعلیل - من الظروف التالیة التی عاشها الخلیفة بعد استقرار أمور الدولة بشکلها الذی کانت علیه . فلماذا لم یحذف رسولُ الله صلی الله علیه و آله هذا الفصل وحذفها عمر((1)) ؟!

إنّ هذا لَیثیر تساؤلاً حول صحّة هذا التعلیل الذی فسّر به عمر حذفه هذا ، أو یومئ إلی وجود سبب آخر غیر معلن فی هذا السیاق .

ثانیها : لو قبلنا التعلیل السابق تنزّلاً لصحَّت مشروعیة الحذف لفترة معینة ، لا أنّه یکون تشریعاً لکلّ الأزمان ، ذلک أن سریان المنع إلی یومنا هذا ربّما یشیر إلی أمر آخر .

ثالثها : إنّ هذا التعلیل من قبل الخلیفة لا یتّفق مع ما جاء عن رسول الله صلی الله علیه و آله من قوله : « اعلموا أنّ خیر أعمالکم الصلاة » وهو لا یتّفق أیضاً مع قوله صلی الله علیه و آله عن الصلاة : « إنّها عمود الدین إن قُبلت قُبل ما سواها وإن رُدَّت رُدّ ما سواها » ، فلو صحّ تعلیل الخلیفة وأنّه أراد أن لا یتّکل الناس علی الصلاة ویَدَعُوا الجهاد ، للزم


1- وهذا التعلیل والرد ، ورد نظیرهما فی إتمام عثمان للصلاة بمنی ، بحجّة خوفه أن یظن الناس أنّ صلاة القصر هی المفروضة ، فأجابه الصحابة بأن النبیّ صلی الله علیه و آله کان یقصر الصلاة وینبّه المسلمین علی أنّ ذلک مخصوص بمنی . فلوصح تعلیل عمر ، لکان یمکنه أن یقر الحیعلة الثالثة فی الأذان وینبّه المسلمین علی ضرورة الجهاد ، کما کان رسول الله صلی الله علیه و آله یفعل ذلک . وهذا التشابه فی أدوار الخلیفتین الثانی والثالث یوقفک علی مسار تیار الحکّام المجتهدین .

ص:319

من ذلک تخطئة کلّ النصوص الدالة علی أنّ الصلاة خیرُ موضوع وخیر الأعمال ، وأنّها وسیلة لقبول الأعمال وردّها .

رابعاً : من المعلوم أنّ المسلمین صاروا بعد رسول الله صلی الله علیه و آله نهجین : أحدهما : نهج الخلفاء ، والآخر نهج أهل البیت . وکان هؤلاء علی تخالف فی کثیر من القضایا السیاسیة والفقهیة ، فلمّا منع عمر الحیعلة الثالثة نَسَبَ نهجُ الخلفاء إلی رسول الله صلی الله علیه و آله المنعَ تأییداً للخلیفة عمر بن الخطاب ، حتّی إذا جاء الخلفاء اللاحقون منعوا هذا الفصل من الأذان واستقبحوه من الناس ، ولأجله تری انحسار الروایات الدالة علی الحیعلة فی کتب الجمهور ، لکنّ الطالبیِّین أصرّوا علی الإتیان بها علی الرغم من هذا المنع .

وبذلک تحزّب أبناء السنّة والجماعة لمذهب عمر بن الخطاب وحکموا رأیه فی مقابل موقف الإمام علیّ وأولاده الذین خالفوا هذا المنع وأصرّوا علی الحیعلة الثالثة رغم کلّ الظروف والمشاکل ، کما ستقف علیها لاحقاً .

خامساً : إنّ المطّلع علی مجریات الأحداث فی زمن رسول الله صلی الله علیه و آله ثمّ مَن بعده یقف علی حقیقة جلیة ، هی أنّ قریشاً لم تکن ترضی باجتماع النبوة والخلافة فی بنی هاشم ، وکانت تطمع فی الخلافة من بعده صلی الله علیه و آله ، فکانوا یشترطون علی رسول الله أن یبایعوه بشرط أن یجعل لهم نصیباً فی الخلافة من بعده ، لکنّه صلی الله علیه و آله کان یقول : « إن الأمر لله یجعله حیث یشاء »((1)) ولیس الأمر بیدی .

وجاء عن ابن عباس : إن عمر بن الخطاب قال له فی أوائل عهده بالخلافة : یا عبدالله ، علیک دماء البُدن إن کتَمتَنیها .... هل بقی فی نفسه ] یعنی علیّ بن أبی طالب [شیء من أمر الخلافة ؟


1- انظر : حدیث عامر بن صعصعة فی سیرة ابن هشام 2 : 289 ، وحدیث قبیلة کندة فی سیرة ابن کثیر 2 : 159 ، وهما یدلاّن علی ما نقوله .

ص:320

قلت : نعم .

قال : أیزعم أن رسول الله نصَّ علیه ؟

قلت : نعم . وأزیدک : سألتُ أبی عمّا یدّعیه ، فقال : صَدَق .

قال عمر : لقد کان من رسول الله فی أمره ذَرْوٌ من قول لا یثبت حجّة ولا یقطع عذراً ، وکان یَرْبَعُ فی أمره وقتاً ما ، ولقد أراد فی مرضه أن یصرّح باسمه فمنعتُ من ذلک إشفاقاً وحیطةً علی الإسلام ... فعلم رسول الله أنّی علمت ما فی نفسه فأمسک((1)) .

وقال العینی فی عمدة القاری : واختلف العلماء فی الکتاب الذی هم بکتابته فقال الخطابی : یحتمل وجهین ، احدهما انه اراد أن ینص علی الإمامة بعده فترتفع تلک الفتن العظیمة کحرب الجمل وصفین((2)) .

ولو جمعنا ما جاء عن ابن عباس ، مع ما قاله عمر لرسول الله صلی الله علیه و آله عند مرضه - حینما قال صلی الله علیه و آله : ائتونی بدواة وقلم أکتب لکم کتاباً لن تضلوا بعدی أبداً ، فقال عمر : إنّ الرجل لَیَهجُر((3)) - مع ما قاله رسول الله لعمر لمّا أتاه بجوامع من التوراة : والذی نفسُ محمّد بیده لو بدا لکم موسی فاتّبعتموه وترکتمونی لَضللتُم((4)) ، مع قول رسول الله فی حدیث الثقلین « ما إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدی أبداً » ، لو جمعنا کلّ ذلک لوقفنا علی حقائق مذهلة ، ولعرفنا موقف النهج الحاکم بعد رسول


1- شرح ابن أبی الحدید 12 : 21 وقال : ذکر هذا الخبر أحمد بن أبی طاهر صاحب کتاب تاریخ بغداد فی کتابه مسنداً .
2- عمدة القارئ 2 : 171 .
3- وفی نصّ البخاری « إنّ الرجل قد غلب علیه الوجع » ، وکلاهما إساءة للرسول المصطفی .
4- سنن الدارمی 1 : 115 باب ما یتقی من تفسیر حدیث النبی صلی الله علیه و آله ، مسند أحمد 4 : 266 ، المصنف لعبد الرزاق 6 : 113 باب مسألة أهل الکتاب ، أسد الغابة 3 : 127 .

ص:321

الله من أهل بیت الرسالة وموت الزهراء وهی واجدة علی أبی بکر وعمر((1)) . ولعرفنا أیضاً مدی المفارقة بین ترک برّ فاطمة وترک الدعوة للولایة وبین تأکیدات الرسول علی الاهتمام بالعترة تلویحاً وتصریحاً ، مِن مِثل وقوفه صلی الله علیه و آله کلّ یوم - مدة ستة أشهر - علی باب فاطمة بعد نزول آیة التطهیر ینادیها للصلاة بقوله « الصلاة الصلاة ، إنّما یر ید الله لیذهبَ عنکم الرجسَ أهلَ البیت ویطهّرکم تطهیراً »((2)) .

ومما یَحسُن بنا أن نتفطّن له هو أن هذا الموقف من رسول الله إنّما یُنبئ عن وجود ترابط عمیق بین بر فاطمة وولدها ومسألة الصلاة ، وبمعنی آخر بین الولایة والعبادة ، إذ أنّ وقوف الرسول المصطفی علی باب فاطمة لمدة ستة أشهر لا یمکن تصوّره لغواً بأیّ حال من الأحوال ؛ لأنّه صلی الله علیه و آله کان یقف داعیاً المطهَّرین من عترته إلی الصلاة ، مُعلِماً بوجود لون من التواشج بین الصلاة والعترة . ورسولُ الله حلقةُ الوصل والربط بین رکیزة التوحید « الصلاة ،الصلاة » وبین الولایة {إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ ...} . ونلحظ فی هذا النص : قول الله « القران » ، وفعل الرسول « الوقوف » ، ونتیجة لزوم الاعتقاد بمنزلة العترة والقربی وأن مودتهما وطاعتهما عبادة منجیة .

سادساً : إن الخلفاء المتآخرین أیضاً أدرکوا سرّ الحیعلة الثالثة فحرصوا أشدّ الحرص علی حذفها ، ولم یرضوا بها ممن خطب لهم ولَبِسَ خِلَعَهم وانضوی تحت


1- صحیح البخاری 5 - 6 : 253 ، کتاب المغازی باب غزوة خیبر ح 704 ، صحیح مسلم 3 : 1379 ، کتاب الجهاد باب قول النبی لا نورث إنما ترکناه صدقة ، تاریخ المدینة لابن شبة 1 : 197 .
2- مسند أحمد 3 : 259 ، 285 ، سنن الترمذی 5 : 351 ح 3205 ، کتاب تفسیر القرآن باب ومن سورة الاحزاب ، المستدرک للحاکم 3 : 158 ، مصنف ابن أبی شیبة 6 : 391 ح 32262 ، کتاب الفضائل باب فی فضل فاطمة علیها السلام .

ص:322

لوائهمَ ، بل أصرّوا علی ضرورة حذفها ؛ لأنّها رمز یشیر إلی بطلان حکوماتهم . وسیأتیک ذلک فی الفصل الرابع لدی الکلام عن تاریخ الحیعلة فی مکّة وحلب سنة 463 ه- . وحسبک منها ما کان من القائم بأمر الله العباسی ، حین أخبره نقیب النقباء أبو الفوارس طرّاد بأنّ محمود بن صالح خطب له بحلب ولبس الخلع القائمیة ، حیث قال له : أیّ شیء تساوی خطبتهم وهم یؤذنون ب- « حیّ علی خیر العمل » !!

کلّ هذه النصوص توکّد أنّ المراد الأساسی من « خیر العمل » هو بر فاطمة وولدها ، والولایة والإمامة التی بها قوام الصلاة والصوم والزکاة والحجّ وسواها ... لا شیء آخر ، فصار الخلیفة - حسب کلام الإمام المعصوم ، والاستقراء التاریخی - لا یرضی أن یقع ( دعاء إلیها وتحر یض علیها ) ، لأن ذلک یعنی التشکیک بشرعیّة خلافته وخلافة مَن قبله ، وهو المعنیّ من کلامه علیه السلام ( ما نودی بشیء کالولایة ) .

وجاء فی الغَیبة للنعمانی عن عبدالله بن سنان أنّه

علیه السلام قال فی معرض کلامه عن علامات ظهور القائم من آل محمّد عجل الله تعالی فرجه الشریف : وأنّه سیکون فی السماء نداء « ألا إنّ الحقّ فی علیّ وشیعته » .

قال علیه السلام ف- {یُثَبِّتُ اللهُ الَّذِینَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} علی الحق وهو النداء الأوّل((1)) ، ویرتاب یومئذ الذین فی قلوبهم مرض ، والمرضُ واللهِ عداوتُنا((2)) .

ولو قرأنا تفسیر الأئمّة لقوله تعالی : {إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ} لعرفنا المنزلة العظیمة للولایة وسبب معاقبة عمر للقائل بها ، لأنّ


1- دون النداء الثانی الذی ینادی به إبلیس لعنه الله .
2- الغیبة للنعمانی 173 - 174 باب ما جاء فی العلامات التی تکون قبل قیام القائم .

ص:323

الکلم الطیّب لو کان قد صعد إلیه سبحانه وتعالی بنفسه ، فما معنی العمل الصالح یرفعه إذن ؟!

روی الکلینی بسنده إلی الإمام الصادق علیه السلام فی تفسیر قوله تعالی : {إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ} قال : ولایتنا أهل البیت - وأهوی بیده إلی صدره - فمن لم یتولّنا لم یرفع الله له عملاً ((1)) .

وعن الرضا علیه السلام فی قوله تعالی : {إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ} قال : الکلم الطیب هو قول المؤمن : « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علیّ ولی الله وخلیفة محمّد رسول الله حقاً حقا وخلفاؤه خلفاء الله » ، والعمل الصالح یرفعه ، فهو دلیله ، وعمله اعتقاده الذی فی قلبه بأنّ هذا الکلام صحیحٌ کما قلته بلسانی((2)) .

وعن فاطمة الزهراء بنت محمّد ، قالت : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لمّا عرج بی إلی السماء صرت إلی سدرة المنتهی {فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَی} فأبصرته بقلبی ولم أره بعینی ، فسمعت أذاناً مثنی مثنی ، واقامة وتراً وتراً ، فسمعت منادیاً ینادی : یا ملائکتی وسکان سماواتی وارضی وحملة عرشی اشهدوا انی لا إله إلّا انا وحدی لا شریک لی ، قالوا : شهدنا وأقررنا ، قال : اشهدوا یا ملائکتی وسکان سماواتی وارضی وحملة عرشی بأن محمّداً عبدی ورسولی ، قالوا : شهدنا واقررنا ، قال : اشهدوا یا ملائکتی وسکان سماواتی وارضی وحملة عرشی بأن علیّاً ولیی وولی المؤمنین بعد رسولی ، قالوا : شهدنا وأقررنا ...((3))

وبهذا یفضی بنا البحث إلی أنّ التعلیل الحقیقی لمنع عمر بن الخطاب للحیعلة


1- الکافی 1 : 340 .
2- تفسیر الإمام العسکری 328 ح 184 وعنه فی تأویل الآیات : 469 والنص عنه .
3- تفسیر فرات الکوفی : 342 فی آخر تفسیر سورة الأحزاب .

ص:324

الثالثة هو اطلاعه علی المقصود من عبارة « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان ، ودلالتها علی ولایة أهل البیت ، لصرف الانتباه عنها ، وذلک بکتمانها وحذفها ، فمَنَعها تحت غطاء الحفاظ علی کیان الدولة الإسلامیة وتوسیع رقعتها بالجهاد ، لکن الطالبیین قد أدرکوا هذا الأمر وأصرّوا علی الإتیان بها رغم کلّ الظروف الحالکة ، وهذا ما ستقرأه بعد قلیل إن شاء الله تعالی .

ولذلک کان الإمام علیّ علیه السلام فی أیّام خلافته یلمح ویشیر إلی أنّ حذف « حیّ علی خیر العمل » کان جوراً علیه وعلی الإسلام ، فکان إذا سمع مؤذّنه یقول « حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل » قال : مرحباً بالقائلین عدلاً((1)) ، معرّضاً بمن رفعها ، لأنّ علیّاً هو خیر العمل وهو العدل الذی یدور مع القرآن حیثما دار ویدور معه القرآن أیضاً .

والذین ظنّوا أنّ الصلاة تقتصر علی شکلها الظاهری دون المحتوی الذی هو الطاعة((2)) سعوا إلی ترسیخ فکرة أن هل البیت ومودتهم لیست خیر العمل ، فکان لحذفها من الأذان مغزی عرفه أهل البیت فأنکروا حذفها ، کما عرفه مخالفوهم فأصروا علی حذفها .

ومن خلال هذه الدلائل العدیدة استبان لنا أنّ « خیر العمل » کنایة عن إمامة علیّ علیه السلام التی هی امتداد لنبوّة النبیّ ، وامتداد للتوحید ، وهذا ما رواه الباقر والصادق علیهما السلام من أئمّة أهل البیت فی قوله تعالی : {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ


1- الفقیه 1 : 288/ ح 890 .
2- أی طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة ولیّه ، والأخیران منتزعان من الأولی ، وقد مرّ علیک قوله صلی الله علیه و آله : من أطاعنی فقد أطاع الله ومن عصانی فقد عصی الله ، ومن أطاع علیاً فقد أطاعنی ومن عصی علیاً فقد عصانی ، وقوله صلی الله علیه و آله : فاطمة بضعة منی ... فمن آذاها فقد آذانی ومن آذانی فقد آذی الله جلّ وعلا .

ص:325

عَلَیْهَا} قالا : هو « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علیّ أمیر المؤمنین ولیّ الله » ، إلی ها هنا التوحید((1)) .

وقد سئل الشریف المرتضی : « هل یجب فی الأذان بعد قول « حیّ علی خیر العمل » « محمّد وعلی خیر البشر » ؟ فأجاب قائلا : « إن قال : محمّد وعلی خیر البشر - علی أنّ ذلک من قوله خارج من لفظ الأذان - جاز »((2)) .


1- تفسیر القمّی 2 : 155 عن الباقر ، ونحوه عن الصادق علیه السلام فی التوحید وبصائر الدرجات . ولا یخفی علیک أن للتوحید مراتب ، فهناک توحید الربوبیة ، وتوحید الألوهیة ، وتوحید الطاعة ، فإنّه سبحانه وتعالی مع کونه : (لَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُواً أَحَدٌ( - و (هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ( ، و (خَالِقُ کُلِّ شَیْ ءٍ( ، وهو الذی (یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِهَا( ، - فإنّ هذا المعنی غیرُ معارَض بمثل قوله تعالی : (حَتَّی إِذَا جَاءَ أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا(. و إن قوله تعالی : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ یَشْفِینِ( لا یعارض ما جاء من الشفاء بالقرآن فی قوله تعالی : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ( وبالعسل (فِیهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ(. وکذا قوله : (قُلْ لاَ یَعْلَمُ مَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَیْبَ إِلاَّ اللهُ( فإنّه لا یعارض قوله : (وَمَا کَانَ اللهُ لِیُطْلِعَکُمْ عَلَی الْغَیْبِ وَلٰکِنَّ اللهَ یَجْتَبِی مِنْ رُسُلِهِ مَنْ یَشَاءُ( وإلی غیرها من عشرات الآیات . فلا تخالُفَ إذاً بین نسبة الافعال إلی الله جل جلاله ونسبتها فی الوقت نفسه إلی غیره ، فلا یخالف قوله : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِینُ( مع قوله : (وَارْزُقُوهُمْ فِیهَا وَاکْسُوهُمْ( وکلاهما من کلام الباری . ومن هنا تأتی مسألة التوحید ، فتوحید الطاعة هو یعنی لزوم إطاعة من أمر الله بطاعته ، ومن لا یطیع الرسول وأولی الأمر المفروض طاعتهم فانه لم یطع الله لقوله تعالی : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِیُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ( وهذا لا یخالف قوله : (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِیَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ( فطاعة من أمر الله بطاعته هی طاعة لله ، ومن لم یطع الله ورسوله ومَن أَمر الله بطاعته لم یوحّد الله تعالی حقّ توحیده . وعلیه فطاعة أحدهما جاء علی وجه الاستقلال ، والآخر علی أنّه مظهر أمره سبحانه ، ولیس هذا بشرک أو مغالاة کما یدّعون ، بل هو عین الإیمان وکمال الدین .
2- رسائل المرتضی 1 : 279 ، مسأله 17 ، وجواهر الفقه لابن البراج : 257 مسألة 15 .

ص:326

وهذا یعنی أنّ هذا التفسیر لحی علی خیر العمل کان سائداً فی لسان المتشرعة منذ زمن أهل البیت وحتّی یومنا هذا .

وقد أفتی القاضی ابن البرّاج باستحباب ذکر هذا التفسیر ، فقال : ویستحب لمن أذّن أو أقام أن یقول فی نفسه عند « حیّ علی خیر العمل » : « آل محمّد خیر البریة » ، مرتین((1)) .

وکون علیّ علیه السلام هو المراد من « حیّ علی خیر العمل » ، والنبیّ من « حیّ علی الفلاح » ، وطاعة الرب وعبادته من « حیّ علی الصلاة » ، فیه من وجوه البلاغة ما لا یخفی ، إذ فیه من انواع البدیع ما یسمّی بالتلمیح ، وهو أن یشار فی الکلام إلی آیة من القرآن أو حدیث مشهور أو شعر مشهور أو مثل سائر أو قصة أو معنی معروف ، من غیر ذکر شیء من ذلک صریحاً . وأحسنه وأبلغه ما حصل به زیادة فی المعنی المقصود .

قال الطیبی فی التبیان : ومنه قوله تعالی : {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِیِّینَ عَلَی بَعْضٍ وَآتَیْنَا دَاوُدَ زَبُوراً} قال جارالله الزمخشری : قوله : {وَآتَیْنَا دَاوُدَ زَبُوراً} فیه دلالة علی تفضیل محمّد صلی الله علیه و آله وهو خاتم الأنبیاء ، وأنّ أمته خیر الأمم ، لأنّ ذلک مکتوب فی الزبور ، قال تعالی : {وَلَقَدْ کَتَبْنَا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ الصَّالِحُونَ} ، قال : وهو محمّد صلی الله علیه و آله وأمته((2)) .

فهنا ألمح الله سبحانه وتعالی لعباده بأن الصلاة له لا لغیره ، وأنّ الفلاح الذی قامت به الصلاة هو اتباع رسول الله محمّد صلی الله علیه و آله ، لا الاجتهاد مقابل النص ، وان


1- المهذب لابن البراج 1 : 90 باب الأذان والإقامة وأحکامهما .
2- انوار الربیع 4 : 266 . ومن هذا الباب تلمیح أبی العلاء المعری للشریف المرتضی بقصیدة المتنبی : لک یا منازل فی القلوب منازل . انظر : أنوار الربیع 4 : 292 - 293 . هذا وقد أخذ الطیبی والزمخشری هذا عن تفسیر النسفی 2 : 290 سورة الاسراء .

ص:327

خیر العمل هو الإیمان بالإمامة والولایة لعلی

علیه السلام التی هی امتداد للنبوة والتوحید ، وبها قوام العبادات التی عمودها الصلاة .

وهناک عشرات إن لم تکن مئات الأدلّة علی أنّ خیر العمل ولایة علیّ ، وان ضربته یوم الخندق تعدل عبادة الثقلین ، وأنّ الاعمال لا تُقبل إلّا بولایته ، ومعان أخری متّصلة بهذا الموضوع . وقولنا فی الأذان « حیّ علی خیر العمل » فیه تلمیح لکل تلک المعانی التی صدع بها رسول الله صلی الله علیه و آله فی حق علیّ بن أبی طالب سلام الله علیه .

والواقع أن کون أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب هو خیر البشر بعد رسول الله صلی الله علیه و آله إنّما هو معنیً قرآنی نطقت به آیة من سورة « البیّنة » المبارکة ، وصرّح به النبیّ صلی الله علیه و آله فی تفسیر الآیة ، وتداولته المصادر السنیّة ، وکان هذا المعنی ممّا آمن به کبار من الصحابة المعروفین ، حتّی صار فی عهد النبیّ صلی الله علیه و آله جزءً من الثقافة الإیمانیّة القرآنیة السائدة .

فقد روی الطبری بإسناده عن محمّد بن علیّ الباقر لما نزل قوله تعالی : {أُولٰئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ} قال النبیّ : أنت یا علیّ وشیعتک((1)) .

والدیلمی فی الفردوس بمأثور الخطاب بإسناده عن جابر بن عبدالله مرفوعاً عن النبیّ صلی الله علیه و آله قال : علیّ خیر البشر من شک فیه فقد کفر((2)) .

وغیرها من عشرات الطرق والأسانید عن الصحابة والتابعین .

وبعد کلّ هذا تعلم أنّ قول « محمّد وآل محمّد خیر البریة » أو « محمّد وعلیّ خیر البشر » عند الحیعلة الثالثة أو بعدها إنّما هو توضیح لمعناها الذی حاول الحکام


1- تفسیر الطبری 30 : 264 ، ورواه السیوطی فی الدر المنثور 6 : 379 ، والحسکانی فی شواهد التنزیل 2 : 459 - 473 ح 1125 - 1148 بأسانید وطرق کثیرة .
2- الفردوس 3 : 62 ح 4175 ، وانظر ترجمة الإمام علیّ لابن عساکر 2 : 457 ح 989 بأسناده عن عائشة .

ص:328

کتمه ، وأن هذا التوضیح والتفسیر ما هو إلّا استلهام من نصوص القرآن والسنّة ، وسیرٌ علی الخطوات الصحیحة التی رسمها رسول الله صلی الله علیه و آله لأمته .

وستعلم بما لا مزید علیه - فی الباب الثالث من هذه الدراسة « اشهد أن علیّاً ولی الله بین الشرعیة والابتداع » - أن إتیان الأئمّة: وأتباعهم بهذه العبارات ما هو إلّا تفسیر لمعنی الحیعلة الثالثة ، وهو من قبیل الإتیان بتفسیر بعض الآیات تفسیراً مرتبطاً بنصّ الآیة ونسقها ، وهذا النوع من التفسیر ممّا تحفل به کتب الفریقین بلا أدنی ریب((1)) ، وهو التفسیر المقبول الذی اصطلح علی تسمیته البعض ب- « التفسیر السِّیاقی » .


1- انظر : قراءه عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة للآیة : (حَافِظُوا عَلَی الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَی( هکذا : (حافظوا علی الصلوات والصلاة الوسطی وصلاة العصر وقوموا لله قانتین ) . وحدیث عائشة موجود فی صحیح مسلم ، کتاب المساجد ، باب الدلیل لمن قال : الصلاة الوسطی هی صلاة العصر ، وسنن أبی داود ، کتاب الصلاة ، باب وقت صلاة العصر ، وسنن الترمذی ، کتاب التفسیر ، تفسیر سورة البقرة ، وسنن النسائی ، کتاب الصلاة ، باب المحافظة علی صلاة العصر ، وموطأ مالک ، کتاب الصلاة ، باب صلاة الوسطی ، وتفسیر الآیة فی الدر المنثور 1 : 302 و303 ، وفی فتح الباری 9 : 265 ، ومسند أحمد 6 : 73 و878 منه . أما حدیث حفصة فانظر فیه : موطأ مالک کتاب الصلاة ، باب الصلاة الوسطی ، ومصنف عبدالرزاق ، کتاب الطهارة ، باب صلاة الوسطی ح 2202 ، وتفسیر الطبری 2 : 343 ، والدر المنثور 1 : 302 ، والمصاحف لابن أبی داود : 85 - 86 . أما حدیث أُم سلمة ، فانظر فیه : الدر المنثور 1 : 303 ، والمصاحف لابن أبی داود : 87 . وقد قرأ ابن عباس وابن مسعود وأبیّ بن کعب وعلی بن أبی طالب قوله تعالی : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ إلی أجل مسمی( . وانظر : قراءة ابن عباس فی المعجم الکبیر 10 : 320 ، والسنن الکبری 7 : 205 ، والمستدرک للحاکم 2 : 305 ، والجامع لاحکام القرآن للقرطبی 5 : 130 ، والکشاف 1 : 519 . وفی قراءة ابن مسعود . انظر نیل الأوطار 6 : 274 ، وشرح النووی علی صحیح مسلم 6 : 118 . وفی قراءة أبی بن کعب . انظر جامع البیان للطبری 5 : 19 ، والدر المنثور 2 : 139 . وهی قراءة علی کذلک .

ص:329

الفصل الرابع: حیّ علی خیر العمل تاریخها العقائدی والسیاسی

اشارة

ص:330

ص:331

قد یقترح البعض ضرورة إکثارنا من ذکر مصادر أهل السنة والجماعة حین الکلام عن جزئیة « حیّ علی خیر العمل » وعدم الاکتفاء بما نقلناه ، بل عدم استساغة ما روته طرق الشیعة الإمامیة الاثنی عشریة ، والزیدیة ، والإسماعیلیة وبعض علماء أهل السنّة عن أهل البیت والصحابة ، بزعم أنّ ذلک لیس ملزِماً للآخرین .

هذا الکلام قد یکون له مساغ لو ضربنا بمعطیات التاریخ عرض الجدار ؛ إذ الموقف تجاه المتغیّرات فی التاریخ والحدیث ، وما فعلته ر یشة الحکام بالنصوص والموازین ، وخنقهم لکلّ ما هو أصیل مما لا یعجبهم ، وخصوصاً بعد أن اتّضح لنا دور الأمویین فی التحریف والتعتیم ، کلّ ذلک یدلّک علی سرّ انحسار مثل نصوص الحیعلة الثالثة فی مدرسة الخلفاء .

بل إنّ تصریح الإمام الباقر والإمام زید وغیرهما بأنّ عمر بن الخطاب کان وراء رفع « حیّ علی خیر العمل » إنّما ینم عن الظروف القاسیة العصیبة التی جعلت المعاجم الحدیثیة السنیة تکاد تخلو من أمثال هذه الأحادیث رغم ثبوتها علی عهد رسول الله ؛ فرأینا أنّه لا محیص من الرجوع إلی التاریخ ، للوقوف علی مجریات

ص:332

الأحداث ، ومنها الوقوف علی صحّة وأصالة ما قالته الشیعة وما جاء فی الروایات الیتیمة فی کتب الفقه والحدیث عند أهل السنّة والجماعة ، ومن خلال عرضنا للمسألة من وجهة نظر تاریخیة سیقف القارئ علی جواب القول السابق وأمثاله .

إنّ ثبوت « حیّ علی خیر العمل » لم یقتصر علی العلویین - حسنیین کانوا أم حسینیین - بل تعدّاهم إلی بعض أهل السنة والجماعة ، وقد مرّ علیک ما کان بأیدیهم من بقایا هذا الأذان الأصیل .

ومن المعلوم أنّ المسلمین انقسموا بعد وفاة رسول الله إلی نهجین :

الأوّل : نهج الصحابة .

والثانی : نهج أهل البیت .

وعُرف النهجان بالتخالف فیما بینهما فی کثیر من المسائل ، بحیث تجاوز حدَّ النزاع حول الإمامة والخلافة لیشمل کافّة مجالات الشریعة وأحکامها .

وبمعنی آخر : إنّ الخلاف الحاصل بین النهجین قد تجاوز الصعید السیاسیّ لیشمل أصعدة أخری فکر یّة وعقائدیة واجتماعیة . وفی حال اعتبار مصدر تشریع الأحکام فی الفقه من الأُمور المهمّة والحسّاسة جدّاً ، فلا عجب أن تری بین قادة النهجین أحکاماً فقهیّة متضادّة ، قد تصل إلی حدّ التناقض فی المسألة الواحدة ، فتجد ما یقوله عمر بن الخطاب یخالف ما یقوله علیّ بن أبی طالب تماماً ، فعلی الرغم من التزام وتعبّد علیّ

علیه السلام بمنهج رسول الله فی جواز المتعة مثلاً ، تری اجتهاد عمر شاخصاً أمامک فی قبال شر یعة رسول الله ، محرّما للمتعتین ، قائلاً : « أنا أُحرمهما وأُعاقب علیهما » .

لقد أخذ أهلُ السنّة الکثیرَ من فقههم من مجتهدی الصحابة الاوائل ، وخصوصاً الخلفاء ، وانتهجوا سیرة الشیخین ، ولهذا فإنّ الکثیر من موارد المنع فی فقه أهل السنّة والجماعة یرجع أساساً إلی سنّه عمر بن الخطاب وغیره من مجتهدی

ص:333

الصحابة . وقد تمحّل له علماء هذا النهج فحملوا کلّ ما لا یرتضونه من الروایات والأحکام المغایرة لاجتهادات السلف علی النسخ والوضع . ولکی یضفوا صبغة شرعیة علی تلک الأحکام تراهم ینسبون روایات إلی رسول الله تؤیّد ما ذهبوا إلیه .

وإیماناً منا بضرورة دراسة ملابسات مثل هذه الأمور فی الشر یعة ورفع الستار عنها ، خصصنا هذا الفصل کی نؤکّد علی أن الصراع حول جزئیة « حیّ علی خیر العمل » بین الطالبیین والنهج الحاکم له جذوره وأصوله العقائدیة والتاریخیة ، ولم یکن صراعاً سیاسیاً بحتاً ، وهذا إن دلّ علی شیء فإنما یدّل علی عمق الخلاف بین الفریقین .

إذ أنّ استمرار الصراع العقائدی السیاسی لمدة طو یلة من الزمن ینبئ عن وجود أصل شرعی مُختلَف فیه عندهم .

ولمّا کان النهج الحاکم - علی مرّ العصور - یدعو إلی « الصلاة خیر من النوم » تبعاً للخلیفة الثانی والأمویین من بعده ، ولمّا کان الطالبیون لا یؤمنون بشرعیة هذا الجزء ، فمن المؤکد أن یکون عدم إتیان الحفّاظ والمحدّثین بما یدل علی شرعیّة « حیّ علی خیر العمل » فی الصحاح والسنن قد کان خاضعاً لأمور سیاسیة .

إنّ الطالبیّین قد وقفوا أمام مثل هذه الهجمات بکلِّ قوّة ، وبذلوا کلّ ما یمکنهم فی التعبیر عن عدم الرضوخ أمام تغییر السنّة ، وقد کلّفهم ذلک الکثیر الکثیر ، وتحمّلوا المصاعب العظام من أجل الحفاظ علی سنّة رسول الله صلی الله علیه و آله ومنها الإتیان ب- « حیّ علی خیر العمل » فی أذانهم . وقد جرت بین الطرفین مناوشات کلامیة اتّهم فیها کلّ طرف منهما الآخر بالانحراف والبدعة ، محافظاً علی شعاریّته ، ورافضاً شعاریة الطرف الآخر بکل عنف .

ومن یتصفّح التاریخ یجد بین طیّاته صوراً حیّة لمدی قوّة تمسّک الطالبیّین بهذا الجزء من الأذان ، حتّی وصلت الحال فی بعض الفترات إلی أن یکون هو الشعار المحرِّک للثوار والثورة فی مراحل مختلفة من التاریخ .

ص:334

لقد تمسّک الطالبیّیون ب- « حیّ علی خیر العمل » وقدّموا قرابین نفیسة من أجل إبقائها سنّة حتّی صارت شعاراً للشیعة فی کلّ الأصقاع ، وصبغة عقائدیّة یُمیَّزون بها عن غیرهم ، وقد استمدّوا العزم من مواقف أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام الذی قال حین سمع أذان ابن النبّاح ب- « حیّ علی خیر العمل » : « مرحباً بالذی قال عدلاً ، وبالصلاة مرحباً وسهلاً »((1)) .

وقد تجلّت مواقف الشیعة بوضوح فی موقف الحسین بن علیّ - صاحب فخّ - وغیره من الطالبیین((2)) الذین أصرّوا علی إعلانها جهاراً فی الأذان .


1- من لا یحضره الفقیه 1 : 288 ح 890 ، وانظر : کتاب الأذان بحیّ علی خیر العمل : 48 ، 50 للحافظ العلوی .
2- وإلیک مجمل الحرکات الشیعیّة فی العصر العباسی الأول « 132 - 232 » : 1. حرکة محمّد النفس الزکیّة فی المدینة سنة 145 ه- ، فی عهد المنصور العباسی . 2. حرکة إبراهیم - أخی النفس الزکیة - فی البصرة سنة 145 ه- . 3. حرکة الحسین بن علی ( صاحب فخّ ) فی المدینة سنة 169 ه- ، فی عهد الخلیفة الهادی . 4. حرکة یحیی بن عبدالله - أخی النفس الزکیّة - فی بلاد الدیلم سنة 175 ه- ، فی عهد هارون الرشید . 5. حرکة إدریس بن عبدالله - أخی النفس الزکیّة - فی بلاد المغرب سنة 172 ه- ، فی عهد الرشید . 6. حرکة محمّد بن إبراهیم وأبی السَّرایا فی الکوفة سنة 199 ه- ، فی عهد المأمون . 7. حرکة محمّد بن جعفر الصادق فی مکة سنة 200 ه- ، فی عهد المأمون . 8. حرکة أبی عبدالله ( أخی أبی السرایا ) فی الکوفة سنة 202 ه- ، فی عهد المأمون . 9. حرکة إبراهیم بن موسی بن جعفر بن محمّد علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب فی الیمن سنة 200 ه- ، فی عهد المأمون . 10. حرکة عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب فی الیمن سنة 207 ه- ، فی عهد المأمون . 11. حرکة محمّد بن القاسم بن عمر بن علیّ بن الحسین بن علی بن أبی طالب فی خراسان سنة 219 ه- ، فی عهد المعتصم .

ص:335

وعلیه فلا یصحّ ما قاله البعض من عدم صحّة تلک الأخبار أو نسخها أو ... ، بل الأمر یرجع إلی أمور أعمق مما یقولون ، والحوادث التاریخیة تؤکّد ما قلناه .

إنّ متابعة السیر التاریخیّ للأذان وما آل إلیه فی « حیّ علی خیر العمل » یکشف لنا عن أُمور عدیدة متمادیة الأطراف ترجع جذورها إلی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله . ویمکن تلمّس ذلک بوضوح من خلال دراسة التاریخ والسیرة والحدیث ، وهذه المسألة من الأهمیّة بمکان ، بحیث إنّک کلّما بحثت فی مسألة من مسائلها تفتّحت لک أبواب مسائل أُخری ذات ارتباط عمیق بها ، ولا یمکنک ترکها أو التهاون بها ، فالمسألة أکبر من کون « حیّ علی خیر العمل » شعار الشیعة و« الصلاة خیر من النوم » شعار السنّة .

صحیح أنَّ الحرکات التغییریّة التی قادها الشیعة عبر فترات التاریخ المختلفة تُبیِّنُ أنَّهم قد أظهروا مسألة « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان کعنصر تحدٍّ وتعاملوا معها کشعار لهم - کما حصل فی الدولة الفاطمیّة فی مصر ، والدولة الزیدیة فی طبرستان ، والبویهیة فی بغداد ، والحمدانیة فی حلب - إلّا أنَّ ذلک لا یتجاوز ظاهر المسألة .

ذلک أنّ مصادر الحدیث والتاریخ والسیرة تُظِهر لنا بأنّ « حیّ علی خیر العمل» لها ج ذور وأصالة شرعیّة ، فهی أوسع من أن تتضیق فی زاویة کونها شعار فرقة أو طائفة أو مذهب .

نعم ، کان بلال یؤذِّن بها فی عهد رسول الله

صلی الله علیه و آله ، وقد أذّن مرّة أو مرّتین للزهراء والحسنین فی زمن أبی بکر ولم یُتمّ أذانه . ویظهر من جمع الأدلة المارّة وما قلناه أنّه کان یؤذن ب- « حیّ علی خیر العمل » ، ولذلک امتنع عن الأذان فی زمن الشیخین أبی بکر وعمر ؛ إذ جاء فی الخطط للمقریزیّ ( ت 845 ه- ) وغیره : ( ... وأنَّ عمر أراده أن یؤذِّن له فأبی علیه )((1)) لماذا ؟!


1- الخطط المقریزیة 2 : 270 . وانظر الفصل الثانی من هذا الباب « حذف الحیعلة ، وامتناع بلال عن التأذین » .

ص:336

إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما ذکره المقریزیّ فی باب ( ذکر الأذان بمصر وما کان فیه من الاختلاف ) وربطنا ذلک بما توصّلنا إلیه من السیر التاریخیّ لمسألة الأذان فیما یخصّ المسألة المبحوثة وشعاریّتها ، وما أُثیر حولها من محاولات عامدة للحؤول دون ترسیخها فی قلوب المسلمین ، وجمعنا ذلک مع ما بحوزتنا من روایاتنا وروایاتهم فسنحصل علی ثمرة یانعة تشفی غلیل المتطّلع الی الحقیقة ، وعلی نتیجة جلیّة لا غبار علیها ، ویستبین عندئذ أنّها لا تتعدَّی کونها فی أصلها شعیرة إلهیّة وشعاراً إسلامیّاً أصیلاً یحمل وراءه نهجاً إسلامیاً فکریاً یتبع « الرمز » القدوة الحسنة الذی دعا القرآن الکر یم إلی الاقتداء به ، ویرمی بعیداً کلّ ما یمتّ بِصلة إلی الاجتهاد بالرأی والاستحسان المقابل لمنهجیّة التعبّد المحض ؛ ذلک أن « حیّ علی خیر العمل » سنّة نبویّة ، أمّا « الصلاة خیر من النوم » فهی دعوة مُستحدَثة لا تمثل جانباً من رؤیة الإسلام .

ولدی مرورنا بالنصوص والأحداث سنوضح - وفق منهجنا - ملابسات المسألة خلال الصراع الأموی العلوی ثمّ الصراع العباسی العلوی ، والسلجوقی البویهی ، والأیوبی الفاطمی ، وکیفیة نشوء الحرکات الشیعیة فی الأمصار ، وذلک فیه التجسیم الحقیقی للصراع بین الرفض والإذعان ، أو قل صراع الأصولیین الإسلامیین ضد الحکّام الأمویین أو العباسیین ومن حذا حذوهم .

لأنّ أصحاب النهج الحاکم - أمویّین وعباسیّین وغیرهم - کانوا یَدْعُون إلی اتّباع سیرة الشیخیین علی نحو الخصوص . أما الثوار والمعارضون من الطالبیین فکانوا یذهبون إلی شرعیة خلافة الإمام علیّ وأولاده المعصومین ویَدْعون الناس إلی اتّباع نهج علیّ وولده .

وقد بدأ الخلاف بین النهجین أولاً فی موضوع الخلافة ومن هو الأحّق بها ، وهل هناک تنصیب من الله ، أم أنّ الأمر شوری بین الأمة - أو أصحاب الحَلّ

ص:337

والعقد منهم - ؟ ثمّ انجرّ هذا الخلاف إلی الشر یعة ، فوجدنا أحکاماً تُغیَّر وأخری تُستحدَث ، إما دعماً لمواقف الخلیفة ، أو للتعرف علی رجال الطالبیین ، أو لغیرهما من العلل والأسباب .

وقد استفحل هذا الخلاف بعد مقتل عثمان بن عفان ، فانقسم المسلمون إلی فئتین کبیرتین :

فجلّ أهل البصرة وأهل الشام کانوا ذوی أهواء عثمانیّة فی الانتماء الفکری والسیاسی ، وأهل الکوفة والأنصار من أهل المدینة وعدد کبیر من أهل الحجاز کانوا علویّی الفکرة والعقیدة .

وبعد استشهاد الإمام علیّ وصلح الإمام الحسن تم استیلاء معاویة بن أبی سفیان علی الحکم ، فغلبت العثمانیّة علی مجریات الأحداث وانحسر الطالبیّون فبدؤوا یعیشون حالة التقیّة .

و إنّما جئنا بهذا الکلام کی نوضح بأن عملنا فی هذا الفصل سیکون فی محورین لا یمکن فصل أحدهما عن الآخر ، لأنهما وجهان لعملة واحدة ، هما :

1 - المحور السیاسی .

2 - المحور التشریعی .

فقد نفرض أن یتغاضی الحاکم الأموی عن شعاریة « حیّ علی خیر العمل » فی بعض الأحیان ، لکن ذلک لا یعنی رضاه وسکوته عن ذلک فی کلّ الحالات ، لأنّ الحیعلة الثالثة کما علمت لها جانبان تشریعی صلاتیّ وعقائدی سیاسی ، فإذا کان الإتیان بها منحصراً فی حدّ المسألة التشریعیة سکت الحکام عنها علی مضض ، وإن اتّخذت طابعها العقائدی السیاسی قامت قیامتهم واستبدّ بهم الغیظ ؛ لأنّ معناها العقائدی السیاسی هو فرع لمعناها التشریعی الصلاتی الذی هو « محمّد وآل محمّد خیر البر یة » و« الولایة » و« بِرّ فاطمة وولدها » ، وهذا

ص:338

البعد التشریعی یتلوه البعد السیاسی الذی یعنی أنّهم أحقّ بالخلافة والحکم من الآخرین .

فلو دعا الإمام الباقر أو الصادق إلی جزئیتها فی العهد الأموی ، أو أتی بها علیّ بن الحسین ، فقد یسکت الحاکم عنه علی مضض ، لکن لیس معنی هذا سکوتهم کذلک عن الطالبیین الثوار لو أذّنوا ب- « حیّ علی خیر العمل » ؛ لأنّ الأمویّین لو أرادوا معارضة الإمامین الصادق والباقر وقبلهما الإمام علیّ بن الحسین ، لفتحت أمامهم جبهة جدیدة هم فی غنی عنها فی تلک المرحلة من تاریخ المعارضة ، ولدخل الأمر فی إطاره السیاسی قبل أوانه .

ذلک أنّ الأمة الإسلامیة بدأت تعی الأوضاع بعد شهادة الإمام الحسین سنة 61 ه- ، وأخذت تتّضح لها معالم الظلم والمکر الأموی وسعیه لهدم الإسلام ، لأنّ ما فعله یزید بن معاویة بن أبی سفیان بعترة رسول الله واستحلاله المدینة المنورة لثلاثة أیّام وضربه مکّة وغیر ذلک کان کلّ واحد منها کافیاً لإحداث هذا التحول الفکری لدی عامّة الناس .

نعم ، هاجت عواطف الشیعة وغیرهم بمقتل الإمام الحسین ، فتلاوموا وتنادموا لعدم إغاثتهم الإمام علیه السلام ، وقد کانت حصیلة هذا الهیاج الجماهیری هو نشوء حرکة شیعیة باسم حرکة التوّابین ( 61 - 64 ه- )((1)) ثمّ تلتها حرکة المختار ابن أبی عبید الثقفی « 64 - 67 ه- » ثمّ قیام زید بن علیّ « 122 ه- » بالعراق ، وابنه


1- وصف الطبری فی تاریخه 5 : 558 هذه الحرکة بقوله « فلم یَزَل القوم فی جمع آلة الحرب والاستعداد للقتال ، ودعاء الناس فی السرّ من الشیعة وغیرها إلی الطلب بدم الحسین ، فکان یجیبهم القومُ بعد القوم ، والنّفرُ بعد النّفر ، فلم یزالوا کذلک وفی ذلک حتّی مات یزید بن معاویة » عام 64 ه- ، فالثوار قدموا ثورتهم بموته فی حین کان ضمن مخططهم الثورة علی یزید وعلی النظام الحاکم عام 65 ه- ، فلم یفلحوا فی ذلک .

ص:339

یحیی « 125 ه- » بخراسان ، وعبدالله بن معاویة بن عبدالله بن جعفر بن أبی طالب الذی قاد حرکته فی سنة « 128 ه- » فی إصفهان .

فالأمویّون والعباسیّون فی حدود المسألة التشریعیّة لا یمکنهم الوقوف أمام تأذین علیّ بن الحسین ومحمّد الباقر وجعفر الصادق ب- « حیّ علی خیر العمل » ، لوجود أمثال عبدالله بن عمر وأبی أمامة بن سهل بن حنیف وغیرهما ممن أذّن بها .

علی أنّه یمکن حمل سکوت الأمو یین هذا علی أنّهم استهدفوا من عملهم هذا هدفاً سیاسیاً ، وهو التعرّف علی الطالبیین وتجمّعاتهم ، وقد وضحنا سابقاً فی کتابنا ( وضوء النبیّ ) أنّ الطالبیین هم المعارضون الحقیقیون للحکومتین الأمویة والعباسیة .

واستقراراً علی هدفهم هذا سعوا أن یجمعوا الأمة علی فقه یخالف فقه الإمام علیّ بن أبی طالب ؛ الذی فیه الجهر بالبسملة ، والجمع بین الصلاتین ، وعدم مسح الخفّین ، والمسح علی الارجل ، والتکبیر علی المیت خمساً ، وغیرها من الأمور الشرعیة ذات البُعد الشعاری التی استخدمها النهج الحاکم للتعرف علی جماعات الطالبیین .

وفی هذه الظروف وهذا الخضمّ کان من الطبیعی أن تکون الحیعلة الثالثة من تلک المسائل الشرعیة السیاسیة التی کان للحکام من وراء حذفها ومحاربتها هدف بل أهداف .

وفی قبالة ذلک التیار الجارف نجد أنّ الإمامین الباقر والصادق کانا یدعوان إلی الحیعلة الثالثة ، ویؤکّدان علی شرعیتها بدون خوف واکتراث من السلطة ، لکن الأمر نفسه لم یکن عند الثوار فی ظروف التعبئة السریّة ، بل کانوا یتّقون ویخافون من تعرف السلطة علی مواقعهم العسکر یة وتجمعاتهم الثور یة ، فلم یقولوا ب- « حیّ علی خیر العمل » إلّا فی الصحراء وحین یأمنون مکر السلطة .

ص:340

ومن المعلوم أنّ الدولة العباسیة أُسست علی شعار الرضا من آل محمّد((1)) وأنّهم قد تذرعوا بطلب ثار الشهداء من أبناء فاطمة : الحسین بن علیّ ، زید بن علیّ بن الحسین ، وولده یحیی وسواهم .

لکنّهم سرعان ما قلبوا للعلویین ظهر المجنّ فلم یَفُوا بما عاهدوا علیه الأمة ، ولم یحافظوا علی الدلالة الصادقة لمقولة « الرضا من آل محمّد » ، بل نقضوا ما بایعوا علیه محمّد بن عبدالله بن الحسن « النفس الزکیة » قبل الانتصار .

وبعد خیانة العباسیین لشعار الرضا من آل محمّد ، ادّعَوا أنّهم أولی بالخلافة من العلویین ؛ لمکان العبّاس عم الرسول ، وأنه أولی بالنبی من علیّ وفاطمة وأبنائها ! وهنا کان من الطبیعی أن تغیظهم الحیعلة الثالثة المشیرة إلی أولویة علیّ وأولاده المعصومین بالخلافة من بنی العبّاس وغیرهم .

وبما أنّ الحکومتین الأمویّة والعباسیّة کانتا تقدّمان الشیخین علی الإمام علیّ وتأخذان بسیرتیهما ، فمن المنطقیّ جدّاً أن لا یرتضی العلویّون السکوت عما فعله هؤلاء من ظلم لأهل البیت ومن طمس ل- « خیر العمل » ، فلذلک کان العلویون یقفون أمام الاجتهادات الُمحدَثة من قبَلَ الخلفاء کحذف « حیّ علی خیر العمل » وتشریع صلاة التراو یح ، والتکبیر علی المیّت أربعاً ، وإخفات البسملة . بل ربّما کان العلویّون یبعدون المرمی ویصیبون المقتل فیصرّحون بأنّ السبب الأوّل فی ضیاع حقهم فی الخلافة وضیاع أحکام الدین ما هو إلّا ما فعله الشیخان بعد وفاة الرسول صلی الله علیه و آله .

من هنا جَدَّ العلو یّون لإعادة السنّة إلی موضعها - کما کانت فی عهد رسول الله وکما أرادها الإمام علیّ - فأخذوا یعلنون « حیّ علی خیر العمل » علی المآذن ،


1- انظر : تاریخ الطبری 7 : 358 احداث سنة 129 و7 : 390 احداث سنة 130 ه- وغیرهما .

ص:341

ویجهرون بالبسملة ، ویکبّرون علی المیّت خمساً ، وینادون ب- « من مات عن بنت وأخ وأخت فالمال کله لها » ویصرحّون بالصحیح من دین الله فی عشرات المسائل التی حرّفها المحرّفون .

وجاء فی جامع علی بن اسباط عن الحسن بن جهنم قال : ذکرت لابن عبدالله جعفر بن محمّد علیه السلام ما نحن فیه وما للناس فیه من اذلال بنی العباس قلت : ومتی الفرج ؟ قال : النداء بحی علی خیر العمل علی المنارة((1)) .

وهذا یشیر إلی أنّ الخلاف بین الحکّام والعلویین کان أصولیاً ، ولیس کما یصوّره البعض بأنّه خلاف حول الخلافة بما هی خلافة فقط ، بل إنّ اختلافهم کان علی الشر یعة حکومةً وأحکاماً .

إنّ وقوف الطالبیین أمام الحکام ما هو إلّا انعکاس لنهج أصیل یقف فی مواجهة الخلفاء ، وما جزئیّة « حیّ علی خیر العمل » إلّا نموذج مصغرَّ لهذا الصراع الفکری العقائدی فی الشر یعة ، وإلیک الآن بعض النصوص فی ذلک :

زید بن علیّ بن الحسین « 122 ه »

روی الحافظ العلوی بسنده إلی یزید بن معاویة بن إسحاق ، قال : کنّا بجبّانة سالم((2)) ، وقد أَمِنَّا أهل الشام ، فأمر زیدُ بن علیّ معاویةَ بن إسحاق فقال : أذِّن ب- « حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل »((3)) .


1- الایضاح للقاضی النعمان المطبوع فی « میراث حدیث شبیعه » دفتر دهم صفحة 109 .
2- أهل الکوفة یسمّون مکان دفن الأموات جبّانة ، کما یسمیّها أهل البصرة المقبرة ، وجبانه سالم تنسب إلی سالم بن عمارة بن عبدالحارث ( انظر : معجم البلدان 2 : 99 - 100 ) .
3- الأذان بحیّ علی خیر العمل : 83 للحافظ العلوی .

ص:342

یحیی بن زید بن علیّ بن الحسین « 125 ه »

أخرج الحافظ العلوی بسنده عن زیاد بن المنذر ، قال : حدّثنی حسّان ، قال : أذّنت لیحیی بن زید بخراسان ، فأمرنی أن أقول : حیّ علی خیر العمل ، ] حی علی خیر العمل [ .

وبإسناده عن صباح المزنی ، قال : أذّن رجل کان مع یحیی بن زید بخراسان ، قال : ما زال مؤذنهم ینادی

بحیّ علی خیر العمل حتّی قُتل((1)) .

إبراهیم بن عبدالله بن الحسن « 145 ه »

أخرج الحافظ العلوی باسناده عن سالم الخزاز ، قال : کان إبراهیم بن عبدالله ابن الحسن یأمر أصحابه إذا کانوا فی البادیة أن یزیدوا فی الأذان « حیّ علی خیر العمل »((2)) .

الحسین بن علیّ ( صاحب فَخّ ) « 169 ه »

روی أبو الفرج الإصفهانیّ أنّ إسحاق بن عیسی بن علیّ ، وَلِی المدینة فی أیّام موسی الهادی ، فاستخلف علیها رجلاً من ولد عمر بن الخطّاب ، یُعرف بعبد العز یز بن عبدالله ، فحمل علی الطالبیّین ، وأساء إلیهم ، وأفرط فی التحامل علیهم ، وطالبهم بالعرض ] علیه [ کلّ یوم ، وکانوا یعرضون فی المقصورة ، وأخذ کلّ واحد منهم بکفالة قر ینه ونسیبه ، فضمن الحسینُ بن علیّ ، ویحیی ابن عبدالله


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی : 87 وانظر : إمالی أحمد بن عیسی 1 : 97 الحدیث 236 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 88 ، 89 ، وبتحقیق عزّان : 147 ح 186 ، 187 .

ص:343

ابن الحسن : الحسنَ بن محمَّد بن عبدالله بن الحسن ، ووافی أوائل الحاجّ ، وقَدِم من الشیعة نحو من سبعین رجلاً فنزلوا دار ابن أفلح بالبقیع وأقاموا بها ، ولقوا حسیناً وغیرَه ، فبلغ ذلک العمریَّ فأنکره ، وکان قد أخذ قبل ذلک الحسن بن محمّد بن عبدالله ، وابن جندب الهذلی الشاعر ، ومولی لعمر ابن الخطاب وهم مجتمعون ، فأشاع أنّه وجدهم علی شراب ، فضرب الحسن ثمانین سوطاً ، وضرب ابن جندب خمسة عشر سوطاً ، وضرب مولی عمر سبعة أسواط ، وأمر بأن یدار بهم فی المدینة مکشّفی الظهور لیفضحهم ، فبعثت إلیه الهاشمیّة - صاحبة الرایة السوداء فی أیام محمّد بن عبدالله - فقالت له : لا ولا کرامة ، لا تشهّر أحداً من بنی هاشم ، وتشنّع علیهم وأنت ظالم ، فکفَّ عن ذلک وخلّی سبیلهم ... إلی أن یقول : ثمّ عرضهم یوم الجمعة ... فدعا باسم الحسن بن محمَّد ، فلم یحضر ؛ فقال لیحیی والحسین بن علیّ : لتأتیانی به أو لأحبسنَّکما ، فإنَّ له ثلاثة أیّام لم یحضر العرض ، ولقد خرج أو تغیَّب ... أر ید أن تأتیانی بالحسن بن محمَّد .

فقال له الحسین : لا نقدر علیه ، هو فی بعض ما یکون فیه الناس ، فابعث إلی آل عمر بن الخطّاب ، فاجمعهم کما جمعتنا ، ثمَّ اعرضهم رجلاً رجلاً ، فإن لم تجد فیهم من قد غاب أکثر من غیبة الحسن عنک ، فقد أنصفتنا .

فحلف ] العمریّ [ علی الحسین بطلاق امراته وحریّة ممالیکه ، أنّه لا یخلّی عنه أو یجیئه به فی باقی یومه ولیلته ، وأنّه إن لم یجئ به لیرکبنّ إلی سویقِهِ فیخرّبها ویحرقها ولیضربنَّ الحسین ألف سوط ...

فوثب یحیی مُغضَباً ، فقال له : أنا أعطی الله عهداً .. ثمّ وجَّهَ ] الحسین [ فجاءهُ یحیی ، وسلیمان ، وإدریس - بنو عبدالله بن الحسن - وعبدالله بن الحسن الأفطس ، وإبراهیم بن إسماعیل طباطبا ، وعمر بن الحسن بن علیّ بن الحسن بن الحسین بن الحسن ، وعبدالله بن إسحاق بن إبراهیم بن الحسن بن الحسن بن علیّ ، وعبدالله بن

ص:344

جعفر بن محمَّد بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب .. ووجَّهوا إلی فتیان من فتیانهم وموالیهم ، فاجتمعوا .. ستّة وعشر ین رجلاً من ولد علیّ ، وعشرة من الحاجّ ، ونفر من الموالی .

فلمَّا أذَّن المؤذِّن للصبح دخلوا المسجد ، ثمَّ نادوا : ( أحد ، أحد ) ، وصعد عبدالله بن الحسن الأفطس المنارة التی عند رأس النبیّ صلی الله علیه و آله ، عند موضع الجنائز ؛ فقال للمؤذِّن : أذِّن ب- « حیَّ علی خیر العمل » ، فلمَّا نظر إلی السیف فی یده أذَّن بها . وسمعه العمریّ ، فأحسَّ بالشرِّ ، ودهش ... وولَّی هارباً ... فصلَّی الحسین بالناس الصبح ؛ ودعا بالشهود العدول الذین کان العمریّ أشهدهم علیه أن یأتی بالحسن إلیه ، ودعا بالحسن ؛ وقال للشهود : « هذا الحسن قد جئت به ، فهاتوا العمریّ وإلّا والله خرجت من یمینی ، وممَّا عَلَیَّ » . ولم یتخلَّف عنه أحد من الطالبیّین((1)) .

غیر أنّهم حرّفوا الخلاف العقائدی السیاسی إلی خلاف سیاسی بحت ، فنراهم یشککون فی أهداف ثورة صاحب فخ ویتّهمونه وکلَّ الثوار بأنّهم ثاروا للدفاع عن شخص سکّیر - والعیاذ بالله - وهو الحسن بن محمّد بن عبدالله بن الحسن ( ابن النفس الزکیة )((2)) !

ومثله قالوا عن ثورة الإمام زید وشککوا فی دواعی ثورته الخالصة ، زاعمین أنّها جاءت علی أثر خلاف مالیّ بینه وبین بعض أعوان السلطة وهو خالد بن عبدالله((3)) أو أنّه وابنی الحسن تخاصما فی وقف لعلی((4)) أو ما شابه ذلک من التهم


1- مقاتل الطالبیّین : 443 - 447 وقد رویناه مختصراً .
2- تاریخ الطبری 8 : 192 ، 193 ، الکامل فی التاریخ 5 : 74 - 75 .
3- تاریخ الطبری 7 : 160 . وقد أجاب الإمام زید عن هذه التهمة وقال لیوسف بن عمر : أنّی یودعنی مالاً وهو یشتم آبائی علی منبره . فارسل ] یوسف [ إلی خالد فاحضره فی عباءة فقال له : هذا زید ، زعمت أنک قد أودعته مالاً ، وقد أنکر . فنظر خالد فی وجههما ثمّ قال : أترید أن تجمع مع إثمک فیّ إثماً فی هذا ! کیف أودعه مالاً وأنا أشتمه وأشتم آباءه علی المنبر ! قال : فشتمه یوسف ، ثمّ رده ، ( تاریخ الطبری 7 : 167 ) .
4- تاریخ الطبری 7 : 163 احداث سنة 121 .

ص:345

الفارغة التی تباین شخصیة هؤلاء الأفذاذ ، وما هذا إلّا کصنیع الأمویین مع النصوص والأحداث .

لقد سعت حکومة عمر بن الخطاب ومن بعده عثمان والحکومة الأمویّة ، إلی تجرید الحیعلة الثالثة من طابعها السیاسی ، بل حاولوا إدخالها فی إطار اختلاف وجهات النظر والاجتهاد بین الصحابة کما یسمّونه ، لکنّ الأمر أخذ یختلف فی العهد العباسی الأول ثمّ من بعده فی الحکومات اللاحقة ، إذ راح یتبلور أکثر فأکثر کون الحیعلة الثالثة شعاراً دینیَّاً سیاسیاً للثوار ، وأخذت الحکومة تتحسس منه ولا تستطیع خنقه .

فإبراهیم بن عبدالله بن الحسن - أخو النفس الزکیة الذی خرج بالبصرة بعد شهادة أخیه - یأمر أصحابه أن یؤذّنوا بالحیعلة سراً کی لا یقف النهج الحاکم وجواسیسه علیهم . وهکذا حال الحسین صاحب فخ ، فإنّه لم یکن تأذینه وأتباعُهُ بالحیعلة الثالثة إلّا معنی آخر للثورة ولیعلنوا أنهم هم الأولی بالله ورسوله وخلافته .

طبرستان ( سنة 250 ه )

خرج بطبرستان الحسن بن زید بن محمّد بن إسماعیل بن الحسن بن زید ابن الحسن بن علیّ بن أبی طالب .

وکان سبب ظهوره أنّ محمّد بن عبدالله بن طاهر لمّا ظفر بیحیی بن عمر أقطعه

ص:346

المستعین بالله العباسی من ضواحی السلطان بطبرستان قطائعَ ، منها قطیعة قرب ثغر الدیلم وهما کلار وشالوس ، وکان بحذائهما أرض یحتطب منها أهل تلک الناحیة ، وترعی فیها مواشیهم ، لیس لأحد علیها ملک إنّما هی مَوات ، وهی ذات غیاض ، وأشجار ، وکلأ .

فوجّه محمّد بن عبدالله نائبه لحیازة ما أُقطِع ، واسمه جابر بن هارون النصرانی ، فلمّا قَدِم جابر عَمَد فحاز ما اتّصل به من أرض مَوات یرتفق بها الناس .

وکان فی تلک الناحیة یومئذ أخوانِ لهما بأسٌ مذکوران بإطعام الطعام وبالإفضال ، یقال لأحدهما : محمّد ، وللآخر : جعفر ، وهما ابنا رستم ، فانکرا ما فعل جابر من حیازة الموات وکانا مُطاعَین فی تلک الناحیة ، فاستنهضا من أطاعهما لمنع جابر من حیازة ذلک الموات ؛ فخافهما جابر فهرب منهما فلحق بسلیمان بن عبدالله بن طاهر وکان عامل طبرستان یومئذ ، وخاف محمّد وجعفر ومن معهما من عامل طبرستان ، فراسلوا جیرانهم من الدَّیلم یذکّرونهم العهد الذی بینهم ، ثمّ أرسل ابنا رستم ومن وافقهما إلی رجل من الطالبیین - اسمه محمّد بن إبراهیم کان بطبرستان - یدعونه إلی البیعة ، فامتنع ، وقال : لکنّی أدلّکم علی رجل منّا هو أقوم بهذا الأمر منّی ، فدلّهم علی الحسن بن زید وهو بالری ، فوجّهوا إلیه عن رسالة محمّد بن إبراهیم یدعونه إلی طبرستان ، فشخص إلیها ، فأتاهم وقد صارت کلّ الدیلم وأهل کلار وشالوس والرویان علی بیعته ، فبایعوه کلّهم وطردوا عمّال ابن أوس عنهم - وکان هذا من عمال سلیمان بن عبدالله عامل طبرستان - فلحقوا بسلیمان بن عبدالله ، وانضم إلی الحسن بن زید أیضاً جبال طبرستان .

ثمّ تقدم الحسن ومن معه نحو مدینة آمل ثمّ ساریة ، وقیل إنّ سلیمان انهزم اختیاراً لأنّ الطاهریّة کلّها کانت تتشیّع ، فلمّا أقبل الحسن بن زید إلی طبرستان تأثّم سلیمان من قتاله لشدّته فی التشیع ، وقال :

ص:347

نبّئتُ خیل ابن زید

أقبلت خَبَباً

تُریدنا

لتُحَسِّینا ألامَرَّیْنا

یا قَومُ إن کانت

الأنباءُ صادقةً

فالوَیلُ لی ولجمیع

الطاهریّینا

أمّا أنا فإذا

اصطفّت کتائبُنا

أکونُ من بینهم رأَس

المُوَلّینا

فالعُذرُ عند رسول

الله منبسطٌ

إذا احتسبت دماء

الفاطمیّینا

فلمّا التقوا انهزم سلیمان ، فلما اجتمعت طبرستان للحسن وجه إلی « جندا » مع رجل من أهله یقال له الحسن بن زید أیضاً ، فملکها وطرد عنها عامل الطاهریة ، فاستخلف بها رجلاً من العلویین یقال له محمّد بن جعفر وانصرف عنها »((1)) .

وقد جاء فی تاریخ طبرستان لابن اسفندیار الکاتب المتوفّی 613 ه- قوله :

« استقرّ الداعی الکبیر ابن زید فی آمُل ، وأعلن فی أطراف طبرستان وکیلان والدیلم أنّه : قد رأینا العمل بکتاب الله وسنّة رسوله وما صحّ عن أمیر المؤمنین ، وإلحاق حیَّ علی خیر العمل ، والجهر بالبسملة ، والتکبیر خمساً علی المیت ، ومن خالف فلیس منّا »((2)) .

وقد حکی الشیخ أغا بزرک الطهرانی فی الذریعة عن تاریخ طبرستان : 240 أن الداعی إلی الحق الحسن بن زید کتب فی سنة 252 منشورة عن آمل إلی سائر بلاده ، بإعلاء شعائر التشیع من تقدیم أمیر المؤمنین علیه السلام ، والأخذ بما صح عنه فی جمیع الأصول والفروع من قول « حیّ علی خیر العمل » والجهر ب- « بسم الله الرحمن الرحیم » وغیر ذلک((3)) .

هکذا نجح الحسن بن زید فی تکوین هذه الدولة التی تُعرف بالدولة الزیدیة


1- انظر : تفاصیل هذا الامر فی الکامل لابن الأثیر 5 : 314 - 317 حوادث سنة 250 .
2- تاریخ طبرستان لابن اسفندیار الکاتب : 239 وعنه فی تاریخ طبرستان للمرعشی 881 ه- .
3- الذریعة إلی تصانیف الشیعة 17 : 270 .

ص:348

بطبرستان ، واقتطع من ملک بنی العبّاس وآل طاهر طرفاً عظیماً تحمیه جبال طبرستان والدیلم ، واستمرت هذه الحکومة نحو قرن کامل ( 250 - 355 ه- ) تولی فیها :

1 - الحسن بن زید الداعی 250 - 270 .

2 - محمّد بن زید القائم بالحق 270 - 279 .

3 - احتلال الدولة السامیة لطبرستان 279 - 301 .

4 - تولی الحسن الأطروش بن علیّ بن عمر بن زین العابدین 301 - 304 علی طبرستان مرّة أُخری .

5 - الحسن بن القاسم بن علیّ بن عبدالرحمن ومعه أولاد الأُطروش 304 - 355 .

ویبدو أنّ المنشور الذی أعلنه الداعی الکبیر سنة 252 ه- ظل ساری المفعول حتّی نهایة هذه الدولة العلویة الزیدیّة ، فکانت المآذن تؤذن ب- « حیّ علی خیر العمل » لأکثر من قرن ، منبّهین علی أنّ هذا المرسوم صدر فی وقت مبکر جداً من أوائل حکومة هذا الداعی الکبیر ، لما له من هیبة دینیة وبُعد سیاسی ، وما له من أثر فی ترسیخ حکومة تقوم علی أساس الدین من وجهة نظر علویة ، ویؤکد صحةَ هذا ما نراه الیوم وبعد أکثر من ألف عام فی التراث الزیدی ، فلو راجعت کتبهم الفقهیة والحدیثیة القدیمة عرفت ثبوتها عندهم ، وهذا الموقف من الحسن بن زید وغیره هو امتداد لشرعیتها علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله .

حمص / مصر / بغداد ( سنة 290 ه )

جاء فی کتاب بغیة الطلب فی أخبار حلب لابن العدیم المتوفی ( 660 ه- ) :

« ... فصار ] صاحب الخال [ إلی حمص ودُعی له بکورها وأمرهم أن یصلوا الجمعة أربع رکعات ، وأن یخطبوا بعد الظهر ویکون أذانهم :

ص:349

أشهد أن محمّداً رسول الله ، أشهد أن علیّاً ولی الله ، حیّ علی خیر العمل »((1)) .

وجاء فی کتاب « أخبار بنی عبید » لمحمد بن علیّ بن حماد فی ترجمة عبیدالله ( 322 ه- ) - مؤسس الدولة العبیدیة فی مصر - :

... وکان مما أحدث عبیدالله أن قطع صلاة التراویح فی شهر رمضان ، وأمر بصیام یومین قبله ، وقنت فی صلاة الجمعة قبل الرکوع ، وجهر بالبسملة فی الصلاة المکتوبة ، وأسقط من أذان صلاة الصبح : « الصلاة خیر من النوم » ، وزاد : « حیّ علی خیر العمل » ، « محمد وعلی خیر البشر » ، ونص الأذان طول مدة بنی عبید بعد التکبیر والتشهدین : حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح مرتین ، حیّ علی خیر العمل محمد وعلی خیر البشر مرتین مرتین ، لا إله إلّا الله مرة((2)) .

هذان نصّان أحدهما عن الطالبیین فی حلب والآخر فی مصر ، وهما یؤکدان أنّ النزاع الفکری بین الطالبیین والنهج الحاکم کان مستمراً عبر جمیع القرون ، ولم یختصّ ببلدة دون أخری .

و یدلّ علی أصالة الحیعلة الثالثة ، وامتداد التأذین بها زماناً ، وانتشارها مکاناً ، ما رواه القاضی التنوخی المتوفّی 384 ه- عن أبی فرج الاصفهانی فیما حدث فی بغداد فی نفس تلک الفترة تقریباً ، قال :

أخبرنی أبو الفرج الاصفهانی ( المتوفّی 356 ه- ) قال : سمعت رجلاً من القطیعة((3)) ، یؤذن : الله أکبر ، الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد


1- بغیة الطلب 2 : 944 .
2- اخبار بنی عبید 1 : 50 .
3- رجّح محقق کتاب نشوار المحاضرة أن یکون المقصود من القطیعة هی قطیعة أمّ جعفر ، وهی محلّة ببغداد عند باب التبن وهو الموضع الذی فیه مشهد الإمام موسی ابن جعفر ، لکن ترجیحه لیس براجح بنظرنا ، لأن أبا الفرج لو أراد تلک القطیعة لقال : رجلُ من أهل القطیعة أو رجل من قطیعة أمّ جعفر ؛ وذلک لتمییزها عن القطائع الکثیرة الأخری - والتی ذکرها صاحب معجم البلدان 4 : 376 - کقطیعة إسحاق ، وقطیعة الرقیق ، وقطیعة الربیع ، وقطیعة زهیر ، وقطیعة العجم ، وقطیعة عیسی وغیرها . وحیث لا یمکن الترجیح أو القول بأن القطیعة هی علم لقطیعة أم جعفر فلابدّ من احتمال أن تکون القطیعة هی تصحیف للقطعیة وهی الفرقة التی قطعت بموت موسی ابن جعفر وإمامة علیّ ابن موسی الرضا علیهم السلام ، وهم فی مقابل الواقفیّة التی وقفت علی إمامة موسی بن جعفر الکاظم ولم تقل بإمامة مَن بعده ، ویترجّح احتمالنا حینما نری التنوخی یأتی ب- « خبر أذان رجل من القطیعة » بعد خبر « حجّام یحجم بالنسیّة إلی الرجعة » وکلاهما یرتبط بأمر تقوله الشیعة الإمامیّة الاثنا عشریة . ویتقوی احتمالنا هذا حینما نری الإصفهانی - الزیدی العقیدة - ینقل هذا الخبر ، وهو تأکید لأذان الإمامیة القطعیة فی الکاظمیة ، وأنهم کانوا یؤذّنون بالشهادة الثالثة . ولو أحببت أن تتأکد بأن القطعیة هو اصطلاح للشیعة الاثنی عشریة راجع کتب الشیخ الصدوق ومقالات الإسلامین للأشعری 1 : 17 ، والملل والنحل للشهرستانی 1 : 29 ، وخاتمة المستدرک 4 : 248 عن النوبختی فی کتاب مذاهب فرق أهل الامة . وعلی فرض أن یکون المراد قطیعة أمّ جعفر ، فهی أیضاً کانت من الأماکن التی یقطنها الشیعة الإمامیة الاثنا عشریة ، قال الحموی فی معجم البلدان 4 : 448 ، وأهل الکرخ کلهم شیعة إمامیة لا یوجد فیهم سنیّ ألبتة . وانظر : حول تشیعها الاثنی عشری البدایة والنهایة 11 : 307 / احداث سنة 379 ، وموسوعة العتبات المقدسة « الکاظمیة » 9 : 115 . هذا وقد أضاف المحقق جملة من بعض النسخ تشمئز منها النفوس ولا تتفق مع السیر التاریخی وارتباط هند وابن عمر بمسألة الأذان ، فراجع .

ص:350

أن محمد رسول الله ، أشهد أن علیّاً ولی الله ، محمد وعلی خیر البشر ، فمن أبی فقد کفر ، ومن رضی فقد شکر ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، الله أکبر الله أکبر ، لا إله إلّا الله((1)) ...


1- نشوار المحاضرة للتنوخی 2 : 133 .

ص:351

ولتأکید وجود الخلاف الفقهی العقائدی فی تلک البرهة من التاریخ إلیک کلام المقریزی فی ( المواعظ والاعتبار ) عند ذکره مذاهب أهل مصر ونِحَلِهم ، قال :

قال أبو عمر الکندی فی کتاب ( أمراء مصر ) : ولم یَزَل أهل مصر علی الجهر بالبسملة فی الجامع العتیق إلی سنة ثلاث وخمسین ومائتین ( 253 ه- ) ، قال : ومنع أرجون صاحب شرطة مزاحم بن خاقان أمیر مصر من الجهر بالبسملة فی الصلوات بالمسجد الجامع ، وأمر الحسین بن الربیع إمام المسجد الجامع بترکها وذلک فی رجب سنة ثلاث وستّین ومائتین ( 263 ه- ) ، ولم یَزَل أهل مصر علی الجهر بها فی المسجد الجامع منذ الإسلام إلی أن منع منها أرجون .

إلی أن یقول : ... إلی أن قدم القائد جوهر من بلاد إفریقیة فی سنة ثمان وخمسین وثلاثمائة (358 ه-) بجیوش مولاه المعز لدین الله أبی تمیم معدّ وبنی مدینة القاهرة ، فمن حینئذ فشا بدیار مصر مذهب الشیعة ، وعمل به فی القضاء وأنکر ما خالفه ، ولم یبقَ مذهب سواه ، وقد کان التشیّع بأرض مصر معروفاً قبل ذلک .

قال أبو عمر الکندی فی کتاب الموالی ، عن عبدالله بن لهیعة أنه قال : قال یزید بن أبی حبیب : نشأت بمصر وهی علویّة فقلبتُها عثمانیة((1)) .

ثمّ عمد المقریزی إلی شرح الأدوار التی مرت بها الشیعة فی مصر وکیف کانت علویّة وصارت عثمانیّة حتّی یصل إلی صفحة 340 ، وفیها یذکر حوادث سنة ( 353 و356 ه- ) وأن « جوهراً » أعلن حیّ علی خیر العمل وفضّل الإمام علیّاً وأولاده علی غیره وجهر بالصلاة علیه وعلی الحسن والحسین وفاطمة الزهراء رضوان الله علیهم ، ممّا سیأتی فی ما ننقله عن حوادث مصر فی تلک السنة .


1- الخطط المقریزیة 2 : 334 .

ص:352

هذا نموذج بسیط عن مسار الاتجاهین الفکری . وقد أکدنا اکثر من مرّة علی أنّ لکلّ واحد من النهجین قادة وجماهیر .

ولما حکم نهج الاجتهاد والرأی - فی الحکومات الأمویة والعباسیة أو السلجوقیة والأیوبیة - حکّم آراء الخلفاء وفقههم فی الشریعة .

أمّا النهج الشیعی فقد دعا إلی الأخذ بسنة رسول الله عن علیّ وأولاده ، وهؤلاء قد عارضوا النهج الحاکم فی زمن الشیخین وعثمان وطیلة الحکم الاموی والعباسی . ولا ننسی أن شعاریة « حیّ علی خیر العمل » وغیرها قد تجسدت فی العصر العباسی الأوّل والثانی ، أی بنشوء الدول الشیعیة کالدولة الإدریسیة فی المغرب والحمدانیة فی حلب ، والبویهیة فی بغداد ، والزیدیة فی طبرستان ، والفاطمیة فی مصر و...

وقد اتّخذ کلّ اتجاه أُصولا فی عمله ، فأحدهم یمنع من تدوین الحدیث والآخر یصرّ علیه وإن وضعت الصمصامة علی عنقه .

والأوّل یذهب إلی عدم تنصیص النبیّ علی أحد بل ترک الأمّة لتختار لإمامتها من تشاء ، والآخر یعتقد بلزوم الوصایة والخلافة وقد عیّن النبیُّ بالفعل علیاً إماماً وخلیفة من بعده .

والسنیّ یقول باجتهاد النبیّ ، والشیعی لا یرتضی ذلک .. وهلمّ جرّاً .

اذاً یمکن تلمس النهج السنی فی تصرف الدولتین الامویة والعباسیة ، ثمّ بعدهم السلجوقیّة والنوریّة والصلاحیّة والعثمانیّة ، وهذه الدول کانت تسعی لتطبیق ما شُرّع علی عهد الخلفاء وما دوّن لهم فی عهد عمر بن عبدالعزیز - لقول الزهری : ( کنّا نکره تدوین الحدیث حتّی أکرهنا السلطان علی ذلک ، فکتبناه وخفنا أن لا نکتبها للناس ) - وأخذوا بالمذاهب الأربعة فقط ، اعتقاداً منهم بأنّ أقوال أربابها هی الدین الحق ، غافلین عن دور الحکّام فی تأصیل أصول تلک الأحکام الشرعیة ، کتدوین الحدیث ، وحصر المذاهب بالأربعة وسوی ذلک .

ص:353

وفی المقابل نری النهج العلوی بأمرائه وجماهیره وعلمائه وفقهائه یسعون - عند وصولهم إلی الحکم - لتطبیق ما عرفوه من سنة رسول الله ونهج الإمام علیّ ، فیصرّون علی الإتیان بالحیعلة الثالثة مثلاً ویأبَون بِدعیتها ، وهکذا الأمر فی غیرها من المسائل المختلف فیها .

وهذا التخالف بین الجناحین یومئ إلی أنّ الخلاف بین الحکومات العلویّة الشیعیّة والحکومات السنیّة علی مرّ التاریخ کان یدور فی محاور عقائدیّة فکریة استراتیجیّة ، مضافاً لما بینهما من خلاف حول الخلافة ، لأنّ کلّ واحد من الطرفین یستدل علی صحّة عمله بأقوال وأفعال من یعتقد به من الصحابة أو أهل البیت .

وعلیه فلا یجوز أن نتغافل عن جذور الحیعلة الثالثة وأشباهها فی کتب الفقه والحدیث والتاریخ ، بل بذکرنا خلافیات الفریقین یمکن الوقوف علی جواب سؤالنا السابق ، وأن هذه الأمور هی تشریعات ذات أبعاد سیاسیة عقائدیة .

ولا یمکننا أن ننکر أنّ الشیعة قد کانوا یَمَسّون الصحابة فی بعض الأحیان ؛ لما وقفوا علیه فی التاریخ من غصب حقّ الإمام علیّ ، ومنع الزهراء من فدک والهجوم علی بیتها ، ولعن الإمام علیَّ علی المنابر فی زمن معاویة ومَن بعده ، وضیاع أحکام کثیرة من دین الله و...

وهذا یوضح أنّ لکلّ واحد من النهجین شعائره ومقدساته . ویجب أن یتّضح لنا أنّ هذا الموقف من الاعتقاد الشیعی أو ذاک الموقف من الاعتقاد السنّی إنّما یبتنی علی ما یحمله کلّ طرف من المتبنّیات الفکریة الأیدلوجیة والأصول التی اعتمد علیها ، والتی تدلّ علی شرعیّته عنده وأنّه لم یکن ولید ساعته !

إنّ کلامنا هذا یرمی إلی بیان البُنَی التحتیة للفریقین ، دون الخوض فی أصل شرعیة حکم الفاطمیین أو عدم شرعیة حکم العباسیین أو العکس وإلی البحث عن مدی صحّة ما روی عنه صلی الله علیه و آله : اقتدوا باللذین من بعدی أبی بکر وعمر ، أو أن

ص:354

حکم البسملة هو الجهر أم الإخفات ، وهل یجوز المسح علی الخفین أم لا ؟ إذ أن شرعیة هذه الأحکام وعدمها سبقت هذه المرحلة ، وإن دیمومیة هذا الخلاف من قبل الفریقین ینبئ عن وجود أصل مختلف فیه بینهما ، لا کما یصورونه من عدم وجود أصل فیه عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، أو عن حکومات غیر المتعبّدین .

الأندلس « ما بعد سنة 300 ه »

ذکر ابن حزم الاندلسی فی ( نَقْط العروس فی تواریخ الخلفاء ) تحت عنوان : مَن خَطَب لبنی العبّاس أو لبنی علیّ بالأندلس ، فقال :

عمر بن حفصون خطب فی أعماله بریَّةَ((1)) لإبراهیم بن قاسم بن إدریس بن عبدالله بن حسن بن حسن بن علیّ بن أبی طالب صاحب البصرة ، ثمّ خطب لعبید الله صاحب افریقیة ، وأذّن فی جمیع أعماله « بحیّ علی خیر العمل »((2)) .

حلب / مصر ( سنة 347 ه )

قال المقریزی فی ( المواعظ والاعتبار ) : « ... وأوّل مَن قال فی الأذان باللیل : « محمّد وعلیّ خیر البشر »((3)) الحسین المعروف « بأمیر ابن شکنبة » ، ویقال اشکنبة ، وهو اسم اعجمیّ معناه : الکرش ، وهو : علیّ بن محمّد بن علیّ بن إسماعیل بن الحسن بن زید بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب ، وکان أوّل تأذینه بذلک فی أیّام سیف الدولة بن حمدان بحلب فی سنة سبع وأربعین وثلاثمائة ، قاله الشریف محمّد بن أسعد الجوبانی النسّابة .


1- بناحیة اکشونیت .
2- رسائل ابن حزم الاندلسی 2 : 84 الرسالة الثانیة ( نَقط العروس فی تواریخ الخلفاء ) تحقیق احسان عباس بیروت 1987 .
3- هذا اشتباه من الکاتب ، ذلک ان الزیدیة کانت تقول بهذا قبل هذا التاریخ حسبما وضحناه .

ص:355

ولم یزل الأذان بحلب یزاد فیه « حیَّ علی خیر العمل ، ومحمّد وعلیّ خیر البشر » إلی أیّام نور الدین محمود ، فلما فتح المدرسة الکبیرة المعروفة بالحلاویة استدعی أبا الحسن علیّ بن الحسن بن محمّد البلخی الحنفی إلیها ، فجاء ومعه جماعة من الفقهاء ، وألقی بها الدروس ، فلما سمع الأذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الأذان وقال لهم : مُرُوهم یؤذّنوا الأذان المشروع((1)) ، ومن امتنع کُبّوه علی رأسه ، فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به ، واستمر الأمر علی ذلک .

وأمّا مصر فلم یزل الأذان بها علی مذهب القوم ] یعنی الشیعة الفاطمیین [ إلی أن استبدّ السلطان صلاح الدین یوسف بن أیوّب بسلطنة دیار مصر وأزال الدولة الفاطمیة فی سنة سبع وستیّن وخمسمائة ، وکان ینتحل مذهب الإمام الشافعی رضی الله عنه وعقیدة الشیخ أبی الحسن الأشعری ، فأبطل الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » وصار یؤذّن فی سائر إقلیم مصر والشام بأذان أهل مکّة ، وفیه تربیع التکبیر وترجیع الشهادتین ، فاستمر الأمر علی ذلک إلی أن بنت الأتراک المدارس بدیار مصر وانتشر مذهب أبی حنیفة فی مصر ، فصار یؤذن فی بعض المدارس التی للحنفیّة بأذان أهل الکوفة ، وتقام الصلاة أیضاً علی رأیهم((2)) ...

ومما یجب الإشارة إلیه أنّ دولة سیف الدولة الحمدانیّ المتوفّی سنة 356 ه- اتّسعت وشملت حلب وانطاکیه وقنّسرین ومنبج وبالس ومعرّة النعمان ومعرّة مصرین ، وسرمین ، وکفر طاب ، وافامیة ، وعزاز ، وحماة ، وحمص ، وطرطوس ، ثمّ تولی بعده أخوه ناصر الدولة . وکانت دولة شیعیة اثنی عشریّة تعلن عن معتقداتها وآراءها بدون عسف وقسر .


1- یعنی به الذی لیس فیه « حیّ علی خیر العمل ، المفسر بمحمد وعلی خیر البشر » !
2- خطط المقریزی 2 : 271 - 272 .

ص:356

روی ابن ظافر فی أحداث سنة أربع وخمسین وثلاثمائة أن سیف الدولة صاهر أخاه ناصر الدولة ، فزّوج ابنیه أبا المکارم وأبا المعالی بابنتَی ناصر الدولة ، وزوج أبا تغلب بابنته « ستّ الناس » وضرب دنانیر کبیرة ، فی کلّ دینار منها ثلاثون دیناراً وعشرون وعشرة علیها مکتوب : « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله . أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب . فاطمة الزهراء . الحسن . الحسین . جبریل : » . وعلی الجانب الآخر « أمیر المؤمنین المطیع لله . الأمیران الفاضلان : ناصر الدولة ، سیف الدولة . الأمیران أبو تغلب وأبو المکارم »((1)) .

وواضح ممّا تقدم أنّ الشیعة کانوا یعلنون عن معتقداتهم بکلّ رصانة وهدوء وبالدلیل والمنطق حین تستقرّ بهم الأمور ، بخلاف مَن أمروا بإلقاء مَن یؤذّن بالحیعلة الثالثة وبفضل محمّد وآل محمّد من علی رأس المنارة !!

وجاء فی الکامل لابن الأثیر وتاریخ الإسلام للذهبی فی حوادث سنة 351 ه- : وفیها کتبت الشیعة ببغداد علی أبواب المساجد : لَعَنَ الله معاویة ، ولَعَنَ من غَصَبَ فاطمةَ حقَّها من فَدَک ، ومَن منع الحَسَن أن یُدفن مع جدّه ، ومن نفی أبا ذَرٍّ . ثمّ إنَّ ذلک مُحی فی اللیل ، فأراد مُعِزُّ الدولة إعادته ، فأشار علیه الوزیر المهلّبی أن یُکتَب مکان ما مُحی : « لعن الله الظالمین لآل رسول الله صلی الله علیه و آله » ، وصرّحوا بلعنة معاویة فقط((2)) .

وفی ثامن عشر ذی الحجّة من سنة اثنتین وخمسین وثلاثمائة ( 352 ه- ) عُمل عید غدیر خُمّ وضُربت الدبادب ، وأصبح الناس إلی مقابر قریش للصلاة هناک ، وإلی مشهد الشیعة((3)) .


1- أعیان الشیعة 8 : 269 .
2- تاریخ الإسلام : 8 حوادث 351 - 380 ه- ، الکامل فی التاریخ 7 : 4 ، المنتظم 14 : 140 .
3- تاریخ الإسلام : 12 حوادث 351 - 380 ه- .

ص:357

القاهرة ( سنة 356 ه )

جاء فی کتاب ( المواعظ والاعتبار فی ذکر الخطط والآثار ) للمقریزی : « ... وفی شهر رمضان سنة ثلاث وخمسین وثلاثمائة أُخذ رجل یعرف بابن أبی اللیث یُنسَب إلی التشیع فضُرب مائتی سوط ودَرّة .

ثمّ ضرب فی شوّال خمسمائة سوط ودَرّة ، وجُعل فی عنقه غِلّ وحُبِس ، وکان یُتفقَّد فی کلّ یوم لئلا یُخفّف عنه ، ویُبصَق فی وجهه ، فمات فی محبسه ، فحُمل لیلاً ودفن .

فمضت جماعة إلی قبره ینبشوه وبلغوا إلی القبر ، فمنعهم جماعة من الاخشیدیّة والکافور یّة فأبَوا وقالوا : هذا قبرُ رافضی ، فثارت فئة ، وضرب جماعة ونهبوا کثیراً حتّی تفرّق الناس .

وفی سنة ستّ وخمسین کتب فی صفر علی المساجد ذکر الصحابة والتفضیل ، فأمر الأستاذ کافور الإخشیدی بإزالته ، فحدّثه جماعة فی إعادة ذکر الصحابة علی المساجد فقال : ما أُحدِث ُفی أیّامی ما لم یکن ، وما کان فی أیّام غیری فلا أز یله ، ثمّ أمر من طاف وأزاله من المساجد کلها .

ولما دخل جوهر القائد بعساکر المعزّ لدین الله إلی مصر وبنی القاهرة أظهر مذهب الشیعة ، وأذّن فی جمیع المساجد الجامعة وغیرها « حیّ علی خیر العمل » وأعلن بتفضیل علیّ بن أبی طالب علی غیره ، وجهر بالصلاة علیه وعلی الحسن والحسین وفاطمة الزهراء رضوان الله علیهم ...

وفی ربیع الأوّل سنة اثنین وستّین عَزّر سلیمانُ بن عروة المحتسب جماعة من الصیارفة ، فشغبوا وصاحوا : معاویة خال علیّ بن أبی طالب ، فهمّ جوهر أن یحرق رحبة الصیارفة لکن خشی علی الجامع ، وأمر الإمام بجامع مصر أن یجهر بالبسملة

ص:358

فی الصلاة ، وکانوا لا یفعلون ذلک ، وزِیدَ فی صلاة الجمعة القنوت فی الرکعة الثانیة ، وأمر فی المواریث بالردّ علی ذوی الأرحام ، وأن لا یرث مع البنت أخ ولا أخت ولا عمّ ولا جدّ ، ولا ابن أخ ولا ابن عم ، ولا یرث مع الولد الذکر أو الأنثی إلّا الزوج أو الزوجة والأبوان والجدّة ، ولا یرث مع الأمِّ إلّا من یرث مع الولد أو الأنثی إلّا الزوج أو الزوجة والأبوان والجدّة ، ولا یرث مع الأم إلّا من یرث مع الولد .

وخاطب أبو الطاهر محمّد بن أحمد - قاضی مصر - القائدَ جوهراً فی بنت وأخ ، وأنه حکم قدیماً للبنت بالنصف وللأخ بالباقی ، فقال : لا أفعل ، فلمّا ألحّ علیه قال : یا قاضی ، هذا عداوة لفاطمة3 !! فأمسک أبو الطاهر فلم یراجعه بعد ذلک ...((1))

القاهرة ( سنة 358 ه )

قال ابن خلّکان فی وفیات الأعیان : أقیمت الدعوة للمعزّ فی الجامع العتیق ، وسار جوهر إلی جامع ابن طولون ، وأمر بأن یؤذّن فیه ب- « حیّ علی خیر العمل » وهو أوّل ما أذّن ، ثمّ أذّن بعده بالجامع العتیق ، وجهر فی الصلاة ببسم الله الرحمن الرحیم((2)) .

وقال بعده : وفی یوم الجمعة الثامن من ذی القعدة أمر جوهر بالزیادة عقیب الخطبة : اللّهم صلّ علی محمّد المصطفی ، وعلی علیّ المرتضی ، وعلی فاطمة البتول ، وعلی الحسن والحسین سبطَی الرسول ، الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیرا ، اللّهمّ صلّ علی الأئمّة الطاهرین آباء أمیر المؤمنین((3)) .


1- المواعظ والاعتبار فی ذکر الخطب والأثار للمقریزی 2 : 340 .
2- وفیات الاعیان لابن خلکان 1 : 375 وانظر : أخبار بنی عبید 1 : 84 .
3- وفیات الأعیان ، لابن خلکان 1 : 379 .

ص:359

وجاء فی ( المنتظم ) فی حوادث سنة ثمان وخمسین وثلاثمائة : .. ودخل جوهر إلی مصر یوم الثلاثاء لثلاث عشر لیلة بقیت من شعبان سنة ثمان وخمسین ، وخطب لبنی عبید فی الجامعین بفسطاط مصر وسائر أعمالها یوم الجمعة لعشر لیال بقین من شعبان هذه السنة ، وکان الخاطب فی هذا الیوم عبدالسمیع بن عمر العباسی .

وقد أشار محقّق الکتاب فی الهامش إلی نصّ کتاب جوهر لأهل مصر نقتطف منه مقطع « ... وردّ المواریث إلی کتاب الله وسنّة رسوله ، وأن یقدم من أَمَّ مساجدکم وتزیینها ، وإعطاء مؤذنیها وقومتها ومن یؤمّ بالناس أرزاقهم ، وأن یجری فرض الأذان والصلاة وصیام شهر رمضان وفطره وقنوت لیالیه والزکاة والحج والجهاد علی ما أمر الله فی کتابه وسنّة نبیّه ، وإجراء أهل الذمّة علی ما کانوا علیه »((1)) .

وفی کتاب ( العبر فی خبر من غبر ) : ... وجاءت المغاربة مع القائد جوهر المغربی ، فأخذوا دیار مصر ، وأقاموا الدعوة لبنی عُبید ، مع أنّ دولة معزّ الدولة ] البویهی [ هذه المدة رافضیة ، والشعار الجاهلی یقام یوم عاشوراء ویوم الغدیر((2)) .

وفی ( مآثر الإنافة ) للقلقشندی قال : ... دخل جوهر قائد المعزّ الفاطمی إلی مصر سنة 358 واستولی علیها وأذّن ب- « حیّ علی خیر العمل » وقطع الخطبة للعباسیین((3)) .

وفی ( تاریخ الخلفاء ) للسیوطی قال : ... لمّا مات کافور الاخشیدی صاحب مصر اختلّ النظام وقلّت الأموال علی الجند ، فکتب جماعة إلی المعزّ ] الفاطمی [


1- المنتظم 14 : 197 .
2- العبر فی خبر من غبر 2 : 316 .
3- مآثر الانافة للقلقشندی 1 : 307 .

ص:360

یطلبون منه عسکراً لیسلّموا إلیه مصر ، فأرسل مولاه جوهراً القائد فی مائة ألف فارس فملکها ... وقطع خطبة بنی العبّاس ولبس السواد وألبس الخطباء البیاض ، وأمر أن یقال فی الخطبة : « اللّهم صلّ علی محمّد المصطفی ، وعلی علیّ المرتضی ، وعلی فاطمة البتول ، وعلی الحسن والحسین سبطی الرسول ، وصلّ علی الأئمة آباء أمیر المؤمنین المعزّ بالله »((1)) .

وفی ( سیر أعلام النبلاء )((2)) و( نهایة الأرب )((3)) والنصّ للأوّل : ... وضربت السکّة علی الدینار بمصر وهی : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علیٌّ خیر الوصیین ، والوجه الآخر اسم المعز والتاریخ ، واعلن ب- « حیّ علی خیر العمل » ، ونودی : « من مات عن بنت وأخ وأخت فالمال کلّه للبنت » ، فهذا رأی هؤلاء .

قال الذهبی : ظهر فی هذا الوقت الرفض وأبدی صفحته وشمخ بأنفه فی مصر والحجاز والشام والمغرب بالدولة العبیدیّة ، وبالعراق والجزیرة والعجم ببنی بویه ، وکان الخلیفة المطیع ضعیف الدست والرتبة مع بنی بویه ، وأعلن الأذان بالشام ومصر ب- « حیّ علی خیر العمل » .

وفی ( البدایة والنهایة ) لابن کثیر ... دخل أبو الحسین جوهر القائد الرومی فی جیش کثیف من جهة المعزّ الفاطمی إلی دیار مصر یوم الثلاثاء لثلاث عشر بقیت من شعبان ، فلمّا کان یوم الجمعة خطبوا للمعزّ الفاطمی علی منابر الدیار المصریّة وسائر أعمالها ، وأمر جوهر المؤذنین بالجوامع أن یؤذنوا ب- « حیّ علی خیر العمل » وان یجهر الأئمّة بالتسلیمة الأولی((4)) .


1- تاریخ الخلفاء : 402 .
2- سیر أعلام النبلاء 15 : 160 وتاریخ الإسلام .
3- نهایة الارب فی فنون الادب / الفن 5 / القسم 5 / الباب 12 اخبار الملوک العبیدیون .
4- البدایة والنهایة 11 : 284 .

ص:361

جامع ابن طولون / مصر ( سنة 359 ه )

قال النویری فی ( نهایة الاَرب فی فنون الأدب ) : ... وفی سنة تسع وخمسین وثلاثمائة فی یوم الجمعة لثمان خَلَون من شهر ربیع الآخر ، صلّی القائد جوهر فی جامع ابن طولون وأذن ب- « حیّ علی خیر العمل » ، وهو أوّل ما أذّن به بمصر ، ثمّ أذن بذلک بالجامع العتیق بمصر فی الجمعة((1)) .

وقال ابن خلدون فی تاریخه : ... دخل جوهر جامع ابن طولون فصلّی فیه وأمر بزیادة « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان ، فکان أوّل أذان أُذِّن به فی مصر((2)) .

وقال ابن الأثیر فی الکامل : ... وفی جمادی الأولی من سنة تسع وخمسین وثلاثمائة سار جوهر إلی جامع ابن طولون وأمر المؤذن فأذن ب- « حیّ علی خیر العمل » وهو أوّل ما أذن بمصر ، ثمّ أذن بعده فی الجامع العتیق وجهر فی الصلاة ببسم الله الرحمن الرحیم((3)) .

وفی ( شذرات الذهب ) لابن العماد الحنبلی : ... فی ثامن عشر من ربیع الآخر سنة 359 صلّی القائد جوهر فی جامع ابن طولون بعسکر کثیر ، وخطب عبدالسمیع بن عمر العباسی الخطیب وذکر أهل البیت وفضائلهم رضی الله عنهم ، ودعا للقائد جوهر ، وجهر بالقراءة ببسم الله الرحمن الرحیم ، وقرأ سورة الجمعة والمنافقین فی الصلاة ، وأذن ب- « حیّ علی خیر العمل » وهو أوّل ما أُذّن به بمصر ... وقنت الخطیب فی صلاة الجمعة ، وفی جمادی الأولی من السنة المذکورة أذنوا فی جامع مصر العتیق ب- « حیّ علی خیر العمل »((4)) .


1- نهایة الارب فی فنون الادب / الفن 5 / القسم 5 / الباب 12 اخبار الملوک العبیدیون .
2- تاریخ ابن خلدون 4 : 48 .
3- الکامل فی التاریخ 7 : 31 .
4- شذرات الذهب 3 : 100 .

ص:362

وقال المقریزی فی ( المواعظ والاعتبار ) : ... وکان الأذان أولاً بمصر کأذان أهل المدینة وهو الله أکبر ، الله أکبر وباقیه کما هو الیوم ، فلم یزل الأمر بمصر علی ذلک فی جامع عمرو بالفسطاط ، وفی جامع العسکر ، وفی جامع أحمد ابن طولون وبقیّة المساجد إلی أن قَدِم القائد جوهر بجیوش المعزّ لدین الله وبنی القاهرة ، فلمّا کان فی یوم الجمعة الثامن من جمادی الأولی سنة تسع وخمسین وثلاثمائة صلّی القائد جوهر الجمعة فی جامع أحمد بن طولون ، وخطب به عبدالسمیع بن عمر العبّاسی بقلنسوة وسبنی ، وطیلسان دبسیّ ، وأذّن المؤذّنون « حیّ علی خیر العمل » وهو أوّل ما أذّن به بمصر .

وصلّی به عبدالسمیع الجمعة ، فقرأ سورة الجمعة وإذا جاءک المنافقون ، وقنت فی الرکعة الثانیة ، وانحطّ إلی السجود ، ونسی الرکوع ، فصاح به علیّ بن الولید قاضی عسکر جوهر : بطلت الصلاة ، أعد ظهراً أربع رکعات ، ثمّ أذّن ب- « حیّ علی خیر العمل » فی سائر مساجد العسکر إلی حدود مسجد عبدالله((1)) .

وأنکر جوهر علی عبدالسمیع أنه لم یقرأ بسم الله الرحمن الرحیم فی کلّ سورة ، ولا قرأها فی الخطبة ، فأنکره جوهر ومنعه من ذلک .

ولأربع بقین من جمادی الأولی المذکور أذّن فی الجامع العتیق ب- « حیّ علی خیر العمل » ، وجهروا فی الجامع بالبسملة فی الصلاة ، فلم یزل الأمر علی ذلک طول مدة الخلفاء الفاطمیین ؛ إلّا أنّ الحاکم بأمر الله فی سنة أربعمائة أمر بجمع مؤذّنی القصر ، وسائر الجوامع وحضر قاضی القضاة مالک بن سعید الفارقی ، وقرأ أبو علیّ العباسی سجلاًّ فیه الأمر بترک « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان ، وأن یقال فی


1- انظر : قریباً منه فی أخبار بنی عبید 1 : 85 .

ص:363

صلاة الصبح : الصلاة خیر من النوم ، وأن یکون ذلک من مؤذّنی القصر عند قولهم : « السلام علی أمیر المؤمنین ورحمة الله »((1)) .

فامتثل ذلک ، ثمّ عاد المؤذّنون إلی قول « حیّ علی خیر العمل » فی ربیع الآخر سنة أحد وأربعمائة ، ومنع فی سنة خمس وأربعمائة مؤذّنی جامع القاهرة ومؤذّنی القصر من قولهم بعد الأذان : « السلام علی أمیر المؤمنین » وأمرهم أن یقولوا بعد الأذان : الصلاة رحمک الله ... »((2)) .

وفی کتاب ( النجوم الزاهرة فی أعلام مصر والقاهرة ) : ... ثمّ فی شهر ربیع الآخر سنة تسع وخمسین وثلاثمائة أذّنوا بمصر ب- « حیّ علی خیر العمل » واستمرّ ذلک ، ثمّ شرع جوهر فی بناء جامعه بالقاهرة المعروف بجامع الأزهر ، وهو أوّل جامع بنته الرافضة بمصر((3)) .

وفی تاریخ الخلفاء : فی ربیع الآخر سنة 359 أذّنوا بمصر ب- « حیّ علی خیر العمل »((4)) .

دمشق ( سنة 360 ه )

قال الذهبی فی تاریخ الإسلام : ... وفی صفر أعلن المؤذّنون بدمشق « حیّ


1- مرّ علیک أنّ معاویة بن أبی سفیان هو أوّل من ابتدع هذه المقولة ورسّخ أرکانها ( کما عن کتب الأوائل السیوطی : 26 ) . وقد کان لهذا الأمر جذر متجذر فی زمان عمر ، ذلک أنّه لمّا قدم عمر مکّة أتاه أبو محذورة وقد أذّن ، فقال : الصلاة یا أمیر المؤمنین ، حیّ علی الصلاة حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح حیّ علی الفلاح ، قال : ویحک أمجنون أنت ؟! أما کان فی دعائک الذی دعوتنا ما نأتیک حتّی تأتینا . ( مصنف ابن أبی شیبة 1 : 307 ) .
2- المواعظ والاعتبار للمقریزی 2 : 270 - 271 .
3- النجوم الزاهرة 4 : 32 .
4- تاریخ الخلفاء : 402 .

ص:364

علی خیر العمل » بأمر جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعزّ بالله ، ولم یجسر أحد علی مخالفته ، وفی جمادی الآخرة أمرهم بذلک فی الإقامة فتألم الناس لذلک فهلک لِعامِهِ والله أعلم((1)) .

وفی ( سیر أعلام النبلاء ) : ... وفی سنة ستین تملّک بنو عبید مصر والشام وأذنوا بدمشق ب- « حیّ علی خیر العمل » وغلت البلاد بالرفض شرقاً وغرباً وخفیت السنة قلیلاً((2)) .

ثمّ قال فی ( ج 16 : 467 ) : ... وقطعت الخطبة العباسیة وألبس الخطباء البیاض وأذنوا ب- « حیّ علی خیر العمل » .

وقال ابن کثیر فی ( البدایة والنهایة ) : ... استقرّت ید الفاطمیین علی دمشق فی سنة 360 ، وأذّن فیها وفی نواحیها ب- « حیّ علی خیر العمل » أکثر من مائة سنة ، وکتب لعنة الشیخین علی أبواب الجوامع بها وأبواب المساجد .

وفی مصر خطب جوهر لمولاه وقطع خطبة بنی العبّاس ، وذکر فی خطبته الأئمّة الاثنی عشر وأمر فأذّن ب- « حیّ علی خیر العمل »((3)) .

وقال بعد ذلک : وفیها أذن بدمشق وسائر الشام ب- « حیّ علی خیر العمل » ، قال ابن عساکر فی ترجمة جعفر بن فلاح نائب دمشق : وهو أوّل من تأمّر بها عن الفاطمیین :

أخبرنا أبو محمّد الأکفانی ، قال : قال أبو بکر أحمد بن محمّد بن شرام : وفی یوم الخمیس لخمس خَلَونَ من صفر من سنة 360 أعلن المؤذّنون فی الجامع بدمشق وسائر مآذن البلد وسائر المساجد بحیّ علی خیر العمل بعد حیّ علی الفلاح ، أمرهم بذلک جعفر بن فلاح ولم یقدروا علی مخالفته ، ولا وجدوا من المسارعة إلی طاعته بُدّاً .


1- تاریخ الإسلام : 48 حوادث 351 - 380 ه- .
2- سیر أعلام النبلاء 15 : 116 ، تاریخ الخلفاء : 402 .
3- البدایة والنهایة 11 : 284 .

ص:365

وفی یوم الجمعة الثامن من جمادی الآخرة أُمر المؤذّنون أن یُثنّوا الأذان والتکبیر فی الاقامة مَثْنی مَثْنی ، وأن یقولوا فی الإقامة « حیّ علی خیر العمل » ، فاستعظم الناس ذلک وصبروا علی حکم الله((1)) .

وجاء فی ( النجوم الزاهرة ) : ... وهی السنة الثانیة لولایة جوهر ... علی مصر وهی سنة 360 ، وفیها عمل الرافضة المآتم ببغداد فی یوم عاشوراء علی العادة فی کلّ سنة من النَّوح واللطم والبکاء ، وتعلیق المُسوح ، وغلق الأسواق ، وعملوا العید والفرح یوم الغدیر وهو یوم ثامن عشر من ذی الحجّة .

وفی صفر أعلن المؤذّنون ب- « حیّ علی خیر العمل » بأمر القائد جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعزّ الفاطمی ، ولم یجسر أحد علی مخالفته ، ثمّ فی جمادی الآخرة أمرهم ابن فلاح المذکور بذلک فی الإقامة فتألم الناس((2)) .

وقال أیضاً : ... وفیها ( أی سنة 360 ) قتل جعفر بن فلاح وهو أوّل أمیر ولی دمشق لبنی عبید المغربی ، والعجب أن القرمطی أبا محمّد الحسن بن أحمد لمّا قتله بکی علیه ورثاه لأنهما یجمع بینهما التشیّع((3)) .

وقد کتب المقریزی عن المعزّ لدین الله : أنه لمّا دخل مصر أمر فی رمضان سنة اثنین وستّین وثلاثمائة فکتب علی سائر الأماکن بمدینة مصر : « خیر الناس بعد رسول الله أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام »((4)) .


1- البدایة والنهایة 11 : 287 ، وکلام ابن کثیر یشیر إلی عمل أهل السنة والجماعة بالتقیة لو احسوا الضرورة لذلک ، کما یفعله الیوم الخط السلفی واتباع الطالبان ، فلا یرتضی أحد منهم أن یُنسَب إلی ابن لادن خوفاً من القتل والسجن !
2- النجوم الزاهرة 4 : 57 .
3- النجوم الزاهرة 4 : 57 .
4- المواعظ والاعتبار 2 : 340 - 341 .

ص:366

حلب ( سنة 367 ه )

جاء فی زبدة الحلب من تاریخ حلب لابن أبی جرادة الشهیر بابن العدیم المتوفّی سنة 660 : ... وانهزم ( بکجور ) إلی القلعة فاستعصی بها وذلک فی رجب سنة خمس وستّین وثلاثمائة ، ثمّ أقام سعد الدولة یحاصر القلعة مدة حتّی نفذ ما فیها من القوت ، فسلمها ( بکجور ) فی شهر ربیع الآخر من سنة سبع وستین وثلاثمائة .

وولی سعدُ الدولة بکجورَ حمص وجندها ، وکان تقریر أمر بکجور بین سعد الدولة وبینه علی ید أبی الحسن علیّ بن الحسین بن المغربی الکاتب والد الوزیر أبی القاسم .

واستقرّ أمر سعد الدولة بحلب ، وجدّد الحلبیّون عمارة المسجد الجامع بحلب ، وزادوا فی عمارة الأسوار فی سنة سبع وستین . وغیَّر سعدٌ الأذانَ بحلب وزاد فیه : « حیّ علی خیر العمل محمّد وعلیّ خیر البشر » ، وقیل : أنه فعل ذلک فی سنة تسع وستین وثلاثمائة ، وقیل : سنة ثمان وخمسین . وسیر سعد الدولة فی سنة سبع وستین وثلاثمائة الشریف أبا الحسن إسماعیل بن الناصر الحسنی یهنّئ عضد الدولة بدخوله مدینة السلام((1)) .

وقال أبو الفداء فی ( الیواقیت والضرب فی تاریخ حلب ) : ... وأقام سعد الدولة یحاصر القلعة مدّة حتّی نفذ ما فیها من القوت ، فسلّمها بکجور إلیه فی شهر ربیع الآخر سنة 367 ، وولی سعد الدولة بکجور حمص وجندها . وکان تقریر أمر بکجور بین سعد الدولة وبینه علی ید أبی الحسن علیّ بن الحسین المغربی الکاتب والد الوزیر أبی القاسم .


1- زبدة الحلب من تاریخ حلب لابن العدیم المتوفّی 660ه- 1 : 159 - 160 ، تحقیق سامی الدهان ، ط- المعهد الفرنسی .

ص:367

واستقرّ أمر سعد الدولة بحلب ، وجدّد الحلبیّون عمارة المسجد الجامع بحلب ، وزادوا فی عمارة الأسوار فی سنة 367 وغیّر سعد الدولة الأذان بحلب وزاد فیه « حیّ علی خیر العمل » ، محمّد وعلیّ خیر البشر ، وقیل أنّه فعل ذلک فی سنة 369 وقیل سنة 58((1)) .

ملتان - الهند (قبل سنة 380 ه)

قال المقدسی المتوفّی ( 380ه- ) فی کتابه ( أحسن التقاسیم فی معرفة الاقالیم ) ضمن حدیثه عن إقلیم السند :

الملتان تکون مثل المنصورة غیر أنّها أعمرة لیست بکثیرة الثمار غیر أنّها رخیصة الأسعار ، الخبز ثلاثون منّاً بدرهم ، والفانید ثلاثة أمنان بدرهم ، حسنة تُشاکل دور سیراف من خشب الساج طبقات ، لیس عندهم زنا ولا شرب خمر ، ومن ظفروا به یفعل ذلک قتلوه ، أو حدّوه ، ولا یکذبون فی بیع ، ولا یبخسون فی کیل ، ولا یخسرون فی وزن ، یحبّون الغرباء ، وأکثرهم عرب ، شربهم من نهر غزیر ، والخیر بها کثیر ، والتجارات حسنه ، والنعم ظاهرة ، والسلاطین عادلة ، لا تری فی الأسواق متجملة ، ولا أحد یحدّثها علانیة ... إلی أن یقول :

وأهل الملتان شیعة یحیعلون فی الأذان ویُثنّون فی الإقامة ، ولا تخلو القصبات من فقهاء علی مذهب أبی حنیفة ولیس به مالکیة ولا معتزلة ، ولا عمل للحنابلة ، إنّهم علی طریقة مستقیمة ، ومذاهب محمودة ، وصلاح وعفّة ، قد أراحهم الله من الغلوّ والعصبیّة والهرج والفتنة((2)) .


1- الیواقیت والضرب لإسماعیل أبی الفداء : 134 ، تحقیق محمد جمال وفالح بکور .
2- احسن التقاسم ومعرفة الاقالیم : 480 وفیه ( یهوعلون ) ویبدو أنّه تصحیف : یحوعلون أو یحیعلون ، ومعناه قولهم ( حیّ علی خیر العمل ) فی الأذان .

ص:368

مصر ( سنة 393 ه )

شرح ابن خلدون حال الحاکم بأمر الله العبیدی الذی ولی الخلافة ( 386 - 411 ) فقال : ... وأمّا مذهبه فی الرافضة فمعروف ، ولقد کان مضطرباً فیه مع ذلک ، فکان یأذن فی صلاة التراویح ثمّ ینهی عنها ، وکان یری بعلم النجوم ویُؤثِره . ویُنقل عنه أنه منع النساء من التصرف فی الأسواق ، ومنع من أکل الملوخیا ، ورفع إلیه أن جماعة من الروافض تعرّضوا لأهل السنّة فی التراویح بالرجم ، وفی الجنائز ، فکتب فی ذلک سجلاً قُرئ علی المنبر بمصر کان فیه : أمّا بعد ، فإنّ أمیر المؤمنین یتلو علیکم من کتاب الله المبین {لَا إِکْراهَ فی الدِّین} ...

إلی أن یقول : یصوم الصائمون علی حسابهم ویفطرون ، ولا یعارض أهل الرؤیة فیما هم علیه صائمون ومفطرون ، صلاة الخمس للدین بها جاءهم فیها یصلون ، وصلاة الضحی وصلاة التراویح لا مانع لهم منها ، ولا هم عنها یُدَفعون ، یخمّس فی التکبیر علی الجنائز المخمّسون ، ولا یمنع من التکبیر علیها المربّعون ، یؤذن ب- « حیّ علی خیر العمل » المؤذّنون ، ولا یؤذی من بها لا یؤذنون ... ولا یؤذن من بها لا یؤذنون ... والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته . کتب فی رمضان سنة ثلاث وتسعین وثلاثمائة((1)) .

وقال ابن الأثیر فی الکامل عن سبب قتله « ... وقیل کان سبب قتله أنّ أهل مصر کانوا یکرهونه لما یظهر منه من سوء أفعاله ، فکانوا یکتبون إلیه الرِّقاع فیها سَبّه ، - إلی أن یقول - : منها أنه أمر فی صدر خلافته بسبّ الصحابة رضی الله عنهم ، وأن تکتب علی حیطان الجوامع والأسواق ، وکتب إلی سائر عماله بذلک ، وکان ذلک فی سنة خمس وتسعین وثلاثمائة .


1- تاریخ ابن خلدون 4 : 60 - 61 .

ص:369

ثمّّ أمر فی سنة تسع وتسعین وثلاثمائة بترک صلاة التراویح ، فاجتمع الناس بالجامع العتیق ، وصلّی بهم ] إماماً [ جمیع رمضان ، فأخذه وقتله ، ولم یصلِّ أحد التراویح إلی سنة ثمان وأربعمائة ، فرجع عن ذلک وأمر بإقامتها علی العادة .

وبنی الجامع براشدة ، وأخرج إلی الجوامع والمساجد من الآلات والمصاحف ، والستور والحصر ما لم یر الناس مثله ، وحمل أهل الذمة علی الإسلام ، أو المسیر إلی مأمنهم ، أو لبس الغیار ، فأسلم الکثیر منهم ، ثمّ کان الرجل منهم بعد ذلک یلقاه فیقول له : إنی أرید العود إلی دینی ، فیأذن له ، ومنع النساء من الخروج من بیوتهن ...((1))

وممّا یجب التنویه به هنا هو أن الحکام - بوصفهم حکّاماً - قد یتخذون بعض المواقف لمصلحة ، وقد تتدخل السیاسة فی بعض تصرفاتهم ، ولا أستثنی الفاطمیین من العباسیین أو العکس ، فهم بشر کغیرهم لهم میولاتهم ونزعاتهم ، ولا یمکن النجاة من ذلک إلّا بالإمام المعصوم .

بل الذی ذکرناه أو نذکره ما هو إلّا بیان لامتداد النهجین ، وإن استُغلّ من قبل الحکام فی بعض الحالات .

الیمامة ( سنة 394 ه )

ذکر ناصر خسرو المروزی الملقّب بحجّة المتوفّی سنة 450 ه- فی رحلته وعند حدیثه عن أحوال مدینة الیمامة : ... وأمراؤها علویّون منذ القدیم ، ولم ینتزع أحد هذه الولایة منهم .... ومذهبهم الزیدیّة ، ویقولون فی الإقامة ( محمّد وعلیّ خیر البشر وحیّ علی خیر العمل )((2)) .


1- الکامل فی التاریخ 7 : 305 حوادث سنة 411 .
2- سفر نامه ناصر خسرو : 122 .

ص:370

المدینة / مصر ( سنة 400 ه )

جاء فی ( النجوم الزاهرة ) : أنّ الحاکم بأمر الله العبیدی أرسل إلی مدینة الرسول إلی دار جعفر الصادق مَن فتحها وأخذ منها ما کان فیها من مصحف وسریر والآت . وکان الذی فتحها ختکین العضدی الداعی ، وحمل معه رسوم الأشراف ، وعاد إلی مصر بما وجد فی الدار . وخرج معه من شیوخ العلویة جماعة ، فلمّا وصلوا إلی الحاکم أطلق لهم نفقات قلیلة وردّ علیهم السریر وأخذ الباقی ، وقال : أنا أحقّ به ، فانصرفوا داعین علیه ، وشاع فعله فی الأمور التی خرق العادات فیها ودعی علیه فی أعقاب الصلوات ، وظوهر بذلک فأشفق فخاف ، وأمر بعمارة دار العلم وفرشها ، ونقل إلیها الکتب العظیمة وأسکنها من شیوخ السنّة شیخین یُعرف أحدهما بأبی بکر الأنطاکی ، وخلع علیهما وقرّبهما ورسم لهما بحضور مجلسه وملازمته ، وجمع الفقهاء والمحدثین إلیها وأمر أن یقرأَ بها فضائل الصحابة ، ورفع عنهم الاعتراض فی ذلک ، وأطلق صلاة التراویح والضحی ، وغیَّر الأذان وجعل مکان « حیّ علی خیر العمل » « الصلاة خیر من النوم » ، ورکب بنفسه إلی جامع عمرو بن العاص وصلّی فیه الضحی ، وأظهر المیل إلی مذهب مالک والقول به .. وأقام علی ذلک ثلاث سنین ، وفعل ما لم یفعله أحد .

ثمّ بدا له بعد ذلک فقتل الفقیه أبا بکر الانطاکی والشیخ الآخر وخَلقاً کثیراً من أهل السنّة ، لا لأمر یقتضی ذلک ، وفَعَلَ ذلک کلّه فی یوم واحد ، وأغلق دار العلم ، ومنع من جمیع ما کان فعله((1)) .

وقال المقریزی فی ( المواعظ والاعتبار ) : ... وفی صفر سنة أربعمائة شُهِر جماعة


1- النجوم الزاهرة 4 : 222 - 223 .

ص:371

بعد أن ضربوا بسبب بیع الفقاع والملوخیا ((1))والدلینس والترمس ، وفی تاسع عشر شهر شوّال أمر الحاکم بأمر الله برفع ما کان یؤخذ من الخمس والزکاة والفطرة والنجوی ، وأبطل قراءة مجالس الحکمة فی القصر ، وأمر بردّ التثویب فی الأذان ، وأذّن للناس فی صلاة الضحی وصلاة التراویح ، وأمر المؤذّنین بأسرهم فی الأذان بأن لا یقولوا « حیّ علی خیر العمل » ، وأن یقولوا فی الأذان للفجر : « الصلاة خیر من النوم » ، ثمّ أمر فی ثانی عشر من ربیع الآخر سنة ثلاث وأربعمائة بإعادة قول « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان وقطع التثویب وترک قولهم « الصلاة خیر من النوم » ، ومنع من صلاة الضحی وصلاة التراویح ، وفتح باب الدعوة ، وأعیدت قراءة المجالس بالقصر علی ما کانت ، وکان بین المنع من ذلک والأذان فیه خمسة أشهر .

وضُرب فی جمادی من هذه السنة جماعة وشُهروا بسبب بیع الملوخیا والسمک الذی لا قشر له وشرب المسکرات وتتبّع السکاری فضیّق علیهم((2)) .

وفی السادس والعشرین منه ] من المحرم سنة 401 ه- [ قرئ بجامع مصر سجلّ یتضمن النهی عن معارضة الحاکم فیما یفعله وترک الخوض فیما لا یعنی ، وإعادة « حیّ علی خیر العمل » إلی الأذان وإسقاط « الصلاة خیر من النوم » والنهی عن صلاة التراویح والضحی ...((3))


1- لأنّه کان قد قرئ فی سنة 395 سِجِلٌّ فیه منع الناس من تناول الملوخیا أکلة معاویة ابن أبی سفیان المفضَّلة ومنعهم من أکل البقلة المسماة بالجرجیر المنسوبة إلی عائشة ومن المتوکّلیة المنسوبة إلی المتوکّل ، والمنع من عجین الخبز بالرِّجل ، والمنع من أکل الدلینس ، وکان فی هذا الکتاب أیضاً : المنع من عمل الفقاع وبیعه فی الأسواق ، لما یؤثر عن علی بن أبی طالب رضی الله عنه من کراهیة شرب الفقاع ، وضرب فی الطرقات والأسواق بالجرس ونودی أن لا یدخل أحد الحمام إلّا بمئزر ، ولا تکشف امراة وجهها فی طریق ولا خلف جنازة ولا تتبرج ، ولا یباع شیء من السمک بغیر قشر ولا یصطاده أحد من الصیادین . ( المواعظ والاعتبار 2 : 341 ) .
2- المواعظ والاعتبار 2 : 342 .
3- نهایة الارب فی فنون الادب / الفن 5 / القسم 5 / الباب 12 اخبار الملوک العبیدیون .

ص:372

بغداد ( سنة441 - 442 ه )

ذکر ابن الأثیر فی حوادث هذه السنة : ... وفیها مُنع أهل الکرخ من النَّوح ، وفعل ما جرت عادتهم بفعله یوم عاشوراء ، فلم یقبلوا وفعلوا ذلک ، فجری بینهم وبین السنیّة فتنة عظیمة قُتل فیها وجرح کثیر من الناس ، ولم ینفصل الشرّ بینهم حتّی عبر الأتراک وضربوا خیامهم عندهم فکفّوا حینئذ .

ثمّ شرع أهل الکرخ فی بناء سور علی الکرخ ، فلمّا رآهم السنیّة من القلاّئین ومن یجری مجراهم شرعوا فی بناء سور علی سوق القلاّئین ، وأخرج الطائفتان فی العمارة مالاً جلیلاً ، وجرت بینهما فتن کثیرة ، وبطلت الأسواق وزاد الشر حتّی انتقل کثیر من الجانب الغربی إلی الجانب الشرقی فأقاموا به .

وتقدّم الخلیفة إلی أبی محمّد بن النسوی بالعبور وإصلاح الحال وکفّ الشر ، فسمع أهل الجانب الغربی ذلک فاجتمع السنة والشیعة علی المنع منه ، وأذّنوا فی القلاّئین وغیرها ب- « حیّ علی خیر العمل » وأذّنوا فی الکرخ ب- « الصلاة خیر من النوم » وأظهروا الترحّم علی الصحابة ، فبطل عبوره((1)) .

وفی ( المنتظم ) وضمن بیان حوادث سنة 442 ه- : ... انّه ندب أبو محمّد النسوی للعبور وضبط البلد ، ثمّ اجتمع العامّة من أهلِ الکرخ والقلاّئین وباب الشعیر وباب البصرة علی کلمة واحدة فی أنه متی عبر ابن النسوی أحرقوا أسواقهم وانصرفوا عن البلد ، فصار أهل الکرخ إلی باب نهر القلاّئین ، فصلّوا فیه وأذنوا فی المشهد « حیّ علی خیر العمل » وأهل القلاّئین بالعتیقة والمسجد بالبزّازین ب- « الصلاة خیر من النوم » واختلطوا واصطلحوا وخرجوا إلی زیارة المشهدین مشهد علیّ والحسین((2)) .


1- الکامل فی التاریخ 8 : 53 .
2- المنتظم 15 : 325 .

ص:373

وفی ( تاریخ أبی الفداء ) : ... وقعت الفتنة ببغداد بین السنّة والشیعة ، وعَظُم الأمر حتّی بطلت الأسواق ، وشرع أهل الکرخ فی بناء سور علیهم محیطاً بالکرخ ، وشرع السنّة من القلاّئین ومن یجری مجراهم فی بناء سور علی سوق القلائین ، وکان الأذان بأماکن الشیعة ب- « حیّ علی خیر العمل » وبأماکن السنة « الصلاة خیر من النوم »((1)) .

وفی ( النجوم الزاهرة ) : ... فیها کان من العجائب أنّه وقع الصلح بین أهل السنّة والرافضة وصارت کلمتهم واحدة ، وسبب ذلک : أن أبا محمّد النسوی ولی شرطة بغداد وکان فاتکاً ، فاتّفقوا علی أنّه متی رحل إلیهم قَتَلوه ، واجتمعوا وتحالفوا ، وأُذّن بباب البصرة « حیّ علی خیر العمل » ، وقرئ فی الکرخ فضائل الصحابة ، ومضی أهل السنة والشیعة إلی مقابر قریش ، فعدّ ذلک من العجائب ، فإنّ الفتنة کانت قائمة والدماء تُسکب والملوک والخلفاء یعجزون عن ردّهم حتّی ولی هذا الشرطة ، فتصالحوا علی هذا الأمر الیسیر((2)) .

بغداد ( سنة 443 ه )

قال ابن الأثیر فی ( الکامل ) : ... فی هذه السنة فی صفر تجدّدت الفتنة ببغداد بین السنّة والشیعة وعظمت أضعاف ما کانت قدیماً ، فکان الاتفاق الذی ذکرناه فی السنة الماضیة غیر مأمون الانتقاض لما فی الصدور من الإحن ، وکان سبب هذه الفتنة أن أهل الکرخ شرعوا فی عمل باب السمّاکین ، وأهل القلاّئین فی عمل ما بقی من باب مسعود ، ففرغ أهل الکرخ ، وعملوا أبراجاً کتبوا علیها بالذهب : « محمّد وعلیّ خیر البشر » ؛ وأنکر السنیّة ذلک وادّعوا أنّ المکتوب : « محمّد وعلیّ خیر


1- تاریخ أبی الفداء 1 : 170 .
2- النجوم الزاهرة فی ملوک مصر والقاهرة 5 : 49 .

ص:374

البشر ، فمن رضی فقد شکر ، ومن أبی فقد کفر » ؛ وأنکر أهلُ الکرخ الزیادةَ وقالوا : ما تجاوزنا ما جرت به عادتنا فیما نکتبه علی مساجدنا ، فأرسل الخلیفة القائم بأمر الله أبا تمّام نقیب العبّاسیّین ، ونقیب العلویّین وهو عدنان بن الرضی ، لکشف الحال وإنهائه ، فکتبا بتصدیق قول الکرخیّین ، فأمر حینئذ الخلیفة ونوّاب الرحیم بکفّ القتال ، فلم یقبلوا . وانتدب ابن المذهب القاضی ، والزهیریّ ، وغیرهما من الحنابلة أصحاب عبدالصمد بحمل العامّة علی الإغراق فی الفتنة ، فأمسک نوّابُ الملک الرحیم عن کفّهم غیظاً من رئیس الرؤساء لمیله إلی الحنابلة ، ومنع هؤلاء السُّنّة من حمل الماء من دجلة إلی الکرخ ، وکان نهر عیسی قد انفتح بثقُهُ ، فعظم الأمر علیهم ، وانتدب جماعة منهم وقصدوا دجلة وحملوا الماء وجعلوه فی الظروف ، وصبّوا علیه ماء الورد ، ونادوا : الماء للسبیل ؛ فأغروا بهم السُّنّة .

وتشدّد رئیس الرؤساء علی الشیعة ، فمحوا : « خیر البشر » ، وکتبوا : « علیهما السلام » ، فقالت السُّنّة : لا نرضی إلّا أن یُقلع الآجرّ الذی علیه « محمّد وعلیّ » وأن لا یؤذَّن : « حیَّ علی خیر العمل » ؛ وامتنع الشیعة من ذلک ، ودام القتال إلی ثالث ربیع الأوّل ، وقُتل فیه رجل هاشمیّ من السنیّة ، فحمله أهله علی نعش ، وطافوا به فی الحربیّة ، وباب البصرة ، وسائر محالّ السُّنّة ، واستنفروا الناس للأخذ بثأره ، ثمّ دفنوه عند أحمد بن حنبل ، وقد اجتمع معهم خلق کثیر أضعاف ما تقدّم .

فلمّا رجعوا من دفنه قصدوا مشهد باب التبن فأُغلق بابه ، فنقبوا فی سوره وتهدّدوا البوّاب ، فخافهم وفتح الباب فدخلوا ونهبوا ما فی المشهد من قنادیل ومحاریب ذهب وفضّة وسُتور وغیر ذلک ، ونهبوا ما فی الترب والدور ، وأدرکهم اللیل فعادوا .

فلمّا کان الغد کثر الجمع ، فقصدوا المشهد ، وأحرقوا جمیع الترب والآراج ، واحترق ضریح موسی ، وضریح ابن ابنه محمّد بن علیّ الجواد ، والقُبّتان الساج

ص:375

اللتان علیهما ، واحترق ما یقابلهما ویجاورهما من قبور ملوک بنی بُوَیْه ، مُعزّ الدولة ، وجلال الدولة ، ومن قبور الوزراء والرؤساء ، وقبر جعفر بن أبی جعفر المنصور ، وقبر الأمین محمّد بن الرشید ، وقبر أمّه زبیدة ، وجری من الأمر الفظیع ما لم یجرِ فی الدنیا مثله .

فلمّا کان الغد خامس الشهر عادوا وحفروا قبر موسی بن جعفر ومحمّد بن علیّ لینقلوهما إلی مقبرة أحمد بن حنبل ، فحال الهدم بینهم وبین معرفة القبر ، فجاء الحفر إلی جانبه .

وسمع أبو تمّام نقیب العبّاسیّین وغیره من الهاشمیّین السنیّة الخبرَ ، فجاؤوا ومنعوا عن ذلک ، وقصد أهل الکرخ إلی خان الفقهاء الحنفیّین فنهبوه ، وقتلوا مدرّس الحنفیّة أبا سعد السَّرَخْسیّ ، وأحرقوا الخان ودور الفقهاء . وتعدّت الفتنة إلی الجانب الشرقیّ ، فاقتتل أهل باب الطاق وسوق بَجّ ، والأساکفة ، وغیرهم .

ولمّا انتهی خبر إحراق المشهد إلی نور الدولة دُبَیْس بن مَزید عَظُم علیه واشتدّ وبلغ منه کلّ مبلغ ؛ لأنّه وأهل بیته وسائر أعماله من النیل وتلک الولایة کلّهم شیعة ، فقُطعت فی أعماله خطبةُ الإمام القائم بأمر الله ، فروسل فی ذلک وعُوتب ، فاعتذر بأنّ أهل ولایته شیعة ، واتّفقوا علی ذلک ، فلم یمکنه أن یَشُقّ علیهم کما أنّ الخلیفة لم یمکنه کفّ السفهاء الذین فعلوا بالمشهد ما فعلوا ، وأعاد الخطبة إلی حالها((1)) .

وقد ذکر ابن الجوزی هذه الحادثة فی ( المنتظم ) إلی أن یقول : ... وفی یوم الجمعة لعشر بقین من ربیع الآخر خطب بجامع براثا وأسقط « حیّ علی خیر العمل » ودق الخطیب المنبر وقد کانوا یمنعون منه ، وذکر العبّاس فی خطبته((2)) .


1- الکامل فی التاریخ 8 : 59 - 60 حوادث سنة 443 .
2- المنتظم فی تاریخ الأمم والملوک 15 : 331 وتاریخ ابی الفداء 2 : 170 - 171 ، وتاریخ الإسلام 30 : 9 .

ص:376

بغداد (سنة 444 - 445 ه )

ذکر ابن الأثیر عدّة حوادث فی هذه السنة ، وقال : « وفیها عُمل محضرٌ ببغداد یتضمّن القدح فی نسب العلویّین أصحاب مصر ، وأنّهم کاذبون فی ادّعائهم النسبَ إلی علیّ علیه السلام ، وعَزَوهم فیه إلی الدَّیصانیّة من المجوس ، والقدّاحیّة من الیهود ، وکتب فیه العلویّون ، والعبّاسیّون ، والفقهاء ، والقضاة ، والشهود ، وعُمل به عدّة نسخ ، وسُیِّر فی البلاد ، وشُیّع بین الحاضر والباد ....

وفیها حدثت فتنة بین السُّنة والشیعة ببغداد ، وامتنع الضبط ، وانتشر العیّارون وتسلّطوا ، وجَبَوا الأسواق ، وأخذوا ما کان یأخذه أرباب الأعمال ، وکان مقدّمهم الطِّقطِقیّ والزَّیْبق ، وأعاد الشیعة الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ، وکتبوا علی مساجدهم : « محمّد وعلیّ خیر البشر » ؛ وجری القتال بینهم ، وعظم الشرّ((1)) .

ثمّ صدّر حوادث سنة خمس وأربعین وأربعمائة بذکر الفتنة بین السنّة والشیعة ببغداد ، فقال :

فی هذه السنة ، فی المحرّم ، زادت الفتنة بین أهل الکرخ وغیرهم من السُّنّة ، وکان ابتداؤها أواخر سنة أربع وأربعین ] وأربعمائة [ .

فلمّا کان الآن عظم الشرّ ، واطّرحت المراقبة للسلطان ، واختلط بالفریقَیْن طوائف من الأتراک ، فلمّا اشتدّ الأمر اجتمع القوّاد واتفقوا علی الرکوب إلی المحالّ وإقامة السیاسة بأهل الشرّ والفساد ، وأخذوا من الکرخ إنساناً علویّاً وقتلوه ، فثار نساؤه ، ونَشَرنَ شعورهنّ واستَغَثنَ ، فتَبعهنّ العامّة من أهل الکرخ ، وجری بینهم


1- الکامل فی التاریخ 8 : 64 ، وانظر کلام ابن العماد الحنبلی فی حوادث سنة 402 « الشذرات 3 : 162 » .

ص:377

وبین القوّاد - ومَن معهم من العامّة - قتال شدید ، وطَرَح الأتراک النار فی أسواق الکرخ ، فاحترق کثیر منها ، وألحقتها بالأرض ، وانتقل کثیر من الکرخ إلی غیرها من المحالّ .

وندم القوّاد علی ما فعلوه ، وأنکر الإمام القائم بأمر الله ذلک ، وصلح الحال ، وعاد الناس إلی الکرخ ، بعد أن استقرّت القاعدة بالدیوان بکفّ الأتراک أیدیهم عنهم((1)) .

وفی ( تاریخ أبی الفداء ) : ... وفی هذه السنة ( ت 444 ه- ) کانت الفتنة ببغداد بین السنة والشیعة ، واعادت الشیعة الأذان « بحیّ علی خیر العمل » ، وکتبوا علی مساجدهم : « محمّد وعلیّ خیر البشر »((2)) .

بغداد ( سنة 448 ه )

ذکر ابن الأثیر فی حوادث هذه السنة : ... وفیها أمر الخلیفة بأن یؤذّن بالکرخ والمشهد وغیرها : « الصلاة خیر من النوم » ، وأن یترکوا : « حیّ علی خیر العمل » ففعلوا ما أمرهم به خوف السلطنة وقوتها((3)) .

وقال ابن الجوزی فی ( المنتظم ) : ... وفی هذه السنة أقیم الأذان فی المشهد بمقابر قریش ومشهد العتیقة ومساجد الکرخ ب- « الصلاة خیر من النوم » ، وأزیل ما کانوا یستعملونه فی الأذان من « حیّ علی خیر العمل » وقلع جمیع ما کان علی أبواب الدور والدروب من « محمّد وعلیّ خیر البشر » .


1- الکامل فی التاریخ 8 : 65 .
2- تاریخ أبی الفداء 2 : 172 ، البدایة والنهایة 12 : 68 ، العبر فی خبر من غبر 3 : 205 ، تاریخ الإسلام للذهبی 30 : 9 .
3- الکامل فی التاریخ 8 : 79 ، وفی النجوم الزاهرة 5 : 59 مثله .

ص:378

ودخل إلی الکرخ منشدو أهل السنة من باب البصرة فأنشدوا الاشعار فی مدح الصحابة ، وتقدم رئیس الرؤساء إلی ابن النسوی بقتل أبی عبدالله بن الجلاب شیخ البزّازین بباب الطاق ، لِما کان یتظاهر به من الغلو فی الرفض ، فقُتل وصلب علی باب دکانه ، وهرب أبو جعفر الطوسی ونُهبت داره ، وتزاید الغلاء فبیع الکرّ الحنطة بمائة وثمانین دیناراً((1)) .

وفی ( البدایة والنهایة ) : ... وفیها ألزم الروافض بترک الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » وأمروا أن ینادی مؤذنهم فی أذان الصبح وبعد حیّ علی الفلاح ، «الصلاة خیر من النوم » مرتین ، وأزیل ما کان علی أبواب المساجد ومساجدهم من کتابة : « محمّد وعلیّ خیر البشر » ، ودخل المنشدون .... ینشدون بالقصائد التی فیها مدح الصحابة ، وذلک أنّ نوءُ الرافضة اضمحلّ ، لأنّ بنی بویه کانوا حکاماً وکانوا یقوونهم وینصرونهم ، فزالوا وبادوا وذهب دولتهم((2)) .

وفی ( السیرة الحلبیة ) : ... وذکر بعضهم أنّ فی دولة بنی بویه کانت الرافضة تقول بعد الحیعلتین « حیّ علی خیر العمل » ، فلمّا کانت دولة السلجوقیة منعوا المؤذنین من ذلک وأمروا أن یقولوا فی أذان الصبح بدل ذلک « الصلاة خیر من النوم »((3)) .

وفی ( النجوم الزاهرة ) : وفیها أقیم الأذان فی مشهد موسی بن جعفر ومساجد الکرخ ب- « الصلاة خیر من النوم » علی رغم أنف الشیعة ، وأُزیل ما کانوا یقولونه فی الأذان من « حیّ علی خیر العمل »((4)) .


1- المنتظم 16 : 7 - 8 .
2- البدایة والنهایة 12 : 73 .
3- السیرة الحلبیة 2 : 305 .
4- النجوم الزاهرة 5 : 59 .

ص:379

وممّا یجب التنبیه علیه أنّ جماعة من السنة ببغداد قد ثاروا فی سنة 447 ه- وقصدوا دار الخلافة وطلبوا أن یسمح لهم أن یأمروا بالمعروف وینهوا عن المنکر فأذن لهم وزاد شرهم ، ثمّ استأذنوا فی نهب دور البساسیری ] ذی المیول الشیعیة الذی أجاز الأذان بالحیعلة الثالثة [ وکان غائباً فی واسط فأذن لهم الخلیفة .

وهی تلک السنة التی وقعت فیها الفتنة بین الشافعیة والحنابلة ببغداد وأنکرت الحنابلة علی الشافعیة الجهر بالبسملة والقنوت فی الصبح والترجیع بالأذان((1)) .

وذکر ابن الأثیر بعض حوادث هذه السنة ، فقال : ... فتبعهم من العامة الجم الغفیر وأنکروا الجهر ببسم الله الرحمن الرحیم ومنعوا من الترجیع فی الأذان ، والقنوت فی الفجر ، ووصلوا إلی دیوان الخلیفة ، ولم ینفصل حال ، وأتی الحنابلة إلی مسجد بباب الشعیر ، فنهوا إمامه عن الجهر بالبسملة فأخرج مصحفاً وقال : أزیلوها من المصحف حتّی لا أتلوها((2)) .

وهذا یشیر إلی أن الخلاف الفقهی بین المسلمین لا ینحصر فی الحیعلة الثالثة ولا ینحصر بالطالبیین ، فقد یذهب بعض أهل السنة إلی خلاف المشهور عندهم لثبوت شرعیتها عنده وهذا ما نرید قوله ، وهو وجود أصل متجذر للمختلف فیه بین المسلمین ، وأن الطالبیین کانوا جادّین فی الحفاظ علی ما تلقوه ورووه من سنة رسول الله صلی الله علیه و آله ، ونهج أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام .

أما عموم اتباع نهج الخلفاء فکانوا یتبعون عمر بن الخطاب وغیره من الخلفاء فیما شرعوه من الأمور التی أشار الامام علی علیه السلام إلیها سابقاً .


1- تاریخ أبی الفداء 2 : 174 .
2- الکامل فی التاریخ 8 : 72 - 73 حوادث سنة (447) .

ص:380

بغداد ( سنة 450 ه )

قال ابن الأثیر فی ( الکامل فی التاریخ ) : .. ثمّ إن البساسیری((1)) وصل إلی بغداد یوم الأحد ثامن ذی القعدة ومعه أربعمائة غلام علی غایة الضر والفقر ، وکان معه أبو الحسن بن عبدالرحیم الوزیر ، فنزل البساسیری بمشرعة الروایا ، ونزل قریش بن بدران وهو فی مائتی فارس عند مشرعة باب البصرة ، ورکب عمید العراق ومعه العسکر والعوام وأقاموا بازاء عسکر البساسیری ، وعادوا وخطب البساسیری بجامع المنصور للمستنصر بالله العلوی صاحب مصر ، وأمر فأذن ب- « حیّ علی خیر العمل » وعقد الجسر وعبر عسکره إلی الزاهر((2)) .

وجاء فی ( النجوم الزاهرة ) : ... ثمّ دخل الأمیر أبو الحارث أرسلان البساسیری بغداد فی ثامن ذی القعدة بالرایات المستنصریة وعلیها ألقاب المستنصر هذا صاحب مصر ، فمال إلی البساسیری أهل باب الکرخ وفرحوا به لکونهم رافضة ، والبساسیری وخلفاء مصر أیضاً رافضة ، فانضموا إلی البساسیری وتشفّوا من أهل السنة وشمخت أنوف المنافقین الرافضة وأعلنوا بالأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ببغداد .

واجتمع خلق من أهل السنة علی الخلیفة القائم بأمر الله العباسی وقاتلوا معه وفشت الحرب بین الفریقین فی السفن أربعة أیّام .

وخطب یوم الجمعة ثالث عشر ذی القعدة ببغداد للمستنصر هذا صاحب


1- کان البساسیری مملوکاً ترکیاً من ممالیک بهاء الدولة بن عضد الدولة ] البویهی [ ، تقلبت به الأمور حتّی بلغ هذا المقام المشهور ، واسمه أرسلان وکنیته أبو الحارث . انظر : الکامل لابن الأثیر 8 : 87 احداث سنة 451 .
2- الکامل فی التاریخ 8 : 83 ، وانظر : البدایة والنهایة 12 : 82 ، تاریخ ابن خلدون 3 : 449 .

ص:381

الترجمة بجامع المنصور وأذّنوا بحیّ علی خیر العمل ، وعقد الجسر وعبرت عساکر البساسیری إلی الجانب الشرقی((1)) .

وذکر ابن الجوزی فی المنتظم : ... وعاود أهل الکرخ الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » وظهر فیهم السرور الکثیر وحملوا رایة بیضاء ونصبوها فی وسط الکرخ وکتبوا علیها اسم المستنصر بالله وأقام بمکانه والقتالُ یجری فی السفن بدجلة .

فلما کان یوم الجمعة الثالث عشر من ذی القعدة دُعی لصاحب مصر فی جامع المنصور ، وزید فی الأذان « حیّ علی خیر العمل » وشرع البساسیری فی إصلاح الجسر((2)) .

وفی ( نهایة الأرب فی فنون الأدب ) عند ذکر استیلاء أبی الحارث البساسیری علی العراق ، قال : ثمّ وصل البساسیری إلی بغداد فی یوم الأحد ثامن ذی القعدة ومعه أربعمائة غلام فی غایة الضر والفقر ، فنزل بمشرعة دار الروایا وکان معه قریش بن بدران وهو فی مائتی فارس ، فنزل مشرعة باب البصرة ورکب عمید العراق ومعه العسکر والعوام وأقاموا بإزاء عسکر البساسیری وعادوا وخطب البساسیری بجامع المنصور للمستنصر العلوی صاحب مصر فأذن « حیّ علی خیر العمل » وعقد الجسر وعبر عسکره إلی الزاهر واجتمعوا فیه وخطب فی الجمعة الثانیة للمصری بجامع الرصافة ...((3))

وفی تاریخ بغداد : ... فلما کان یوم الجمعة الثالث عشر من ذی القعدة دعی


1- النجوم الزاهره 5 : 6 .
2- المنتظم 16 : 32 حوادث 450 .
3- نهایة الارب فی فنون الادب 23 : 227 .

ص:382

لصاحب مصر فی الخطبة بجامع المنصور وزید فی الأذان « حیّ علی خیر العمل » ، وشرع البساسیری فی إصلاح الجسر((1)) .

وفی تاریخ الخلفاء للسیوطی : ... ثمّ قدم البساسیری بغداد فی سنة خمسین ومعه الرایات المصریة ، ووقع القتال بینه وبین الخلیفة ، ودعی لصاحب مصر المستنصر بجامع المنصور ، وزید فی الأذان « حیّ علی خیر العمل » ، ثمّ خطب له فی کلّ الجوامع إلّا جامع الخلیفة ، ودام القتال شهراً ثمّ قبض البساسیری علی الخلیفة فی ذی الحجة وسیّره إلی غابة وحبسه بها و...((2))

مکة / حلب ( سنة 462 ه )

قال ابن خلدون((3)) والذهبی((4)) والسیوطی((5)) : إنّ محمّد بن أبی هاشم خطب بمکة للقائم بأمر الله وللسلطان ألب أرسلان((6)) ، وأسقط خطبة العلوی صاحب مصر وترک « حیّ علی خیر العمل » من الأذان .

وقال ابن الأثیر : ... وفیها ورد رسول صاحب مکّة محمّد بن أبی هاشم ومعه ولده إلی السلطان ألب أرسلان یخبره بإقامة الخطبة للخلیفة القائم بأمر الله وللسلطان بمکة وإسقاط خطبة العلوی صاحب مصر ، وترک الأذان ب- « حیّ علی


1- تاریخ بغداد 9 : 401 - 402 ، ومثله فی بغیة الطلب فی تاریخ حلب لابن العدیم 3 : 1352 ، والبدایة والنهایة 12 : 84 .
2- تاریخ الخلفاء 1 : 418 .
3- تاریخ ابن خلدون 3 : 470 .
4- سیر أعلام النبلاء 15 : 190 .
5- تاریخ الخلفاء 1 : 421 .
6- ولی هذا خراسان بعد وفاة والده طغری بک دواد سنة 452 ، وداود کان أخ السلطان ضغرلیک السلجوقی المعروف .

ص:383

خیر العمل » ، فأعطاه السلطان ثلاثین ألف دینار وخلعاً نفیسة وأجری له کلّ سنة عشرة الآف دینار((1)) .

ثمّ ذکر فی حوادث سنة 463 کیفیة استیلاء السلطان ألب أرسلان علی حلب ، إلی أن قال : ... وقد وصلها نقیب النقباء أبو الفوارس طِراد بالرسالة القائمیة ، والخلع ، فقال له محمود ؛ صاحب حلب : أسالک الخروج إلی السلطان واستعفائه لی من الحضور عنده ، فخرج نقیب النقباء ، وأخبر السلطان بأنّه قد لبس الخِلَعِ القائمیة وخطب ، فقال : أیّ شیء تساوی خطبتهم وهم یؤذنون « حیّ علی خیر العمل » ؟ ولابد من الحضور ودوس بساطی ، فامتنع محمود من ذلک .

فاشتدّ الحصار علی البلد ، وغلت الأسعار ، وعظم القتال وزحف السلطان یوماً وقرب من البلد ، فوقع حجر منجنیق فی فرسه ، فلما عظم الأمر علی محمود خرج لیلاً ، ومعه والدته منیعة بنت وثّاب النمیری ، فدخلا علی السلطان وقالت له : هذا ولدی فافعل به ما تحبّ ، فتلقاهما بالجمیل وخلع علی محمود وأعاده إلی بلده فأنفذ إلی السلطان مالاً جزیلاً((2)) .

وخطب محمود بن صالح بحلب للقائم بأمر الله وللسلطان ألب أرسلان ... فأخذت العامة حُصُرَ الجامع ، وقالوا : هذه حُصُرُ علیّ بن أبی طالب ، فلیأتِ أبو بکر بحُصُر یصلّی علیها الناس((3)) .

وفی ( النجوم الزاهرة )((4)) عن الشیخ شمس الدین بن قزاوغلی فی المرآة ، قال : ... وضاقت ید أبی هاشم محمّد أمیر مکّة بانقطاع ما کان یأتیه من مصر ،


1- الکامل فی التاریخ 8 : 107 .
2- الکامل فی التاریخ 8 : 109 .
3- الکامل فی التاریخ 8 : 108 .
4- فی أحداث سنة 428 .

ص:384

فأخذ قنادیل الکعبة وسقورها وصفائح الباب والمیزاب ، وصادر أهل مکّة فهربوا ، وکذا فعل أمیر المدینة مهنّأ وقَطَعَاً الخطبة للمستنصر ] الفاطمی [ وخطبا لبنی العبّاس - الخلیفة القائم بأمر الله - وبعثا إلی السلطان ألب أرسلان السلجوقی حاکم بغداد بذلک ، وأنّهما أذّنا بمکة والمدینة الأذان المعتاد وترکا الاذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ، فأرسل ألب أرسلان إلی صاحب مکّة أبی هاشم المذکور بثلاثین ألف دینار ، وإلی صاحب المدینة بعشرین ألف دینار ، وبلغ الخبر بذلک المستنصر فلم یلتفت إلیه لشغله بنفسه ورعیته من عظم الغلاء((1)) .

وفی أحداث سنة 464 قال : بعث الخلیفة بأمر الله الشریف أبا طالب الحسن بن محمّد أخا طرَّاد الزینبی إلی أبی هاشم محمّد أمیر مکّة بمال وخلع ، وقال له : غیِّر الأذان وأبطل « حیّ علی خیر العمل » ، فناظره أبو هاشم مناظرة طو یلة وقال له : هذا أذان أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب ، فقال له أخو الشریف : ما صحَّ عنه وإنّما عبدالله بن عمر بن الخطاب روی عنه أنه أذّن به فی بعض أسفاره ، وما أنت وابن عمر ! فأسقطه من الأذان((2)) .

وجاء فی تاریخ الخلفاء بأن الخطبة اُعیدت للعبیدی بمکة فی سنة 467((3)) .

الشام ( سنة 468 ه )

جاء فی ( مآثر الإنافة ) للقلقشندی : ... تغلّب علی دمشق اتسز بن ارتق الخوارزمی المعروف بالاقسیس ، أحد أمراء السلطان ملکشاه السلجوقی ] ابن ألب ارسلان [ فی سنة 468 وقطع الخطبة بها للمستنصر الفاطمی وخطب


1- النجوم الزاهرة 5 : 23
2- النجوم الزاهرة 5 : 89 .
3- تاریخ الخلفاء 1 : 423 .

ص:385

للمقتدی((1)) العباسی ، ومنع الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ولم یخطب بعدها بالشام لأحد من الفاطمیین وبقی بها إلی ما بعد خلافة المقتدی((2)) .

وفی ( الکامل ) لابن الأثیر : ... ودخلها هو ] أی الاقسیس [ وعسکره فی ذی القعدة وخطب بها یوم الجمعة لخمس بقین من ذی القعدة للمقتدی بأمر الله الخلیفة العباسی ، وکان آخر ما خطب فیها للعلویین المصریین ، وتغلب علی أکثر الشام ، ومنع الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ، ففرح أهلها فرحاً عظیماً ، وظلم أهلها وأساء السیرة فیهم((3)) .

وفی ( البدایة والنهایة ) لابن کثیر ، قال : ... الاقسیس هذا هو اتسز بن اوف الخوارزمی ، ویلقب بالملک المعظم ، وهو أوّل من استعاد بلاد الشام من أیدی الفاطمیین وأزال الأذان منها ب- « حیّ علی خیر العمل » بعد أن کان یؤذن به علی منابر دمشق وسائر الشام مائة وست سنین ( 106 سنة ) ، وکان علی أبواب الجوامع والمساجد مکتوب لعنة الصحابة رضی الله عنهم ، فأمر هذا السلطان المؤذّنین والخطباء أن یترضّوا عن الصحابة أجمعین((4)) .

وفی تاریخ الخلفاء : ... خطب للمقتدی العباسی بدمشق وأبطل الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » وفرح الناس بذلک((5)) .


1- ولی المقتدی 467 بعد وفاة والده القائم بالله ، ومما یجب التنبیه علیه أنّ الخطبة للعلویین أعیدت بمکة بعد وفاة القائم بالله وقطع خطبة المقتدی وکانت مدة الخطبة العباسیة بمکة أربع سنین وخمسة اشهر ، ثمّ أعیدت فی ذی الحجة سنة ثمان وستین وأربعمائة ( انظر : الکامل فی التاریخ 8 : 121 ) .
2- مآثر الإنافة للقلقشندی 2 : 5 .
3- الکامل فی التاریخ 8 : 122 احداث سنة 468 ه- .
4- البدایة والنهایة 12 : 120 ، 127 .
5- تاریخ الخلفاء 1 : 424 .

ص:386

وفی تاریخ ابن خلدون : ... وخطب فیها اتسز للمقتدی العباسی فی ذی القعدة سنة ثمان وستین ، وتغلّب علی أکثر الشام ، ومنع من الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ، ثمّ سار سنة تسع وستین إلی مصر وحاصرها حتّی أشرف علی أخذها ، ثمّ انهزم من غیر قتال ، ورجع إلی دمشق وقد انتقضَ علیه أکثر الشام ، فشکر لأهل دمشق صونهم لمخلفه وأمواله ورفع عنهم خراج سنة ، وبلغه أنّ أهل القدس وثبوا بأصحابه ...((1))

مصر ( سنة 478 ه )

ولی المستنصر بالله الفاطمی من سنة ( 428 - 487 ه- ) وهو معد أبو تمیم حفید الحاکم بأمر الله ، وقد قرب هذا بدرَ الجمالیَّ لولایة اُمور الحضرة .

قال صاحب ( النجوم الزاهرة ) : ... کان بدر الجمالی أرمنی الجنس فاتکاً جباراً قتل خلقاً کثیراً من العلماء وغیرهم ، وأقام الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ، وکبّر علی الجنائز خمساً ، وکتب سبَّ الصحابة علی الحیطان ...((2))

وفی ( المنتظم ) : وفی شهر ذی القعدة قبض بدر الجمالی - أمیر مصر - علی ولده الأکبر وأربعة من الأمراء ... ونفی مذکِّری أهل السنة ، وحمل الناس أن یکبّروا خمساً علی الجنائز ، وأن یسدلوا أیمانهم فی الصلاة ، وأن یتختّموا فی الأیمان ، وأن یثوّبوا((3)) فی صلاة الفجر « حیّ علی خیر العمل » ، وحبس أقواماً رووا فضائل الصحابة((4)) .


1- تاریخ ابن خلدون 3 : 473 - 474 .
2- النجوم الزاهرة 5 : 120 .
3- وقد عبّر ابن الجوزی عن الحیعلة الثالثة بالتثویب تساهلاً منه ؛ لأنّها حلّت محلّ « الصلاة خیر من النوم » .
4- المنتظم فی تاریخ الامم والملوک 16 : 242 .

ص:387

مصر ( سنة 524 ه )

ولی الحافظ لدین الله الفاطمی ( عبدالمجید حفید المستنصر بالله ) بعد قتل ابن عمه أبی علیّ منصور الآمر بأحکام الله فی سنة أربع وعشرین وخمسمائة .

قال العلاّمة أبو المظفر فی مرآة الزمان : ... ولما استمر الحافظ فی خلافة مصر ضعف أمره مع وزیره أبی علیّ أحمد بن الأفضل أمیر الجیوش ، وقویت شوکة الوزیر المذکور وخطب للمنتظر المهدی ، وأسقط من الأذان « حیّ علی خیر العمل » ، ودعا الوزیر المذکور لنفسه علی المنابر « بناصر إمام الحق ، هادی العصاة إلی اتّباع الحق ، مولی الأمم ، ومالک فضیلتی السیف والقلم » فلم یزل حتّی قتل الوزیر((1)) .

وقد تکلّم المقریزی فی ( اتعاظ الحنفاء ) عن أبی علیّ أحمد بن الأفضل ، فقال : وکان إمامیاً متشدّداً فالتفت علیه الإمامیة ولعبوا به حتّی أظهر المذهب الإمامی وتزاید الأمر فیه إلی التأذین فانفعل بهم ، وحسّنوا له الدعوة للقائم المنتظر فضرب الدراهم باسمه ونقش علیها « الله الصمد ، الإمام محمّد » ... إلی أن یقول : ... وکان قد أسقط منذ إقامة الجند ذکر إسماعیل بن جعفر الصادق الذی تنسب إلیه الطائفة الإسماعیلیة ، وأزال من الأذان قولهم فیه « حیّ علی خیر العمل محمّد وعلیّ خیر البشر » ، وأسقط ذکر الحافظ من الخطبة ، واخترع لنفسه دعاءً یُدعی به علی المنابر ...((2))

وقال أبو الفداء فی تاریخه : ... ثمّ دخلت سنة ست وعشرین وخمسمائة ، فیها قُتِلَ أبو علیّ بن الأفضل بن بدر الجمالی وزیر الحافظ لدین الله العلوی ، وکان أبو


1- النجوم الزاهرة 5 : 238 .
2- اتعاظ الحنفاء فی تاریخ الائمة الخلفاء 3 : 143 .

ص:388

علیّ المذکور قد حجر علی الحافظ وقطع خطبة العلویین وخطب لنفسه خاصة وقطع من الأذان « حیّ علی خیر العمل » فنفرت منه قلوب شیعة العلویین وثار به جماعة من الممالک وهو یلعب الکرة فقتلوه ونهبت داره((1)) .

وفی ( وفیات الاعیان ) : ... وقبض علی الحافظ المذکور واستقل بالأمر وقام به أحسن قیام ، وردّ علی المصادَرین أموالهم ، وأظهر مذهب الإمامیة وتمسّک بالائمة الاثنی عشر ، ورفض الحافظَ وأهلَ بیته ، ودعا علی المنابر للقائم فی آخر الزمان المعروف بالإمام المنتظر علی زعمهم وکتب اسمه علی السکة ، ونهی أن یؤذّن ب- « حیّ علی خیر العمل » ، وأقام کذلک إلی أن وثب علیه رجل من الخاصّة بالبستان الکبیر بظاهر القاهرة فی النصف من المحرم سنة ست وعشرین وخمسمائة فقتله ، وکان بتدبیر الحافظ ، فبادر الأجناد بإخراج الحافظ وبایعوه ولقبوه بالحافظ ودعی له علی المنابر((2)) .

وفی ( بدائع الزهور فی وقائع الدهور ) قوله : ... وکان قد أسقط منذ أقامه الجندُ ذِکْرَ اسماعیل بن جعفر الصادق الذی تنسب إلیه الطائفة الإسماعیلیة ، وأزال من الأذان قولهم فیه « حیّ علی خیر العمل محمّد وعلیّ خیر البشر » وأسقط ذکر الحافظ من الخطبة ، واخترع لنفسه دعاءً یدعی به علی المنابر((3)) .

وفی ( نهایة الأرب فی فنون الأدب ) : قال المؤرخ : لما بویع الحافظ لدین الله ثار الجند الأفضلیة وأخرجوا ابن مولاهم أبا علیّ أحمد بن الافضل الملقب بکتیفات ، وولّوه أمر الجیوش وذلک فی یوم الخمیس السادس من ذی القعدة منها ، فحکم ، واعتقل الحافظ صبیحة یوم بیعته ، ودعا للإمام المنتظر وقوی أمر ابن الأفضل .


1- تاریخ أبی الفداء 3 : 6 .
2- وفیات الاعیان 3 : 236 . تاریخ ابن خلدون 4 : 71 - 72 .
3- بدائع الزهور فی وقائع الدهور لمحمد بن أحمد بن إیاس الحنفی ط- الهیئة المصریة العامة 1402ه- .

ص:389

وفی سنة خمس وعشرین رتّب أحمد بن الافضل فی الأحکام أربعة قضاة : الشافعیة ، والمالکیة ، والإسماعیلیة ، والإمامیّة ، یحکم کلّ قاضی بمقتضی مذهبه ویورّث بمقتضاه ، فکان قاضی الشافعیة الفقیه سلطان ، وقاضی المالکیة اللبنی ، وقاضی الاسماعیلیة أبو الفضل ابن الأزرق ، وقاضی الإمامیّة ابن أبی کامل .

وسار أحمد بن الأفضل سیرة جمیلة بالنسبة إلی أیام الآمر ، وردّ علی الناس بعض مصادراتهم ، وأظهر مذهب الإمامیّة الاثنی عشریة ، وأسقط من الأذان قولهم « حیّ علی خیر العمل » وأمر بالدعاء لنفسه علی المنابر بدعاء اخترعه((1)) .

وفی تاریخ ابن خلدون : فأشار علیه الإمامیة بإقامة الدعوة للقائم المنتظر ، وضرب الدراهم باسمه دون الدنانیر ، ونقش علیها : « الله الصمد ، الإمام محمّد » وهو الإمام المنتظر . وأسقط ذِکْرَ إسماعیل من الدعاء علی المنابر وذِکْرَ الحافظ ، وأسقط من الأذان « حیّ علی خیر العمل »((2)) .

وفی ( المواعظ والاعتبار ) : ... ولمّا تغلّب أبو علیّ بن کتیفات بن الأفضل شاهنشاه بن أمیر الجیوش بدر الجمالی علی رتبة الوزارة فی أیام الحافظ لدین الله أبی المیمون عبدالمجید بن الأمیر أبی القاسم محمّد بن المستنصر بالله فی سادس عشر ذی القعدة سنة أربع وعشرین وخمسمائة ، سجَنَ الحافظ وقیّده ، واستولی علی سائر ما فی القصر من الأموال والذخائر ، وحملها إلی دار الوزارة ، وکان إمامیاً متشدّداً فی ذلک ، خالف ما علیه الدولة من مذهب الإسماعیلیة ، وأظهر الدعاء للإمام المنتظر ، وأزال من الأذان « حیّ علی خیر العمل » وقولهم « محمّد وعلیّ خیر


1- نهایة الارب فی فنون الادب : 7467 .
2- تاریخ بن خلدون .

ص:390

البشر » ، وأسقط ذکر إسماعیل بن جعفر الذی تنتسب إلیه الإسماعیلیة ، فلما قتل فی سادس عشر المحرم سنة ست وعشرین وخمسمائة عاد الأمر إلی الخلیفة الحافظ وأعید إلی الأذان ما کان أُسقط منه((1)) .

وفی بعض کلام المؤرخین هذا خطأ ؛ إذ المعروف عن الإمامیة والثابت عندهم هو جزئیة « حیّ علی خیر العمل » فلا یجوز رفعه إن کان کتیفات هذا إمامیاً بالمصطلح .

وأما الدعاء للإمام المنتظر وإسقاط ذکر إسماعیل بن جعفر من الخطبة فکانت خطوة سیاسیة احتمی بها ابن کتیفات ؛ لأنّه کان سنیّاً لکنّه أظهر التمسّک بالإمام المنتظر .

وهذا ما صرّح به الذهبی فی ( العبر فی خبر من غبر ) بأنّ أبویه کانا سنیّین ، قال : ... فحجر علی الحافظ ومنعه من الظهور ، وأخذ أکثر ما فی القصر ، وأهمل ناموس الخلافة العبیدیة ، لأنّه کان سنیّاً کأبیه ، لکنّه أظهر التمّسک بالإمام المنتظر ، وأبطل من الأذان « حیّ علی خیر العمل » ، وغیرّ قواعد القوم ، فأبغضه الدعاة والقواد وعملوا علیه((2)) .

وقال الیافعی فی ( مرآة الجنان وعبرة الیقظان ) : ... وأهمل ناموس الخلافة العبیدیة ؛ لأنّه کان سنیاً کأبیه ، لکنّه أظهر التمسّک بالإمام المنتظر وأبطل من الأذان « حیّ علی خیر العمل » وغیّر قواعد القوم ، فأبغضه الدعاة والقوّاد وعملوا علیه ، فرکب للعب الکرة فی المحرم فوثبوا علیه وطعنه مملوک الحافظ بحربة..((3)) .


1- المواعظ والاعتبار للمقریزی 2 : 271 ، وانظر : قصة قتل أبی علی بن کثیفات فی الکامل فی التاریخ 8 : 334 أحداث سنة 526 ه- .
2- العبر فی خبر من غبر 4 : 68 ، شذرات الذهب 2 : 78 ، سیر أعلام النبلاء 19 : 509 - 510 .
3- مرآة الجنان وعبرة الیقظان 3 : 251 .

ص:391

حلب ( سنة 543 ه )

جاء فی ( زبدة الحلب من تاریخ حلب ) : ... وشرع نور الدین((1)) فی تجدید المدارس والرباطات بحلب ، وجلب أهل العلم والفقهاء إلیها ، فجدّد المدرسة المعروفة بالحلاویین فی سنة ثلاث وأربعین وخمسمائة ، واستدعی برهان الدین علیّ بن الحسن البلخی الحنفی وولاّه تدریسها ، فغیّر الأذان بحلب ، ومنع المؤذنین من قولهم « حیّ علی خیر العمل » ، وجلس تحت المنارة ومعه الفقهاء وقال لهم : من لم یؤذن الأذان المشروع فألقوه من المنارة علی رأسه ، فأذنّوا الأذان المشروع واستمر الأمر من ذلک الیوم ...((2))

قال الذهبی فی سیرأعلام النبلاء((3)) فی ترجمة علیّ بن الحسن بن محمّد أبی الحسن الحنفی الفقیه : سمع بما وراء النهر وتنتسب إلیه المدرسة البلخیة ویلقب بالبرهان ، وهو الذی أبطل من حلب الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ، مات سنة 548 .

وکان المقدسی قد نوه عن إبطال الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ، بقوله : ورد الخبر من ناحیة حلب بأنّ صاحبها نور الدین بن أتابک أمر بإبطال « حیّ علی خیر العمل » فی أواخر تأذین الغداة والتظاهر بسب الصحابة وأنکر ذلک إنکاراً شدیداً ، وساعده علی ذلک جماعة من السنة بحلب ، وعظم هذا الأمر علی الإسماعیلیة وأهل التَّشَیُّع ..((4))


1- هو نور الدین أبو القاسم محمود بن زنکی بن آقسنقر ، المولود سنة 511 ه- ، وکان حنفی المذهب داعیة إلی مذهبه ، وهو مؤسس الدولة النوریة فی الشام .
2- زبدة الحلب فی تاریخ حلب لابن العدیم 2 : 475 - 476 .
3- سیر أعلام النبلاء 20 :276 .
4- الروضتین فی أخبار الدولتین 1 :202 .

ص:392

وفی ( العبر فی خبر من غبر ) ، قال : أبو الحسن البلخی علیّ بن الحسن الحنفی ... وکان یلقّب برهان الدین ... وهو الذی قام فی إبطال « حیّ علی خیر العمل » من حلب((1)) .

وجاء فی ( البدایة والنهایة ) لابن کثیر : افتتح نور الدین أبو القاسم الترکی السلجوقی وکان حنفی المذهب .. وأظهر السنّة وأمات البدعة ، وأمر بالتأذین ب- « حیّ علی الصلاة حیّ علی الفلاح » ، ولم یکن یؤذن بهما فی دولتی أبیه وجدّه وإنّما کان یؤذن ب- « حیّ علی خیر العمل » لأنّ شعار الرفض کان ظاهراً بها((2)) .

وفی ( النجوم الزاهرة )((3)) وکتاب الروضتین فی أخبار الدولتین((4)) وخطط الشام لمحمد کرد علیّ((5)) وغیرها والنص للثانی : قال أبو یعلی التمیمی : وفی رجب من هذه السنة ] أی 543 ه- [ ورد الخبر من ناحیة حلب بأنّ صاحبها نور الدین بن أتابک أمر بإبطال « حیّ علی خیر العمل » فی أواخر تأذین الغداة ، والتظاهرِ بسب الصحابة ، وأنکر ذلک إنکاراً شدیداً ، وساعده علی ذلک جماعة من السنة بحلب ، وعظم هذا الأمر علی الإسماعیلیة وأهل التشیع ، وضاقت له صدورهم وهاجوا له وماجوا ، ثمّ سکنوا وأحجموا للخوف من السطوة النوریة المشهورة والهیبة المحذورة ...


1- العبر فی خبر من غبر 4 : 631 ، الدارس فی تاریخ المدارس 1 : 368 .
2- البدایة والنهایة 12 : 298 .
3- النجوم الزاهرة 5 : 282 .
4- الروضتین فی اخبار الدولتین 1 : 201 - 202 .
5- خطط الشام لمحد کرد علی 2 : 21 .

ص:393

حلب ( سنة 552 ه )

اشتدّ المرض فی شهر رمضان بنور الدین وخاف علی نفسه ، فاستدعی أخاه نصرة الدین أمیر أمیران ، وأسد الدین شیرکوه ، وأعیان الأمراء والمقدمین ، وأوصی إلیهم وقرر أن یکون أخوه نصرة الدین القائم فی منصبه من بعده ویکون مقیماً فی حلب ، ویکون أسد الدین فی دمشق فی نیابة نصرة الدین ... واتّفق وصول نصرة الدین إلی حلب فأغلق والی القلعة مجد الدین فی وجهه الأبواب وعصی علیه ، فثارت أحداث حلب... ، ودخل نصرة الدین فی أصحابه وحصل فی البلد ، وقامت الأحداث علی والی القلعة باللوم والإنکار والوعید ، واقترحوا علی نصرة الدین اقتراحات من جملتها إعادة رسمهم فی التأذین « حیّ علی خیر العمل ، محمّد وعلیّ خیر البشر » فأجابهم إلی ما رغبوا فیه وأحسن القول لهم والوعد ..((1)) .

وفی ( زبدة الحلب من تاریخ حلب ) : ... ثمّ عاد نور الدین إلی حلب فمرض بها فی سنة أربع وخمسین مرضاً شدیداً بقلعتها ، وأشفی علی الموت ، وکان بحلب أخوه الأصغر نصر الدین أمیر امیران محمّد بن زنکی ، وأرجف بموت نور الدین ، فجمع أمیر امیران الناسَ واستمال الحلبیّ وملک المدینة دون القلعة ، وأذِن للشیعة أن یزیدوا فی الأذان « حیّ علی خیر العمل محمّد وعلیّ خیر البشر » علی عادتهم من قبل ، فمالوا إلیه لذلک((2)) .


1- الروضتین فی اخبار الدولتین 1 : 347 ، بغیة الطلب فی تاریخ حلب 4 : 2024 .
2- زبدة الحلب من تاریخ حلب لابن العدیم 2 : 486 .

ص:394

مصر ( سنة 565 ه )

جاء فی ( نهایة الأرب فی فنون الأدب ) : ... قال المورخ : ولعشر مضین من ذی الحجة سنة خمس وستین وخمسمائة أمر الملک الناصر ] أی صلاح الدین الأیوبی [ أن یسقط من الأذان قولهم « حیّ علی خیر العمل ، محمّد وعلیّ خیر البشر » وکانت أول وصمة دخلت علی الشیعة والدولة العبیدیة ، ویئسوا بعدها من خیر یصل إلیهم من الملک الناصر ، ثمّ أمر أن یذکر فی الخطبة بکلام مجمل ، لیلبس علی الشیعة والعامة : اللّهمّ أصلح العاضد لدینک ...((1))

ونقل أبو شامه عن ابن أبی طی فیما جری فی مصر سنة 566 ه- قوله : فی هذه السنة شرع السلطان - یعنی صلاح الدین - فی عمارة سور القاهرة لأنه کان قد تهدّم أکثره وصار طریقاً لا یردّ داخلاً ولا خارجاً ، وولاّه لقراقوش الخادم ، وقبض علی القصور وسلّمها إلیه ، وأمر بتغییر شعار الإسماعیلیة وقطع من الأذان « حیّ علی خیر العمل » وشرع فی تمهید أسباب الخطبة لبنی العباس((2)) .

وجاء مثله عند ابن کثیر فی البدایة والنهایة((3)) .

وقال ابن الاثیر : کان السبب فی ذلک أن صلاح الدین یوسف بن أیوب لما ثبت قدمه بمصر وأزال المخالفین له وضعف أمر العاضد وهو الخلیفة بها .. کتب إلیه الملک العادل نور الدین محمود یأمره بقطع الخطبة العاضدیة وإقامة الخطبة العباسیة ، فاعتذر صلاح الدین بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من الإجابة إلی ذلک لمیلهم إلی العلویین ، فلم یصغ نور الدین إلی قوله وأرسل إلیه یلزمه إلزاماً لا فسحة له فیه((4)) .


1- نهایة الارب فی فنون الادب الفن 5/القسم 5/الباب 12 أخبار الملوک العبیدیون .
2- الروضتین فی اخبار الدولتین 2 : 184 .
3- البدایة والنهایة 12 : 283 .
4- انظر الکامل 9 : 111 وعنه فی الروضتین فی اخبار الدولتین 2 : 190 .

ص:395

مصر ( سنة 567 ه )

جاء فی ( نهایة الأرب فی فنون الأدب ) : ... کان انقراض هذه الدولة عند خلع العاضد لدین الله ، وذلک فی یوم الجمعة لسبع مضین من المحرم سنة سبع وستین وخمسمائة ، وکان سبب ذلک أنّ صلاح الدین یوسف لمّا ثبتت قدمه فی صلب الدیار المصریة واستمال الناس بالأموال ، قتل مؤتمن الخلافة جوهراً ... ونصب مکانه قراقوس الأسدی الخصی خادم عمّه ، ثمّ کانت وقعة السودان فأفناهم بالقتل ... ثمّ أسقط من الأذان قولهم « حیّ علی خیر العمل » ، وأبطل مجلس الدعوة ، وضعف أمر العاضد معه إلی الغایة ، فعند ذلک کتب الملک العادل نور الدین إلی الملک الناصر صلاح الدین یأمره بالقبض علی العاضد وأقاربه والخطبة للخلیفة المستضی بنور الله ، وکان المستضیء قد راسله فی ذلک فامتنع صلاح الدین ...((1))

وذکر ابن العماد فی الشذرات هذا الموضوع فیما جری فی سنة 569 ، فقال : وفیها مات نور الدین الملک العادل أبو القاسم محمود بن زنکی بن آق سنقر ، تملَّک حلب بعد أبیه ثّم أخذ دمشق فملکها عشرین سنة وکان مولده فی شوال سنة 511 .... وأزال الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » وبنی المدارس وسور دمشق((2)) .

حلب ( سنة 570 ه )

وفی هذه السنة عزم صلاح الدین الأیوبی الدخول إلی الشام ] وذلک بعد موت نور الدین [ ، فلما استقرّت له دمشق نهض إلی حلب ونزل علی أنف جبل جوشن ، وکان علی حلب آنذاک ابن نور الدین ، والأخیر جمع أهل حلب وقال لهم : یا أهل


1- نهایة الارب فی فنون الادب الفن 5/القسم 5/ الباب 12 أخبار الملوک العبیدیون .
2- انظر : شذرات الذهب 4 : 228 .

ص:396

حلب ، أنا ربیبکم ونزیلکم ، واللاجئ إلیکم ، کبیرکم عندی بمنزلة الأب ، وشابّکم عندی بمنزلة الأخ ، وصغیرکم عندی یحلّ محلّ الولد ، قال : وخنقته العبرة ، وسبقته الدمعة ، وعلا نشیجه ، فافتتن النَّاس وصاحوا صیحةً واحدة ، ورمَوْا بعمائمهم ، وضجُّوا بالبکاء والعویل ، وقالوا : نحن عبیدک وعبید أبیک ، نقاتل بین یدیک ، ونبذل أموالنا وأنفسنا لک . وأقبلوا علی الدُّعاء له ، والترحُّم علی أبیه .

وکانوا قد اشترطوا علی الملک الصَّالح أنه یُعید إلیهم شرقیة الجامع یُصَلُّون فیها علی قاعدتهم القدیمة ، وأن یُجهر ب- « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان ، والتذکیر فی الأسواق وقُدَّام الجنائز بأسماء الأئمة الاثنی عشر ، وأن یصلُّوا علی أمواتهم خمس تکبیرات ، وأن تکون عقود الأنکحة إلی الشریف الطَّاهر أبی المکارم حمزة بن زُهْرة الحسینی ، وأن تکون العصبیة مرتفعة ، والنَّاموس وازع لمن أراد الفتنة ، وأشیاء کثیرة اقترحوها مما کان قد أبطله نور الدین رحمه الله تعالی ، فأُجیبوا إلی ذلک .

قال ابن أبی طیّ : فأذّن المؤذّنون فی منارة الجامع وغیره ب- « حیّ علی خیر العمل » ، وصلّی أبی فی الشَّرْقیة مُسْبِلاً ، وصلَّی وجوه الحلبیین خلفه ، وذکروا فی الأسواق وقُدَّام الجنائز بأسماء الأئمّة ، وصلّوا علی الأموات خمس تکبیرات ، وأُذِنَ للشریف فی أن تکون عقود الحلبیین من الإمامیة إلیه ، وفعلوا جمیع ما وقعتِ الأیمان علیه((1)) .


1- الروضتین فی اخبار الدولتین 2 : 348 - 349 ، البدایة والنهایة 12 : 309 وفیه : شرط علیه الروافض . وانظر حاشیة الشیخ اغا بزرک الطهرانی علی مستدرک وسائل الشیعة والمطبوع معه 3 : 8 .

ص:397

مکّة ( سنة 579 ه )

قال ابن جبیر : وللحرم المکی أربعة أئمّة سنیة وإمام خامس لفرقة تسمی الزیدیة ، وأشراف أهل هذه البلدة علی مذهبهم ، وهم یزیدون فی الأذان « حیّ علی خیر العمل » إثر قول المؤذن « حیّ علی الفلاح » ، وهم روافض سبّابون والله من وراء حسابهم وجزائهم ، ولا یجمعون مع الناس إنّما یصلون ظهراً أربعاً ، ویصلّون المغرب بعد فراغ الأئمة من صلاتها ، فأوّل الأئمّة السنیة الشافعی ، وإنّما قدمنا ذکره لأنّه المقدم من الإمام العباسی وهو أوّل من یصلی وصلاته خلف مقام إبراهیم إلّا صلاة المغرب فإن الأربعة الأئمّة یصلونها فی وقت واحد مجتمعین لضیق وقتها ، یبدأ مؤذن الشافعی بالإقامة ثمّ یقیم مؤذنوا سائر الأئمّة ، وربما دخل فی هذه الصلاة علی المصلّین سهو وغفلة لاجتماع التکبیر فیها من کلّ جهة ، فربما رکع المالکی برکوع الشافعی أو الحنفی ، أو سلم أحدهم بغیر سلام إمامه ، فتری کلّ أُذُن مصغیة لصوت إمامها أو صوت مؤذّنه مخافَة السهو ، ومع هذا فیحدث السهو علی کثیر من الناس .

ثمّ المالکی وهو یصلی قبالة الرکن الیمانی ...((1))

مکّة ( سنة 582 ه )

وفیها دخل سیف الإسلام أخو صلاح الدین إلی مکّة وضرب الدنانیر فیها باسم أخیه ، ومنع من قولهم « حیّ علی خیر العمل »((2)) .


1- رحلة ابن جبیر 1 : 84 - 85 ، وقد ذکر بعض ما یتعلق بأئمّة المذاهب الأربعة ، وأغفل ما یتعلق بإمام الزیدیة !!
2- النجوم الزاهرة 6 : 103 ، الروضتین فی اخبار الدولتین 3 : 271 .

ص:398

مکّة ( سنة 617 ه )

وفیها توفی الشریف أبو عزیز قتاده بن إدریس الزیدی الحسنی المکّی أمیر مکّة .

کان شیخاً عارفاً مصنفاً ، نقمةً علی عبید مکّة المفسدین ، وکان الحاج فی أیامه فی أمان علی أموالهم ونفوسهم ، وکان یؤذّن فی الحرم ب- « حیّ علی خیر العمل » علی قاعدة الرافضة ، وما کان یلتفتُ إلی أحد من خلق الله تعالی ، ولا وطئ بساط الخلیفة ولا غیره ، وکان یحمل إلیه من بغداد فی کلّ سنة الذهب والخلع وهو بداره فی مکّة ، وهو یقول : أنا أحق بالخلافة من الناصر لدین الله ، ولم یرتکب کبیرة فیما قیل ...((1))

مکّة ( سنة 702 ه )

جاء فی ( الدرر الکامنة ) قوله : أبطل ] بزلغی التتری حینما کان علی الحج [ الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » وجمع الزیدیة ومنعهم من الإمامة بالمسجد الحرام((2)) .

إیران (سنة 707 ه تقر یباً)

کان مذهب أهل السنة والجماعة هو الغالب علی إیران إلّا فی مناطق معینة کطبرستان ، والریّ ، وقم ، وأقسام من خراسان ، وقد ذکر المؤرخون عللاً وأسباباً فی تشیع إیران((3)) ، إلّا أنّ الثابت هو حدوثه فی عهد العلاّمة الحلّی « الحسن


1- النجوم الزاهرة 6 : 249 - 250 .
2- الدرر الکامنة 2 : 9 .
3- طبع موخراً الشیخ رسول جعفریان رسالة الجایتو والتی ألفها باللغة الفارسیة موضحاً فیها أسباب تشیعه فلیراجع .

ص:399

بن یوسف » المتوفی 726 ه- الذی کان السبب فی تشیع السلطان الجایتو محمّد المغولی الملقّب بشاه خدابنده المتوفی 717 أو 719 ه- .

فلما تشیع السلطان أمر فی تمام ممالکه بتغییر الخطبة وإسقاط أسامی الثلاثة عنها ، وبذکر أسامی أمیر المؤمنین علیه السلام وسائر الأئمّة: علی المنابر ، وبذکر « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان ، وبتغییر السّکّة ونقش الأسامی المبارکة علیها((1)) .

المدینة [ القرن الثامن ]

نقل السمهودی فی ( وفاء الوفاء ) : ... عن ابن فرحون المتوفی سنة 799ه- قوله : وقد تساهل من کان قبلنا فزادوا علی الحجرة الشریفة مقصورة کبیرة ... وکانت بدعة وضلالة یصلی فیها الشیعة ... ولقد کنت أسمع بعضهم یقف علی بابها ویؤذّن بأعلی صوته « حیّ علی خیر العمل » وکانت مواطن تدریسهم وخلوة علمائهم((2)) .

وذکر صاحب التحفة اللطیفة فی ترجمة عزاز ، أحد الاشراف : کان یقف علی باب المقصورة المحیطة بالحجرة النبویة ویؤذّن بأعلی صوته من غیر خوف ولا فزع قائلاً « حیّ علی خیر العمل » ؛ قاله ابن فرحون فی تاریخه((3)) .

القطیف ( سنة 729 ه )

ذکر ابن بطوطة فی رحلته سفره إلی القطیف ، فقال : ثمّ سافرنا إلی مدینة القُطَیف - وضبط اسمها بضم القاف کأنّه تصغیر قَطِیف - وهی مدینة کبیرة حسنة


1- روضة المتقین للعلاّمة المجلسی 9 : 30 احقاق الحق 1 : 11 ، أعیان الشیعة 5 : 396 ، مجالس المؤمنین 2 : 356 . وانظر : خاتمة مستدرک الوسائل للنوری وغیرها .
2- وفاء الوفاء للسمهودی 1 - 2 : 612 الفصل 27 .
3- التحفة اللطیفة فی تاریخ المدینة الشریفة 2 : 260 الترجمة 2965 .

ص:400

ذات نخل کثیر ، یسکنها طوائف العرب ، وهم رافضیة غلاة ، یظهرون الرفض جهاراً لا یتّقون أحداً ، ویقول مؤذنهم فی أذانه بعد الشهادتین : « أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله » ، ویزید بعد الحیعلتین « حیّ علی خیر العمل » ویزید بعد التکبیر الأخیر : « محمّد وعلیّ خیر البشر من خالفها فقد کفر »((1)) .

مکّة ( سنة 793 ه )

جاء فی صبح الاعشی : ... وولی ابنه صلاح ] بن علیّ بن محمّد [ وتابعه الزیدیة ، وکان بعضهم ینکر إمامته لعدم استکمال الشروط فیه ، فیقول : «أنا لکم ما شئتم إمام أو سلطان» ، ثمّ مات سنة ثلاث وتسعین وسبعمائة ، وقام بعده ابنه نجاح فامتنع الزیدیة من بیعته ... إلی أن یقول : قال فی مسالک الأبصار : ولشیعة هذا الإمام فیه حُسْنُ الاعتقاد ، حتّی أنّهم یستشفون بدعائه ، ویُمرُّون یده علی مرضاهم ، ویستسقون به المطر إذا اجدبوا ، ویبالغون فی ذلک کلّ المبالغة ، ثمّ قال : ولا یَکْبُرُ لإمام هذه سیرته - فی التواضع لله ، وحسن المعاملة لخلقه ، وهو من ذلک الأصل الطاهر والعنصر الطیب - أن یجاب دعاؤه ویتقبل منه ، قال : وزیُّ هذا الإمام وأتباعه زیّ العرب فی لباسهم والعمامة والحنک ، وینادی عندهم بالأذان « حیّ علی خیر العمل »((2)) .

صنعاء ( سنة 900ه تقریباً )

ذکر صاحب البدر الطالع فی ترجمة محمّد بن الحسن بن مرغم الزیدی الیمانی ( المولود 836 والمتوفی 931 ) ما نصّه : لما افتتح السلطان عامر بن عبدالوهاب


1- رحلة ابن بطوطه : 186 / بعد ذکره لمدینة ( البحرین ) .
2- صبح الاعشی 7 : 358 - 359 .

ص:401

صنعاء ومایلیها من البلاد ] کان [ یجلّه ویقبل شفاعته لأجل اتصاله بالإمام الناصر الحسن بن عزالدین بن الحسن .

ولما صلّی السلطان عامرٌ بجامع صنعاء أوّلَ جمعة فأراد المؤذن أن یسقط من الأذان « حیّ علی خیر العمل » فمنعه محمّد بن الحسن الزیدی ، فالتفت إلیه جمیع من فی المسجد من جند السلطان وهم ألوف مؤلّفة ، وعُدَّ ذلک من تصلّبه فی مذهبه((1)) .

حضرموت ( سنة 1070 ه )

جاء فی کتاب ( سمط النجوم العوالی فی أنباء الاوائل والتوالی ) للعاصمی : قوله :

وفی سنة 1065 جهز الإمام إسماعیل((2)) ابنَ أخیه الإمام أحمدَ بن الحسن علی حضرموت ونواحیها لکونهم لم یخطبوا له ] بعد أن سیطر علی أغلب الیمن [ فالتقی هو والأمیر حسین الرصاص ، لکون بلده أقرب البلدان إلی دولة الإمام إسماعیل ، وحصل منهم قتال ، فلما عجز الإمام أحمد بن الحسن اُرسل إلی قبیلة یافع - وهم قبائل کثیرون - بالأموال خفیة ، وطلبوا منه أن یکونوا معه علی الرصاص ... فتجهزوا علی الرصاص وأتوه علی غرة ... حتّی قتل ... واستولی الزیدیة علی غالب حضرموت .


1- البدر الطالع 2 : 122 .
2- ابن المنصور بالله القاسم بن محمد بن علی بن محمد بن الرشید بن أحمد بن الحسین بن علیّ بن یحیی بن محمد بن یوسف الاشل بن القاسم بن محمد بن یوسف الاکبر بن المنصور بن یحیی بن الناصر بن أحمد بن الهادی إلی الحق یحیی بن الحسین ابن القاسم بن إبراهیم بن إسماعیل بن إبراهیم بن الحسن المثنی بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب .

ص:402

ثمّ فی سنة 1070 استولی علی حضرموت کلها ، وأمرهم أن یزیدوا فی الأذان « حیّ علی خیر العمل » وترک الترضی عن الشیخین ... ثمّ لم یزل الإمام إسماعیل قائماً بأعباء الإمامة الکبری إلی أن توفّاه الله تعالی إلی رحمته سنة 1087 ه((1)) .

نجد ( سنة 1224 ه )

قال عبدالحی بن فخر الدین الحسینی ( المتوفی 1341 ه- ) فی ( نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر ) : ... الزیدیة بعد ما خالف الشریف حمود بن محمّد علی أهل نجد سنة أربع وعشرین ومائتین وألف أن یزید أهلها قول « حیّ علی خیر العمل » فی ندائهم للصلوات ویَدَعُوا ما توارثوه من السلف فی أذان الفجر من قولهم « الصلاة خیر من النوم » فإنه کان یراها بدعة إنّما أحدثها عمر رضی الله عنه فی إمرته((2)) .

وأختم حدیثی بما نقله القلقشندی فی صبح الأعشی عن الزیدیة فقال : ... وهم یقولون : إن نَصَّ الأذَانِ بَدَل الحَیْعَلَتینِ((3)) : « حَیّ علی خَیْر العَمَلِ » یقولونها فی أَذانِهم مرّتین بدل الحَیْعلَتَیْن ، وربَّما قالوا قبل ذلک: « محمدٌ وعَلِیٌّ خَیر البَشَر ، وعِتْرتُهما خیر العِتَر » ومن رأَی أنّ هذا بِدعةٌ فقد حاد عن الجَادَّة .

وهم یسوقون الإِمامة فی أوْلاد عَلِیّ کَرَّم الله وَجْهَه من فاطمة 2 ، ولا یُجوِّزونَ ثُبوتَ الإِمامة فی غیر بنیهما ؛ إلّا أنَّهم جَوَّزُوا أن یکونَ کلُّ فاطمیِّ عالِم زَاهِد شُجاع خَرج لطَلَب الإِمامة إماماً مَعْصُوماً واجِبَ الطاعة ، سواء کان من ولد


1- سمط النجوم العوالی 4 : 198 - 200 .
2- نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر : 1646 .
3- هذا غلط من القلقشندی فالزیدیة تقول بالحیعلة الثالثة بعد الحیعلتین لا بدلهما .

ص:403

الحَسَنِ أو الحُسَینِ علیهما السلام ، ومَن خلع طاعتَه فقد ضَلَّ . وهم یَرَوْن أن الإِمام المَهْدِیَّ المُنْتَظَر من ولَد الحُسَین دون ولد الحسَن رضی الله عنهما ، ومن خالف فی ذلک فقد أخْطَأ . ومن قال : إِنَّ الشیخین أبا بَکْر وعُمَر أفضلُ من عَلِیٍّ وبَنِیه فقد أخْطأَ عندهم وخالَف زَیداً فی مُعْتَقَدِه. ویقولون : إنّ تَسْلِیم الحَسَنِ الأمْرَ لمعَاویةَ کان لمصْلَحة آقتضاها الحال ، وإن کان الحقُّ له .

قال فی « التعر یف » : وأَیْمانُهم أَیْمانُ أهْلِ السُّنَّة، یعنی فیحلَّفون کما تقدّم ، ویزاد فیها : وإِلاَّ بَرِئْتُ من مُعْتَقَدِ زید بن عَلِیّ ، ورأیتُ أنَّ قَوْلِی فی الأذانِ : « حَیَّ علی خَیْرِ العَمَل » بِدْعةٌ ، وخَلَعتُ طاعة الإِمام المعصوم الواجب الطَّاعة ، وآدّعَیْتُ أن المَهْدِیَّ المنتَظَر لیس من وَلَد الحُسَینِ بن علیّ ، وقلتُ بتَفْضِیل الشیخین علی أمیر المؤمنین عَلِیٍّ وبَنِیه ، وطعَنْتُ فی رَأْی ابنِهِ الحسن لما اقتضته المَصْلَحةُ ، وطعَنتُ علیه فیه((1)) .

النتیجة

وعلیه فشرعیة « حیّ علی خیر العمل » ثابتة عند الشیعة بفرقها الثلاث : - الإمامیة الاثنی عشریة ، والزیدیة ، والإسماعیلیة - وعند بعض الصحابة ، وإنّ هذه الجملة هی أصل لما فُسّر فی کلام الأئمّة: ب- « محمّد وعلیّ خیر البشر » و« محمّد وآل محمّد خیر البریة » و« أنّ علیّاً ولیّ الله » ، فتارة کانت الشیعة تصرح بهذا التفسیر ، وأخری لا تصرح به ، نتیجة للظروف القاسیة التی کانت تمر بها .

و یؤکّد التفسیریة التی قلناها ما أجاب به السیّد المرتضی رحمه الله ( ت 436 ه- ) فإنه سئل : هل یجب فی الأذان بعد قول « حیّ علی خیر العمل » :


1- صبح الاعشی فی صناعة الإنشاء للقلقشندی 13 : 231 .

ص:404

« محمّد وعلیّ خیر البشر » ؟ فأجاب : إن قال « محمّد وعلیّ خیر البشر » علی أنّ ذلک من قوله خارج من لفظ الأذان جاز ، فإنّ الشهادة بذلک صحیحة ، وإنّ لم یکن فلا شیء علیه((1)) .

وقال ابن البراج ( ت 481 ه- ) فی مهذبه : ویستحب لمن أذّن أو أقام أن یقول فی نفسه عند « حیّ علی خیر العمل » : « آل محمّد خیر البریة » مرتین((2)) .

وکذا یُفهم من کلام الشیخ الصدوق ( ت 381 ه- ) أن الذین کانوا یأتون بهذه الصیغ الثلاث أو الأربع ! کانوا یأتون بها علی أنّها صادرة عن أئمّة أهل البیت ؛ لقوله رحمه الله : « وفی بعض روایاتهم ... ومنهم من روی بدل ذلک ... »((3)) .

فاختلاف الصیغ عند المؤذنین ، وإتیانها فی بعض الأحیان بعد الحیعلة الثالثة وأخری بعد الشهادة الثانیة تشیر إلی عدم جزئیتها وکونها تفسیریة .

إذاً عمل الشیعة وتفسیرهم هذا لم یکن عن هوی ورأی ، بل لما عرفوه ووقفوا علیه فی مرویات ائمتهم الموجودة عندهم ، وهذا لو جمع إلی سیرة المتشرعة من الشیعة فی کل الازمان والاصقاع فی « حیّ علی خیر العمل » وأنّ المعنیَّ به عندهم الولایة لوقفت علی حقیقة أخری لم تنکشف لک من ذی قبل((4)) . وممّا یستأنس به لذلک أذان الشیعة بحلب سنة 367 ه- حیث إنّهم کانوا یقولون فی أذانهم « حیّ علی خیر العمل محمّد وعلیّ خیر البشر » ، وکذلک فی أذانهم بالیمامة سنة 394 ه- ، ففیه « یقولون فی الإقامة : محمّد وعلیّ خیر البشر وحیّ علی خیر العمل » .


1- رسائل الشریف المرتضی 1 : 279 . ومثله جواب القاضی ابن البراج فی جواهر الفقه : 257 .
2- المهذب 1 : 90 .
3- من لا یحضره الفقیه 1 : 188 باب الأذان والإقامة وثواب المؤذنین ح 35 .
4- سنفصل هذا الأمر بإذن الله تعالی فی الباب الثالث من هذه الدراسة « أشهد أن علیّاً ولی الله بین الشرعیة والابتداع » .

ص:405

ومن هذا الباب ما ذُکر من أنّ الحسین بن علیّ بن محمّد ... بن علی بن أبی طالب - المعروف بابن شکنبة - کان أوّل من جهر فی الأذان ب- « محمّد وعلیّ خیر البشر » فی زمن سیف الدولة الحمدانی سنة 347 ه- ، ولا یخفی علیک بأنّ هذا المؤذّن والحمدانیین شیعة اثنا عشریة ، وقد عرفت بأنّ الأذان بذلک فی حلب کان قبل هذا التاریخ .

ویضاف إلیه ما قلناه قبل قلیل من أن الشیعة الاثنی عشریة ( القطعیة ) أذنوا فی بغداد ( 290 - 356 ه- ) ب- « أشهد أن علیّاً ولی الله » ، وأعلوا هذا الإعلان علی الماذن فی القرن الثامن فی القطیف کذلک ، وغیر ذلک من النصوص ، فکلها تؤکد التفسیریة التی کان یبوح بها الشیعة أیّام قوتهم ، وأنّ کلّ ما کانوا یقولونه مأخوذ من کلمات رسول الله صلی الله علیه و آله وأئمّة أهل البیت : وأنّ ذلک کله تفسیر وتوضیح للحیعلة الثالثة((1))التی حذفها عمر وسار علی نهجه الحذفیّ أتباعُهُ . ولذلک عظم علی الرافضة !! وأهل التشیع حذف الحیعلة الثالثة من الأذان فی سنة 369 ه- من قبل نور الدین عم صلاح الدین الأیوبی .

وبهذا فقد تبیّن لنا من کلّ ما سبق أنّ ل- « حیّ علی خیر العمل » أصلاً شرعیّاً ثابتاً ، لکنَّ الظروف السیاسیّة العصیبة ونهی عمر بن الخطّاب ، لعبا دوراً کبیراً فی طرح شرعیّتها جانباً - وقد مرّت علیک بعض الروایات التی صُرّح فیها بحذف الحیعلة الثالثة للتقیة من الرواة الذین کانوا یخافون علی أرواحهم عند اشتداد سطوة الظالمین - ومع کلّ ذلک العسف تری الصمود الشیعی فی جانب آخر ، لذلک راح أتباع الحَذْفِ بعد أن لمسوا شدّة المتمسّکین بها یدّعون بأنّها منسوخة ، وعلی الرغم من شراسة الحملة


1- وقد تکون الشهادة الثالثة هی تفسیر للشهادة الثانیة کذلک وهذا ما سنوضحه لاحقاً فی الباب الثالث « أشهد أن علیّاً ولی الله بین الشرعیة والابتداع » .

ص:406

الموجّهة ضدّ هذا الأصل الشرعیّ وعنف وقسوة رموزها ، إلّا بأنّ المنصفین لم یتمکّنوا من التجّرؤ والقول بأنَّ « حیّ علی خیرالعمل » بدعة ، وأکثر ما توصّلوا إلیه أن یقولوا عنها : إنّ ذلک الأمر لم یثبت ، و: ما لم یثبت فمن الأولی ترکه وعدم الإتیان به !

ولکن ، هل مال جمیع المسلمین إلی ذلک ؟

أبداً ، فکثیر من الصحابة وکل أهل البیت وعدّة من التابعین أصرّوا إصراراً شدیداً علی التمسّک بالإتیان ب- « حیّ علی خیر العمل » فی أذانهم والتأکید الحازم الجازم علی شرعیّة الإتیان بها ، وأن لیس من عامل شرعیّ قطعیّ دعا إلی طرحها وإسقاطها .. وقد مرّت فی مطاوی البحوث شواهد کثیرة تؤیِّد صحّة ذلک بموضوعیة ، وقد کان هذا الفصل هو الموضّح لکیفیة « تحوّل هذا الأصل الشرعیّ » إلی شعار یمیّز الشیعة عن غیرهم ، وقد اتّضحت بین ثنایاه الدوافع التی دعت أهل السنّة لأن یتّخذوا من ( الصلاة خیر من النوم ) شعاراً لهم، حیث کانت لهذه الجملة أبعادٌ متصلة باجتهاد الخلیفة عمر! لا سنة رسول الله .

لقد تجسدت شعاریّة هذا الموضوع بوضوح فی العصور المتأخِّرة ، ویمکن القول بأنّها تجلّت واضحة فی العصر العبّاسیّ الأوّل((1)) ، وعلی الخصوص فی زمن أبی جعفر المنصور الدوانیقیّ ، کما وتجسّدت معالم شعاریّة « حیّ علی خیر العمل » بوضوح أیضاً بعد وفاة المنصور بعد أن صار جلیاً وجود تیّارین متباینین ، أحدهما یصرّ بإلحاح جادّ علی الإتیان ب- « حیّ علی خیر العمل » ، بینما یحاول الآخر منع ذلک بشتی الطرق ولا یرضی بالإتیان بها .


1- هی الفترة السیاسیّة لخلافة بنی العبّاس ؛ من خلافة أبی العبّاس السفّاح إلی خلافة الواثق بالله ، أی خلافة : أبی العبّاس السفّاح ، والمنصور الدوانیقیّ ، والمهدی العبّاسیّ ، والهادی العباسیّ ، وهارون الرشید ، والأمین ، والمأمون ، والمعتصم ، وآخرهم الواثق بالله ، ومن بعد وفاته إلی الغزو المغولیّ لبغداد ، اصطلح علیه بین المؤرّخین بالعصر العبّاسیّ الثانی .

ص:407

وانطلاقاً من هذا الأساس المتشنّج کانت جمیع الحرکات الشیعیّة ودُولها فی حال استلامها لزمام أُمور السیاسة لا تتردّد فی إعلاء « حیّ علی خیر العمل » من علی المآذن فی الأذان إعلاناً عن هویّتهم الحقیقیّة ، بل کان المدّ الجماهیری الشیعی فی أحایین قوته یراهن علی شرعیتها ، ولا یتنازل عن الهویة المحمدیة العلویة .

نعم ، یمکن القول بذلک علی أساس اتّخاذ الشیعة « حیّ علی خیر العمل » شعاراً لهم ، وإن کانت هذه الحیعلة الثالثة جزءاً من الأذان النبوی ، فشرعیتها أقدم من تاریخ شعاریتها بکثیر ، حیث هی مسألة شرعیّة ثابتة منذ عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وقد بیّنّا ذلک بما فیه الکفایة .

وأمّا فیما یخصّ ذِکر أذان الإمام زین العابدین

علیه السلام الثابت للجمیع ولیس ثمّة منکر له ، فله میزة خاصّة ، وذلک لمکانته بین المسلمین عموماً ، فالإمامیّة والزیدیّة ، بل مختلف فرق الشیعة - باستثناء الکیسانیة المنقرضة - تذعن له وتستسلم لأوامره ونواهیه الشرعیّة ، ویقرّون له علیه السلام بأنّه إمام للمسلمین وحجّة لله علی خلقه ، وبالنسبة لباقی الفرق فهم یتعاملون معه کأحد علماء المدینة علی أقل ما یقال .. فإتیان الإمام زین العابدین علیه السلام ب- « حیّ علی خیر العمل » یمثِّل - بلا ریب - شرعیّتها وامتداد جذورها إلی عصر الرسالة الأوّل ، وخصوصاً بعد وقوفنا علی قوله علیه السلام « إنّه الأذان الأول » والذی یوضّح بأنّ الأذان شرّع فی الإسراء والمعراج ، وأن « حیّ علی خیر العمل » ، إشارة إلی ولایة الإمام علیّ وولده ، والذی کتب علی ساق العرش .

وکذا الحال بالنسبة إلی فعل ابن عمر ، فإنّ إتیانه بها فی أذانه - وهو فقیه أهل السنة والجماعة - لیؤکد شرعیتها ، ونحن لو أضفنا هذین الموردین إلی ما أورده الدسوقیّ فی حاشیته عن الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام وأنّه کان یأتی بها ، وإلی ما ذُکر عن الإمامین الباقر والصادق: ، لاتّضح لنا ولغیرنا بأنّ هذه المسألة لها أصل

ص:408

أصیل فی الدین ، بل هناک أصل لما نقول به فی کتب أهل السنة والجماعة مستقی عن رسول الله صلی الله علیه و آله بیقین .

ف- « حیّ علی خیر العمل » أصلٌ من الأُصول الثابتة ، ذو جذور عریقة وراسخة تعود إلی عهد رسول الله ، وقد أتی بها الصحابة أیضاً ، إلّا أنَّه قد دبّ الخلاف فیها منذ عهد عمر بن الخطّاب ، وهذا هو ما تثبته الأدلة والشواهد التاریخیّة والروائیّة ، إلّا أنَّ التعصّب الأعمی دفع بالبعض دفاعاً عن اجتهاد عمر قبال السنّة النبویّة المبارکة لأن یدّعی أنَّ الشیعة هم الذین أدخلوا هذه الروایات فی کتبهم ، بل ودفع ذلک التعصب المقیت بالبعض الآخر لأن یدّعی ویزعم أنَّ کتبهم المعتبرة خالیة من مثل هذه الروایات ، ولا ندری ما نقول لمن یرید إخفاء عین الشمس بغربال !

ونحن لو دققنا النظر فی مسألة نهی عمر بن الخطاب عن متعة الحج ومتعة النساء وحیّ علی خیر العمل - علی ما أورده القوشجی فی « شرح التجرید » - لانکشف لنا الترابط فیما بین هذه المسائل الثلاث ، وأنّ مسألة « حیّ علی خیر العمل » تعنی ارتباطها بمسألة هامة ترتبط بصمیم الخلافة والإمامة ، وهذا ما أثبتناه بالأرقام فی الصفحات السابقة((1)) ، وقد عرفت کیف تحوّلت الحیعلة الثالثة إلی شعار للطالبیین ولشیعة أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام ومحبّی الزهراء البتول 2 عبر القرون ، وأنّ ثبات الشیعة علیها وتمسّکهم بها یمثّل بحثا استراتیجیّاً بین الفریقین وحدّاً فاصلاً بینهما ، ولعلّ ما روی عن الإمام أبی الحسن الکاظم علیه السلام عن تبیان علّتی النهی الظاهرة والخفیة - التی مرّ ذکرها - جاء للکشف عن النوایا والتوجّهات الحکومیة التی أرادت أن تطمس أنَّ خیر العمل هو : « بر فاطمة وولدها » .


1- انظر : الفصل الثالث ( حیّ علی خیر العمل ، دعوة للولایة وبیان لاسباب حذفها ) .

ص:409

وبعد أن بینا تعاریف « خیر العمل » فی روایات أهل البیت: سابقاً ، وانها تعنی : « الولایة » و« بر فاطمة وولدها » ، نصل إلی أنّ نهی الخلیفة یمثّل إعلاناً عن عدم الاعتناء ببر فاطمة ، وهو ما یعود بالنتیجة إلی الولایة والخلافة وأن عمر بن الخطاب لا یرید الإشارة إلی خلافة غیره ، بل إنه لا یرید الإشارة إلی کلّ ما یتعلّق بها .

وممّا یدعم هذا المعنی ما تنطوی علیه العقوبة التی فرضها عمر بن الخطاب علی القائل بها ، فقوله ( أنهی عنها ) أو ( أُعاقِبُ علیها ) بمثابة اعتراف مبدئیّ منه بشرعیّة « حیّ علی خیر العمل » ، واعتراف ضمنی علی ما یجول فی دواخله ، ولذلک فقد ربط نهیه عن « حیّ علی خیر العمل » بنهییه عن متعتَی النساء والحجّ ، اللَّذَیْنِ أکد الإمام علیّ وابن عبّاس ورعیل من الصحابة علی شرعیتها ، بخلاف عمر والنهج الحاکم اللذین دعیا إلی ترکها ، فترک هذه الثلاث عُمَرِیٌّ ، وأمّا لزوم الإتیان بها أو جوازه فهو علوی ، إذاً الأمر لم یکن اعتباطاً ، بل جاء لوجود رابطة وعلاقة متینة بین کلّ الأمور المنهیّ عنها .

لقد ، بلغ النزاع حول المسألة المبحوثة أوجه فی القرنین الرابع والخامس الهجریّین ، حیث إنّ الصراع الفکریّ والاعتقادیّ فی تلک الفترة الزمنیّة قد اشتدّ کثیراً ، فسیطر علی الشارع العامّ جوٌّ من الخلاف الحادّ بین الشیعة والسنّة ، کلٌّ یدّعی أنَّ الحقّ فی جانبه ، ولم یصلا لقاسم مشترک یرضی الطرفین فی محاولة للعودة إلی حالة الألفة وعدم التنازع ، فکلٌّ منهما متمسِّک بصلابة بما توصّل إلیه ؛ هؤلاء بأئمتهم ، وأولئک بحکوماتهم .

ولو ألقینا نظرة فاحصة علی النصوص التی مرت فی حوادث سنة 350 - 443 ه- ، ودرسنا وضع شدّة النعرة الطائفیة واستفحالها ، لشاهدنا بوضوح دور مسألة « حیّ علی خیر العمل » الذی تزامن طرحها مع مسائل اعتقادیّة أُخری بشکل

ص:410

لا یمکنک التفکیک بینها ، مثل مسألة الغدیر ، ولبس السواد وما إلی ذلک . فلماذا یمنع أهل الکرخ وباب الطاق من النوح یوم عاشوراء ومن تعلیق المسوح ؟ ولماذا تقع الفتنة یوم الغدیر ؟

قال الذهبیّ فی أحداث سنة 389 ه- : ( کانت قد جرت عادة الشیعة فی الکرخ وباب الطاق بنصب القباب وإظهار الزینة یوم الغدیر ، والوقید((1)) فی لیلته ، فأرادت السنّة أن تعمل فی مقابلة هذا أشیاء ، فادّعت أنَّ الیوم الثامن من یوم الغدیر کان الیوم الذی حصل فیه النبیّ وأبو بکر فی الغار ، فعملت فیه ما تعمل الشیعة فی یوم الغدیر ، وجعلت بإزاء یوم عاشوراء یوماً بعده بثمانیة أیّام إلی مقتل مصعب ... )((2)) .

فانظر إلی الأصالة والتحریف معاً ، وکیف تُغیّر الوقائع والأحداث عن مجریاتها وتحرّف عن أصالتها وتوضع باسم الآخرین !

ومن الحوادث التاریخیّة التی برزت فیها شعاریّة « حیّ علی خیر العمل » کرمز للشیعة والتشیّع ما أورده ابن الجوزیّ فی « المنتظم » فی أحداث سنة 417 ه- ، وما جاء فی « مرآة الجنان » فی أحداث سنة 420 ه- ، حیث ذکرا بإنّ الصراع والصدامات بین الشیعة والسنّة فی بغداد کانت علی أشدّها ، وقد حاول السنّة بشتّی الأسالیب التجرُّؤ علی مکانة الإمام علیّ علیه السلام الرفیعة السامیة ، وبذلوا کلّ ما باستطاعتهم من النیل منه ومحاولة إسقاط مقامه الشامخ أمام أنظار العوامّ ، وعلی هذا الغرار فقد بعث القادر العبّاسیّ ظاهراً - أحد وعّاظه - إلی مسجد براثا((3))


1- أی إیقاد الشموع والقنادیل والإضاءة .
2- تاریخ الاسلام : 25 حوادث سنة 381- 400 ه- .
3- ومسجد براثا من المساجد العریقة والقدیمة جدّاً ، وکان یومذاک بمثابة معقل الشیعة وحصنهم الحصین ، وتخرّج منه الکثیر من الرجال الذین دخلوا تاریخ عالَم التشیّع ، حتّی قال عنه ابن کثیر فی البدایة والنهایة 11 : 271 حوادث سنة 354 ه- ، إنّه : ( عشّ الرافضة ) ، وکان ابن عقدة یعطی دروسه فیه ، ونقل عنه أنّه کان حافظاً لستمائة ألف حدیث ، ثلاثمائة ألف حدیث منها کانت فی فضائل أهل البیت علیهم السلام ، هذا مضافاً إلی إیواء المسجد لعدد کبیر من علماء الشیعة ، وکانوا علی درجة عالیة من الوعی والصلابة فی الدین ، جعلت من أحد النواصب لأن یسمّیه بغضاً وتعنتاً ب- ( مسجد ضرار ) انظر البدایة والنهایة 11 : 173 .

ص:411

- مسجد الشیعة - فی أحد أیّام الجُمَع ، وراح ینال من شخصیّة الإمام علیّ

علیه السلام بکلّ ما لا یلیق به لا من قریب ولا من بعید ، الأمر الذی أثار الشیعة من الذین کانوا حاضرین فی ذلک المسجد ، فلم یسکتوا علی قباحة ذلک الخطیب ، وحدث لغط وثارت الحمیّة الدینیّة ، فلم یکتفوا بالاعتراض اللفظیّ ، بل رموا ذلک الخطیب بکلّ ما کان قریباً من أیدیهم فأصابوه وکسروا له أنفه((1)) ، فکانت هذه الحادثة بمثابة الشرارة الأُولی التی ألهبت حالة الصدامات فیما بین السنّة والشیعة فی بغداد فی تلک السنة ، وعلی أثر ذلک فقد کتب الشیعة علی أبواب دورهم هذه العبارة : ( محمّد وعلیّ خیر البشر ، فَمَن رضی فقد شکر ، ومَن أبی فقد کفر ) .

ومن خلال هذه الحادثة ومثیلاتها التی حدثت فی بغداد علی مرّ الأ یّام یظهر لنا أنَّ « حیّ علی خیر العمل » أصبحت تُمَثِّل شعاراً للشیعة ، لأنَّ دیدن الجمیع هو التأکید والترکیز علیها ، وعدم التنازل عنها وذلک للاعتقاد الجازم بجزئیّتها ، بخلاف الحکومات التی خافت منها ومن معناها ومغزاها فدأبت علی حذفها ، ولهذا یقول صاحب السیرة الحلبیّة : ( إنَّ الرافضة لم یترکوا « حیّ علی خیر العمل » أیّام البویهیّین إلی أن تملّک السلجوقیّین سنة 448 ه- ، فألزموهم بالترک وإبدالها بالصلاة خیر من النوم )((2)) .


1- البدایة والنهایة 12 : 28 - 29 حوادث سنة 420 ه- .
2- انظر السیرة الحلبیّة 2 : 305 .

ص:412

وقد مرّ علیک تحت عنوان ( مکّة / حلب 462 ه- ) کیف أن نقیب النقباء أبو الفوارس لمّا أبلغ القائم بأمر الله بأن محمود بن صالح ] والی حلب [ لبس الخلع القائمیة وخطب للقائم .

قال له القائم : أیّ شیء تساوی خطبتهم وهم یؤذنون « حیّ علی خیر العمل »((1)) ؟!

کما وقفت علی المناظرة الطو یلة التی ناظرها أبی هاشم أمیر مکّة وقوله لهم :

هذا أذان أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب((2)) .

وجاء فی الایضاح للقاضی النعمان بن محمد بن حیون المتوفی 363 ه- عن ابی سلیم قال اخبرنا عبدالرحمن بن القاسم القطان قال اخبرنا إسماعیل بن إسحاق عن حسن بن حسین عن علی بن القاسم عن بن الربیع عن منصور عن هلال بن سنان عن علقمة بن قیس قال : امر علی بن الصباح أن یلحق فی اذانه : حی علی خیر العمل((3)) .

إذَنْ ، فقد قیّد التاریخ بین صفحاته بأنّ « حیّ علی خیر العمل » کانت شعاراً للشیعة علی مرّ العصور ، ومؤشِّراً علی تشیِّع حکومات وحرکات ثوریة عدیدة ، مضافاً إلی الإجماع القاطع علیها من قَبِل أهل البیت ، وقد مرّ علیک أنّ حجّة شرعیّتها هو إجماع أهل البیت علی الإتیان بها ، وقد نوه الشوکانیّ والأمیر الصنعانیّ وغیرهما إلی حجیة إجماع أهل البیت .

ومن المؤثّرات الأُخری التی یمکن لنا أن نجعلها دلیلاً شاخصاً علی شعاریّة « حیّ علی خیر العمل » للشیعة هو ما کُتِب علی المساجد والحسینیّات والتکایا


1- الکامل 10 : 64 .
2- النجوم الزاهرة 5 : 92 .
3- الایضاح : 109 المطبوع فی ( میراث حدیث شیعه ) دفتر دهم .

ص:413

القدیمة ، التی هی الیوم من المعالَم الأثریّة والحضاریّة للمسلمین فی مختلف بقاع العالَم ، وحتّی حدیثاً فقد ذکر مؤلف کتاب تاریخ مسجد الکوفة ، بأنَّ أمجد علیّ شاه أمر بکتابة « محمّد وعلیّ خیر البشر ، فمَن رضی فقد شکر ، ومَن أبی فقد کفر » علی مأذنه مسجد الکوفة ، وکذا الحال فی روضة مسلم بن عقیل((1)) ، کما یمکننا ملاحظة شعاریّة « حیّ علی خیر العمل » فی آثار شمال أفریقیّا التاریخیّة فی المغرب والجزائر وتونس ، إذ انتشر التشیّع هناک بعد شهادة محمّد بن عبدالله بن الحسن ذی النفس الزکیّة ، وذلک بعد أن تفرّق الشیعة فی مختلف أرجاء المعمورة ، وراحوا یتنفسون الصعداء بعیداً عن سطوة الحکومات الجائرة .

وبهذا فقد ثبت لک مما سبق وجود اتجاهین عند المسلمین :

أحدهما : یتبع الخلفاء ویتّخذ الاجتهاد والرأی حتّی علی حساب القرآن والسنة فی استنباطه .

والآخر : یأخذ بکلام أهل البیت والنص القرآنی والنبوی ولا یرتضی الرأی .

وکان الاتجاهان علی تضاد فیما بینهما ، فالذی لا یرتضی خلافة الإمام علیّ ابن أبی طالب وولده لا یحبذ شعاریة ( حیّ علی خیر العمل ) .


1- قال الشیخ محمد رضا المظفر فی ترجمته لصاحب جواهر الکلام الشیخ محمد حسن النجفی : ومن آثار الشیخ بناء مأذنة مسجد الکوفة وروضة مسلم بن عقیل... وکان ذلک ببذل ملک الهند أمجد علی شاه وقد أرخ الشیخ ابراهیم صادق ذلک من قصیدة مدح بها الشیخ والملک هذا ، فقال مؤرخاً للمأذنة فی آخرها : واستنار الافق من مأذنه أذن الله بأن ترقی زحل لهج الذاکر فی تأریخها علناً حیّ علی خیر العمل جواهر الکلام 1 :21 .

ص:414

أمّا الذی یعتقد بشرعیة خلافة الأوصیاء ، ویفهم من الحیعلة الثالثة أنّها دعوة إلی بر فاطمة وولدها الذین هم خیر البریة بصریح الکتاب العزیز - أی محمّد وعلیّ والزهراء والحسن والحسین - فیصر علی شعاریتها وإن کلفه ذلک الغالی النفیس .

ولیس من الاعتباط أن نجد ارتباطاً تاریخیاً بین القول بإمامة أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب والقول بشرعیة الحیعلة الثالثة ، وبین رفض إمامة أمیر المؤمنین والقول برفع الحیعلة الثالثة ، فهی إذن تمثّل أهمّ المسائل الفارقة بین نهج التعبد المحض ، وبین نهج الاجتهاد والرأی .

إنّ ما تنطوی علیه الحیعلة الثالثة من حقیقة الإمامة حینما دخلت الصراع یکشف بلا ریب عن أنّ حلبة هذا الصراع أکبر من کونها نزاعاً حول فصل من فصول الأذان ، وما ( حیّ علی خیر العمل ) إلّا نافذة من تلک النوافذ الکثیرة المعبرة عن أصالة نهج التعبد المحض ، شأنها فی ذلک شأن التکبیر علی الجنائز خمساً أو أربعاً ، وحکم الأرجل فی الوضوء هل هو المسح أو الغسل ، والقول بمشروعیة المتعة وعدمه ، والإرسال أو القبض فی الصلاة ، والتختم فی الیمین أو الشمال ، والجهر بالبسملة أو إخفاتها ، وعدم شرعیة صلاة التراویح والضحی أو شرعیتها ، وحرمة شرب الفقاع وأکل السمک الذی لا قشر له أو حلیتهما ، وجواز لبس السواد فی محرم والاحتفال بیوم الغدیر أو بدعیتهما وإجراء أحکام المواریث والمناکح طبق هذا المذهب أو ذاک و...

فکل هذه المفردات تشیر إلی وجود نهج یخالف الحکام وما سنوه من سنن تخالف سنة رسول الله صلی الله علیه و آله ، فندرة وجود ما یؤید هذا النهج فی مدرسة الخلفاء لا یخدش فی شرعیتها ، بل یؤکّد أصالتها ، وأنّ ثبوتها وبعد أربعة عشر قرناً - رغم کلّ الظروف التی مرت بها - لیؤکّد ارتباطها واستقاءها من أهل البیت ، وهو الآخر

ص:415

قد وضح لک سر الاختلاف فی الوضوء والأذان وغیرها من عشرات المسائل التی اختلف فیها المسلمون والتی لم یذکرها ابن حزم وغیره بل قبلوها علی أنّها ثابتة لا لبس ولا تنازع فیها .

ومما یجب التأکید علیه هنا هو : أننا حینما نتخذ بعض الحکّام فاطمیین کانوا أم عباسیین کنماذج للنهجین لا نرید أن نعتبرهم القدوة والأسوة ، مادحین هذا أو ماسّین بذاک ، فلا یحق لنا أن نسقط تصوّراتنا علی هذا المذهب أو ذاک طبق ما عرفناه من أعمال هذا الحاکم أو ذاک ، فهؤلاء أناس لهم سلوکیاتهم وتصرفاتهم ، وکلّ ما فی الأمر أنهم یلتزمون نهجاً خاصاً ، فقد یکونون متعبدین بما عرفوه من ذلک النهج ، وقد یکونون متجاوز ین علی أصوله غیر عاملین بأوامره ، فلا یمکن القول بأنّ کلّ حکام هذا الفریق کذا ، وحکام ذاک الفریق کذا ، لأن بعض هؤلاء تخطَّوا الموازین ، کما تخطی الطرف الآخر کذلک ، لکنّ ما نرید بیانه فی هذا الفصل هو وجود اتجاهین عند المسلمین دون النظر إلی سلوکیات الأفراد والحکومات .

ص:416

الخلاصة

اشارة

تلخص ممّا سبق عدة اُمور :

أحدها : شرعیة « حیّ علی خیر العمل » ؛ وذلک لاتفاق الفریقین علی أصل مشروعیتها ، وانفراد أهل السنة والجماعة بدعوی النسخ ، وقد أثبتنا عدم وقوع النسخ ، ناقلین کلامَ السید المرتضی :

وقد روت العامة أنّ ذلک ممّا کان یقال فی بعض أیام النبیّ صلی الله علیه و آله ، وإنّما ادّعی أنّ ذلک نسخ ورفع ، وعلی من ادّعی النسخ الدلالة له ، وما یجدها((1)) .

وتأذینَ أکثر من ثلاثین رجل من أهل البیت والصحابة بها ، بل وضّحنا إجماع العترة علی ذلک ، حاکین فی البین ما نقل عن الشافعی وبعض أئمّة المذاهب الأربعة من القول بجزئیتها .

ثمّ عرجنا فی الفصل الثانی لبیان سقوطها علی عهد عمر بن الخطّاب ، متسائلین عن موقف بلال الحبشی فی الحیعلة الثالثة والصلاة خیر من النوم ، وهل أنّه أذن للشیخین أم لا ؟ بل ما هو موقفه اتجاه أهل البیت ، وما موقف أهل البیت اتجاهه ؟ وقد توصلنا إلی کونه لم یؤذن إلّا للزهراء والحسنین ، وأنّ خروجه إلی الشام کان اعتراضاً علی السیاسة الحاکمة .


1- الانتصار : 39 .

ص:417

هذا وقد تکلمنا فی الفصل الثالث عن معنی « حیّ علی خیر العمل » وأنّها دعوة إلی الولایة ، مبینین الأسباب التی دعت عمر بن الخطاب لحذفها ، مشیرین إلی بعض العلل الخفیة فی هذا الأمر ، موضحین ذلک من خلال القرآن المجید والسنة المطهرة وکلام الإمام الکاظم علیه السلام .

أمّا الکلام فی الفصل الرابع فکان عن تاریخها العقائدی والسیاسی وما حدث فی بغداد وغیرها من الفتن ، مشیرین إلی التأذین بها فی حلب ، وبغداد ، ومصر ، وحمص ، والاندلس ، والهند ، وإیران ، ومکّة ، والمدینة ، والیمامة ، والقطیف ، و... علی مر العصور والأ یّام .

کلّ ذلک ضمن بیاننا للسیر التاریخی للأحداث ، والدول التی حکمت البلدان ، فاطمیة کانت أم عباسیة ، بویهیة کانت أم سلجوقیة و.. مؤکدین بأن الحیعلة الثالثة ما هی إلّا نافذة من النوافذ الکثیرة فی التاریخ والشریعة کالجهر بالبسملة والجمع بین الصلاتین وعدم جواز المسح علی الخفین و... والمشیرة إلی وجود اتجاهین بعد رسول الله : أحدهما أتباع أهل البیت ، والآخر أتباع الخلفاء ، وأن « حیّ علی خیر العمل » کانت شعار الشیعة والطالبیین علی مر الدهور ، وکان حذفها وإبدالها ب- « الصلاة خیر من النوم » شعار أهل السنة والجماعة .

وبهذا فقد انتهینا من بیان الباب الأول من هذه الدراسة علی أمل أن نلتقی بالقارئ الکریم عند البابین الآخرین منها :

الباب الثانی : « الصلاة خیر من النوم ، شرعة أم بدعة » .

والباب الثالث : « أشهد أن علیّاً ولی الله ، بین الشرعیة والابتداع » .

نسأل الله أن یوفقنا لإکمالهما وإتمامهما بفضله ومنّه ، آمین رب العالمین .

ص:418

وفی الختام

لابدّ لی أن أشکر کلّ من سایرنی فی هذه الرحلة الفکریة العقائدیة المضنیة ، سواء قرأ لی ، أو أشار علیّ بنکتة علمیة ، أو لفتة أدبیة ، أو ملاحظة فنیة ، أو تخریجة ما ، وأخص بالذکر الباحثین الجلیلین : الاستاذ الشاعر الشیخ قیس العطار ، والاخ الفاضل إبراهیم رفاعة لإبدائهما بعض الملاحظات القیمة .

وکذلک اشکر الأخ الفاضل سمیر الکرمانی الذی ضبط لی النصوص ووحّد المصادر وطبعاتها ، ثمّ اعداده الفهرس النهائی للکتاب . فللله درهم وعلیه أجرهم .

وأخیراً آمل من إخوانی العلماء ومن یعنیه أمر الفکر والعقیدة أن یتحفونی بآرائهم حول الکتاب سلباً أو إیجاباً وصحّة أو سقماً ، ولهم منّا الشکر فی کلتی الحالتین ، فإن وافقونا فسنستمد العزم لمواصلة الطریق ، وإن خالفونا فسنستفید من آرائهم ونجعلها نصب أعیننا فی بحوثنا المقبلة إن شاء الله تعالی .

اللّهم أرنا الحقَّ حقًّا فنتّبعه ، والباطل باطلاً فنجتنبه ، واجعل هوانا فی طاعتک وطاعة نبیک وأولیائک المخلَصین، واهدنا لما اختلف فیه من الحقّ بإذنک إنّک تهدی من تشاء إلی صراط مستقیم .

اللّهم عرّفنا ما نجهل من کتابک ، وعلّمنا ما لا نعلم من سنّة نبیّک ، وبصّرنا بما لا نبصر من أسرار حکمک، واجعلنا أبراراً أتقیاء برحمتک یا أرحم الراحمین ، آمین ربَّ العالمین .

ص:419

ثبت المصادر

1 - القرآن الکریم

2 - اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمّة الفاطمیین الخلفاء 1/3 ( رحلی )

للمقریزی ، أحمد بن علیّ ، تقی الدین أبی العبّاس ( ت 845 ه- )

تحقیق : الدکتور محمّد حلمی محمّد أحمد ، والدکتور جمال الدین الشیال

نشر : لجنة إحیاء التراث الإسلامی ، المجلس الاعلی للشئون الامیة / مصر

3 - الآثار 1/2

للشیبانی ، محمّد بن الحسن ، أبی عبدالله ( ت 189 ه- )

صحّحه وعلق علیه : أبو الوفاء الافغانی

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الثانیة 1413 ه- - 1993 م

4 - الآحاد والمثانی

لابن أبی عاصم ( ت 287 ه- )

تحقیق : باسم فیصل أحمد الجوابرة

نشر : دار الدرایة

الطبعة الأولی 1411 ه- - 1991 م

ص:420

5 - الأحادیث المختارة

للمقدسی الحنبلی ، محمّد بن عبدالواحد بن أحمد ، أبی عبدالله ( ت 643ه- )

تحقیق : عبدالملک بن عبدالله بن دهیش

نشر : مکتبة النهضة الحدیثة - مکّة المکرمة

الطبعة الأولی 1410 ه-

6 - الاحتجاج 1/2 ( فی مجلد )

للطبرسی ، أحمد بن علیّ بن أبی طالب ، أبی منصور ( من اعلام القرن السادس الهجری )

تعلیق وملاحظات : السیّد محمّد باقر الموسوی الخرسان

منشورات : مؤسسة الأعلمی للمطبوعات / بیروت

الطبعة الثانیة 1403 ه- - 1983 م

7 - أحسن التقاسیم فی معرفة الأقالیم

للمقدسی ، محمد بن أحمد بن أبی بکر ، شمس الدین ، أبی عبد الله ( ت 414 ه-)

طبع فی مدینة لیدن بمطبعة بریل سنة 1904 م

اُوفسیت دار صادر - بیروت

8 - احقاق الحق وازهاق الباطل 1/32

للتستری ، القاضی نور الله الحسینی المرعشی ( ت 1019 ه- )

مع ملحقات السیّد المرعشی النجفی

نشر : مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی ، قم - إیران

9 - الإحکام فی أصول الأحکام 1/8 ( فی مجلدین )

لابن حزم الاندلسی الظاهری ، علیّ بن أحمد بن سعید ، أبی محمّد ( ت 456 ه- )

تحقیق : لجنة من العلماء

ص:421

نشر : دار الجیل ، بیروت - لبنان

الطبعة الثانیة 1407 ه- - 1987 م

10 - الاحکام فی الحلال والحرام

للإمام الهادی إلی الحق ، یحیی بن الحسین الحسینی الحسنی ( ت 566 ه- )

نشر : دار التراث الیمنی

الطبعة الأولی

11 - الأخبار الموفقیات

للزبیر بن بکار ( ت 256 ه- )

تحقیق : الدکتور سامی مکی العانی

نشر : منشورات الشریف الرضی

طبع : مطبعة أمیر - قم - إیران

الطبعة الاولی 1416 ه-

12 - أخبار بنی عبید = أخبار ملوک بنی عبید وسیرتهم

لابن حماد ، محمّد بن علیّ بن حماد ، أبی عبدالله ( ت 628 ه- )

تحقیق : التهامی نقرة - عبدالحلیم عویس

نشر : دار الصحوة - القاهرة

الطبعة الاولی 1401 ه-

13 - الاختصاص

للمفید ، محمّد بن محمّد بن النعمان العکبری البغدادی ، أبی عبدالله ( ت 413 ه- )

تحقیق : الأستاذ علیّ أکبر غفاری

نشر جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة ، قم - إیران

ص:422

14 - الأذان بحیّ علی خیر العمل

للعلوی ، محمّد بن علیّ بن الحسن ، أبی عبدالله ( ت 445 ه- )

تحقیق : محمّد یحیی سالم عزان

نشر : مرکز النور للدراسات والبحوث والتحقیق - صعدة - الیمن

الطبعة الثانیة 1416ه- - 1995 م

وطبعة ثانیة :

بتحقیق : یحیی عبدالکریم الفضیل

نشر : المکتبة الوطنیة

الطبعة الأولی 1399 ه- - 1979 م

15 - الأربعون حدیثاً فی إثبات إمامة أمیر المؤمنین

للبحرانی ، سلیمان بن عبدالله الماحوزی ( ت 1121 ه- )

تحقیق : السیّد مهدی الرجائی

نشر : المحقق - قم - إیران

الطبعة الاولی 1417 ه-

16 - ارشاد الساری لشرح صحیح البخاری

للقسطلانی ، أحمد بن محمّد ، شهاب الدین ، أبی العبّاس ( ت 923 ه- )

اوفسیت دار إحیاء التراث العربی - بیروت

17 - الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد 1/2

للمفید ، محمّد بن محمّد بن النعمان العکبری البغدادی ، أبی عبدالله ( ت 413 ه- )

تحقیق : مؤسسة آل البیت

الطبعة الثانیة 1416 ه- قم - إیران

ص:423

18 - إرواء الغلیل فی تخریج أحادیث منار السبیل

للألبانی ، محمّد ناصر ( معاصر )

تحقیق : زهیر الشاو یش

نشر : المکتب الإسلامی - بیروت

الطبعة الثانیة 1405ه- - 1985 م

19 - الاستبصار 1/4

للطوسی : محمّد بن الحسن ، أبی جعفر ( ت 460 ه- )

تحقیق : السیّد حسن الموسوی

نشر : دار الکتب الإسلامیّة - طهران

الطبعة الرابعة

20 - الاستیعاب فی معرفة الأصحاب 1/4

لابن عبدالبر، یوسف بن عبدالله بن محمّد بن عبدالبر، أبی عمر (ت 368 - 463 ه-)

تحقیق : علیّ محمّد البجاوی

نشر : دار نهضة مصر للطبع والنشر - القاهرة - مصر

21 - أُسد الغابة فی معرفة الصحابة 1/5

لابن الأثیر الجزری ، علیّ بن محمّد ، أبی الحسن ( ت 630 ه- )

دار احیاء التراث العربی - بیروت

22 - الأشعثیات المعروف بالجعفر یات

للأشعث الکوفی ، محمّد بن محمّد الأشعث ، أبی علیّ (من اعلام القرن الرابع الهجری )

المطبوع مع قرب الإسناد للحمیری القمی

نشر : مکتبة نینوی الحدیثة

طهران - إیران

ص:424

23 - الإصابة فی تمییز الصحابة 1/4

للعسقلانی ، أحمد بن علیّ بن حجر ، شهاب الدین ، أبی الفضل ( ت 852 ه- )

طبع الکتبخانه الخدیویة المصریة

أوفسیت دار إحیاء التراث العربی - بیروت

الطبعة الأولی سنة 1328 ه-

24 - الاعتصام بحبل الله المتین 1/5

للقاسم بن محمّد ، الإمام الزیدی ( ت / 1029 ه- )

نشر : مطابع الجمعیة ، عمان - الأردن

طبع سنة 1403 ه-

25 - أعیان الشیعة 1/11

للامین ، السیّد محسن العاملی ( ت 1371 ه- )

تحقیق : حسن الأمین

نشر : دار التعارف للمطبوعات - بیروت

26 - إغاثة الطالبین علی حل الفاظ فتح المعین 1/4 فی مجلدین

للسیّد البکری ، أبو بکر بن السید محمد شطا الدمیاطی (ت ه-)

نشر : دار احیاء التراث العربی / بیروت

وطبعة اخری : دار الفکر - بیروت فی اربعة اجزاء

27 - الأغانی 1/24

للاصفهانی ، أبی الفرج ( ت 356 ه- )

شرحه ، کتب هوامشه : عبدعلیّ مهنا

الطبعة الأولی 1407 - 1986

دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

ص:425

28 - الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 2/3

أسد حیدر ( ت )

الطبعة الثالثة 1411 ه-

واعادت طباعته مکتبة الصدر - طهران - إیران

29 - الإمامة والسیاسة

للدینوری ، عبدالله بن مسلم بن قتیبة ، أبی محمّد ( ت 276 ه- )

تحقیق : علیّ شیری

نشر : منشورات الشریف الرضی

30 - الأمالی الخمیسیة

للمرشد بالله ، یحیی بن الحسین ( ت 479 ه- )

طبع مصر - أعادته مکتبة المثنی ، بغداد

31 - أمالی الإمام أحمد بن عیسی

أحمد بن عیسی بن زید بن علیّ ( ت 247 ه- )

تحقیق : علیّ بن إسماعیل بن عبدالله المؤید

نشر : دار النفائس ، بیروت

الطبعة الأولی

32 - أمالی الشیخ الطوسی

للطوسی ، محمّد بن الحسن ، أبی جعفر ( ت 460 ه- ) ، وابنه أبو علیّ ( ت بعد سنة 515 ه- )

مؤسسة الوفاء - بیروت

الطبعة الثانیة 1401 - 1981

ص:426

33 - أمالی الصدوق

لابن بابویه القمی ، محمّد بن علیّ بن الحسین بن بابویه ، أبی جعفر ( ت 381 ه- )

قدم له : الشیخ حسین الاعلمی

منشورات الأعلمی للمطبوعات

الطبعة الخامسة 1400 ه- - 1980 م

34 - أنساب الأشراف 1/13

للبلاذری ، احمد بن یحیی بن جابر (ت 279 ه-)

تحقیق : الدکتور سهیل زکار والدکتور ریاض زرکلی

باشراف مکتب البحوث والدراسات

نشر : دار الفکر / بیروت لبنان

الطبعة الاول 1417 ه- - 1996م

35 - أنساب الاشراف

للبلاذری ، أحمد بن یحیی بن جابر ( من أعلام القرن الثالث الهجری )

تحقیق : الشیخ محمّد باقر المحمودی

نشر : مؤسسة الأعلمی - بیروت

الطبعة الأولی 1394 ه-

36 - الإیضاح

لابن شاذان النیسابوری ، الفضل بن شاذان الأزدی ، أبی محمّد ( ت 26 ه- )

نشر : مؤسسة الاعلمی للمطبوعات - بیروت

الطبعة الاولی 1402 ه- - 1982 م

ص:427

37 - الإیضاح

للقاضی نعمان بن محمد بن حیون (ت 363ه-) والمطبوع فی المجلد العاشر من (میراث حدیث شیعة)

تحقیق : محمد کاظم رحمتی

نشر : مرکز تحقیقات دار الحدیث / قم إیران سنة 1382 هجری شمسی

38 - البحر الزخار

للإمام المهدی أحمد بن یحیی المرتضی ( ت 840 ه- )

طبع سنة 1316 ه-

39 - بحار الانوار 1/110

للمجلسی ، الشیخ محمّد باقر ( ت 1111 ه- )

نشر : مؤسسة الوفاء - بیروت

الطبعة الثانیة 1403 ه- - 1983 م

40 - النجاری بشرح الکرمانی 1/25 فی تسعه مجلدات

للکرمانی ، (ت ه-)

نشر : دار احیاء التراث العربی / بیروت

41 - بدائع الزهور فی وقائع الدهور

لابن إیاس الحنفی ، محمّد بن أحمد ( ت 930 ه- )

نشر : الهیئة المصریة العامة - القاهرة

الطبعة الأولی 1402 ه-

42 - البدایة والنهایة 1/8

لابن کثیر ، أبی الفداء ( ت 774 ه- )

دقق أصوله وحققه : مجموعة من الأساتذة

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

ص:428

43 - البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع

للشوکانی ، محمّد بن علیّ ( ت 1250 ه- )

نشر : دار المعرفة - بیروت

44 - بذل المجهود فی حل أبی داود 1/20 ( فی عشر مجلدات )

للسهار نفوری ، خلیل أحمد ( ت 1346 ه- )

نشر : مکتبة دار الباز - مکّة المکرمة

45 - بصائر الدرجات فی فضائل آل محمد

للصفار القمی ، محمّد بن الحسن بن فروخ ، أبی جعفر ( ت 290 ه- )

صححه وعلق علیه : الحاج میرزا محسن کوجه باغی التبریزی

منشورات مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی

قم - إیران 1404 ه-

46 - بغیة الطلب فی تاریخ حلب 1/12 مع الفهارس

لابن العدیم ، عمر بن أحمد بن أبی جرادة ، کمال الدین ( ت 660 ه- )

حققه وقدم له : الدکتور سهیل زکار

دار الفکر - بیروت

47 - بلاغات النساء

لابن طیفور ، أبی الفضل بن أبی طاهر ( ت 380 ه- )

نشر : مکتبة بصیرتی - قم - إیران

48 - تأویل الآیات الظاهرة فی فضائل العترة الطاهرة

شرف الدین الاسترآبادی ، علیّ بن الحسین الغروی ، السید شرف الدین ( من علماء النصف الثانی من القرن العاشر )

تحقیق : حسین الأستاد ولی

ص:429

نشر : مؤسسة النشر الإسلامی - إیران

الطبعة الثانیة 1417 ه-

49 - تاج العروس من جواهر القاموس 1/30

للزبیدی ، محمّد بن مرتضی الحسین الواسطی ( 1205 ه- )

نشر : دار مکتبة الحیاة - بیروت - لبنان

طبع بالأوفسیت عن الطبعة الاولی للمطبعة الخیریة - مصر سنة 1306 ه-

50 - تاریخ ابن خلدون 1/7

لابن خلدون الحضرمی المغربی ، عبدالرحمن بن محمّد بن خلدون ( ت 808 ه- )

نشر : مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت

الطبعة الأولی 1391 ه- - 1971 م

51 - تاریخ ابن معین 1/2

لابن معین ، یحیی معین بن عون المرّی الغطفانی البغدادی (ت 223 ه-)

بروایة عثمان بن سعید الدارمی ( ت 280 ه- )

تحقیق : أحمد محمّد نور سیف

نشر : دار المأمون للتراث - دمشق - سوریا

52 - تاریخ یحیی بن معین بروایة الدوری

لابن معین ، یحیی بن معین بن عون المری الغطفانی البغدادی ( ت 233 ه- )

روایة : العبّاس بن محمّد بن حاتم الدوری البغدادی ( ت 271 ه- )

تحقیق : عبدالله أحمد حسن

نشر : دار القلم - بیروت

ص:430

53 - تاریخ أبی الفداء = المختصر فی أخبار البشر 1/4 ( فی مجلدین )

لأبی الفداء ، إسماعیل بن نور الدین ، عماد الدین ( ت 732 ه- )

مکتبة المتنبی - القاهرة

54 - تاریخ بغداد 1/14

للخطیب البغدادی ، أحمد بن علیّ ، أبی بکر ( ت 463 ه- )

نشر : المکتبة السلفیة ، المدینة المنورة

55 - تاریخ الثقات

للعجلی ، أحمد بن عبدالله بن صالح ، أبی الحسن ( ت 261 ه- )

تحقیق : عبدالمعطی قلعجی

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الأولی - 1405 ه- - 1984 م

56 - تاریخ الخلفاء

للسیوطی ، عبدالرحمن بن أبی بکر ( ت 911 ه- )

تحقیق : محمّد محیی الدین عبدالحمید

نشر : مطبعة السعادة - مصر

الطبعة الاولی 1371 ه- - 1952 م

57 - التاریخ الصغیر

للبخاری ، محمّد بن إسماعیل ، أبی عبدالله ( ت 256 ه- )

تحقیق : محمود إبراهیم زاید

نشر : دار المعرفة - بیروت

الطبعة الأولی 1406 ه-

ص:431

58 - تاریخ طبرستان ( باللغة الفارسیة )

لابن اسفندیار الکاتب ، محمّد بن حسن بن اسفندیار ، بهاء الدین ( ت 613 ه- )

تصحیح : عبّاس إقبال الاشتیبانی

الناشر : پدیده ( خاور )

النشر : 1366 ه- ش

59 - تاریخ الطبری = ( تاریخ الأمم والملوک ) 1/11

للطبری ، محمّد بن جریر ، أبی جعفر ( ت 310 ه- )

تحقیق : محمّد أبو الفضل إبراهیم

نشر : دار التراث ، بیروت - لبنان

60 - التاریخ الکبیر 1/8

للبخاری الجعفی ، محمّد بن إسماعیل بن إبراهیم ( ت 256 ه- )

نشر : دار الکتب العلمیة ، بیروت - لبنان

61 - تاریخ المدینة المنورة = أخبار المدینة النبویة 1/4

لابن شبّه ، عمر بن شبّه النمیری البصری ، أبی زید ( ت 262 ه- )

تحقیق : فهیم محمّد شلتوت

نشر : دار التراث - بیروت

الطبعة الأولی 1410 ه- - 1990

62 - تاریخ مدینة دمشق المعروف بتاریخ ابن عساکر

لابن عساکر الدمشقی ، علیّ بن محمّد الحسن بن هبة الله الشافعی ، أبی القاسم ( ت 571 ه- )

تحقیق : علیّ شیری

نشر : دار الفکر - بیروت

الطبعة الأولی 1415 ه-

ص:432

63 - تاریخ الیعقوبی 1/2

للیعقوبی ، أحمد بن أبی یعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح ، الکاتب العبّاس ( ت 292 ه- )

دار صادر - بیروت

أوفسیت مؤسسة نشر ثقافة أهل البیت: إیران

64 - تثبیت الإمامة

یحیی بن الحسین بن القاسم ، الإمام الزیدی الیمنی ( ت 298 ه- )

نشر : دار الإمام السجاد - بیروت

الطبعة الثانیة : 1419 ه-

65 - تحریر تقریب التهذیب 1/4

التقریب : للعسقلانی ، أحمد بن علیّ بن حجر ( ت 852 ه- )

والتحریر : لبشار عواد معروف ، شعیب الارنؤوط

نشر مؤسسة الرسالة ، بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1417 ه- - 1997 م

66 - التحفة اللطیفة فی تاریخ المدینة الشریفة 1/2

للسخاوی ، شمس الدین ( ت 902 ه- )

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1414 ه- - 1993 م

67 - تحفة الاحوذی بشرح جامع الترمذی 1/10 ( ومجلد للمقدمة )

للمبارکفوری ، محمّد عبدالرحمن بن عبدالرحیم ، أبی العلا ( ت 1353 ه- )

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1410 ه- - 1990 م

ص:433

68 - تحفة المحتاج بشرح المنهاج 1/10

69 - تذکرة الحفاظ 1/4 ( فی مجلدین )

للذهبی ، شمس الدین ، أبی عبدالله ( ت 748 ه- )

نشر : دار إحیاء التراث العربی ؛ بیروت - لبنان

الطبعة الأولی 1374 ه-

70 - التعدیل والتجریح

للباجی المالکی ، سلیمان بن خلف بن سعد ، أبی الولید ( ت 474 ه- )

تحقیق : أحمد البزار

71 - تفسیر ابن أبی حاتم 1/12

لابن أبی حاتم ، عبدالرحمن بن محمّد بن إدریس الرازی ( ت 327 ه- )

تحقیق : أسعد محمّد الطیب

نشر : مکتبة نزار مصطفی الباز - مکّة المکرمة - السعودیة

الطبعة الاولی 1417 ه- - 1997 م

72 - تفسیر البغوی المسمی بمعالم التنزیل 1/4

للبغوی الشافعی ، الحسین بن مسعود الفراء ، أبی محمّد ( ت 516 ه- )

دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1414 ه- - 1993 م

73 - تفسیر الإمام العسکری المنسوب إلی الإمام العسکری

للحسن بن علیّ العسکری علیه السلام أبی محمّد ( ت 260 ه- )

تحقیق ونشر : مدرسة الإمام المهدی علیه السلام - قم - إیران

الطبعة الاولی 1409 ه-

ص:434

74 - تفسیر عبدالرزاق 1/3

للصنعانی ، عبدالرزاق بن همام ( ت 211 ه- )

دراسه وتحقیق : دکتور محمود محمّد عبده

منشورات محمّد علیّ بیضون / دار الکتب العلمیة بیروت - لبنان

الطبعة الأولی 1419 - 1999 م

75 - تفسیر فرات

76 - تفسیر القرآن العظیم = تفسیر ابن کثیر 1/4

لابن کثیر الدمشقی ، إسماعیل بن کثیر ، عماد الدین ، أبی الفداء ( ت 774 ه- )

أعادت طبعه بالاوفسیت دار المعرفة - بیروت 1402 ه- - 1982 م

77 - تفسیر العیاشی 1/2

للعیاشی ، محمّد بن مسعود بن عیاش السلمی السمرقندی ، أبی النضر ( ت 320 ه- )

تحقیق : السیّد هاشم الرسولی المحلاتی

نشر : المکتبة العلمیة الإسلامیّة - طهران

78 - تفسیر القرطبی الجامع لأحکام القرآن 1/20

للقرطبی ، محمّد بن أحمد الانصاری ، أبی عبدالله ( ت 671 ه- )

تصحیح : أحمد عبدالعلیم البردونی

أعادت طبعه دار احیاء التراث العربی - بیروت 1405 ه- - 1985 م

79 - تفسیر القمی

للقمی ، علیّ بن إبراهیم ، أبی الحسن ( من اعلام القرنین 3 - 4 ه- )

صححه وعلق علیه : السیّد طیب الموسوی الجزائری

طبع : مطبعة النجف سنة 1387 ه

ص:435

80 - التفسیر الکبیر 1/32 ( فی ستة عشر مجلداً )

للفخرالرازی ، محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسین ( ت 606 ه- )

طبع : دار احیاء التراث العربی بیروت - الطبعة الثالثة

81 - تفسیر الکشاف عن حقائق التنزیل وعیون الاقاویل فی وجوه التأویل 1/4

للزمخشری ، جار الله محمود بن عمر ، أبی القاسم ( ت 538 ه- )

نشر : دار المعرفة بیروت

82 - تفسیر المیزان 1/21

للطباطبائی ، السیّد محمّد حسین ( ت ه- )

نشر : مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت

الطبعة الثانیة 1392 ه- - 1972 م

83 - تفسیر نور الثقلین 1/ 5

للحویزی ، عبدعلیّ بن جمعة العروسی ( ت 1112 ه- )

تعلیق : هاشم الرسولی المحلاتی

أوفسیت الحوزه العلمیة - قم - إیران

84 - التلخیص الحبیر فی تخریج الرافعی الکبیر

للعسقلانی ، أحمد بن علیّ حجر ، أبی الفضل ( ت 852 ه- )

نشر : دار الفکر - بیروت

85 - تلخیص المستدرک = المطبوع بذیل المستدرک للحاکم النیسابوری

للذهبی ، محمّد بن أحمد ، أبی عبدالله ( ت 848 ه- )

نشر : دار الفکر - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1398 ه- - 1978 م

ص:436

86 - التمهید

لابن عبدالبر ، یوسف بن عبدالله بن عبدالبر ، أبی عمر ( ت 463 ه- )

تحقیق : مصطفی بن أحمد العلوی - محمّد عبدالکبیر البکری

نشر : وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامیّة - المغرب

الطبعة الاولی 1387 ه-

87 - تنویر الحوالک علی موطأ مالک 1/2 ( فی مجلد )

للسیوطی ، جلال الدین عبدالرحمن الشافعی ( ت 911 ه- )

نشر : دار الندوة الجدیدة - بیروت

88 - تهذیب الاحکام = التهذیب 1/10

للطوسی ، محمّد بن الحسن ، أبی جعفر ( ت 460 ه- )

حققه وعلق علیه : السیّد حسن الموسوی الخرسان

نشر : دار الکتب الإسلامیّة - إیران

89 - تهذیب التهذیب 1/12

للعسقلانی ، أحمد بن علیّ بن حجر ، أبی الفضل ( ت 852 ه- )

نشر : مجلس دائرة المعارف النظامیة ، حیدرآباد - الهند

الطبعة الاولی 1325 ه-

90 - تهذیب الکمال 1/35

للمزی ، جمال الدین أبی الحجاج یوسف ( ت 742 ه- )

حققه وضبط نصه وعلق علیه : الدکتور بشار عواد

نشر : مؤسسة الرسالة - بیروت

الطبعة الاولی 1413 ه- - 1992م

ص:437

91 - التوحید

لابن بابویه القمی ، محمّد بن علیّ بن الحسین بن بابویه ، أبی جعفر ( ت 381 ه- )

تحقیق : السیّد هاشم الحسینی الطهرانی

نشر : مؤسسة النشر الإسلامی ، قم - إیران

92 - ثقات ابن حبان = ( کتاب الثقات ) 1/9

لابی حاتم البستی ، محمّد بن حبان بن أحمد التمیمی ( ت 354 ه- )

نشر : مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانیة بحیدر آباد الدکن - الهند

الطبعة الاولی

93 - جامع أحادیث الشیعة 1/30

للبروجردی ، السیّد حسین الطباطبائی ( ت 1276 ه- )

تألیف ونشر : الشیخ إسماعیل المعزی الملایری

طبع فی مطبعة مهر / قم - إیران سنة 1413 ه-

94 - جامع البیان فی تفسیر القرآن 1/30 ( فی 12 مجلد )

للطبرسی ، محمّد بن جریر ، أبی جعفر ( ت 310 ه- )

طبع : المطبعة الکبری الامیریة - مصر ، أوفسیت دار المعرفة - بیروت 1409 ه- - 1989م

95 - جامع الأخبار = معارج الیقین فی أصول الدین

للسبزواری ، محمّد بن محمّد ، ( من أعلام القرن السابع الهجری )

تحقیق : علاء آل جعفر

نشر : مؤسسة آل البیت - قم - إیران

الطبعة الاولی 1414 ه-

ص:438

96 - الجامع الصغیر فی أحادیث البشیر النذیر

للسیوطی ، جلال الدین عبدالرحمن بن أبی بکر ( ت 911 ه- )

نشر : دار الفکر ، بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1401 ه- - 1981 م

97 - الجامع للشرایع

یحیی بن سعید ( ت 690 ه- )

نشر : مؤسسة سیّد الشهداء - قم - إیران

الطبعة الاولی 1405 ه-

98 - الجرح والتعدیل للرازی 1/9

لابن أبی حاتم الرازی ، عبدالرحمن بن أبی حاتم محمّد بن ادریس بن المنذر التمیمی الحنظلی ( ت 327 ه- )

نشر : دار احیاء التراث العربی ، بیروت

أوفسیت عن الطبعة الاولی لمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانیة ، حیدر آباد الدکن - الهند 1373 ه- - 1952 م

99 - جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار

للصعدی ، محمّد بن یحیی بن محمّد بن أحمد ( ت 957 ه- )

نشر : مؤسسة الرسالة - بیروت - لبنان

طبع سنة 1379 ه-

100 - الجواهر الحسان فی تفسیر القران = تفسیر الثعالبی

للثعالبی ، عبدالرحمن ( ت 875 ه- )

حققه وخرج أحادیثه : أبو محمّد الغماری الادریسی الحسنی

طبعه دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1416 - 1996 م

ص:439

101 - جواهر الفقه

لابن برّاج الطرابلسی ، عبدالعزیز بن برّاج ( ت 481 ه- )

تحقیق : إبراهیم بهادری

نشر : مؤسسة النشر الإسلامی - قم

الطبعة الاولی 1411 ه-

102 - جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام 1/43

للنجفی ، الشیخ محمّد حسن ( ت 1266 ه- )

تحقیق : الشیخ علیّ الآخوندی والشیخ عبّاس القوجانی وغیرهما

نشر : دار الکتب الإسلامیّة - طهران - إیران

الطبعة الاولی 1392 ه-

103 - جواهر المطالب فی مناقب الإمام علیّ بن أبی طالب

علیه السلام

للباعونی الشافعی ، محمّد بن أحمد الدمشقی ( ت 871 ه- )

تحقیق : الشیخ محمّد باقر المحمودی

نشر : مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیّة - قم - إیران

الطبعة الاولی 1415 ه-

104 - الجوهر النقی ( بهامش السنن الکبری )

لابن الترکمانی ، علاء الدین بن علیّ بن عثمان الماردینی ( ت 745 ه- )

نشر : دار المعرفة ، بیروت - لبنان

105 - الحاوی الکبیر - وهو شرح مختصر المزنی - 1/18

للماوردی البصری ، علی بن محمد بن حبیب (ت ه-)

تحقیق : الشیخ علی محمد معوض والشیخ عادل احمد عبدالموجود

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1414ه- - 1994م

ص:440

106 - حاشیة الدسوقی علی الشرح الکبیر

للدسوقی ، محمّد بن عرفة ( ت 1230 ه- )

نشر : دار احیاء الکتب العربی ، بیروت لبنان

107 - حاشیة السندی ( المطبوع بهامش سنن النسائی )

للسندی ، نور الدین بن عبدالهادی ، أبی الحسن ( ت 1138 ه- )

نشر : دار احیاء التراث العربی

108 - الحدائق الناضرة فی أحکام العترة الطاهرة

للبحرانی ، الشیخ یوسف ( ت 1186 ه- )

تحقیق : الشیخ محمّد تقی الایروانی

نشر : مؤسسة النشر الإسلامی - قم - إیران

109 - حلیة الأبرار فی أحوال محمّد وآله الأطهار علیهم السلام

للبحرانی ، السیّد هاشم ( ت 1107 ه- )

تحقیق : الشیخ غلام رضا مولانا البحرانی

نشر : مؤسسة المعارف الإسلامیّة - إیران

الطبعة الاولی 1411 ه-

110 - حلیة الأولیاء وطبقات الأصفیاء 1/10

للاصبهانی ، أحمد بن عبدالله ، أبی نعیم ( ت 430 ه- )

نشر : دار الکتاب العربی - بیروت

الطبعة الخامسة 1407 ه- - 1987 م

111 - حیّ علی خیر العمل بین الشرعیة والابتداع

لمحمد سالم عزّان ( معاصر )

نشر : النور للدراسات والبحوث والتحقیق - صعدة - الیمن

الطبعة الاولی 1419 ه- - 1999 م

ص:441

112 - الخصال

لابن بابویه القمی ، محمّد بن علیّ بن الحسین ، أبی جعفر ( ت 381 ه- )

صحّحه وعلّق علیه : الاستاذ علیّ أکبر الغفاری

نشر : جماعة المدرسین - قم - إیران

الطبعة الاولی 1403 ه-

113 - خطط الشام 1/6 فی ثلاثة مجلدات

لمحمد کرد علیّ ( ت 1953 ه- )

نشر : مکتبة النوری - دمشق - سوریا

الطبعة الثالثة 1403 ه- - 1983 م

114 - الدارس فی تاریخ المدارس 1/2

للنعیمی الدمشقی ، عبدالقادر بن محمّد ( ت 978 ه- )

تحقیق : إبراهیم شمس الدین

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1410 ه- - 1990 م

115 - الدرجات الرفیعة فی طبقات الشیعة

للشیرازی ، السیّد علیّ خان المدنی ( ت 1120 ه- )

نشر : مکتبة بصیرتی - قم - إیران

الطبعة الاولی 1397 ه-

116 - الدرر الکامنة فی أعیان المائة الثامنة

لابی الفضل ، أحمد بن علیّ بن محمّد ( ت 852 ه- )

تحقیق : محمّد عبدالمعید خان

نشر : مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانیة - حیدرآباد - الهند

الطبعة الثانیة 1972 م

ص:442

117 - الدر المنثور 1/6

للسیوطی ، جلال الدین عبدالرحمن ( ت 911 ه- )

منشورات مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی

قم - إیران ، 1404 ه-

118 - دعائم الإسلام 1/2

للتمیمی المغربی ، النعمان بن محمّد بن منصور بن حیون ، أبی حنیفة ( ت 363 ه- )

تحقیق : آصف بن علیّ أصغر فیضی

نشر : دار المعارف - القاهرة 1383 ه- - 1963 م

119 - الدعوات

للقطب الراوندی ، سعد بن هبة الله ، أبی الحسین ( ت 573 ه- )

تحقیق ونشر : مدرسة الإمام المهدی - قم - إیران

الطبعة الاولی 1407 ه-

120 - دفع الشبه عن الرسول والرسالة

للحصنی ، أبی بکر بن محمّد بن عبدالمؤمن تقی الدین ( ت 829 ه- )

تحقیق : جماعة من العلماء

نشر : دار إحیاء الکتاب العربی - القاهرة

الطبعة الثانیة 1418

121 - الدیباج

للسیوطی ، عبدالرحمن بن أبی بکر ، أبی الفضل ( ت 911 ه- )

تحقیق : أبو إسحاق الجوینی الأثری

نشر : دار ابن عفان - الخبر - السعودیة

الطبعة الاولی 1416 ه- - 1996 م

ص:443

122 - دیوان الشافعی

للشافعی ، محمّد بن إدریس ( ت 204 ه- )

نشر : دار احیاء التراث العربی

بیروت - لبنان

123 - دیوان الحمانی

للحمانی العلوی الکوفی ، علیّ بن محمّد بن جعفر بن علیّ ( ت 245 ه- )

تحقیق : الدکتور محمّد حسین الاعرجی

طبع : دار صادر فی بیروت

الطبعة الاولی سنة 1998 ه-

124 - الذریعة إلی تصانیف الشیعة 1/26

للطهرانی ، آقا بزرک ( ت 1389 ه- )

نشر : دار الاضواء - بیروت

الطبعة الثانیة 1403 ه-

125 - ذکری الشیعة 1/4

للجز ینی العاملی ، محمّد بن جمال الدین مکی ، المعروف ب- الشهید الاول ، ( ت 786 ه- )

تحقیق : مؤسسة آل البیت: لاحیاء التراث

طبع : مطبعة ستارة - قم

الطبعة الاولی 1419 ه-

126 - رأب الصدع = العلوم

للمرادی المقرئ ، محمّد بن منصور ( ت 290 ه- )

جمع فیه أمالی أحمد بن عیسی مع إضافات حدیثیة

ص:444

تحقیق : علیّ بن إسماعیل بن عبدالله المؤید

نشر : دار النفائس - بیروت - الطبعة الاولی

127 - رحلة ابن بطوطة = تحفة النظار فی غرائب الأمصار وعجائب الأسفار

للواتی الطنجی ، محمّد بن عبدالله بن محمّد بن إبراهیم ( ت 777 ه- )

نشر : دار الکتاب اللبنانی

128 - رحلة ابن جبیر

لابن جبیر ، محمّد بن أحمد بن جبیر الکنانی الأندلسی البلنسی ، أبی الحسین ( 614 ه- )

نشر : دار الکتاب اللبنانی

129 - الرسالة

للشافعی ، محمّد بن إدریس ، أبی عبدالله ( ت 204 ه- )

تحقیق : أحمد محمّد شاکر

القاهرة - مصر 1358 ه- - 1939 م

130 - رسائل الشریف المرتضی 1/3

للشریف المرتضی ، علیّ بن الحسین بن موسی ، أبی القاسم ( ت 436 ه- )

تحقیق : السید مهدی الرجائی

نشر : دار القرآن - إیران

الطبعة الاولی 1405 ه-

131 - روح المعانی 1/30 فی 15 مجلداً

للآلوسی البغدادی ، شهاب الدین السیّد محمود ، أبی الفضل ( ت 1270 ه- )

عنی بنشره وتصحیحه والتعلیق علیه : محمود شکری الالوسی

طبع : ادارة الطباعة المنیریة - اوفسیت دار احیاء التراث العربی - بیروت

ص:445

الطبعة الرابعة 1405 ه- - 1985 م

132 - الروض الأُنف فی تفسیر السیرة النبویة لابن هشام

للسهیلی الخثعمی ، عبدالرحمن بن عبدالله ( ت 581 ه- )

تحقیق : مجدی منصور الشوری

نشر : دار الکتب العلمیة ، بیروت

الطبعة الاولی 1418 ه- - 1997 م

133 - الروض النضیر

للسیاغی ، شرف الدین ، الحسین بن أحمد ( ت 1221ه- )

نشر : مکتبة المؤید - الطائف الطبعة الثانیة

134 - الروضتین فی أخبار الدولتین النوریة والصلاحیة 1/4

لابی شامه المقدسی ، شهاب الدین عبدالرحمن بن إسماعیل بن إبراهیم ( ت 665 ه- )

تحقیق : إبراهیم الزیبق

نشر : مؤسسة الرسالة - بیروت

الطبعة الاولی 1997 م

135 - زاد المسیر فی علم التفسیر

للجوزی القرشی ، جمال الدین عبدالرحمن بن علیّ بن محمّد أبی الفرج ( ت 597 ه- )

تحقیق : محمّد بن عبدالرحمن بن عبدالله

نشر : دار الفکر - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1407 ه-

136 - زبدة الحلب من تاریخ حلب 1/2

ص:446

لابن العدیم ، کمال الدین ، عمر بن أحمد بن أبی جرادة ( ت 660 ه- )

تحقیق : سهیل زکار

نشر : دار الکتاب العربی - دمشق والقاهرة

الطبعة الاولی 1418 ه- - 1997 م

137 - سبل السلام 1/4 فی مجلدین

للصنعانی ، محمّد بن إسماعیل الکحلانی المعروف بالأمیر - ( ت 1182 ه- )

تحقیق : محمّد عبدالعزیز الخولی

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت

الطبعة الرابعة 1379 ه- - 1960 م

138 - سبل الهدی والرشاد

للصالحی الشامی ، محمّد یوسف ( ت 942 ه- )

تحقیق : الشیخ عادل أحمد عبدالموجود ، والشیخ علیّ محمّد معوض

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1414 ه-

139 - سعد السعود

لابن طاووس ، علیّ بن موسی بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، رضی الدین ، أبی القاسم ( ت 664 ه- )

نشر : المطبعة الحیدریة - النجف

الطبعة الاولی 1369 ه-

140 - سفر نامه حکیم ناصر خسرو قبادیانی ( ت 4530 ه- ) (باللغة الفارسیة)

تصحیح : غنی زاده

ص:447

نشر : انتشارات منوجهری

المطبعة : کلشن السنة : 1372 ه- ش

141 - سمط النجوم العوالی فی أنباء الأوائل والتوالی 1/4

للعصامی المکی ، عبد الملک بن حسین بن عبد الملک الشافعی ( ت 1111 ه- )

تحقیق : الشیخ عادل أحمد عبدالموجود والشیخ علیّ محمّد معوض

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1419 ه- - 1998 م

142 - سنن أبی داود 1/4

للسجستانی الازدی ، سلیمان بن الأشعث أبی داود ( ت 275 ه- )

تحقیق : محمّد محیی الدین عبدالحمید

نشر : المکتبة العصریة - بیروت

143 - سنن ابن ماجة 1/2

للقزوینی ، محمّد بن یزید أبی عبدالله ( ت 275 ه- )

تحقیق : محمّد فؤاد عبدالباقی

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

144 - سنن الترمذی 1/5

للترمذی ، محمّد بن عیسی بن سورة ، أبی عیسی ( ت 297 ه- )

تحقیق وشرح : أحمد محمّد شاکر

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت 1357 ه- - 1938 م

145 - السنن الکبری 1/10 ( رحلی )

للبیهقی ، أحمد بن الحسین بن علیّ أبی بکر ( ت 458 ه- )

ص:448

نشر : دار المعرفة - بیروت

146 - سنن النسائی 1/8 فی أربعة مجلدات

للنسائی ، أحمد بن شعیب بن علیّ بن بحر ، أبی عبدالرحمن ( ت 303 ه- )

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت

147 - سیر أعلام النبلاء 1/25 ( مع الفهارس )

للذهبی ، شمس الدین محمّد بن أحمد بن عثمان ( ت 748 ه- - 1374 م )

تحقیق : شعیب الارنؤوط ، محمّد نعیم العرقسوسی

نشر : مؤسسة الرسالة - بیروت - لبنان

الطبعة الرابعة 1406 ه- - 1986 م

148 - السیرة الحلبیة فی سیرة الأمین المأمون 1/3 ( رحلی )

للحلبی ، علیّ بن برهان الدین ( ت 1044 ه- )

نشر : دار المعرفة - بیروت

الطبعة الاولی 1400 ه-

149 - السیرة النبویة = سیرة ابن هشام 1/4

لابن هشام الحمیری ، عبدالملک بن هشام بن أیوب ( ت 213 ه- أو 218 ه- )

تحقیق : مصطفی السقا ، إبراهیم الابیاری ، عبدالحفیظ شلبی

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت - لبنان

150 - السیرة النبویة = سیرة ابن کثیر

لأبی الفداء ، إسماعیل بن کثیر ( ت 774 ه- )

تحقیق : مصطفی عبدالواحد

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت - لبنان

ص:449

151 - شذرات الذهب فی أخبار من ذهب 1/8 فی أربعة مجلدات

للحنبلی ، عبدالحی ابن العماد ، أبی الفلاح ( ت 1089 ه- )

نشر : دار الافاق الجدیدة - بیروت - لبنان

152 - شرح التجرید

للقوشجی ، علاء الدین ( ت 879 ه- )

نشر : منشورات الرضی - ایران - قم

153 - شرح الأخبار فی فضائل الأئمّة الأطهار 1/3

للتمیمی المغربی ، النعمان بن محمّد أبی حنیفة ( ت 363 ه- )

تحقیق : السیّد محمّد حسین الجلالی

نشر : مؤسسة النشر الإسلامی - قم - إیران

الطبعة الاولی 1409 ه-

154 - شرح صحیح مسلم للإمام النووی 1/16 فی 8 مجلدات

للنووی الشافعی ، یحیی بن شرف ، محیی الدین ، أبی زکریا ( ت 676 ه- )

راجعه : الشیخ خلیل المیس

نشر : دار القلم - بیروت

الطبعة الاولی 1407 ه- - 1987 م

155 - الشرح الکبیر ( المطبوع بهامش المغنی ) 1/12

لابن قدامة المقدسی ، عبدالرحمن بن أبی عمر ، شمس الدین ، أبی الفرج ( ت 682 ه- )

طبعة جدیدة بالأوفسیت ، طبع دار الکتاب العربی - بیروت.

156 - شرح الزرقانی علی موطا الإمام مالک 1/4

للزرقانی ، محمد (ت ه-)

ص:450

نشر : دار الجیل - بیروت

157 - شرح المقاصد

للتفتازانی ، مسعود بن عمر بن عبدالله ، الشهیر بسعد الدین ( ت 793 ه- )

تحقیق : عبدالرحمن عمیرة

نشر : منشورات الشریف الرضی - قم - إیران

الطبعة الاولی 1409 ه- - 1989 م

158 - شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 1/20 فی عشرة مجلدات

لابن أبی الحدید المدائنی ، عز الدین بن هبة الله بن محمّد بن محمّد بن الحسین بن أبی الحدید ، أبی حامد ( ت 655 ه- أو 656 ه- )

تحقیق : محمّد أبی الفضل إبراهیم

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت

الطبعة الثانیة 1385 ه- - 1965 م

159 - الشفا بتعریف حقوق المصطفی

للحصبی ، عیاض ، أبی الفضل ( ت 544 ه- )

نشر : دار الفکر - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1409 ه- - 1988 م

160 - شواهد التنزیل لقواعد التفضیل 1/3

للحسکانی ، عبدالله بن عبدالله بن أحمد المعروف بالحاکم

( من أعلام القرن الخامس )

تحقیق : الشیخ محمّد باقر المحمودی

نشر : مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامی - طهران - إیران

ص:451

الطبعة الاولی 1411 ه- - 1990 م

161 - صبح الاعشی فی صناعة الإنشا 1/14

القلقشندی ، أحمد بن علیّ ( ت 821 ه- )

تحقیق : نبیل خالد الخطیب

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1407 ه- - 1987 م

162 - صحیح ابن حبان بترتیب ابن بلبان

لابن بلبان الفارسی ، علاء الدین علیّ بن بلبان ( ت 739 ه- )

تحقیق : شعیب الارنؤوط

نشر : مؤسسة الرسالة - بیروت

الطبعة الثالثة 1418 ه- - 1997 م

163 - صحیح ابن خزیمة 1/4

لابن خزیمة السلمی النیسابوری ، محمّد بن إسحاق بن خزیمة ، أبی بکر ( ت 311 ه- )

حققه وعلق علیه : الدکتور محمّد مصطفی الأعظمی

نشر : المکتب الإسلامی - بیروت

الطبعة الثانیة 1412 ه- - 1992 م

164 - صحیح البخاری 1/9 فی اربعة مجلدات

للبخاری ، محمّد بن إسماعیل بن إبراهیم ، أبی عبدالله ( ت 256 ه- )

شرح وتحقیق : الشیخ قاسم الشماعی الرفاعی

نشر : دار القلم - بیروت

الطبعة الاولی 1407 ه- - 1987 م

ص:452

165 - صحیح مسلم 1/4

للقشیری النیسابوری ، مسلم بن الحجاج ، أبی الحسین ( ت 261 ه- )

تحقیق : محمّد فؤاد عبدالباقی

نشر : دار الفکر - بیروت

الطبعة الثانیة 1389 ه- - 1978 م

166 - صحیفة الإمام الرضا علیه السلام

تحقیق : الشیخ محمّد مهدی نجف

نشر : المؤتمر العالمی للإمام الرضا علیه السلام

طبع الاستانة الرضویة - مشهد 1406 ه-

167 - الصراط المستقیم إلی مستحقی التقدیم 1/3

للبیاضی ، علیّ بن یونس العاملی النباطی ، أبی محمّد ( ت 877 ه- )

تحقیق : محمّد باقر البهبودی

نشر : المکتبة المرتضویة لاحیاء الاثار الجعفریة - إیران

168 - الصواعق المحرقة

للیهثمی المکی ، أحمد بن حجر ( ت 899 ه- )

نشر : مکتبة القاهرة - مصر

169 - الضعفاء الکبیر 1/4

للعقیلی المکی ، محمّد بن عمرو بن موسی بن حماد أبی جعفر ( ت 322 ه- )

تحقیق : عبدالمعطی أمین قلعجی

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الثانیة 1418 ه-

170 - الضعفاء والمتروکین

ص:453

للذهبی الدمشقی ، شمس الدین بن عثمان بن قایماز ( ت 748 ه- )

نشر : دار القلم - بیروت

الطبعة الاولی 1408 ه- - 1988 م

171 - طب الأئمّة

للنیسابوریَّین ، عبدالله بن سابور الزیات ، والحسین بن بسطام ( ت 262 ه- ) النیسابوریین

نشر : منشورات الرضی - قم - إیران

الطبعة - الثانیة 1363 بالاوفسیت عن المطبعة الحیدریة - النجف الاشرف - العراق سنة 1385 ه- - 1965 م

172 - طبقات أعلام الشیعة

للطهرانی ، آغا بزرک ( ت ه- )

تحقیق ولده : علیّ نقی منزوی

نشر : مؤسسة اسماعیلیان ، قم - إیران

الطبعة الثانیة

173 - الطبقات الکبری = طبقات ابن سعد 1/9

لابن سعد ، محمّد بن سعد کاتب الواقدی ( ت 230 ه- )

قدم له : الدکتور إحسان عباس

نشر : دار بیروت للطباعة والنشر - بیروت

1405 ه- - 1985 م

174 - العبر فی خبر من غبر

للذهبی ، محمّد بن أحمد بن عثمان بن قایماز ( ت 748 ه- )

تحقیق : صلاح الدین المنجد

ص:454

نشر : مطبعة حکومة الکویت

الطبعة الثانیة ( مصورة) ، 1948 م

175 - علل الشرایع

للصدوق ، محمّد بن علیّ بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی ، أبی جعفر ( ت 381 ه- )

قدم له : السیّد محمّد صادق بحر العلوم

نشر : منشورات المکتبة الحیدریة - النجف

الطبعة الثانیة 1385 ه- - 1966 م

أعادت طباعته مکتبة الداوری - قم - إیران

176 - العلل ومعرفة الرجال 1/4

لاحمد بن محمّد بن حنبل ( ت 241 ه- )

تحقیق : وصی الله بن محمّد عباس

نشر : المکتب الإسلامی - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1408 ه- - 1988 م

177 - عمدة القارئ 1/25 فی 12 مجلد

للعینی بدر الدین محمود بن احمد (ت 855 ه-)

نشر : دار الفکر - بیروت 1415 ه 1995 م .

178 - عون المعبود 1/14

شرح سنن ابی داود

للعظیم ابادی ، محمد شمس الحق (ت ه-)

179 - عیون أخبار الرضا 1/2

للصدوق ، محمّد بن علیّ بن الحسین بن موسی بن بابویه القمیّ ، أبی جعفر

ص:455

( ت 381 ه- )

من منشورات المطبعة الحیدریة - النجف أوفسیت منشورات الاعلمی - طهران 1390 ه- - 1970 م

180 - الغریبین فی القرآن والحدیث

للهروی ، أحمد بن محمّد صاحب الأزهری - أبی عبید ( ت 401 ه- )

تحقیق : أحمد فرید المزیدی

نشر : المکتبة العصریة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1419 ه- - 1999 م

181 - الغدیر فی الکتاب والسنة والادب 1/11

للأمینی النجفی ، عبدالحسین أحمد ( ت 1392 ه- )

نشر : دار الکتاب العربی - بیروت - لبنان

الطبعة الثالثة 1387 ه- - 1967 م

182 - الغیبة

للنعمانی ، محمد بن إبراهیم بن جعفر المعروف بابن أبی زینب ( ت 380 ه- )

نشر : مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1403 ه- - 1983 م

183 - فتح الباری بشرح صحیح البخاری 1/13

للعسقلانی ، أحمد بن علیّ بن محمّد شافع شهاب الدین ، أبی الفضل ( ت 852 ه- )

طبع : المطبعة البهیة بمصر ، طبعة 1348 ه-

أوفسیت : دار إحیاء التراث العربی - بیروت 1408 ه- - 1988 م

ص:456

184 - فتح الباری شرح صحیح البخاری 1/7

لابن رجب الحنبلی زین الدین عبدالرحمن بن شهاب الدین البغدادی الدمشقی (ت 795 ه-)

تحقیق : طارق بن عوض الله بن محمد

نشر : دار ابن الجوزی / المملکة العربیة السعودیة

الطبعة الاولی 1417 ه- - 1996

185 - فتح المعین بشرح قرة العین 1/4 فی مجلدین

للملیباری الشافعی ، زین الدین بن عبدالعزیز (ت ه-)

مطبوع بهامش اغاثة الطالبیین

نشر : دار احیاء التراث العربی / بیروت

186 - فتح المالک علی موطأ الإمام مالک 1/10

لابن عبدالبر النمری القرطبی المالکی ، جمال الدین یوسف بن عمر بن عبدالبر ، أبی عمر ( ت 463 ه- )

تحقیق : الاستاذ الدکتور مصطفی صمیدة

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1418 ه- - 1998 م

187 - الفتوح 1/3

لابن اعثم الکوفی ، أحمد بن أعثم ، أبی محمّد ( ت نحو 314 ه- )

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1406 ه- - 1986 م

188 - الفتوحات الربانیة علی الأذکار النوویة 1/2

للصدیقی الشافعی ، محمّد بن علان ( ت 1057 ه- )

ص:457

نشر : المکتبة الإسلامیّة ، مصر

أوفسیت دار إحیاء التراث العربی - بیروت - لبنان

189 - الفتوحات المکیة

لابن عربی الحاتمی الطائی ، محمّد بن علیّ ( ت 638 ه- )

نشر : دار صادر - بیروت - لبنان

190 - الفردوس بمأثور الخطاب 1/

للدیلمی الهمدانی ، شیرویه بن شهردار بن شیرویه ، أبی شجاع الملقب « الکیا » ( ت 509 ه- )

تحقیق : السعید بن بسیونی زغلول

دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1406 ه- - 1986 م

191 - فضائل الصحابة 1/2

لاحمد بن حنبل ( ت 241 ه- )

تحقیق : وصی الله محمّد عباس

نشر : مؤسسة الرسالة ، بیروت

الطبعة الاولی 1403 ه- - 1983 م

192 - فضل الصلاة علی النبیّ

للجضمی القاضی المالکی ، إسماعیل بن إسحاق ( ت 282 ه- )

تحقیق : محمّد ناصر الدین الالبانی

المرکز الإسلامی - بیروت

الطبعة الثالثة 1397 ه-

193 - فیض القدیر شرح جامع الصغیر 1/6

ص:458

للمناوی ، محمّد المدعو بعبدالروؤف ( ت 1331 ه- )

نشر : دار الفکر - بیروت - لبنان 1391 ه- - 1972 م

الطبعة الثانیة

194 - الکافی 1/8

للکلینی ، محمّد بن یعقوب بن إسحاق ( أبی جعفر ) ( ت 329 ه- )

صححه وقابله : الاستاذ علیّ أکبر الغفاری

نشر : دار الکتب الإسلامیّة - طهران

الطبعة الثانیة

195 - الکامل فی التاریخ 1/9

لابن الأثیر الجزری ، محمّد بن محمّد بن عبدالکریم بن عبدالواحد الشیبانی ( ت 630 ه- )

نشر : دار الکتاب العربی - بیروت

الطبعة الثالثة 1400 ه- - 1980 م

196 - الکامل فی ضعفاء الرجال 1/8

لابن عدی الجرجانی ، عبدالله بن عدی ، أبی أحمد ( ت 360 ه- )

تحقیق : سهیل زکار

نشر : دار الفکر - بیروت - لبنان

الطبعة الثالثة 1409 ه- - 1988 م

197 - کشف الخفاء ومزیل الإلباس عما اشتهر من الأحادیث علی ألسنة الناس

للعجلونی ، اسماعیل بن محمّد ( ت 1162 ه- )

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الثالثة 1408 ه- - 1988 م

ص:459

198 - کشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغراء

لکاشف الغطاء ، الشیخ جعفر النجفی ( ت 1228 ه- )

نشر : انتشارات مهدوی - اصفهان - إیران

طبعة حجریة

199 - کشف الغمة عن جمیع الأمة 1/2

للشعرانی ، عبدالوهاب ( ت 973 ه- - 1565 م )

نشر : المکتبة العلمیة - بیروت

200 - کشف الغمة فی معرفة الأئمّة 1/2

للاربلی ، علیّ بن عیسی بن أبی الفتح ( ت 693 ه- )

تعلیق : هاشم الرسولی

اهتم بطبعة الحاج السیّد علیّ بنی هاشمی

201 - کشف الیقین فی فضائل أمیر المؤمنین

للحلی ، الحسن بن یوسف بن المطهر ( ت 726 ه- )

تحقیق : حسن الدرکاهی

الطبعة الاولی 1411 ه- - إیران

202 - کفایة الأثر فی النص علی الأئمّة الاثنی عشر

للخزاز القمیّ ، علیّ بن محمّد بن علیّ الخزاز ، أبی القاسم ( من أعلام القرن الرابع )

تحقیق : عبداللطیف الحسینی الکوه کمری النحوی

نشر : انتشارات بیدار - قم - إیران

الطبعة الاولی 1401 ه-

203 - کمال الدین وتمام النعمة

ص:460

لابن بابویه القمّی ، محمد بن علیّ بن الحسین بن بابویة ، أبی جعفر ( ت 381 ه- )

تعلیق : علیّ أکبر الغفاری

نشر : مکتبة الصدوق - طهران - إیران

204 - کنز العرفان فی فقه القرآن

للسیوری ، جمال الدین المقداد بن عبدالله ( ت 826 ه- )

نشر : المکتبة المرتضویة لاحیاء الأثار الجعفریة - قم - إیران

الطبعة الاولی 1348 ه-

205 - کنز العمال 1/16

للمتقی الهندی ، علاء الدین علیّ المتقی بن حسام الدین البرهان فوری ( ت 975 ه- )

ضبطه وفسر غریبه : الشیخ بکری حیانی

تصحیح : الشیخ صفوة السقا

نشر : مؤسسة الرسالة - بیروت

الطبعة الخامسة 1405 ه- - 1985 م

206 - الکنز المدفون والفلک المشحون

للسیوطی ، جلال الدین عبدالرحمن ( ت 911 ه- )

نشر : المطبعة الیمینیة - مصر

الطبعة الاولی 1321 ه-

207 - لسان المیزان 1/7

للعسقلانی ، أحمد بن علیّ بن حجر أبی الفضل ( ت 852 ه- )

نشر : مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت - لبنان

ص:461

الطبعة الثالثة 1406 ه- - 1986 م

208 - مآثر الانافة فی معالم الخلافة 1/3

للقلقشندی ، أحمد بن عبدالله ، صاحب کتاب صبح الاعشی ( ت 821 ه- )

تحقیق : عبدالستار أحمد فراج

نشر : عالم الکتب - بیروت

قدم له : صلاح الدین المنجد

209 - المبسوط 1/30 فی 15 مجلد

للسرخسی ، شمس الدین ( ت 490 ه- )

قام بتصحیح الکتاب : جماعة من العلماء

نشر : دار المعرفة - بیروت 1406 ه- - 1986 م

210 - المبسوط فی فقه الإمامیة 1/10

للطوسی ، محمّد بن الحسن بن علیّ ، أبی جعفر ( ت 460 ه- )

صححه وعلّق علیه : السیّد محمّد تقی الکشفی

نشر : المکتبة الرضویة - طهران - أوفسیت عن طبعة المطبعة الحیدریة

الطبعة الثالثة 1387 ه-

211 - مجالس المؤمنین 1/2 ( باللغة الفارسیة )

للشوشتری ، القاضی نور الله المعروف بالشهید الثالث ( استشهد سنة 1010 ه- )

نشر : کتابفروشی اسلامیة ، طهران 1354 ه- ش

212 - المجروحین من المحدثین والضعفاء والمتروکین

للتمیمی البستی ، محمّد بن حبان بن أحمد بن أبی حاتم ( ت 354 ه- )

تحقیق : محمود إبراهیم زاید

ص:462

نشر : دار المعرفة ، بیروت

الطبعة الاولی 1412 ه- - 1992 م

213 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 1/10

للهیثمی ، علیّ بن أبی بکر ، نور الدین ( ت 807 ه- )

وهو بتحریر الحافظین العراقی وابن حجر

نشر : دار الکتاب العربی - بیروت

الطبعة الثالثة 1402 ه- - 1982 م

214 - المجموع شرح المهذب 1/20

للنووی ، محیی الدین بن شرف ، أبی زکریا ( ت 676 ه- )

طبع : دار الفکر - بیروت

215 - المحاسن 1/2

للبرقی ، أحمد بن محمّد بن خالد ، أبی جعفر ( ت 274 ه- أو 280 ه- )

تحقیق : السیّد مهدی الرجائی

نشر : المعاونیة الثقافیة للمجمع العلمی لأهل البیت: - قم - إیران

الطبعة الاولی 1413 ه-

216 - المحرر الوجیز فی کتاب الله العزیز 1/4

لابن عطیة الاندلسی ، عبدالحق بن غالب بن عطیه ، أبی محمّد ( ت 546 ه- )

تحقیق : عبدالسلام عبدالشافی محمّد

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 413 - 1993 م

217 - المحصول فی علم أصول الفقه 1/2

لفخر الدین الرازی ، محمّد بن عمر بن الحسین ( ت 606 ه- )

ص:463

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة 1408 ه- - 1988 م

218 - المحلی 1/11

لابن حزم الاندلسی ، علیّ بن أحمد بن سعید بن حزم ، أبی محمد ( ت 456 ه- )

تحقیق : لجنة احیاء التراث العربی

نشر : دار الافاق الجدیدة - بیروت

219 - مختصر إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانید العشرة 1/11

للبوصیری ، أحمد بن أبی بکر بن إسماعیل الکنانی الشافعی ، شهاب الدین ، أبی العبّاس ( ت 840 ه- )

تحقیق : سید کروی حسن

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1417 ه- - 1996 م

220 - مختصر تاریخ دمشق لابن عساکر 1/29

لابن منظور ، محمّد بن مکرم ( ت 711 ه- )

تحقیق : أحمد راتب ومحمّد ناجی العمر

نشر : دار الفکر - دمشق

الطبعة الاولی 1409 ه- - 1988 م

221 - مدارک الأحکام 1/8

للعاملی ، السیّد محمّد بن علیّ الموسوی ( ت 1009 ه- )

تحقیق : مؤسسة آل البیت: لاحیاء التراث - مشهد المقدسة

طبع فی مطبعة مهر - قم

ص:464

الطبعة الاولی 1410 ه-

222 - مرآة الجنان وعبرة الیقظان 1/4

للیافعی ، عبدالله بن أسعد بن علیّ بن سلیمان الیمنی المکی ( ت 768 ه- )

نشر : منشورات الأعلمی للمطبوعات - بیروت

الطبعة الثانیة 1390 ه- - 1970 م

أوفسیت عن مطبعة دائرة المعارف النظامیة - حیدرآباد - الدکن سنة 1338 ه-

223 - المراسیل

لابن أبی حاتم الرازی ، عبدالرحمن بن محمّد بن إدریس ( 327 ه- )

تحقیق : أحمد عصام الکاتب

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1403 ه- - 1983 م

224 - مروج الذهب ومعادن الجوهر 1/4

للمسعودی ، علیّ بن الحسین بن علیّ ، أبی الحسن ( ت 346 ه- )

وضع فهارسها : یوسف أسعد داغر

الطبعة الثانیة - دار الهجرة - 1404 ه- - 1984 م

أوفسیت عن الطبعة الاولی 1385 ه- - 1965 م

225 - مستدرک سفینة البحار 1/10

للنمازی الشاهرودی ، الشیخ علیّ ( معاصر )

نشر : قسم الدراسات الإسلامیّة فی مؤسسة البعثة

الطبعة الاولی 1409 ه-

226 - المستدرک علی الصحیحین 1/4

للحاکم النیسابوری ، محمّد بن عبدالله ، أبی عبدالله ( ت 405 ه- )

ص:465

نشر : دار الفکر - بیروت

1398 ه- - 1978 م

227 - مستدرک الوسائل 1/18

للطبرسی النوری ، الحاج میرزا حسین ( ت 1320 ه- )

نشر وتحقیق : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - إیران

الطبعة الاولی 1407 ه-

228 - المسترشد فی امامة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام

للطبری ، محمّد بن جریر بن رستم ( ت اوائل القرن الرابع الهجری )

تحقیق : الشیخ أحمد المحمودی

نشر : المؤسسة الثقافیة الإسلامیّة طبع فی قم - إیران

الطبعة الاولی

229 - مسند أبی داود الطیالسی

للطیالسی ، أبی داود ( ت 204 ه- )

نشر : دار الحدیث - بیروت

230 - مسند أبی عوانة

لابی عوانه الاسفرایینی ، یعقوب بن إسحاق ( ت 316 ه- )

تحقیق : أیمن بن عارف الدمشقی

نشر : دار المعرفة - بیروت

الطبعة الاولی 1998 م

231 - مسند أحمد 1/6 ( رحلی )

لاحمد بن حنبل ، ( ت 241 ه- )

نشر : دار صادر - بیروت

ص:466

232 - مسند زید بن علی

لزید بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب ( ت 121 ه- )

جمعه : عبدالعزیز بن إسحاق البغدادی

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

233 - مسند الشافعی

للشافعی ، محمّد بن إدریس ، أبی عبدالله ( ت 204 ه- )

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

اُوفسیت عن مطبعة بولاق الامیریة

234 - مشارق انوار الیقین فی أسرار أمیر المؤمنین

علیه السلام

للبرسی ، رجب ( ت 813 ه- )

نشر : منشورات الشریف الرضی - قم - إیران

الطبعة الاولی 1414 ه-

235 - المصنّف 1/11

للصنعانی ، عبدالرزاق بن همام ، أبی بکر ( ت 211 ه- )

عنی بتحقیقه وتخریج أحادیثه والتعلیق علیه : الشیخ حبیب الرحمن الأعظمی

من منشورات المجلس العلمی - بیروت

236 - مصنفات الشیخ المفید 1/14

للمفید ، محمّد بن محمد بن النعمان العکبری البغدادی ، أبی عبد الله ( ت 413 ه- )

نشر : المؤتمر العالمی لألفیة المفید

الطبعة الاولی 1413 ه- - قم - إیران

237 - المصنّف فی الأحادیث والآثار 1/9

ص:467

( مصنّف بن أبی شیبة )

لابن أبی شیبة الکوفی العبسی ، عبدالله بن محمّد بن أبی شیبة ، أبی بکر ( ت 235 ه- )

ضبطه وصححه : محمّد عبدالسلام شاهین

دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1416 ه- - 1995 م

238 - المعارف

لابن قتیبة الدینوری ، عبدالله بن مسلم بن قتیبة ( ت 276 ه- )

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1407 ه- - 1987 م

239 - معانی الأخبار

للصدوق ، محمّد بن علیّ بن الحسین بن بابویة القمیّ ( ت 381 ه- )

عنی بتصحیحه : علیّ أکبر الغفاری

انتشارات اسلامی - قم

الطبعة الثانیة 1379 ه-

240 - معجم الأدباء 1/20 ( فی عشر مجلدات )

للحموی ، یاقوت بن عبدالرومی ( ت 626 ه- )

نشر : دار الفکر

الطبعة الثالثة 1400 ه- - 1980 م

241 - المعجم الاوسط 1/11

للطبرانی ، سلیمان بن أحمد ، أبی القاسم ( ت 360 ه- )

تحقیق : الدکتور محمود الطحان

ص:468

نشر : مکتبة المعارف - الریاض

الطبعة الاولی 1415 ه- - 1995 م

242 - معجم البلدان 1/5

للحموی ، یاقوت بن عبدالله الرومی البغدادی ، شهاب الدین ، أبی عبدالله ( ت 626 ه- )

نشر : دار صادر - بیروت

243 - معجم رجال الحدیث 1/24

للخوئی ، السیّد أبی القاسم الموسوی ( ت 1413 ه- )

الطبعة الخامسة 413 ه- - 1992 م

244 - المعجم الکبیر 1/25

للطبرانی ، سلیمان بن أحمد ، أبی القاسم ( ت 360 ه- )

حققه : حمدی عبدالمجید السلفی

نشر : مکتبة ابن تیمیة - القاهرة

245 - معرفة علوم الحدیث

للحاکم النیسابوری ، محمّد بن عبدالله ( ت 405 ه- )

شرح ومراجعه : سعید محمّد اللحام

نشر : دار ومکتبة الهلال - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1409 ه- - 1989 م

246 - المغنی 1/12

لابن قدامة ، عبدالله بن أحمد بن محمود بن قدامة ، موفق الدین ، أبی محمّد ( ت 630 ه- )

طبعه جدید بالاُوفسیت

ص:469

نشر دار الکتاب العربی - بیروت

247 - المغنی فی الضعفاء 1/2

للذهبی ، محمّد بن أحمد بن عثمان بن قایماز ( ت 748 ه- )

تحقیق : نور الدین عتر

248 - مقاتل الطالبین

للاصفهانی ، أبی الفرج ( ت 356 ه- )

شرح وتحقیق : السیّد أحمد صقر

نشر : دار المعرفة - بیروت

249 - المناقب = مناقب الخوارزمی

للخوارزمی ، الموفق بن أحمد بن محمّد المکی ( ت 568 ه- )

تحقیق : مالک المحمودی

نشر : مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین - قم - إیران

الطبعة الثالثة 1417 ه-

250 - المنتخب من مسند عبد بن حمید

لابی محمّد عبد بن حمید ( ت 249 ه- )

تحقیق : صبحی البدری السامرائی - محمود محمّد خلیل الصعیدی

نشر : مکتبة النهضة العربیة

الطبعة الاولی 1408 ه- - 1988 م

251 - من لا یحضره الفقیه 1/4

للصدوق ، محمد بن علیّ بن الحسین بن بابویه القمیّ ، أبی جعفر ( ت 381 ه- )

علق علیه : علیّ أکبر الغفاری

ص:470

نشر : جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة - قم - إیران الطبعة الثانیة

252 - المنتظم فی تاریخ الامم والملوک 1/16

لابن الجوزی ، عبدالرحمن بن علیّ بن محمّد ابن الجوزی ( ت 597 ه- )

تحقیق : محمّد عبدالقادر عطا - مصطفی عبدالقادر عطا - نعیم زرزور

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1413 ه- - 1992 م

253 - منهاج السنة النبویة

لابن تیمیة الحرانی ، أحمد بن عبد الحلیم بن تیمیة ، أبی العباس ( ت 728 ه- )

تحقیق : محمّد رشاد سالم

نشر : مؤسسة قرطبة - مصر

الطبعة الاولی 1406

254 - المهذب

لابن براج الطبرابلسی ، عبدالعزیز بن البراج ( ت 481 ه- )

تحقیق : الشیخ جعفر السبحانی

نشر : جامعة المدرسین - قم - إیران

الطبعة الاولی 1406 ه-

255 - المواعظ والاعتبار = الخطط المقریزیة 1/2 ( رحلی )

للمقریزی ، أحمد بن علیّ ، تقی الدین ، أبی العبّاس ( ت 745 ه- )

أوفست دار صادر - بیروت

256 - الموطأ

مالک بن أنس ( ت 179 ه- )

تحقیق : محمّد فؤاد عبدالباقی

ص:471

نشر : دار إحیاء التراث العربی - بیروت

257 - مواهب الجلیل شرح مختصر خلیل

للحطاب الرعینی ، محمّد بن محمّد بن عبدالرحمن المغربی ، أبی عبدالله ( ت 954 ه- )

تحقیق : زکریا عمیرات

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1416 ه- - 1995 م

258 - میزان الاعتدال فی نقد الرجال 1/7

للذهبی ، محمّد بن أحمد ، شمس الدین ( ت 748 ه- )

تحقیق : علیّ محمّد معوض ، عادل أحمد عبدالموجود

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1416 ه- - 1995 م

259 - النجوم الزاهرة فی ملوک مصر والقاهرة

للاتابکی ، یوسف بن تغری بردی ، أبی المحاسن ( ت 874 ه- )

نشر : المؤسسة المصریة العامة - مصر

260 - نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر 1/8

عبد الحی بن فخر الدین الحسینی ( ت 1341 ه- )

قام بمراجعته واکماله : أبو الحسن علیّ الحسنی الندوی - ابن المؤلف

نشر : مطبعة دائرة المعارف العثمانیة بحیدرآباد الدکن الهند 1402 ه-

261 - نشوار المحاضرة وأخبار المذاکرة 1/8

للتنوحی ، المحسن بن علیّ ، أبی علی ( ت 384 ه- )

تحقیق : عبود الشالجی

ص:472

الطبعة الاولی 1391 ه- - 1971 م

262 - النصائح الکافیة لمن یتولی معاویة

لمحمد بن عقیل بن عبدالله بن عمر بن یحیی العلوی ( ت 135 ه- )

الطبعة الاولی 1412 ه- - مطبعة دار الثقافة

نشر : دار الثقافة - قم - إیران

263 - نصب الرایة لأحادیث الهدایة 1/4

للزیلعی الحنفی ، عبدالله بن یوسف ، جمال الدین ، أبی محمّد ( ت 762 ه- )

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت

الطبعة الثالثة 1407 ه- - 1987 م

264 - نظم درر السمطین

للزرندی الحنفی ، محمّد بن یوسف بن الحسن بن محمّد ، جمال الدین ( ت 750ه- )

نشر : مکتبة الإمام أمیر المؤمنین7

الطبعة الاولی 1377 ه- - 1958 م

265 - نهایة الإرب فی فنون الأدب

للنویری ، أحمد بن عبدالوهاب ( ت 733 ه- )

نشر : مطبعة دار الکتب المصریة - القاهرة

الطبعة الاولی 1369 ه- - 1949 م

266 - نیل الأوطار 1/8

للشوکانی ، محمّد بن علیّ بن محمّد ( ت 1255 ه- )

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت

الطبعة الاخیرة

ص:473

267 - الهدایة شرح البدایة

للمرغینانی ، علیّ بن أبی بکر بن عبدالجلیل ، أبی الحسین ( ت 593 ه- )

نشر : المکتبة الإسلامیّة - بیروت - لبنان

268 - الوسائل إلی معرفة الاوائل

للسیوطی ، عبدالرحمن ، جلال الدین ( ت 911 ه- )

تحقیق : عبدالرحمن الجوزو

نشر : دار مکتبة الحیاة - بیروت

الطبعة الاولی 1408 ه- - 1988 م

269 - وسائل الشیعة 1/30

للحر العاملی ، الشیخ محمّد بن الحسن ( ت 1104 ه- )

تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث قم - إیران

الطبعة الاولی 1409 ه-

270 - وضوء النبی ( المدخل )

لمؤلف هذا الکتاب

نشر : مؤسسة جواد الأئمّة - مشهد - إیران

الطبعة الثانیة 1417 ه-

271 - وفاء الوفا بأخبار دار المصطفی

للسمهودی ، علیّ بن أحمد المصری ( ت 911 ه- )

تحقیق : محمّد محیی الدین عبدالحمید

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت

272 - وقعة صفین

للمنقری ، نصر بن مزاحم ( ت 212 ه- )

ص:474

تحقیق وشرح : عبدالسلام محمّد هارون

نشر : مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی - قم - إیران

الطبعة الاولی 1403 ه-

273 - وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان 1/8

لابن خلّکان ، أحمد بن محمّد بن أبی بکر بن خلکان ، شمس الدین ، أبی العبّاس ( ت 681 ه- )

تحقیق : احسان عباس

نشر : دار الثقافة - بیروت

274 - ینابیع المودة لذوی القربی

للقندوزی الحنفی ، سلیمان بن إبراهیم ( ت 1294 ه- )

تحقیق : علیّ جمال أشرف الحسینی

نشر : دار الأسوة للطباعة والنشر

الطبعة الاولی 1416 ه-

275 - الیواقیت والضرب فی تاریخ حلب

المنسوب إلی إسماعیل أبی الفداء ( ت 732 ه- )

المحقّقان : محمّد کمال وفالح البکور

نشر : دار القلم - حلب - سوریا

الطبعة الاولی 1410 ه- - 1989 م

ص:475

الفهرس

مقدّمة المؤلف 7

بحوث تمهیدیة / 13

الأذان لغة واصطلاحاً 23

تاریخ الأذان 25

بدء الأذان عند أهل السنّة والجماعة 27

أهل البیت وبدء الأذان 41

الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام ( ت 40 ه- ) : 41

الإمام الحسن بن علیّ علیه السلام ( ت 50 ه- ) : 42

الإمام الحسین بن علیّ علیه السلام ( ت 61 ه- ) : 43

محمّد بن علی بن أبی طالب ( ابن الحنفیّة ت 73 - 93 ه- ) : 44

الإمام علیّ بن الحسین زین العابدین علیه السلام ( ت 94 ه- ) وابنه زید : 46

الإمام محمّد بن علیّ الباقر علیه السلام ( ت 114 ه- ) : 47

الإمام جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام ( ت 148 ه- ) : 50

الإمام علیّ بن موسی الرضا علیه السلام ( ت 204 ه- ) : 55

ص:476

وقفة مع أحادیث الرؤیا 59

تحقیق فی ما وراء نظریّة الرؤیا 73

مع الرسول ورؤیاه 83

المجتهدون الأوائل ودورهم فی التشریع : 86

المجتهدون الأوائل والأذان ! 93

الأمویّون والأذان 96

الأمویّون ورسول الله 100

الله جلّ وعلا ورفعه لذکر الرسول صلی الله علیه و آله . 109

أهل البیت ورفع ذکر رسول الله 112

القدرة الإلهیّة وفشل المخطّطات 120

مَنْ هم الثلاثة أو الأربعة ؟ 127

مطلبان 147

1 - الأذان إعلام للصلاة أم بیان لأصول العقیدة ؟ 149

الأذان وآثاره فی الحیاة الاجتماعیة 161

الأذان والمولود 161

الأذان والعقم 162

الأذان والمرض 162

الأذان وسعة الرزق 163

الأذان ووجع الرأس 163

الأذان وسوء الخُلق 163

الأذان وطرد الشیطان 164

الأذان والغول 164

2 - توقیفیّة الأذان 165

الخلاصة 169

ص:477

البابُ الأَوَّل

حیَّ عَلی خَیْرِ العَمَلِ

الشرعیة والشعاریة

الفصل الأول: فی جزئیة حیَّ علی خیر العمل 177

القسم الأوّل : اتّفاق الفریقین علی أصل شرعیّتها 181

وقفة مع الحدیثَین 186

مع ما رواه الطبرانی والبیهقی عن بلال 189

مع ما رواه الحافظ العلوی عن بلال 194

مع ما رواه السری عن أبی محذورة 196

القسم الثانی : تأذین الصحابة وأهل البیت 207

1 - بلال بن رباح الحبشی ( ت 20 ه- ) 207

2 - علی بن أبی طالب ( ت 40 ه- ) 208

3 - أبو رافع ( کان حیّاً فی عهد الإمام الحسن ) 215

4 - عقیل بن أبی طالب ( ت فی خلافة معاویة ) 215

5 - الحسن بن علیّ بن أبی طالب ( ت 50 ه- ) 215

6 - أبو محذورة ( ت 59 وقیل 79 ه- ) 216

7 - الحسین بن علیّ بن أبی طالب ( ت 61 ه- ) 220

8 - زید بن أرقم ( ت ما بین 66 إلی 68 ه- ) 221

9 - عبدالله بن عبّاس ( ت ما بین 68 إلی 70 ه- ) 221

10 - عبدالله بن عمر ( ت 73 وقیل 74 ه- ) 222

11 - جابر بن عبدالله ( ت 68 إلی 79 ه- ) 230

12 - عبدالله بن جعفر ( ت 80 وقیل 90 ه- ) 231

ص:478

13 - محمد بن علی بن أبی طالب ( ت ما بین 73 - 93 ه- ) 231

14 - أنس بن مالک ( ت ما بین 91 إلی 93 ه- ) 231

15 - علیّ بن الحسین بن علیّ ( ت 94 ه- ) 233

16 - أبو أمامة بن سهل بن حُنیف ( ت 100 ه- ) 244

17 - محمّد بن علیّ الباقر ( ت 114 ه- ) 245

18 - زید بن علیّ ( ت 121 ه- ) 247

19 - یحیی بن زید بن علیّ ( ت 125 ه- ) 248

20 - محمّد بن زید بن علیّ ( لم نقف علی وفاته ) 249

21 - محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب ( ت 135 ه- ) 249

22 - إبراهیم بن عبدالله بن الحسن ( ت 145 ه- ) 250

23 - جعفر بن محمّد الصادق ( ت 148 ه- ) 251

24 - الحسین بن علیّ صاحب فَخّ ( ت 169 ه- ) 252

25 - موسی بن جعفر الکاظم ( ت 183 ه- ) 254

26 - علیّ بن موسی الرضا ( ت 203 ه- ) 254

27 - علیّ بن جعفر بن محمّد بن علیّ ( ت 210 ه- ) 254

28 - أحمد بن عیسی ( ت 247 ه- ) 255

29 - الحسن بن یحیی بن الحسین بن زید بن علیّ (ت260 ه-) 255

القسم الثالث: إجماع العترة 257

الفصل الثانی: حذف الحیعلة، وامتناع بلال عن التأذین 269

الفصل الثالث: حیّ علی خیر العمل دعوة إلی الولایة 289

بعض أدلّة الولایة 295

عَود علی بدء 314

ما وراء حذف الحیعلة الثالثة 317

ص:479

الفصل الرابع : حیّ علی خیر العمل، تاریخها العقائدی والسیاسی 329

زید بن علیّ بن الحسین « 122 ه- » 341

یحیی بن زید بن علیّ بن الحسین « 125 ه- » 342

إبراهیم بن عبدالله بن الحسن « 145 ه- » 342

الحسین بن علیّ ( صاحب فَخّ ) « 169 ه- » 342

طبرستان ( سنة 250 ه- ) 345

حمص / مصر / بغداد ( سنة 290 ه- ) 348

الأندلس « ما بعد سنة 300 ه- » 354

حلب / مصر ( سنة 347 ه- ) 354

القاهرة ( سنة 356 ه- ) 357

القاهرة ( سنة 358 ه- ) 358

جامع ابن طولون / مصر ( سنة 359 ه- ) 361

دمشق ( سنة 360 ه- ) 363

حلب ( سنة 367 ه- ) 366

ملتان - الهند (قبل سنة 380 ه-) 367

مصر ( سنة 393 ه- ) 368

الیمامة ( سنة 394 ه- ) 369

المدینة / مصر ( سنة 400 ه- ) 370

بغداد ( سنة441 - 442 ه- ) 372

بغداد ( سنة 443 ه- ) 373

بغداد (سنة 444 - 445 ه-) 376

بغداد ( سنة 448 ه- ) 377

بغداد ( سنة 450 ه- ) 380

مکة / حلب ( سنة 462 ه- ) 382

ص:480

الشام ( سنة 468 ه- ) 384

مصر ( سنة 478 ه- ) 386

مصر ( سنة 524 ه- ) 387

حلب ( سنة 543 ه- ) 391

حلب ( سنة 552 ه- ) 393

مصر ( سنة 565 ه- ) 394

مصر ( سنة 567 ه- ) 395

حلب ( سنة 570 ه- ) 395

مکّة ( سنة 579 ه- ) 397

مکّة ( سنة 582 ه- ) 397

مکّة ( سنة 617 ه- ) 398

مکّة ( سنة 702 ه- ) 398

إیران (سنة 707 ه- تقر یباً) 398

المدینة ] القرن الثامن [ 399

القطیف ( سنة 729 ه- ) 399

مکّة ( سنة 793 ه- ) 400

صنعاء ( سنة 900ه- تقریباً ) 400

حضرموت ( سنة 1070 ه- ) 401

نجد ( سنة 1224 ه- ) 402

النتیجة 403

الخلاصة 416

وفی الختام 418

ثبت المصادر 419

الفهرس 475

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.